Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطر التسرب المدرسي يحدق بالتعليم في موريتانيا

معوقات وصعوبات كبيرة تدفع الفتيات إلى عدم مواصلة الدراسة

عقبات كثيرة تؤثر في الجهود التي تبذلها السلطات في موريتانيا لمواجهة التسرب المدرسي خصوصاً للفتيات (أ ف ب)

يعتبر التسرب المدرسي (ترك الطالب المدرسة قبل نهاية المرحلة التعليمية) من الظواهر الخطيرة في أي مجتمع، وباعتبار أن العلم هو معيار رقي الفرد ووعيه وفتح فرص الحياة أمامه، وهو أيضاً مقياس تقدم الأمم؛ فإن دول العالم تسعى إلى تعميمه وتركيزه وتطويره ومواجهة كل معوقاته.

عودة للتاريخ

إذا عدنا إلى النظام التعليمي في موريتانيا نجد أنه قام على أساس هش، فقد ربط الموريتانيون بين التعليم الحداثي الذي جاء مع الاستعمار الفرنسي والظاهرة الاستعمارية نفسها، حيث رفض الكثير من الموريتانيين دمج أولادهم في المدرسة الحديثة، ثم استمرت المواجهة بين جيلي الحداثة الداعي إلى التمدرس باعتباره ضرورة حضارية، والرافضين له باعتباره ظاهرة من ظواهر الاستعمار الثقافي؛ وظلت المواجهة قائمة بين الطرفين حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي.

أما تعليم الفتيات فظل محاطاً بمعوقات وصعوبات كثيرة، بل إن بعض الفقهاء المؤثرين في المجتمع ما زالوا يرفضونه حتى الساعة، لأنه، وبحسب رأيهم، مدعاة للاختلاط بالرجال، وخروج المرأة عن وقارها واحتشامها الذي لا يضمنه غير بقائها في البيت، هذا الواقع جعل موريتانيا استثناء عن غيرها من الدول العربية التي قطعت الشك باليقين وانصهرت في النظام المدرسي الحديث وهذا البعد الديني وما يحمل من تجليات اجتماعية لا تزال مضاعفاته تؤثر في تمدرس الفتاة الموريتانية ويسهم في تركها الدراسة.

معوقات

هناك معوقات وصعوبات كبيرة تقف دون انصهار الفتاة الموريتانية في النظام المدرسي وتدفعها إلى عدم مواصلة الدراسة، ومن تلك المعوقات والصعوبات أن المجتمع في عاداته وتقاليده لا يحبذ تعليم الفتاة لأنها أعدت بحسب التقاليد والعادات لوظيفة واحدة هي وظيفة الأمومة ورعاية شؤون البيت، ولذلك نجد أن طبقة الزوايا (الطبقة المتخصصة في الثقافة تاريخياً) اعتمدت شعار علموهن الغزل والطبخ ولا تعلموهن الكتابة والقراءة، ومن هذا المنطلق كانوا يعلمون الفتاة القليل من أحكام الصلاة مع آيات قليلة من القرآن الكريم وكل ذلك عن طريق التلقين، وهناك اعتقاد سائد في بعض مناطق موريتانيا مضمونه أن الفتاة المتعلمة تكون ساحرة. 

ومن الصعوبات التي تواجهها الفتاة الموريتانية أيضاً ضعف التغطية المدرسية في المناطق الداخلية (المناطق الريفية)، حيث لا تتوافر في تلك المناطق المدارس الابتدائية والثانوية؛ وتنقطع الفتيات عن الدراسة لأن تقاليد المجتمع لا تسمح لهن بالسفر والسكن خارج البيت، إضافة إلى الزواج المبكر الذي يشجعه المجتمع ويدفع إليه.

ويزيد ضعف الوسائل المادية من تلك الصعوبات، فالأسر الفقيرة التي تسكن المدن وتملك وعياً يدعوها لتعليم بناتها لا تملك الموارد المالية الكافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إضافة إلى الدور السلبي الذي يقوم به الرجل، ففي مجتمع ذكوري مثل المجتمع الموريتاني، يشجع الكثير من الرجال على عدم دمج المرأة في النظام التعليمي كما يخرجونها قسراً من المدرسة بمجرد أن تتزوج، ولهذا السبب تقوم وزارة التهذيب الوطني بالتعاون مع وزارتي الشؤون الإسلامية ورابطة العلماء الموريتانيين، بتنظيم العديد من الورشات التي تستهدف توعية الأزواج بضرورة دعم زوجاتهم الراغبات في الدراسة.

