Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يفشل الكونغرس الأميركي في تقييد حمل السلاح رغم تكرر المذابح؟

الأيديولوجيا والحسابات الانتخابية تعوق الاتفاق والرهان على مجالس الولايات

أشعلت المذبحة التي جرت، الثلاثاء 24 مايو (أيار) الحالي، في مدرسة ابتدائية بولاية تكساس الأميركية، حيث قتل مسلح 19 طفلاً وشخصَين بالغَين، الدعوات من جديد لتمرير تشريعات تفرض قيوداً على حمل الأسلحة، والتي توقف بعضها في الكونغرس، لمدة عقود، فهل يمكن أن تثمر هذه الجهود التي فشلت مراراً من قبل، ولماذا يتكرر هذا السيناريو بعد كل مذبحة دموية من دون الاستفادة من الدرس؟

مشاريع قوانين متوقفة

وشكلت مذبحة مدرسة "روب الابتدائية" في يوفالدي بولاية تكساس فرصة جديدة للديمقراطيين المؤيدين تقليدياً لتقييد امتلاك الأسلحة، لحث الجمهوريين في مجلس الشيوخ على تمرير تشريع معطل أقره مجلس النواب، ومطالَبة الكونغرس بطرح إجراءات أخرى لمراقبة الأسلحة، في ظل امتناع الأخير عن تمرير أي تشريع رئيس خاص بالأسلحة النارية منذ أكثر من عقد، على الرغم من الدعوات الواسعة لفعل ذلك بعد عمليات إطلاق نار جماعية. لكن مجلس النواب الأميركي الذي أقر العام الماضي اثنين من تدابير الرقابة الرئيسة، يتعلقان بتوسيع نطاق التحقق من السجل الجنائي والتاريخي والنفسي لمشتري السلاح قبل بيعه، توقفا في مجلس الشيوخ، كما لا تبدو أن هناك فرصة لإقرار مشروع قانون الإرهاب الداخلي المرتبط بأنصار نظرية تفوق العرق الأبيض، والذي أقره مجلس النواب عقب "مذبحة بوفالو" في ولاية نيويورك، والتي كان جميع ضحاياها من السود.

قانون العلم الأحمر

ولأن توسيع الفحص الجنائي والتاريخي لمشتري السلاح، كان من الممكن أن تكون غير فعّالة في حادثة يوفالدي لأن المسلح اشترى أسلحته النارية بشكل قانوني بعد اجتياز هذا الفحص، فإن تركيز قادة الكونغرس ينصب الآن على ما يُسمى "قانون العلم الأحمر" والذي تمت الموافقة عليه بالفعل من اللجنة القضائية في مجلس النواب، وهو قانون تستخدمه بالفعل بعض الولايات بشكل فعّال، ويسمح للشرطة أو أفراد الأسرة بتقديم التماس إلى المحكمة المختصة كي تصدر أمراً بنزع الأسلحة النارية مؤقتاً من شخص قد يمثل خطراً على الآخرين أو على نفسه.
ويعتقد كثيرون أنه إذا كان هناك عامل ثابت واحد وراء كل إطلاق نار جماعي تقريباً في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، فهو أن مرتكب الجريمة أظهر علامات على وجود مشكلة أدت في النهاية إلى مأساة قتل أبرياء.
ومن المرجح أن تدفع المذبحة الجديدة، دعاة مكافحة الأسلحة إلى تجديد مقترحاتهم الإصلاحية طويلة الأمد حول السلاح، بما في ذلك حظر البنادق الهجومية، ومنع أو تقليص الأسلحة التي تسمح بحمل ذخيرة ضخمة عالية السعة، وزيادة متطلبات العمر المتعلقة بملكية الأسلحة، إضافة إلى فرض حظر على ما يُسمى "بنادق الأشباح"، وهي فئة من الأسلحة النارية محلية الصنع وغير مرخصة وبالتالي لا يمكن تتبعها.

تشريعات بديلة

وتحت ضغط حوادث عنف السلاح المتكررة، اقترح عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الذين يخشون أن تنتهك تدابير مراقبة الأسلحة الجديدة حق التعديل الثاني من الدستور في حمل السلاح، تشريعات بديلة تهدف إلى توسيع نظام التحقق الجنائي والنفسي الحالي بدلاً من تطبيق قيود جديدة، وإنشاء فرق عمل فيدرالية لاستهداف الذين يحاولون بشكل غير قانوني شراء أسلحة نارية، ودراسة أسباب إطلاق النار الجماعي. لكن التشريع يقنن أيضاً تدابير الحماية لمالكي الأسلحة، مثل السماح ببيع الأسلحة النارية ونقلها بين الولايات، وإعادة تحديد الأحكام القانونية الخاصة بالصحة العقلية والتي تقيد امتلاك بعض الأفراد الأسلحة النارية.

فشل متكرر

ومع ذلك، لا تبدو في الأفق إشارة على أن الكونغرس سيكون، بعد هذا الحادث الأكثر دموية هذا العام، مختلفاً في طريقة تعاطيه مع الأزمة، فبعد إطلاق النار خلال السنوات الماضية في كل من بوفالو وتوكسون وأورورا ونيوتاون وتشارلستون وروزبرغ وسان برناردينو وأورلاندو ولاس فيغاس وباركلاند وأل باسو ومناطق أخرى في كل أنحاء الولايات المتحدة، والتي راح ضحيتها أبرياء، تفشل مشاريع القوانين في استكمال هدفها في تمرير تشريع جديد بشأن الأسلحة، على الرغم من سيطرة الديمقراطيين، الأكثر ميلاً لإقرار هذه القوانين، على مجلسَي النواب والشيوخ والرئاسة حالياً.
قد تبدو الإجابة على هذا التساؤل مُحيرة لكثيرين في ظل استطلاعات رأي وطنية تكشف عن دعم واسع بين الأميركيين للعديد من سياسات مراقبة الأسلحة وفرض قدر من القيود عليها، وبخاصة توسيع عمليات التحقق من الخلفية الجنائية والنفسية لمشتري الأسلحة، وحظر الأسلحة الهجومية، لكن الاستطلاعات لا تحدد وحدها السياسة بحسبما يقول هاري ويلسون، أستاذ الشؤون العامة في كلية رونوك الأميركية، ويعود ذلك لأسباب عدة.

المواطنون لا يصنعون السياسة

ويتمثل أحد أهم الأسباب في أن الولايات المتحدة لا تتبنى نظام الديمقراطية المباشرة، حيث لا يتخذ المواطنون القرارات بشكل مباشر منذ أن أنشأ "الآباء المؤسِسون" للولايات المتحدة مؤسسات الحكم في البلاد منذ أكثر من 200 عام، حيث لم تكن غالبية "الآباء المؤسِسين" من محبي الديمقراطية المباشرة التي تمثل بالنسبة لهم "حكم الغوغاء المخيف".
وعلى الرغم من أن نصف الولايات الأميركية تقريباً لديها شكل من أشكال الاستفتاء الذي يسمح للناخبين بسَنّ السياسة بشكل مباشر، فإن ذلك غير موجود في دستور الولايات المتحدة.
وبالنسبة لأولئك الذين يدافعون عن إلغاء التعديل الثاني من الدستور كطريقة لتقييد ملكية السلاح في الولايات المتحدة، فإن ذلك لا يتم أيضاً مباشرةً من قبل المواطنين، إذ إن تعديل الدستور يتم من خلال الممثلين المنتخَبين في الكونغرس الأميركي أو عبر الهيئات التشريعية في جميع أنحاء البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قواعد الكونغرس

ويُعتبر تكوين الكونغرس وقواعده، من الأمور الحاسمة أيضاً التي تحدد السياسة الأميركية، لا سيما في مجلس الشيوخ، حيث يكون لكل ولاية صوتان، وهو ما يُعَد تمثيلاً يخدم مصالح الولايات الأقل كثافة سكانية، وعلى سبيل المثال، فإن ولايتي كاليفورنيا ونيويورك، وهما أول ورابع أكبر ولايتين، وتؤيدان قوانين أكثر صرامة لحمل السلاح، ويشكلان معاً حوالى 18 في المئة من سكان الولايات المتحدة، لكن لا يمثلهما سوى 4 في المئة فقط من أعضاء مجلس الشيوخ، في حين أن ولايات ألاسكا ووايومنغ ومونتانا ونورث داكوتا وساوث داكوتا وأيداهو، والتي تميل إلى تفضيل حقوق السلاح، ولا يوجد بها سوى 2 في المئة من سكان الولايات المتحدة، يمثلها 12 في المئة من مجلس الشيوخ.
وفي مجلس النواب أيضاً، حيث يوجد ممثل واحد على الأقل لكل ولاية، يخضع تحديد الدوائر الانتخابية، والذي يجري بعد التعداد السكاني كل عشر سنوات، للمجالس التشريعية في الولاية. ويسيطر الجمهوريون الذين يميلون إلى دعم حقوق السلاح، على 32 ولاية بينما يسيطر الديمقراطيون على 18 ولاية فقط، وهو ما منح الجمهوريين ميزة أكبر لإعادة رسم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب بطريقة تخدمهم انتخابياً منذ عام 2021 والتي ستستمر لمدة عشر سنوات.
وفي مجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي 50 -50 بين الحزبَين، أدى الاستخدام واسع النطاق لآلية التعطيل أو المماطلة (فوليبيستر)، والتي يمكن أن تسمح لأقلية بعرقلة التشريعات المدعومة من الأغلبية، إلى أن معظم التشريعات يجب أن تحصل على 60 صوتاً في مجلس الشيوخ كي يتم تمريرها. وفي المجلس المنقسم حالياً، يكاد يكون من المستحيل حشد 60 صوتاً في قضية تقيد السلاح.

