Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا تواصل تقاربها "البطيء" مع مصر

أول زيارة وزارية منذ 9 سنوات والمحادثات الاستكشافية تصطدم بجمود الملفات الخلافية

تميل الحكومة التركية إلى تسريع خطوات التطبيع تجاه مصر مع اقتراب الانتخابات (أ ف ب)

في خطوة جديدة نحو المصالحة، أعلنت تركيا أن وزير ماليتها، نور الدين نبطي، سيتوجه إلى مصر في الأول من يونيو (حزيران) المقبل، في أول زيارة على المستوى الوزاري للقاهرة منذ تسع سنوات، وهو ما يعده مراقبون بمثابة انفراجة في العلاقات، التي عانت قطيعة دبلوماسية ممتدة.

الوزير التركي سيصل إلى مصر على رأس وفد للمشاركة في الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية، كما ذكر بيان صادر عن الجانب التركي، أن نبطي سيجري أيضاً "محادثات ثنائية" من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل في شأن الملفات، التي ستتناولها تلك المحادثات بين القاهرة وأنقرة. ولم تتلقَّ "اندبندنت عربية" رداً من الجانب المصري على طلب التعليق.

وتأتي الزيارة بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية للمرة الأولى منذ نحو خمس سنوات، تحدث خلالها عن وجود انفتاح على مصر، وكذلك بعد عام من بدء جولتين من المحادثات "الاستكشافية" على مستوى نائب وزير الخارجية في مصر وتركيا لبحث "الخطوات الضرورية لتطبيع العلاقات" على الصعيد الثنائي وفي السياق الإقليمي.

لكن هذه الاجتماعات لم تسفر بعد عن تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين، الذي لا يزال على مستوى "القائم بالأعمال" أو وضع خريطة طريق لتحسين العلاقات، بينما تتواصل اجتماعات أمنية غير معلنة بين الجانبين، تناقش قضايا عدة، أبرزها عناصر تنظيم الإخوان المقيمة في تركيا والمطلوبة لدى السلطات المصرية، وكذلك الأوضاع في ليبيا، وعقدت الوفود الأمنية اجتماعاً قبل أسابيع قليلة.

انفراجة دبلوماسية بصبغة اقتصادية

شهدت التوترات بين الجانبين المصري والتركي تهدئة واضحة خلال العامين الماضيين، مع بدء أنقرة حملة دبلوماسية لإزالة خلافاتها مع دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية ومصر والإمارات، حيث اتخذت حكومة أنقرة خلال الشهور الماضية قرارات بتقييد عمل القنوات التابعة لقيادات تنظيم الإخوان المقيمين على أراضيها، كما أغلقت بعضها، فيما تراجعت حدة الخلاف بين الجانبين حول بعض الملفات، مثل غاز المتوسط والأزمة الليبية.

وبينما يعاني اقتصاد البلدين بصورة متشابهة تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، وغيرها من أزمات الأسواق الناشئة، ذكرت قناة "تي آر تي خبر" التركية، الأربعاء 18 مايو (أيار)، أن الاجتماع المقرر عقده في مدينة شرم الشيخ المصرية سيشهد مناقشة الاستراتيجيات المستقبلية للبنك الإسلامي للتنمية، كما سيتم طرح آخر التطورات المتعلقة بالاقتصاد التركي والسياسات الاقتصادية الجارية.

وألقت الزيارة المرتقبة الضوء على أهمية التعاون الاقتصادي بين الجانبين المصري والتركي، اللذين يجمعهما استثمارات متبادلة وتبادل تجاري كبير واصل نموه خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من التوتر السياسي، وشهد معدل التبادل التجاري قفزة العام الماضي بمقدار الثلث وبقيمة تصل إلى 1.6 مليار دولار إضافية إلى حجم التبادلات، التي تضاعفت ثلاث مرات بين العامين 2007 و2020، أي من 4.42 مليار دولار إلى 11.14 مليار دولار، بحسب إحصاءات رسمية.

ويرى كرم سعيد، الباحث المصري المتخصص في الشؤون التركية، أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تمثل مدخلاً مهماً للتقارب وتحسين العلاقات، مشيراً إلى أنها ظلت بمنأى عن الخلافات السياسية، وظلت "محيدة" خلال سنوات التوتر، الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق من الخلاف والاشتباك في ساحات ومحافل عدة.

وقال سعيد إن "تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري أمر ملح حالياً للبلدين، خصوصاً بالنسبة إلى تركيا، التي يعاني اقتصادها وضعاً هشاً منذ سنوات، نتيجة عدم تجديد اتفاقية التبادل الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، والقضايا الخلافية مع الولايات المتحدة، حيث تعد السوق المصرية واعدة أمام المنتجات التركية".

وأضاف سعيد، لـ"اندبندنت عربية"، أنه على الرغم من الحاجة إلى زيارة على مستوى وزير الخارجية من أجل دفع خطوات التقارب بين الجانبين، فإن هذه الزيارة ذات الصبغة الاقتصادية، التي يجريها وزير المالية، لها دلالات مهمة في ما يتعلق بمستوى التحسن، الذي تحقق بين الجانبين، على الرغم من أنها تأتي في إطار اجتماع إقليمي، لكنها تعني أن أنقرة حريصة على توظيف الاجتماعات الدولية والإقليمية على نحو متصاعد من أجل تنقية علاقاتها الإقليمية المتوترة.

وأوضح الباحث في الشؤون التركية، أن "الزيارة في حد ذاتها، كأول زيارة على المستوى الوزاري، تعني أن الجانبين قطعا شوطاً كبيراً نحو المصالحة، لكن لا تزال القضايا الخلافية بارزة، وأهمها الأزمة الليبية، لأنها تمس الأمن القومي المصري مباشرة، لكن ملف تنظيم الإخوان لم يعد يمثل ورقة ضغط على مصر، ولا ورقة رابحة في يد أنقرة، وهناك توافق في ما يتعلق بملف الحدود البحرية في شرق المتوسط، الذي سيبقى على ما هو عليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تطبيع بطيء للعلاقات

تحرك قطار تحسين العلاقات التركية مع القوى الإقليمية بالمنطقة بسرعة كبيرة خلال الشهور الماضية، بعد تبادل زيارات رفيعة المستوى بين الإمارات وتركيا، فضلاً عن زيارة أردوغان إلى الرياض، التي وصفها بأنها نجحت في مراجعة العلاقات والاتفاق على الخطوات المشتركة لتطويرها، لكنه لم يعلن عن خطوات جديدة تجاه القاهرة، واكتفى بالإشارة إلى أن الحوار بين أنقرة والقاهرة قائم بالفعل على مستوى الاستخبارات، ووزارتي الخارجية وأوساط الأعمال.

المحلل السياسي التركي، جواد غوك، يرى أن الخطوات التركية تجاه مصر ما زالت متأخرة جداً، مقارنة بتحركاتها السريعة لتطبيع واستعادة زخم العلاقات مع السعودية والإمارات، ولا سيما من خلال زيارات أردوغان للبلدين، مضيفاً أن "أنقرة والقاهرة تباحثتا حول الحدود البحرية في المتوسط، وكان هناك تصريحات إيجابية حول تطبيع العلاقات، ثم بدأت الاجتماعات الثنائية، لكنها لم تصل إلى النتائج المتوقعة بالسرعة المرجوة".

وقال غوك، "لا يمكن وصف الزيارة الوزارية المرتقبة إلى مصر سوى بأنها خطوة إيجابية تدعمها الحكومة والمعارضة، وإن كانت متأخرة، ويبدو أن أنقرة بحثت عن مبرر لهذه الخطوة، لكن ما زال تطبيع العلاقات بحاجة إلى خطوات ملموسة، فالاتهامات والتصريحات والممارسات التركية كانت ثقيلة جداً تجاه مصر خلال فترة التوتر، ومن الصعب إزالة آثار هذه السياسة".

ويتوقع المحلل السياسي التركي أن "تميل الحكومة إلى تسريع خطوات التطبيع تجاه مصر مع اقتراب الانتخابات، لأن ملف السياسة الخارجية يعد نقطة قوة بالنسبة إلى المعارضة، التي تطالب بإصلاح العلاقات الخارجية لتركيا مع جيرانها، خصوصاً مع مصر، والحكومة تحاول إقناع أنصارها بسياستها الجديدة تجاه تنظيم الإخوان ومصر، بخاصة أن الحزب الحاكم والحكومة يقدمان الدعم للتنظيم بشكل رسمي، لكن في كل الأحوال من صالح تركيا تطبيع العلاقات مع مصر".

