Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أردوغان على المحك بخصوص صواريخ أس – 400

الصفقة قد تؤدي الى احتمال فرض عقوبات طويلة الأجل لن تنحصر بالمجال العسكري

أصدر نائب وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان (Patrick Shanahan) يوم 6 يونيو(حزيران) رسالة قوية اللهجة، يحذر فيها أنقرة من عواقب شراء صواريخ S-400 من روسيا.

ولكن هذه الرسالة لا تُعتبر بداية محنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قضية هذه الصواريخ، بل إن الأمر يعود إلى ما قبل ذلك بكثير.

  في مايو (أيار) 2010، انطلقت سفينة "مافي مرمرة" من تركيا وهي تحمل مساعدات إلى غزة، ولكنها تعرضت لهجوم من قِبل القوات المسلحة الإسرائيلية بحجة أنها "قد انتهكت المياه الإقليمية"، فقُتل تسعة نشطاء وأُصيب حوالى 30 آخرين. وفي مغبة ذلك، شن أردوغان - الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك - وفريق عمله حرباً كلامية عنيفة ضد إدارة تل أبيب، مما دفع بالجماهير المتعاطفة مع القضية الفلسطينية في داخل تركيا وخارجها إلى التفكير أن أردوغان هو المدافع الرئيس عن القضية الفلسطينية.

وكان لهذه الخطابات العنيفة ضد إسرائيل مردود سياسي كبير، حصده حزب العدالة والتنمية في كل الانتخابات التي خاضها إلى عام 2015. وبفضل هذه التصور الذي فرضه على الرأي العام المتعاطف مع القضية الفلسطينية، استطاع أن يحصل على أصواتهم وتأييدهم في صناديق الاقتراع.

ولكن المفارقة العجيبة أن حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل الذي كان بحدود 1.5 مليار دولار قبل حادثة "مافي مرمرة"، قفز إلى حوالى 6 مليار دولار، مما جعل كثيرين من المراقبين يَعتبرون اهتمام أردوغان بالقضية الفلسطينية وبالأخص الوضع في غزة وما يتعلق بذلك من حادثة "مافي مرمرة"، على أنه عبارة عن استثمار انتخابي يهدف إلى جلب المزيد من الأصوات في الانتخابات.

في هذا السياق، نستطيع القول إن هناك تشابهاً كبيراً بين حادثة "مافي مرمرة" التي أدت إلى حدوث أزمة شكلية مع إسرائيل، وبين حادثة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا.

ويُذكر أن أنقرة كانت تخطط للحصول على أنظمة الدفاع الجوي من الصين، لكن هذا المشروع باء بالفشل في عام 2013 ولم يدخل حيز التنفيذ... إلا أن أنقرة بقيت تبحث عن سبل بديلة للحصول على مثل هذه الأنظمة.

وفي هذه المرحلة، تواطأ "فريق أرجنكون" المُوالي لروسيا وإيران في القوات المسلحة مع بعض مستشاري أردوغان وعمدوا إلى تفعيل خطة مرسومة سابقاً. ففي تاريخ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، أُسقطت الطائرة المقاتلة الروسية عن عمد على الحدود السورية. وكان هذا حادثاً مدوياً في الرأي العالمي، أرغم تركيا على أن تنحاز إلى روسيا على المستوى الدولي وإلى إيران على المستوى الإقليمي. وفي هذه المرة، انفلتت الحبال من يدَيْ أردوغان وفَقَدَ السيطرة على الأوضاع. وفي ظل هذه الأجواء، ذهب أردوغان إلى سوتشي في يونيو (حزيران) 2016، وخلالها صرح الكرملين أن أردوغان اعتذر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن لم يكن ذلك اعتذاراً من النوع الذي نفهمه نحن. بل كان من ثمراته المُرَّة شراء منظومة  S-400 من روسيا، فكانت هذه عملية بدأت بحالة حرب وانتهت بغرام زائف. نعم، لأول مرة، أصبح أردوغان محشوراً لهذه الدرجة في زاوية ضيقة، في حين أنه ظل معروفاً في علاقاته الدولية برؤيته البراغماتية، وفي السياسة الداخلية بخطابه الشعبوي المتلاعب.

ولم يَسبق لحكومة حزب العدالة والتنمية أنْ وقعت في مثل هذا الموقف الصعب بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ولم تتوانَ إدارة واشنطن عن إحراج حكومة أردوغان من خلال تصريحها على مستوى رفيع عن بعض بنود قائمة العقوبات التي ستفرضها على تركيا إذا هي أقدمت على مثل ذلك، إذ أعلن نائب وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان (Patrick Shanahan) ما يلي "إن حصول تركيا على منظومة  S-400 لن يقف عند حدود تهديد أمن طائرات F-35، بل إن ذلك سيعيق إمكانيات تطوير شعبكم سبل ترسيخ التعاون مع الولايات المتحدة ضمن حلف شمال الأطلسي، وسيؤدي إلى مزيد من التبعية الاقتصادية والاستراتيجية لروسيا، وسيقوض الأهدافَ الطَّموحة لتركيا في مجال الصناعة الدفاعية والتنمية الاقتصادية. كما أن مواصلتكم السير في هذا الطريق، ستؤدي إلى خسائر في توظيف الأيدي العاملة ورفع مستوى الدخل القومي والتجارة الدولية.