ومن المعوقات أيضاً التفكك الأسري الناتج من الطلاق، حيث يسهم انفراط عقد الأسرة في ظاهرة التسرب المدرسي، حيث تعجز الأم عن متابعة الإشراف على دراسة ابنتها، كما أن وفاة أحد الوالدين يسهم في تفاقم هذه الظاهرة.

يقول الأستاذ الجامعي محمد ولد الرباني "على رغم أن موريتانيا قطعت أشواطاً لا بأس بها في عملية تعليم البنات، ومواجهة تسربهن من المدرسة فإن عقبات كثيرة ما زالت تؤثر في الجهود التي تبذلها الدولة في هذا المجال؛ ومن تلك الصعوبات: التقاليد الاجتماعية السائدة التي تجعل زواج البنت أهم من دراستها، لذلك يجب توعية المجتمع على خطورة الزواج المبكر الذي يمنع البنت من مواصلة الدراسة، وفي هذا المجال لا بد من إشراك الفقهاء المتنورين لأن تأثيرهم لا يزال قوياً في المجتمع، كما أن ضعف تحصيل البنت قد يدعوها للملل من الدراسة، فتقطع تعليمها إضافة إلى ضعف التغطية المدرسية، إذ إن مناطق كثيرة من الوطن والتجمعات الريفية لم تحظ بعد ببنى تحية مدرسية". 

ويقول مدير الدروس بالمدرسة العليا لتكوين الأساتذة ابوه بلبلاه: "التسرب المدرسي سواء بمفهومه العام الذي يشمل الإناث والذكور، أو بشكله الذي يخص الفتيات؛ ظاهرة عالمية تتنوع وتتعدد أسبابها تبعاً للدول، وتبذل الأمم المتحدة وهيئات التنمية المتفرعة منها، مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، جهوداً كبيرة في مواجهته، وهو معوق اقتصادي كبير، لما يسبب من بطالة وتشرد اجتماعي، وضعف في المردودية الاقتصادية، بل إن التسرب المدرسي يعيد إنتاج الأمية. ويحسب دراسة صادرة عن البنك الدولي عام 2017، فإن واحدة من عشر فتيات في الدول الفقيرة هي التي تكمل دراستها الثانوية؛ وهذا المؤشر خطير جداً، لأن إكمال الفتاة دراستها الثانوية هو سبيلها للنجاة من الزواج المبكر، وهو العامل الذي يفتح أمامها آفاق التعليم الجامعي".

التسرب المدرسي أكثر خطورة على الإناث

لا جدل حول خطورة التسرب المدرسي بالنسبة للجنسين، غير أن الفتاة التي لا تكمل دراستها تسد أمامها آفاق العمل والانتاج الاقتصادي، إذ إن بنيتها الجسمية لا تسمح لها بالأعمال التي تتطلب جهداً بدنياً، كما أن فرصها في الحصول على التكوين المهني ضعيفة.

تقول مريم محمد موسى رئيسة مصلحة الإعلام بوزارة شؤون المرأة والطفولة: "تسرب البنات ظاهرة خطيرة وقد وصلت إلى حد مخيف في موريتانيا، وهي جزء من التراكمات الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في تخلف المرأة وتهميشها، وعلى رغم تضافر جهود الدولة والمؤسسات الدولية المانحة؛ والنشاط التعبوي المكثف لهيئات المجتمع المدني، حول خطورة التسرب المدرسي، فإن الظاهرة لا تزال مستفحلة مما يعني أن كل تلك الجهود لم تثمر النتائج المرجوة منها، وتقتضي مواجهة التسرب المدرسي في نظري، تضافر جهود العديد من الجهات والهيئات المعنية بالموضوع، مثل وزارة التهذيب الوطني ووزارة التشغيل؛ ورابطة العلماء الموريتانيين، والمؤسسات الإعلامية الوطنية الفاعلة؛ والمركزية الوطنية لإدارة شؤون المجتمع المدني؛ ولا بد من بذل جهود خاصة لتعبئة الأمهات والآباء والأزواج حول الموضوع، وأشير إلى أن جميع إصلاحات التعليم؛ التي عرفتها البلاد لم تعط التسرب المدرسي ومعالجة تهميش البنت من التعليم أهمية تناسب حجم الظاهرة".

ويعبر اختلاف الأرقام التي يقدر بها مسؤولو قطاع التربية النسب المئوية لظاهرة التسرب المدرسي للفتيات عن اختلال بين في سياسة مواجهة الظاهرة، ولهذ السبب من الصعب الحصول على أرقام رسمية متفق عليها عن نسب التسرب المدرسي في صفوف الفتيات. وذكر مسؤول تربوي أن نسبة تسرب الفتيات تبلغ 27 في المئة، وهي النسبة التي اعتمدتها الدولة عام 2018.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير