Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التسرب المدرسي في العالم العربي... "هروب" من المستقبل

أرقام مخيفة للأطفال الذين يعيشون خارج العملية التعليمية والمسؤولية مشتركة بين ضعف الوعي الأسري وغياب المعالجات الحكومية

أسباب اقتصادية وراء التسرب المدرسي (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

أطفال خارج جدران المدرسة في العالم العربي؟ أهو سؤال أم إجابة؟

بعد عدة عقود، تقارب العشرة على بدء النظام التعليمي في عدد من الدول العربية، وانتشاره تاليا في بقية الدول، ما تزال ظاهرة التسرب المدرسي، تتعمق وتتسع. آلاف، أو عشرات الآلاف من الأطفال ينتمون إلى "سوق" العمل في مطلع أعمارهم الطرية، من دون أن يمروا على النظام التعليمي أو هربا منه... وفي كلا الحالتين النتيجة واحدة.

ما هو سبب هذه الظاهرة القاتلة للمستقبل، قبل أن تكون مرهقة للحاضر؟ هل هو الفقر والعوز؟ أو غياب الوعي الأسري؟ أم أن العملية التعليمية أصبحت بطبيعتها بيئة طاردة، بسبب مدخلاتها الراهنة ومخرجاتها المتوقعة؟

كل هذه الأسئلة وغيرها، بحثت عن أجوبة في كل من: مصر، والعراق، والمغرب، والأردن، والجزائر، والسودان، وتونس.

الـ"توك توك" والمعلم والمدرسة في مصر قوة طاردة للصغار 

المخطط الأسري الذي تسرده إيمان، ترويه كأنه الطبيعي والمنطقي. إيمان (38 سنة) أم لثلاثة أولاد وبنتين. تتراوح أعمارهم بين 20 وعشرة أعوام.

لا تذكر الأب كثيراً في سردها، ويبدو أنه غائب أو مغيّب، لكن هذا لا يغير كثيراً في المجريات. الأبناء الثلاثة متسربون من التعليم، لكنها لا تستخدم كلمة "تسربوا" بل تقول "استرجلوا". الأبناء الثلاثة "استرجلوا" وتركوا المدرسة الواحد تلو الآخر. انخرطوا في سوق العمل بين قيادة "توك توك" وتوصيل طلبات "دليفري" والعمل في ورشة تصليح سيارات. أما البنتان، فهي ترفض تماماً تزويجهما على الرغم من أن خطاباً كثراً يطرقون أبواب البنتين (13 و15 سنة).

تقول بأسى "ليس أمامي سوى إبقائهما في التعليم. لا أريد أن تتكرر مأساتي وأزوجهما وهما في سن الطفولة. على الرغم من أن مصاريفهما قصمت ظهري، إلا أن ذهابهما إلى المدرسة أفضل من بقائهما في البيت إلى أن يتزوجا أو يتمكّنا من العمل". ولماذا لم تخرجهما من المدرسة لتنضما إلى أشقائهما في سوق العمل، توضح "البنات لا عمل لهن إلا الخدمة في البيوت أو في محل ملابس والمتحرشون في كليهما".

مخطط أسري

مخطط إيمان الأسري يترجم نفسه إلى أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر. بلغ عدد المتسربين نحو 150 ألف طالب خلال عام 2018-2019، منهم أكثر من 28 ألفاً في المرحلة الابتدائية و121 ألفاً في المرحلة الإعدادية. والعدد الأكبر من المتسربين في المرحلة الابتدائية هم من الذكور، إذ بلغ عددهم 17.7 ألف طالب متسرب في مقابل 11.1 ألف طالبة متسربة. وأبقى الطلاب الذكور على ريادتهم في التسرب، فبلغ عدد المتسربين في المرحلة الإعدادية 121 ألف متسرب منهم 63.7 ألف طالب و57.3 ألف طالبة.

دائرة الفقر المتعدد

جميع الأسباب التي تسردها إيمان لإخراج أبنائها من المدرسة على الرغم من اختلافها تدور في دائرة الفقر، تحديداً الفقر متعدد الأبعاد الذي يلقي بظلاله على ثلاثة بين كل عشرة أطفال مصريين، بحسب أرقام منظمة "يونيسف".

 

 

إيمان ليست غارقة في فقر مدقع. فهي عاملة منزلية وتحقق دخلاً لا يقل عن أربعة آلاف جنيه مصري (نحو 217 دولاراً). وحتى تبقي الأبناء الخمسة في مدارسهم، كانت تحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف هذا الدخل وذلك بين مصاريف المدارس الحكومية والدروس الخصوصية التي هي شر لا بد منه والكساء والمصروف.

وهي في الوقت ذاته مطالبة بسداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز وإيجار البيت إلى آخر قائمة الأساسيات، إضافة لما يستجد من مرض أو ما شابه.

بحسب "يونيسف"، الطفل الذي يعاني فقراً متعدد الأبعاد هو الذي يعاني حرماناً شديداً من اثنين أو أكثر من أبعاد الرفاه الثمانية وهي: المياه والصرف الصحي والمسكن ووسائل المعلومات والصحة والتغذية والتعليم والحماية.

تباين التعريفات

على الرغم من تباين التعريفات بين المنظمة الأممية وإيمان في ما يتعلق بالرفاه والحماية ووسائل المعلومات وغيرها، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن أبناءها الخمسة يعانون فقراً متعدد الأبعاد، ومن أجل الخروج من دائرته المغلقة، تسرب الصغار من المدارس والتحقوا بسوق العمل الهامشي في شكل عمالة أطفال، ومنها تنشأ مشكلات أخرى مثل إدمان المخدرات والهروب إلى الشارع والتحرش الجنسي والقائمة طويلة وأوجه الفقر المتجدد عدة، ما يعني أن التسرب من التعليم مستمر.

الأرقام الرسمية الخاصة بالتسرب لا تقف عند حدود بضعة آلاف تسربوا من المرحلتين الابتدائية والإعدادية. أحدث الأرقام الرسمية المتاحة عن التسرب (2017) تشير إلى وصول عدد المتسربين من التعليم في مصر إلى مليون ومئة ألف شخص، لتحتل القاهرة المرتبة الأولى عربياً. الأسباب المعلنة للتسرب تتراوح بين الظروف المادية للأسرة، وصعوبة الوصول إلى المدرسة، والزواج المبكر للفتيات، وعدم الرغبة الفردية أو الأسرية أو كلتيهما بالتعليم.