حسابات الجمهوريين

وبينما تحظى قوانين تقييد الأسلحة بشعبية أكبر بين الديمقراطيين منها لدى الجمهوريين، إلا أن تمرير مشاريع القوانين يحتاج إلى أصوات 10 أعضاء جمهوريين على الأقل في مجلس الشيوخ وهو ما يصعب الحصول عليه نظراً لأن هؤلاء يمثلون في غالبيتهم الساحقة الفئات المعارضة لفرض قيود على حيازة السلاح، ولم تحظ المشاريع التي قُدمت للكونغرس خلال العقد الماضي سوى على تأييد عدد قليل جداً من الجمهوريين لم يتجاوز العشرة أبداً.
ويعود موقف الجمهوريين بشكل كبير إلى غياب سياسة فرض قيود على السلاح في المجالس التشريعية لأي ولاية من الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون وعددها 32. ويكشف ذلك بوضوح أن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يتجاوزون الخطوط الحزبية لدعم فرض ضوابط وقيود على الأسلحة على المستوى الفيدرالي، سيكونون خارج نطاق آراء الناخبين الذين يحتاجون إلى دعمهم للفوز بالانتخابات التالية لهم.

تحرك على مستوى الولاية

لكن عدم اتخاذ الكونغرس إجراءات، لا يعني أن قوانين الأسلحة ستظل راكدة بعد عمليات إطلاق النار الجماعية، حيث كشفت دراسة أجراها كريستوفر بوليكين، الأستاذ المساعد للاستراتيجية في جامعة كاليفورنيا بالتعاون مع جامعة هارفارد، أنه غالباً ما تتغير قوانين الأسلحة بعد عمليات إطلاق النار الجماعية، ولكن على مستوى الولايات وليس على المستوى الفيدرالي.
ومن خلال مضاهاة قوانين الأسلحة، قبل وبعد عمليات إطلاق النار الجماعية في الولايات التي حدثت فيها عمليات إطلاق نار جماعي، مقارنة بكل الولايات الأخرى، تبين أن القوانين تتغير نسبياً حيث تنظر الهيئات التشريعية في الولايات بنسبة 15 في المئة في مشاريع القوانين الخاصة بالأسلحة النارية في العام التالي لإطلاق النار الجماعي، حيث يكون لعمليات إطلاق النار المميتة والتي تحظى باهتمام كبير من وسائل الإعلام، تأثيرات أكبر على المشرعين مقارنة بجرائم القتل الأخرى على الرغم من أنها تمثل أقل من 1 في المئة من الوفيات بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة. لكن الدراسة وجدت أن عمليات إطلاق النار الجماعية لا تدفع المشرعين بالضرورة إلى تشديد القيود على استخدام الأسلحة، حيث تمرر المجالس التشريعية للولايات الجمهورية قوانين الأسلحة التي تخفف في بعض الأحيان القيود المفروضة على الأسلحة النارية بعد إطلاق النار الجماعي بدرجة أكبر، في حين أن الديمقراطيين يشددون قوانين الأسلحة، ولكن ليس بدرجة حاسمة بعد عمليات إطلاق النار الجماعية.

عامل الأيديولوجيا

وتدل الاستجابة المتناقضة من الديمقراطيين والجمهوريين، على فلسفات مختلفة في ما يتعلق بأسباب العنف المسلح وأفضل الطرق لتقليل الوفيات، فبينما يميل الديمقراطيون إلى النظر للعوامل البيئية المحيطة على أنها تسهم في العنف، من المرجح أن يحمل الجمهوريون منفذي إطلاق النار المسؤولية بشكل منفرد، وكثيراً ما يجادل السياسيون الذين يفضلون قيوداً أكثر مرونة على الأسلحة بعد عمليات إطلاق النار الجماعية بأن المزيد من الأشخاص الذين يحملون أسلحة سيسمح للمواطنين الملتزمين بالقانون بمواجهة الجناة وردعهم، وفي أعقاب ذلك، غالباً ما ترتفع مبيعات الأسلحة بعد عمليات إطلاق النار الجماعية، بسبب خشية الناس من الوقوع ضحية لمثل تلك الهجمات.
على النقيض من ذلك، يركز الديمقراطيون عادة وبشكل أكبر على محاولة حل المشاكل السياسية والمجتمعية التي تسهم في عنف السلاح. وبالنسبة لكلا الجانبَين، تُعتبَر عمليات إطلاق النار الجماعية فرصة لاقتراح مشاريع قوانين تتماشى مع أيديولوجيتهما. ولكن نظراً لأن الولايات أكثر نشاطاً من الكونغرس في ما يتعلق بمسألة الأسلحة بحسبما يشير التاريخ، ينصح المراقبون كل من المدافعين والمعارضين للقيود الجديدة على السلاح أن ينظروا إلى ما وراء العاصمة واشنطن، لاتخاذ إجراءات بشأن سياسة الأسلحة.

المزيد من تقارير