إضافة إلى أن تصميم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على زيادة حجم التجارة الثنائية من 20 مليار دولار إلى 75 مليار دولار، ربما يتعرض لانتكاسة، إذا أعلنت الولايات المتحدة  فرض عقوبات (CAATSA) أي قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات". وهذا تحذير دبلوماسي شديد اللهجة يؤكد احتمال فرض عقوبات طويلة الأجل، لن تنحصر بالمجال العسكري بل تشمل المجال المدني أيضاً.

إضافة إلى ذلك، فإن خطوة كهذه من شأنها أن تؤدي إلى تعطيل المنظومة الدفاعية الموجودة حالياً لدى القوات المسلحة التركية. فتركيا ما زالت تشتري أسلحتها ومعداتها من الولايات المتحدة منذ حوالى نصف قرن، وبالتالي فإن تعطيلها سيؤدي إلى تعطيل حوالى ألف شركة محلية كبيرة، يعمل لديها عشرات الآلاف من الموظفين. وليس من المستبعد أن تهدد هذه الخطوة مصير الاتفاقيات المبرمة مع الولايات المتحدة في مجال الطيران المدني.

لا يزال من غير الواضح هل ستشتري تركيا نظام الدفاع الجوي S-400 بكامله، ولكن الخبراء العسكريين ذكروا مراراً وتكراراً أنه إذا اشترت تركيا تلك الصواريخ غير القابلة للاندماج وبالتالي لم تستطع أن تستخدمها بفعالية، فإن ذلك لن يجدي نفعاً، ما لم تحصل على نظام الحماية أيضاً.

ومن المخاطر التي ستتعرض لها تركيا في حال شرائها منظومة S-400، أن أنقرة ستندرج بكاملها على المستوى الدولي في المعسكر الروسي، وستقترب أكثر من إيران على المستوى الإقليمي، وهذا يعني ابتعادها عن حلف "الناتو"، مما  يخرجها من محورها ويتيح المجال لنظام أردوغان كي يتحول إلى كيان دكتاتوري بحت.

خيارات اردوغان

أما بالنسبة إلى أردوغان، فإن هذه الحالة ستضعه أمام ثلاثة خيارات صعبة وطرق شائكة، لكن يتوجب عليه أن يختار واحدة منها:

1- أن يتراجع عن شراء صواريخ  S-400، ونعلم أن بوتين لن يرحب بمثل هذا التصرف، بل سيوجه إلى أردوغان رداً عنيفاً من خلال تنشيط "مجموعة أرجنكون" الفاعلة في القوات المسلحة التركية والمعروفة بقربها من روسيا وإيران.

2- إذا حصل أردوغان على صواريخ  S-400، سيعني ذلك تجاوز الخط الأحمر للولايات المتحدة وحلف الناتو، ويعني كذلك بطبيعة الحال وقوف تركيا ضد الاتحاد الأوروبي أيضاً. ومن المحتمل أن تتعرض لعقوبات اقتصادية باهظة تليها عقوبات سياسية مجحفة على المستوى الدولي.

3- ربما تدفع تركيا ثلاث مليارات دولار مقابل صواريخ S-400 لتهدئة بوتين، ولكن لا تُستخدم بل تُرمى جانباً حتى يطيب خاطر الولايات المتحدة والحلف الأطلسي.

والخيار الأخير هو أقرب الاحتمالات التي ستصطلح عليها الأطراف المعنية. أما إذا تحقق الاحتمال الأول أو الثاني، فإن أكثر مَن سيقلق هي إيران، إذ إنّ أيّاً منهما سيُضْعف من احتمال تحقق أحلامها في جذب تركيا إلى صفها بهدف تطويق المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات.

ماذا لو لم تتحقق تنبؤاتنا حول هذه الاحتمالات الثلاثة، ونجحت روسيا في إقناع أردوغان؟

عند ذلك، ستبدأ مرحلة جديدة في المنطقة، يمكن أن نسميها "الفترة الخمينية الثانية". ولكن على كل حال، علينا أن ننتظر لنرى نتائج اللقاء الذي سيجمع ترمب وأردوغان على هامش قمة مجموعة العشرين التي ستنعقد في اليابان. وبما أن انتخابات بلدية اسطنبول ستنتهي قبل ذلك الوقت، فلن يحتاج الرئيس أردوغان إلى افتعال أزمة في السياسة الخارجية لاستثمارها في ملابسات الانتخابات.

إن المشهد السياسي في أنقرة يجعلنا نرى كيف يكون وضع البلد، عندما تصبح مخاوف شخص واحد وطموحاتُ السياسية على رأس قضايا البلاد وشغلها الشاغل.

ولكن على الرغم من كل شيء، لا أزال أحمل في قلبي الأمل في أن تركيا ستعود إلى صوابها عاجلاً أو آجلاً، كما أني واثق أيضاً في أن الأمور لن تعود إلى نصابها ما دام أردوغان هو المتحكم في الساحة السياسية والمسيطر على مقدرات البلاد.

المزيد من آراء