سحر الـ"توك توك"

الرغبة الفردية كما يشرحها عامر حسن (13 سنة) - عامل في سوبرماركت ويأسره سحر الـ"توك توك"- تتمثل في "ضياع الوقت من دون طائل، فهناك مدرس لا يشرح وامتحان كله غش ودروس لا يفهمها ودروس خصوصية غير متوافرة لضيق ذات يد الأسرة وعنف بعض المعلمين سواء بدنياً أو لفظياً". تسرب حسن من المدرسة، أو كما يقول "استيقظت ذات يوم وقررت أنني لن أذهب إلى المدرسة مرة أخرى. سأصبح رجلاً وأبحث عن عمل. والدتي ووالدي لم يمانعا، بل رحبا كثيراً وهما ينتظران فرصة جيدة لأعمل على توك توك وأحقق دخلاً أوفر".

وكثيراً ما تتضامن الرغبتان الفردية والأسرية في التوقف عن التعليم. وهنا يبرز السبب الأكبر الذي قلما يذكر في التقارير الرسمية، لكنه يتحدث عن نفسه في كل قصة تسرب من المدرسة. التشكك في الجدوى من التعليم صار وباء سريع العدوى.

وراء كل تسرب شكوك

في كل قصة تسرب، وعلى الرغم من وفرة مكون الفقر، تثار تشكيكات في جدوى التعليم. فلان تخرج في الجامعة وانضم إلى طابور العاطلين. فلانة أنهت تعليمها الثانوي ولا عمل ولا عريس يلوحان في الأفق. لكن فلان يحمل الشهادة الابتدائية ويكسب خمسة آلاف جنيه من قيادة الـ"توك توك". وفلانة زوّجها أبوها وهي في الصف الثاني الإعدادي وتخلص من همها ومصاريفها.

قيمة التعليم تعاني أزمة حقيقية. تدهور المنظومة التعليمية المدرسية في مصر على مدار ثلاثة عقود، وما نجم عنه من ظهور منظومة الدروس الخصوصية نظاماً موازياً لا يقوى على سداد تكلفته كثيرون، وتبخر مكون التربية، وتدهور مستوى المعلمين بسبب تدني رواتبهم وانشغالهم بالدروس الخصوصية، جميعها أدى إلى تحوّل المدرسة إلى قوة طاردة وليست جاذبة.

ويشار إلى أن تفشي الدروس الخصوصية وتحولها إلى ما يشبه شرطاً للفهم والتحصيل والنجاح أسهما في إفساد منظومة التعليم وجعلاها حكراً على من يملك التكلفة الإضافية التي تفوق أحياناً تكلفة الالتحاق بالمدرسة.

عوامل الجذب والطرد تنحت جانباً على مدار عامين من عمر الوباء. فقد شهدت دول عدة في العالم زيادة في نسب التسرب من التعليم المدرسي خلال عامَي 2020 و2021.

ويشير البنك الدولي في تقرير عنوانه "التعليم في زمن فيروس كورونا" إلى أن الوباء تسبب في انقطاع ما يزيد على 1.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلداً، ومصر لم تكُن استثناء. وجاء ذلك في وقت تعاني مصر أزمة في نظام التعليم المدرسي وجهوداً عاتية من قبل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لإصلاح هيكل التعليم المترهل على مدار ما يزيد على ثلاثة عقود.

لكن أتى الوباء بمزيد من التسرب. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول أعداد من تسربوا من المدارس أو من التعليم عن بعد في زمن الوباء، إلا أن غالبيتهم خلال العامين السابقين لم يعودوا إلى التعليم بعد انتظام الدراسة في المدارس.

بطالة المتعلمين

التروسيكل (دراجة نارية بثلاث عجلات) الذي يقوده الأب سيد الذي يعمل خفيراً في مجمع سكني ومعه ابناه أحمد ومحمود (11 و13 سنة) يدرّ دخلاً معقولاً للأسرة المكونة من ستة أفراد. أحمد ومحمود توقفا عن الدراسة بعد أشهر من الوباء. يقول الأب إن العملية التعليمية لم تكُن تسير بشكل سلس أصلاً. فالصبيان متعثران بسبب عدم الشرح في الفصل واستحالة حصولهما على دروس خصوصية.

يوضح الأب "بعد توقف الدراسة وتحويل جزء منها عبر الإنترنت حمدت الله كثيراً. كان ذلك أشبه بطوق النجاة. فهما لن يلوماني على حرمانهما من الدراسة، وهما أصلاً يكتبان ويقرآن بالكاد. وانضما إلي حيث نجمع البلاستيك والورق والمعادن من القمامة في الشارع ونفصلها ونبيعها".

ويضيف: "لو أكملا تعليمهما، لن يجدا عملاً. سيشعران أن جمع القمامة وفصلها عملاً دونياً ولن يقبلاه. والتعليم لن يضمن لهما عملاً، بل سيقلص فرصهما".

 

قانون التعليم الإلزامي في العراق يتوارى  

تفترش زهراء أحمد (13 سنة) الأشياء البسيطة التي تبيعها على قارعة الطريق في إحدى مناطق العاصمة بغداد، الفتاة التي تركت المدرسة وهي في الصف الثالث الابتدائي لا تتذكر من رحلتها الدراسية القصيرة إلا بعض التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بأسماء صديقاتها، "اضطررت إلى ترك المدرسة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب للعائلة، إخوتي الثلاثة وأنا نعمل لنعين أنفسنا والعائلة".

إلزامية التعليم

يختص قانون 118 لسنة 1976 بالتعليم الإلزامي في العراق، ولم يصدر أي تحديث لهذا القانون بعد عام 2003، ويوضح القانوني أسامة شهاب حمد الجعفري أنه على الرغم من أن المادة (34) من الدستور العراقي لعام 2005 نصت على التزام الدولة بتأمين إلزامية التعليم للمرحلة الابتدائية، لكنها لم تنص على تنظيم ذلك بقانون، والغريب أن الدستور العراقي نص في متن هذه المادة على تنظيم المدارس الأهلية بقانون، ولم ينص على تنظيم إلزامية التعليم بقانون، وتابع القانوني الجعفري شارحاً تفاصيل قانون إلزامية التعليم لعام 1976 الذي ينص على "حشد كل مؤسسات الدولة والقطاع العام والجهات النقابية والشعبية للعمل في تحقيق إلزامية التعليم وفقاً لما تصدره وزارة التربية"، وعليه، فإن كل مؤسسات الدولة والنقابات ملتزمة قانونياً بمكافحة الأمية من خلال تطبيق خطة إلزامية التعليم، وفي المادة الثالثة منه ألزمت الإدارة المحلية للمحافظة بتقديم الدعم البشري والمادي لإدارات المدارس لتطبيق إلزامية التعليم، على أن يكون هذا الدعم معداً مسبقاً قبل التنفيذ.