ومن جانبه، قال الكاتب التركي، سمير صالحة، إن زيارة وفد تركي رسمي إلى مصر، بغض النظر عن أنها تأتي بدعوة مباشرة على المستوى الثنائي، أم من خلال اجتماع إقليمي تستضيفه مصر، فإنها تمثل بحد ذاتها نقطة إيجابية تسهم في تحسين العلاقات ودفعها نحو مرحلة جديدة.

وأضاف صالحة، "لكن كنا نعول على زيارة لوزير الخارجية التركي، أو حتى انعقاد الجولة الثالثة من المباحثات الدبلوماسية الاستكشافية، خصوصاً أننا لم نسمع أي أخبار عن هذه الجولة، ويتساءل الجميع عن عدم انعقادها، والملفات العالقة التي منعت الانتقال إلى مرحلة جديدة من التقارب، بخاصة أن هناك حواراً تركياً-سعودياً، وتركياً-إماراتياً، لفتح صفحة جديدة من العلاقات، بينما لم يكتمل الحوار مع مصر بعد، وأنا شخصياً أعول على دور سعودي وإماراتي أكبر لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة، وطالما أن الملفات الإقليمية يتم نقاشها مع العواصم الخليجية، فذلك فرصة ليكون هناك تحول في النقاش المصري-التركي نحو مزيد من التفاهم".

ورقة انتخابية

ويرجع المحلل السياسي التركي، محمد عبيد الله، سبب بطء خطوات تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى ضعف الثقة بين الجانبين، مشيراً إلى أن هناك قناعة عامة لدى بلدان الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، أن أردوغان يريد تطبيع علاقاته مع جميع خصومه حتى يقنع الناخبين المنصرفين عنه بسبب إدارته السيئة والاقتصاد المنهار، بأنه بدأ يستعيد تركيا القديمة، التي كانت تتسم علاقتها الخارجية بالسلمية، ليدفع الناخبين للتصويت له مرة أخرى في انتخابات 2023 الحاسمة، فتلك الدول ترى التحول الحاصل في سياسة أردوغان الخارجية من التصادمية إلى الحوار خطوة تكتيكية عابرة تستهدف ضمان الفوز بالانتخابات، إلى جانب إنعاش الاقتصاد المتدهور من خلال تطوير العلاقات الاقتصادية، بل قد يكون التمدد والانتشار مجدداً في الشرق الأوسط بالاستفادة من مرحلة التطبيع من أهداف هذه الخطوات أيضاً.

وأوضح عبيد الله أن هذا الاعتقاد يدفع تلك الدول إلى الاحتياط في الاستجابة لخطوات ومطالب أردوغان، وتجنب نقل العلاقات الثنائية إلى مستوى استراتيجي قبل التأكد من أن هذا النهج الجديد في سياسته الخارجية نابع من قناعة داخلية مخلصة، مضيفاً "ولا شك أن مصر تأتي في مقدمة تلك الدول المحتاطة في علاقاتها مع أردوغان، إذ لا تستعجل في إصلاح علاقاتها مع أردوغان".

وأضاف أنه على الرغم من أن أردوغان "أقدم على خطوات تعتبر تنازلات كبيرة بالنسبة إليه، كإغلاق إعلام الإخوان في تركيا، لكن مصر في المقابل لم تخطُ أي خطوة تذكر، حتى إنها لم تقرر بعد رفع الحظر المفروض على القنوات والصحف التركية الرئيسة، بما فيها وكالة أنباء الأناضول الرسمية"، معتقداً أن "الجليد بين أنقرة والقاهرة لن يذوب بين ليلة وضحاها وبسهولة، وأن القاهرة سوف تتباطأ في اتخاذ خطوات للتطبيع مع أردوغان حتى تعقد الانتخابات المقبلة في أقل تقدير، وتتبلور ما إذا كان ستأتي بحكومة جديدة أم لا".

ويرى المحلل السياسي التركي أن عودة العلاقات بين الطرفين ستخضع للاختبارات لسنة كاملة، في الأقل، وأنها ستستمر من خلال العلاقات الاقتصادية فقط وبعض الخطوات الرمزية، مثل إعادة سفيري البلدين، وتابع "إذا ما برهن أردوغان خلال هذه الفترة على مصداقيته في التحول الإيجابي، وإدراكه أخطاءه الكبيرة في السياسة الخارجية عبر التدخل في شؤون جيرانه في إطار الأيديولوجية الإسلاموية، فإنه عندئذ يمكن أن يحصل تطور حقيقي ومطلوب في العلاقات".

المزيد من تقارير