الإجراءات الرادعة

ووفقاً لقانون إلزامية التعليم لعام 1976 أيضاً، فإن كل مدرسة مسؤولة قانوناً لإجراء المسح السكاني للمناطق المحيطة بها بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء ومديرية الأحوال المدنية، لإحصاء الأطفال الذين هم في السن القانونية للالتحاق بالمدرسة وإلزام أولياء أمورهم بتسجيلهم.

وأوضح أسامة شهاب حمد الجعفري أن قانون إلزامية التعليم قد حجم من حالات التسرب من المدرسة، وإفلات الأولاد من إلزامية التعليم بسبب الإجراءات الرادعة التي تضمنها القانون، "إذ تقوم إدارات المدارس بحصر حالات من التخلف عن التسجيل، واستدعاء أولياء أمور الأطفال وإقناعهم بضرورة تسجيلهم، وبخلافه، فإن ولي الأمر معرض لدفع غرامة أو مواجهة الحبس لمدة لا تزيد على شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع، وهذا يعتبر إجراء رادعاً بقوة القانون لكل حالات تقصير ولي الأمر عن تسجيل ولده ".

القانون توارى

ويرى الجعفري أن تطبيق قانون إلزامية التعليم اختفى من حياة العراقيين، "القوانين لا تلغى بسبب قدمها وعدم استعمالها وإنما بموجب قانون لا بعدم تطبيقها"، إلا أن القانون بإجراءاته الرادعة لم يعد يطبق، فغابت الإجراءات التي كانت تقوم بها المدارس ومؤسسات الدولة لإحصاء الأطفال الذين يحق لهم التسجيل في المدرسة وفقاً لسنهم القانونية.

وأدى عدم تطبيق هذا القانون وإجراءاته الرادعة إلى ترك موضوع التحاق الأطفال بالمدرسة إلى الإرادة الذاتية لولي الأمر، فهو وحده الذي يقرر بإرادته المنفردة من دون إلزام لتسجيل ولده في المدرسة، فإن لم يفعل لا عقاب قانونياً عليه، وأدى ذلك إلى زيادة نسبة الأمية وتسرب التلاميذ من المدارس. وحمل الجعفري وزارة التربية مسؤولية الإخلال بهذا القانون، "وزارة التربية هي المسؤولة قانوناً أمام القضاء والمجتمع في إخلالها بتطبيق وتنفيذ هذا القانون، مع العلم أن عدم تطبيق القوانين يعد جريمة بموجب المادة 329 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969".

مرحلة الابتدائية

وأوضح الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن التسرب من الدراسة الابتدائية شهد انخفاضاً في السنوات الأخيرة، "معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية بلغ 94 في المئة، وهذا يعطي مؤشراً إلى أن هناك تراجعاً في نسبة المتسربين من الدراسة الابتدائية لا سيما في السنوات الأخيرة، كما تبلغ نسبة التسرب من الدراسة الابتدائية خمسة إلى ستة في المئة ".

وفي سياق متصل، قالت فرح سالم مديرة إحدى الثانويات للنازحين في السليمانية إن "النسبة الأعلى للطلبة المنتظمين هي من الصفوف الابتدائية بحكم قناعة غالبية العوائل بأن الشهادة الابتدائية كافية للتعليم خصوصاً للإناث، لتبدأ ظاهرة التسرب بالازدياد في المرحلتين المتوسطة والإعدادية". مضيفة، "في المرحلة المتوسطة والإعدادية تبدأ نسبة التسرب من الدراسة بالتصاعد ولا سيما للإناث، وبحسب تقارير يونيسكو، تبلغ نسبة تسرب الإناث 11.4 في المئة مقارنة بالذكور، إذ تبلغ نسبة تسربهم من الدراسة 5.4 في المئة".

أسباب متعددة لترك مقاعد الدراسة

وتقف العوامل الأمنية والاقتصادية في مقدم العوامل التي تؤدي إلى تنامي ظاهرة التسرب من المدرسة، إذ أدى نزوح العوائل بسبب دخول تنظيم "داعش" إلى خسارة التلاميذ مقاعد الدراسة وصعوبة التحاقهم بمدارس أخرى في المناطق التي نزحوا إليها، خصوصاً من اضطروا إلى أن يلجأوا للعيش في المخيمات البعيدة من المدن، وفي العراق حيث ترتفع معدلات الفقر، تدفع العوامل الاقتصادية العوائل إلى تشغيل أفرادها ودفعهم مبكراً إلى سوق العمل، وبالتالي ترك الدراسة.

ورأى عدي العيساوي نائب نقيب المعلمين أن هناك أسباباً اجتماعية لتزايد ظاهرة التسرب، منها ارتفاع معدلات الطلاق التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في العراق، "غالباً ما يؤدي التفكك الأسري، الناتج عن الطلاق، إلى ترك الأطفال مدارسهم بسبب غياب الأب أو الأم أو وجود الطفل في بيئة لا تبالي بأهمية حصوله على التعليم".

المدرسة بيئة غير جاذبة

أضاف العيساوي أن البيئة المدرسية تتسبب في كثير من الحالات إلى الدفع بالأطفال بعيداً عنها، وتكون طاردة للتلاميذ عندما لا تتوفر فيها المستلزمات الدنيا لحياة مدرسية ملائمة، أو عندما تستعمل فيها أساليب غير تربوية مثل استخدام العنف، كما قد تكون بعض المدارس عرضة للتجاوزات من قبل الأهالي ولا سيما على المعلم والملاكات التدريسية ما يؤثر بالتالي في "نفسية التلميذ".

غياب النظرة الشاملة

وأدت سياسات الدولة الخاصة بالتعليم في السنوات الأخيرة إلى تخليها عن دعم الخدمات الخاصة بالتعليم التي كانت تقدم سابقاً بشكل مجاني، فمع عجز الأسرة عن تحمل تكاليف الدراسة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتخلي الدولة عن هذا الدعم، تفاقمت نسبة المتسربين من المدارس، وأوضح العيساوي أن وزارة التربية والحكومة غابت عنهما النظرة الشاملة للاهتمام بالتربية والتعليم، فالوزارة لم تلبِّ متطلبات هذا القطاع ولا سيما زيادة التخصيصات المالية لهذا القطاع، ومنح الطلبة، الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة، مساعدات مالية تساعدهم في تلبية احتياجات الدراسة.

 

التسرب المدرسي ظاهرة هيكلية متجذرة في المغرب

أعادت إحصاءات مغربية رسمية الحديث عن واقع التسرب المدرسي في البلاد، ليُضاف ذلك العامل إلى مجموعة مشكلات أدت إلى إفلاس النظام التعليمي المغربي. وكشف شكيب بن موسى، وزير التربية الوطنية أن حوالى 330 ألف تلميذ يغادرون كل عام الفصول الدراسية، موضحاً أن "تلك المعطيات تؤثر سلباً في مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب، وذلك نظراً إلى الارتباط الوثيق بين واقع النظام التعليمي ومكانة المغرب في ترتيب التنمية البشرية بشكل عام".

ظاهرة سلبية على التنمية

بحسب الباحث في مجال الإدارة المحلية عبد العزيز رشدي، فإن "ظاهرة التسرب المدرسي ليست وليدة اليوم ولكن تعود إلى أعوام"، مضيفاً أن "وزارة التعليم المغربية سبق أن سجلت في 2008 انقطاع أكثر من 300 ألف تلميذ من الفئة العمرية بين 6 و15 سنة، عن الدراسة". وذكر أن "تلك الظاهرة تزيد من فظاعة أزمة الأمّية، إذ هناك مليون طفل، تتراوح أعمارهم بين 9 و14 سنة، خارج المدرسة لا يعرفون القراءة والكتابة". ورأى أن "كل تلك الاعتبارات تجعل المغرب يحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية، على الرغم من الجهود المبذولة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح رشدي أن "ظاهرة الهدر المدرسي تؤثر سلباً في تنمية المجتمع، بحيث أظهرت دراسة من طرف المجلس الأعلى للتعليم عام 2008، أن التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بعد 4 سنوات يؤولون إلى الأمية، مما يشكل استنزافاً للموارد البشرية والمادية للبلاد، إذ يمكن تقدير تكلفة الانقطاع عن الدراسة، بنسبة 2 في المئة من الناتج الداخلي الخام"، مشيراً إلى أن "تقريراً لمنظمة يونيسكو، صادر سنة 2014، صنّف المغرب في المرتبة ما قبل الأخيرة عربياً في عدد الخريجين، و10 في المئة من الأطفال لا يلتحقون بالمدرسة، وحوالى 34.5 في المئة فقط من التلاميذ يلتحقون بالتعليم بالثانوي، هذا على الرغم من كل الإمكانات التي توظَّف في قطاع التربية والتعليم، والتي تفوق 5 في المئة من الدخل العام للبلد".

الأسباب

يؤكد متخصصون أن أسباب التسرّب المدرسي في المملكة مرتبطة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية وبالفقر، أساساً، فيما يشير العامل في المجال التربوي المغربي عبد الوهاب السحيمي إلى وجود أسباب متعددة تجعل آلاف التلاميذ يغادرون المدرسة سنوياً، موضحاً أن "كل المؤسسات الوطنية الرسمية والحكومية تؤكد أن ما يزيد على 300 ألف تلميذ وتلميذة في المغرب يغادرون المدرسة في الأسلاك التعليمية الثلاثة، من دون حصولهم على أي شهادة، مع تسجيل ارتفاع في عدد المغادرين في سلك الابتدائي وكذلك في صفوف الإناث".

وبحسب السحيمي، "تكمن أهم الأسباب في هذا التسرب المدرسي الكبير، في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأسر المغربية، بحيث لا يمكن فصل المدرسة عن محيطها، باعتبار أن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسر المغربية، كالفقر والهشاشة والبطالة... لها انعكاسات مباشرة على مستوى التسرب المدرسي"، مضيفاً أن "الأمّية هي الأخرى لها دور كبير في المعضلة، باعتبار أن الأسر المغربية غير المتعلمة تعتبر مكوث أبنائها في المدرسة مجرد مضيعة للوقت، وأن الأفيد لهم التوجه للعمل وتوفير دخل إضافي لهم".
وشدد السحيمي على أن "غياب جهود الدولة للحدّ من هذه الظاهرة أمر يسهم في تفاقمها، فعلى الرغم من الأعداد الكبيرة التي تغادر المدرسة كل عام، لم تعمل الدولة على تبنّي أي برنامج متوسط وبعيد المدى لمواجهة هذه الآفة، تحديداً على مستوى دعم ومواكبة الأسر المعوزة التي لها أبناء في المدرسة"، موضحاً أن "الدولة مطالَبة بالعمل على الحد من الظاهرة، خصوصاً أن العدد الكبير الذي يغادر سنوياً من دون حصوله على أي شهادة يبقى مجهول المصير، ما يزيد من إمكانية تحوّله إلى قنبلة موقوتة تهدد أمن وسلامة البلد".

جهود رسمية

ورداً على الانتقادات الموجهة للحكومة بخصوص التعامل مع ظاهرة التسرب المدرسي، قال وزير التربية الوطنية إن "الحكومة تعمل على تعميم التعليم الأولي، ما من شأنه الحد من تلك الظاهرة"، موضحاً أنها ستعمل على اتخاذ إجراءات عدة من أجل بلوغ الأهداف، لضمان تعميم تعليم أوّلي عصري منصف ودامج وذي جودة، وتتمثل هذه الإجراءات في "مواصلة تنزيل الأهداف الواردة في البرنامج الوطني لتطوير التعليم الأولي، ورصد المكتسبات المحققة، التي تتجلى أساساً في ارتفاع نسبة هذا النوع من التعليم، إذ انتقلت من 45.3 في المئة المسجلة خلال الموسم الدراسي 2018-2017 إلى 71.3 في المئة في الموسم 2020-2021، كما ارتفع عدد الأقسام المحتضِنة للتعليم الأولي من 37298 قسماً خلال الموسم الدراسي 2018-2017، إلى 45157 قسماً خلال الموسم الدراسي الحالي، من بينها حوالى 16834 قسماً بالتعليم الأولي العمومي، و12181 قسماً بالقطاع الخاص، و6519 قسماً متميزاً بتدخل الشركاء".

وأضاف الوزير بن موسى أن "الحكومة تعمل على توسيع العرض من خلال إنجاز حوالى 4 إلى 5 آلاف وحدة للتعليم الأولي، من أجل بلوغ تعميم تعليم الأطفال (بين أربع وخمس سنوات) في أفق عام 2028"، مؤكداً العمل على رفع جودة التعليم الأولي، "وذلك حرصاً على انتقاء المربين والمربيات حاملي الكفاءات الضرورية للقيام بمهمات تنشيط أقسام التعليم الأولي، وإرساء منظومة للتكوين الأساس لمربيات ومربين متخصصين في التعليم الأولي، تمكّن المستفيد من اكتساب الكفاءات والمهارات الضرورية التي تسمح له بتنشيط أقسام التعليم الأولي".

 

 زواج القاصرات وعمالة الأطفال أبرز الأسباب التسرب في الأردن

ما بين إلقاء اللوم على عمالة الأطفال وظاهرة تزويج القاصرات، والتوجه نحو التعليم الإلكتروني في مرحلة جائحة كورونا، تتزايد أرقام التسرب المدرسي في الأردن يوماً بعد آخر، من دون أن تجد ما يوقفها.

وعلى الرغم من تسجيل الأردن أرقاماً متقدمة على صعيد العملية التعليمية، لكن بعض المؤشرات لا تزال مقلقة، كانخفاض معدل إكمال المرحلة ما قبل الثانوية إلى 60 في المئة، وثبات معدل الالتحاق بالمرحلة الابتدائية عند نسبة 92 في المئة.

في المقابل قلل مسؤولون من أهمية الظاهرة على اعتبار أن نسبة المتسربين منخفضة وتبلغ 4 لكل ألف طالب، وهي نسبة لا يمكن أن تؤثر على العملية التعليمية.

زواج القاصرات

تظهر أرقام رسمية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، تزايد حالات زواج القاصرات في الأردن بوصفها أحد أسباب تسرب الفتيات من المدارس وانقطاعهن عن التعليم، على الرغم من تعليمات حكومية تشترط ألا يكون الزواج سبباً في انقطاع الزوجة عن التعليم لمن هم دون الـ18 من أعمارهن.

ولا تزال الثقافة السائدة لدى فئات محدودة من المجتمع الأردني، تتمسك بمقولة، إن زواج الفتاة أفضل من تعليمها. وترى مؤسسات حقوقية أن تسرب الفتيات من مدارسهن وانقطاعهن عن تعليمهن الجامعي يتسبب في حرمانهن من حقوق أساسية، كالحصول على عمل، والمساهمة في تنمية المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

ويقول مراقبون، إن بعض الممارسات على أرض الواقع تحرم الطالبات المتزوجات من مواصلة التعليم، على الرغم من النصوص القانونية التي تسمح بذلك كنص المادة (6) من تعليمات المدارس الخاصة في الأردن، التي تتيح للطالبة المتزوجة الدراسة في المدارس الخاصة، وكذلك الحكومية، لكن البعض يتهم البيئة المحيطة بخلق أجواء ضاغطة على المتزوجات تدفعهن لاحقاً لترك الدراسة.

ولا توجد أرقام دقيقة تحصي عدد الأردنيات المتزوجات وهن على مقاعد الدراسة، لكن ثمة نسبة تقريبية تشير إلى ذلك وتتحدث عن نحو 11 في المئة من الزيجات لمن هن تحت سن الـ18، كما تسببت جائحة كورونا في رفع نسبة زواج القاصرات خلال عام 2020.

ووفقاً لمنير إدعيبس، المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، ثمة نحو 3438 طالبة تسربن من المدارس و7964 قاصرة تزوجن خلال عام 2020، وخلال العام الدراسي 2019/2020، تسرب من المدارس 7284 طالباً وطالبة شكلت الإناث ما نسبته 47 في المئة.

عمالة الأطفال والتسرب

فضلاً عما تشكله ظاهرة عمالة الأطفال من حرمان واستغلال، فإنها تعد أحد أبرز أسباب تسرب الطلاب من مدارسهم خصوصاً الذكور، إذ تشير إحصائيات إلى أن 70 في المئة من الأطفال العاملين بالقطاع الزراعي ينتمون لأسر تحت خط الفقر.

ويعاني الأطفال العاملون من تدني أجورهم ومعظمهم دون سن الـ12، ووفقاً للأرقام معظمهم من أطفال اللاجئين السوريين في المملكة.

ويرى متخصصون اجتماعيون أن تدني التحصيل العلمي وراء رغبة العديد من الأطفال والطفلات بترك مقاعد الدراسة والاتجاه إلى سوق العمل، خصوصاً وأن أطراف العملية التعليمية والتربوية من الأهل والمعلمين والمعلمات والجهات الحكومية ذات العلاقة لا يولون العناية والرعاية اللازمتين لرفع كفاءة وقدرة الأطفال والطفلات لتحسين تحصيلهم وزيادة رغبتهم في التعليم.

كما أن للنزاعات العائلية والتفكك الأسري دوراً مهماً في تشرد العديد من الأطفال والطفلات وزيادة خطر تعرضهم للاستغلال بكافة أشكاله وأنواعه، ويؤدي إلى دفع المزيد منهم إلى سوق العمل، لا بل والعمل في أعمال خطرة.

تسرب معرفي

تتحدث الأمينة العامة للمجلس الأعلى للسكان في الأردن، الدكتورة عبلة عماوي، أنه رغم تدني النسب السنوية للتسرب المدرسي من المرحلة الأساسية في الأردن، والتي تتراوح ما بين 0.25 إلى و0.38 في المئة، فإن الأعداد التراكمية تشير لوجود مشكلة حقيقية حيث بلغ عدد المتسربين في المرحلة الأساسية، في الأعوام العشر الأخيرة نحو 44 ألف طالب وطالبة، نصفهم من الإناث.

ويعرف متخصصون التسرب المدرسي بأنه انقطاع الطالب عن التعليم الإلزامي لمدة عام كامل، ويقاس حجم التسرب على مرحلة التعليم الإلزامي، لكن من دون إهمال المرحلة الثانوية، وتنفذ وزارة التربية الأردنية برامج للتعليم غير النظامي لمحاربة التسرب، عبر مراكز مسائية تضمن الاستمرار في التعليم. ويسرد آخرون وجهة نظر أخرى تحت مسمى التسرب المعرفي أو المهاراتي، من بينها ضعف الطلبة وعدم تعرضهم للتعليم الجيد، وفي العصر الحديث حيث تطغى التكنولوجيا يؤدي عدم امتلاك بعض الطلاب لوسائل تكنولوجية بهدف التعلم، إلى تسربهم ونفورهم.

وفي هذا السياق يؤكد متخصصون أن ثمة تسرباً إلكترونياً أيضاً، حيث بلغت نسبة تسرب الطلبة عن التعلم عن بُعد نحو 11 في المئة.

 

التسرب هاجس الأولياء في الجزائر

منذ تفشي جائحة كورونا، تؤرق مشكلة التسرب المدرسي بشدة أولياء التلاميذ في الجزائر، اذ أبعدت فترة الحجر الصحي، الأطفال عن مقاعد الدراسة وقرّبتهم أكثر من المنازل أو الشوارع من خلال تزايد رغبتهم بالتوجه نحو سوق العمل، خصوصاً في ظل سياسة الدراسة بالتفويج (بتقسيم عدد التلاميذ إلى فوجين) التي تبنّتها وزارة التعليم في ظل إجراءات التباعد والوقاية.

ولاحظ أولياء عدة ممن تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، أنهم باتوا يجدون صعوبة بالغة في إرسال أطفالهم إلى المدراس بسبب تعوّدهم على فترات الغياب عن المؤسسات التعليمية، في وقت تراجع مردودهم الدراسي بشكل لافت، وهو ما تترجمه نتائج التحصيل، وتقول سيدات إنهن بتنَ يتخوفن من سيناريو التسرب المدرسي، في حال استمر أبناؤهم بالوتيرة ذاتها.

3 فئات 

وفي دراسة أجرتها دريوش وداد، الأستاذة في قسم علم الاجتماع والديموغرافيا بجامعة البليدة الجزائرية، حول "واقع التسرب المدرسي"، رصدت أن البلاد تشهد ثلاث حالات من التسرب المدرسي، الفئة الأولى تتكون من التلاميذ الذين تخلّوا عن دراستهم في حين أنه ما زال بإمكانهم مواصلتها، لكونهم لم يبلغوا السن المحددة للتمدرس الإلزامي، 16 سنة ويتعلق الأمر خصوصاً بالإناث في المناطق الريفية.

وتضم الحالة الثانية التلاميذ البالغين 16 سنة فأكثر الذين لا تسمح لهم نتائجهم الدراسية بمواصلة دراستهم والذين يتم إقصاؤهم من المدرسة، أما الفئة الثالثة وهي أقل أهمية من حيث العدد من سابقتيها وهي تخص التلاميذ في مختلف المستويات الذين وإن كانت نتائجهم الدراسية مقبولة، إلا أنهم ينقطعون عن الدراسة لأسباب مادية في غالبية الأحيان لأنهم ينتمون إلى أوساط اجتماعية معوزة.

ونزيف التسرب المدرسي يرتفع خصوصاً في الأرياف لبُعد المدارس وغياب النقل وافتقادها لأجهزة التدفئة، إضافة إلى ارتفاع نسب الفقر، فيجد الأبناء أنفسهم مجبرين على تحصيل قوت يعيل عائلاتهم، إذ يعتقد بعض المربين أن خيار وقف الدراسة في سن صغيرة مردّه إلى الظروف الاجتماعية التي تعيشها آلاف العائلات.

2 في المئة

يكشف تقرير نشرته وزارة التربية في أبريل (نيسان) 2021 أن نسبة التسرب المدرسي بمرحلة الابتدائي بلغت 0.11 في المئة، و2 في المئة في مرحلة التعليم المتوسط.

وترجع التربية الجزائرية أسبابها إلى انفصال الوالدين وزواج البنات عرفياً، والتحول والالتحاق بمدارس القرآن والزوايا في بعض المناطق، إضافة إلى الزواج المبكر للبنات، بخاصة في مناطق الجنوب.

في حين تذهب إحصاءات غير رسمية إلى أن الجزائر تُسجل سنوياً أكثر من 200 ألف حالة تسرب مدرسي، ويوجد أكثر من نصف مليون طفل خارج مقاعد الدراسة، وتستوعب مراكز التأهيل المهني نحو 300 ألف من هؤلاء، في حين يبقى 200 ألف منهم من دون مستقبل معلوم، ويتوجهون بغالبيتهم إلى عالم الشغل.

وتُعتبر الدراسة في القانون الجزائري إجبارية، ويمنح لوكيل الجمهورية أو رئيس البلدية سلطة رفع دعوى قضائية ضد الوالدين في حال تعمّدهما حرمان أبنائهما من مقاعد الدراسة، إذ تخصص الدولة موازنة معتبرة لقطاع التعليم، إلا أن المنظومة التعليمية لا تزال محل مطالبات بإصلاحها من خلال إعادة النظر في الغايات والأهداف والوسائل والبرامج والمناهج والموارد البشرية.

"يونيسف" تنتقد والجزائر ترد

وأخيراً، شكل تقرير ممثلية صندوق الأمم المتحدة للطفولة في الجزائر (يونيسف)، نقطة خلاف بين الجزائر والمنظمة الأممية والذي حمل عنوان "انتقال الشباب ما بين 15 و24 سنة إلى حياة البالغين"، إذ ذكر أنه "إضافة إلى معاناتهم من البطالة والهشاشة، يواجه الشباب الجزائري ضعف التمدرس والتهميش الاقتصادي والاجتماعي".

وأثار ذلك حفيظة السلطة الجزائرية التي ردّت عن طريق وكالة الأنباء، التي قالت إن التقرير فيه "مجموعة من الأكاذيب الملفقة عمداً لمحاولة تسويد صورة الجزائر"، وتساءلت "ما سر اهتمام يونيسف بهذه المواضيع على وجه الخصوص، إن لم يكُن القصد منها تقديم صورة سوداوية عن الجزائر".

وشددت السلطة على أن المسؤول الأول لهذه الهيئة الأممية في الجزائر، قد وجد لنفسه هوايات أخرى مثل الشغل والأمراض وحوادث المرور، فمن المفروض أن تبرز "يونيسف" المكانة المهمة التي يحتلها الأطفال في سياسة الدولة، لأنه وفي هذه السنة فقط، التحق أكثر من 12 مليون طفل بمقاعد الدراسة على نفقة الدولة، وأن الجزائر تحتل مركزاً جيداً في تصنيف التربية بنسبة أمية تبلغ 7 في المئة، فضلاً عن وجود فضاءات لعب في كل المدن والقرى الجزائرية، وهو ما لم تلاحظه هذه المنظمة.

ولفتت إلى أن التقرير أغفل حقيقة أن الجزائر هي أول بلد خارج أوروبا يخصص منحة بطالة، وهي الأولى من حيث الأمن الغذائي على المستوى الأفريقي، في حين استند التقرير إلى الأخبار الكاذبة حول التسرب المدرسي والبطالة في أوساط الشباب وتشغيل المرأة وحوادث المرور.

كما صرّحت المفوضة الوطنية لحماية الطفولة بالجزائر مريم شرفي بأن "مجانية التعليم وإلزاميته في الطورين الأول والثاني، تسمح حالياً بتدريس ما يقارب 12 مليون طفل متمدرس، في حين أن عمالة الأطفال لا تتجاوز 0.05 في المئة".

ويقترح باحثون مجموعة من السبل لمواجهة هذه الظاهرة، منها مساعدة الأسر الضعيفة الدخل أو المعوزة مادياً لتمكينها من تلبية بعض حاجات الأطفال ذات العلاقة بالتمدرس، والاعتناء أكثر بالتلاميذ الذين تظهر عليهم بوادر التراجع الدراسي، مع سنّ دراسات جادة لتحديد أسباب انتشار التسرب المدرسي.

 

الفقر والجوع أبرز الأسباب التي فاقمت أزمة التسرب المدرسي في السودان

في آخر دراسة أُجريت في السودان خلال حكم عمر البشير عام 2017 بواسطة وزارة التربية والتعليم السودانية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، تم الكشف عن "وجود ما يزيد على ثلاثة ملايين طفل سوداني لم يلتحقوا بالمدارس". فيما تؤكد الدراسة أن "ثلث الأطفال معرضون لترك الدراسة قبل الوصول إلى العام الأخير من التعليم الابتدائي".

وأوضحت الدراسة أن "البنات أكثر عرضة لترك مقاعد الدراسة". ونبهت إلى أن 45 في المئة من الأطفال يتسربون من الدراسة في المرحلة الأخيرة من التعليم الأساسي، بينما لا تلتحق نسبة 43 في المئة منهم بالمدارس أبداً.

الأسباب  

النزاعات المستمرة والفقر والحروب والاقتصاد المتدني كلها أسباب جعلت نسب هروب الأطفال من الدراسة في تزايد مستمر. بالإضافة لعدم وعي الأسر بأهمية التعليم وبالتالي لا يجد الأطفال الدعم من أسرهم لدخول المدرسة أو مواصلة تعليمهم.

وفي إحصاءات أوضحت الأعداد الحقيقية تبين أن نسبة الأطفال الذين يتمتعون بالتعليم القبل المدرسي هم (39.7 في المئة)، والذين يتمتعون بالتعليم الأساسي نسبتهم (70.1 في المئة) والثانوي (37 في المئة).

بينما ضاعفت التفرقة المبنية على النوع عدد الطفلات اللواتي حُرمن من التعليم. حيث شكلت نسبة الاستيعاب للبنات 6.64 في المئة في حين أن نسبة الاستيعاب للأولاد بلغت 4.67 في المئة، مما يعني وجود فروق نوعية بين الجنسين لصالح الأولاد.

في هذا الصدد قالت الباحثة الاجتماعية سمية مصطفى إن "الظاهرة موجودة ومتفاقمة والمجتمع لا يرغب في حلها بل يتجاهلها، لذلك هي في حالة تزايد مستمر".

وترى مصطفى أن "انشغال أبناء المجتمع بأمور أخرى جعلتهم غير مهتمين بمواصلة أبنائهم التعليم. وحتى في حال مواصلة تعليمهم فإنهم غير مستعدين لمتابعتهم ومعرفة أدائهم الدراسي. ويعود ذلك إلى أسباب اقتصادية قاسية، إذ تعاني الأسر في الحصول على الخبز ناهيك بباقي الاحتياجات، مما يجعل الأبناء يتسربون من الدراسة بعلم أهاليهم أو من دون علمهم، وذلك للحصول على أعمال هامشية لزيادة دخل الأسرة ولو قليلاً".

وفيما يتعلق بالحلول اعتبرت مصطفى أن "القضاء على التسرب المدرسي بات أكثر صعوبة، خصوصاً بعد الثورة التي زادت الأمور تعقيداً ومع ارتفاع الدولار الذي ترتبت عليه زيادة كبيرة في الأسعار. ولكن في حال تكاتفت الجهود يمكن أن ننتشل أعداداً كبيرة من هؤلاء الأطفال وذلك بتوفير وجبة الفطور مجاناً في المدارس الحكومية".

وتضيف مصطفى "ليست الظروف الاقتصادية فحسب، بل التمييز النوعي ضد الفتيات جعل عدداً كبيراً منهن يفضلن عدم الذهاب للمدرسة سواء برضاهن أو بسبب الضغوط الأسرية. بالإضافة إلى العادات المجتمعية المتمثلة في زواج القاصرات واللواتي يُمنعن من مواصلة تعليمهن".

الغذاء مقابل التعليم

طبقت منظمات خيرية وولايات سودانية برنامج الغذاء مقابل التعليم لتشجيع الأطفال على مواصلة الدراسة، التي يتركونها غالباً للالتحاق بأعمال هامشية لتوفير الطعام لهم ولأسرهم والتي تكون تحت خط الفقر.

في 2018 تشير إحصاءات سودانية رسمية إلى أن عدد الأطفال المشردين في الخرطوم وحدها يبلغ أكثر من ستة آلاف، في حين تقول منظمات مجتمع مدني إن هنالك أكثر من 13 ألف مشرد. ويعاني هؤلاء الأطفال سوء الأوضاع والتشرد، وجلوسهم في الشارع معظم الوقت أدخلهم عوالم خفية متعلقة بتجارة المخدرات وتعاطيها مع تعرضهم للعنف الجنسي والنفسي.

المتطوعة في مجال التعليم سناء الهادي قالت إن "التسرب المدرسي ظاهرة متفشية يجب أن ينظر لها باهتمام أكبر. خصوصاً أن السودان يعاني أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة ويقع ضحية تلك الأزمات دائماً الأطفال في سن المدرسة. والآن حتى الأطفال المنتظمون دراسياً وجدوا أنفسهم غير قادرين على مواصلة تعليمهم بصورة منتظمة بسبب الأزمات السياسية التي يترتب عليها إغلاق المدارس باستمرار".

وأضافت الهادي "الظاهرة كبيرة ومخيفة وتطبيق نظام الغذاء مقابل التعليم غير كافٍ، لأن حوجة هؤلاء المتسربين من الدراسة أكبر من وجبة غذائية خلال اليوم الدراسي، فالأمر متعلق بعد وجود سكن لهم أو حتى الذين يعيشون مع أسرهم أحياناً يتركون الدراسة بسبب ضغوط أسرية ترى أن التعليم لا جدوى منه".

 

الفقر وضعف التكوين يوسعان خارطة التسرب في تونس

في تونس، ينقطع يومياً نحو 280 تلميذاً وتلميذة عن الدراسة، وسنوياً أكثر من 100 ألف تلميذ عن الدراسة، بينما بلغ العدد الإجمالي في السنوات العشر الأخيرة، للمنقطعين نحو مليون تلميذ، وتعكس هذه المؤشرات حجم الظاهرة وخطورتها على المجتمع، إذ يضاف هؤلاء المنقطعون إلى قوافل العاطلين عن العمل في ظل غياب برامج التكوين والتأطير التي تستوعبهم وتنتشلهم من شبح الانحراف في الشارع.

ظروف اجتماعية قاسية

مروى بن العايش، (15 سنة)، من منطقة ريفية نائية في معتمدية سجنان بمحافظة بنزرت الواقعة شمال العاصمة، انقطعت عن الدراسة منذ نحو عامين بسبب ظروفها الاجتماعية الصعبة وعدم قدرة عائلتها على دفع مصاريف الدراسة والإقامة في المبيت، فخيرت مساعدة والدتها في شؤون المنزل وبعض الأعمال الفلاحية، وقالت بحسرة شديدة "أتألم كلما رأيت أبناء وبنات الدوار (الحي)، يحملون حقائبهم في بداية الأسبوع ويستقلون الحافلة في اتجاه المدرسة الإعدادية"، وتضيف "كنت متفوقة في الدراسة، لكن ما باليد حيلة".

وتضيف مروى "أحن إلى مدرستي وكتابي وكراسي، كما اشتاق لأجواء المبيت ولأصدقائي، إلا أن قساوة الظروف الاجتماعية مزقت أحلامي". وخلصت إلى أنها تعتزم الالتحاق بأحد مصانع الخياطة في العاصمة أو في ولاية ساحلية، "لأتخلص من هذه المعاناة" في إشارة إلى العمل الفلاحي.

"معلمتي تسخر مني وتعاقبني"

أما ماهر الجميعي، (13 سنة) من منطقة نعسان بولاية بن عروس (تونس الكبرى)، فانقطع عن الدراسة منذ ثلاثة أعوام، هو طفل يتقد نشاطاً وفِطنة، يبيع خبزاً على الطريق الرئيس في المساء، ويساعد والدته في جمع القوارير البلاستيكية صباحاً، قال "لا أحب الدراسة، معلمتي تسخر مني، وتعاقبني وأحياناً تضربني لعدم إنجاز تماريني، أخشى أسوار المدرسة أشعر داخلها بالبرد والاختناق والمدير يخيفني، لكنني أحب أصدقائي...".

وختم ماهر بابتسامة خجولة ولا مبالاة طفولية، قائلاً "بالدراسة أو من دونها الحال مُتشابه". 

أسباب بيداغوجية تربوية

تختزل الشهادتان وضعاً معقداً لواقع التعليم في تونس الذي يشكو تدهوراً في المناهج والمضامين واهتراء في البنية التحتية، في ظل غياب المرافق الأساسية في أغلب المدارس والمعاهد من دون وجود برنامج واضح المعالم ومحدد الأهداف للإصلاح.

ويُرجع الدكتور عبد العزيز الكردي، المتفقد العام للتربية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أسباب تنامي الانقطاع المدرسي إلى "بيداغوجية تربوية، وأخرى اقتصادية واجتماعية"، مشدداً على أن "الطفل حين يدخل المدرسة لا يجد القبول الجيد الذي يناسب خصوصياته النفسية والذهنية"، ومن دون أن يتهم المعلمين بالتقصير، يقول "إن المربي لا يعرف جيداً خصائص المتعلم (التلميذ)، داعياً إلى مزيد تكوين الإطار التربوي، حتى يزرع في التلاميذ من كل الأعمار حب الدراسة".

كما يقر المتفقد العام للتربية، بوجود "نقص في المعرفة بخصوصيات التلميذ، وبالتحولات الطارئة على الأجيال الجديدة، من المتعلمين المتشبعين بالتكنولوجيات الحديثة، بينما لم تتطور المضامين المدرسية".

ويضيف "لم تعُد المدرسة في تونس مصعداً اجتماعياً، يعزز الإقبال عليها، وسط تغير النظرة إلى التعليم الذي يفرز سنوياً آلاف العاطلين عن العمل".

ويشدد الكردي، على "ضرورة تغيير منظومة التعليم لمواكبة العصر، من خلال استراتيجة واضحة لإصلاح المنظومة التربوية"، لافتاً إلى أن "ثلث المواد التي يدرسها التلميذ لا يحتاجها".

المدرسة فقدت قيمتها الرمزية

وترتبط ظاهرة الانقطاع المدرسي بخارطة الفقر في تونس، حيث يتم تسجيل أعلى نسب انقطاع في المناطق الداخلية، مثل القصرين، وسيدي بوزيد، والقيروان وسليانة.

وتشير الإحصائيات إلى أن 50 في المئة من التلاميذ الذين غادروا المدرسة لم يدخلوا الأقسام التحضيرية، التي تؤهلهم للمدرسة نفسياً وبيداغوجياً.

تغير هرمية القيم اليوم، وتراجع مكانة التعليم في الذهنية العامة، بخاصة مع ضمور الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للتعليم، باعتبار تزايد عدد العاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا، جعل نسبة كبيرة من الأطفال تترك المدرسة وتندمج مبكراً في سوق الشغل.

كما تقلص دور المدرسة في أداء وظيفتها التعليمية، لتقادم البرامج وعدم مواكبتها للتطورات التكنولوجية، وبات فضاء المدرسة منفراً للتلاميذ كما ضعفت العلاقة الاتصالية بين المدرسة والأسرة.

في المقابل، يزدهر القطاع الخاص في التعليم من خلال فضاءات مبتكرة وأدوات تعليمية حديثة وتفاعلية تعكس روح العصر، وتقدم المدرسة الخاصة مضامين تربوية مختلفة عما تقدمه المدرسة العمومية، ما عمق الهوة بين المدرسة العمومية والمدرسة الخاصة.

وتجدر الإشارة أن آخر تقييم لمؤسسة "بيزا" للأنظمة التربوية (برنامج التقييم الدولي للطلبة)، وضع تونس في المرتبة 63 من مجموع 65 دولة، ما يعكس ضعف المنظومة التربوية وتراجع قيمة المدرسة.

مدرسة الفرصة الثانية

وفي محاولة لإيجاد بدائل حقيقية للمنقطعين عن الدراسة، وبهدف تأهيل وتكوين هذه الفئة وتسهيل إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي، وبالشراكة مع المنظمة الأممية للطفولة بتونس (يونيسف)، تم سنة 2021، إحداث "مدرسة الفرصة الثانية" في العاصمة تونس، على أن يتم تعميم هذه التجربة على عديد الولايات الداخلية.

المزيد من تحقيقات ومطولات