Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المساعدات الأوروبية للسوريين تنفق عبر المجتمع المدني لا الحكومات

واشنطن وبروكسل تتجهان نحو مزيد من التشدد في تطبيق العقوبات على دمشق رغم الإفراج عن معتقلين

الدمية العملاقة "أمل" التي تمثل طفلة مهاجرة سورية تبلغ من العمر 10 سنوات، في مدينة لفيف الأوكرانية (أ ف ب)

انتهى مؤتمر بروكسل الخاص بقضية النازحين السوريين، والذي حمل عنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، وجرى في 9 و10 مايو (أيار) الحالي، إلى تخصيص زهاء 6.4 مليار دولار كمساعدات للنازحين في دول الجوار السوري، حيث انتشروا، وخصوصاً لبنان والأردن وتركيا. وفاق هذا المبلغ، الذي سينفق على مرحلتين في هذه الدول، التوقعات، بعد أن كان ممثلو بعض الدول تحدثوا عن خفض المساهمة في تمويل إقامة النازحين فيها، وكذلك المجتمعات المضيفة، بسبب تكاليف الحرب في أوكرانيا.
وقال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إن التعهدات المالية تظهر أن "المجتمع الدولي لا يزال مصمماً على دعم الشعب السوري أينما كان، وكذلك المجتمعات المضيفة السخية التي تؤويهم". وأوضح أن الاتحاد الأوروبي "يحافظ على شعلة الأمل من أجل سوريا عادلة ومسالمة". وأضاف، "ما زلنا مقتنعين بأن الحل السياسي الشامل، بوساطة الأمم المتحدة، هو الضرورة القصوى. وعلى الرغم من أن مؤتمر هذا العام يعقد على خلفية الحرب ضد أوكرانيا، فإننا لن ننسى الشعب السوري". وكانت منظمات إنسانية سورية معظمها معارض للنظام، ناشدت المؤتمرين عدم تسييس المساعدات، وعدم ربط تقديمها بالموقف السياسي من النظام، بعد إشاعة أجواء عن إمكان خفض المساعدات للنازحين بسبب انحياز دمشق إلى روسيا في المواجهة التي تخوضها الدول الأوروبية وأميركا معها في أوكرانيا. وحضرت هذه المنظمات مؤتمر بروكسل.

وأكد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة تطبيق القرار الدولي الرقم 2254، الذي ينص على عملية الانتقال السياسي، مشيراً إلى حضور ممثلي 75 دولة ومنظمة إنسانية ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالمساعدات.

الإنفاق عبر منظمات المجتمع المدني لا الحكومات

ووفق قول مصادر مشاركة في المؤتمر، فإن اللافت هو أن هذه المساعدات، إذا صُرفت بمجملها في العام الحالي وخلال العام المقبل، سيقدم معظمها عبر هيئات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وليس كما كان يحصل في السنوات السابقة عبر إيكال إنفاق بعضها إلى المؤسسات الحكومية في هذه الدول. وهذا القرار، يبدو أنه يقصد بشكل رئيس سوريا ولبنان، الذي اعتمدت فيه حكومات الدول الغربية هذه القاعدة، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020، وتسببه بكارثة غير مسبوقة لجهة الدمار الذي لحق بالعاصمة وعدد الضحايا والجرحى الذين سقطوا خلاله وبعده. فالمجتمع الدولي تعامل مع المسؤولين في الحكومة اللبنانية على أنهم منبوذون ومتهمون بالهدر واستخدام المساعدات لصالح محازبيهم والأزلام، بعد ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ضد الطبقة السياسية الحاكمة، المتهمة بالمسؤولية عن الانهيار الاقتصادي المالي الذي أصاب البلد.
ويعبر تخصيص مبالغ المساعدات للنازحين عبر هيئات المجتمع المدني، لا الحكومات، عن توجه سياسي للحيلولة دون استخدام الجهات الحاكمة في الدول المعنية تلك المساعدات لأهداف سياسية. وبالنسبة إلى الحكومة السورية، يرمي إلى حرمانها من الإفادة من المساهمات المالية الأوروبية والأميركية ومن بعض الدول الآسيوية الحليفة، لتوطيد إمساكها بالسلطة وتخصيص هذه المساعدات للمناطق والفئات الموالية لها وحجبها عن المناطق المحتاجة التي لحقها الدمار، والتي لا تقع تحت نفوذ قوات النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين والميليشيات التي تأتمر بتعليمات "الحرس الثوري" الإيراني.

اعتراضان سوري ولبناني

وكانت الحكومة السورية تعتبر على الدوام أن تمرير المساعدات الإنسانية الدولية للنازحين عن طريق غيرها أو عبر جهات معارضة، لا سيما في الشمال إلى داخل سوريا، مخالفاً لمبدأ سيادة الدولة، وتصر على أن يتسلمها الهلال الأحمر السوري الذي تديره شخصيات موالية للنظام.
وتسبب هذا التوجه بانتقادات وجهها وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب في كلمته أمام المؤتمر، إذ قال إن "بعض المنظمات الدولية والمدنية لا تحترم مؤسسات الحكومة وتعمل على الأرض من دون التنسيق معها، وهذا التصرف ليس ممارساً في أي دولة في العالم". وشدد الجانب اللبناني على ضرورة عودة النازحين في لبنان إلى بلادهم.
وأوضح بوحبيب أن لبنان استطاع أن يحقق عودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلدهم، "لكن نراهم يعودون للحصول على المساعدة الشهرية من المنظمات المانحة"، لكنه شدد على أن لبنان يبقى "ضد استعمال القوة لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم ومع العودة الآمنة والكريمة، لكن لا يمكن الاستمرار بقبول الوضع الراهن".

وكان وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هيكتور حجار، تحدث بدوره عن ضرورة إعادة النازحين إلى سوريا "لأن لبنان لم يعد يحتمل". وحمل مسؤولية إيجاد التمويل اللازم لهذه العودة للمجتمع الدولي، فرد عليه أحد ممثلي المجتمع المدني في سوريا، أسعد العشي، مطالباً إياه بالعمل على سحب "حزب الله" من سوريا، وإعادة ودائع السوريين المحجوزة في المصارف اللبنانية، كي تتم هذه العودة.
وذكرت مصادر اطلعت على الحوار الذي دار خلال مؤتمر بروكسل أن جزءاً من المساعدات التي ستوزع على المناطق كافة، سيوجه إلى منطقة الشمال السوري، حيث تتمركز "قوات سوريا الديمقراطية" ذات القيادة الكردية، بدعم أميركي.

اللاءات الأوروبية والحذر الأميركي

وازداد حذر المسؤولين الأوروبيين والأميركيين حيال المساعدة عن طريق النظام في سوريا لأسباب عدة منها أن دمشق اختارت الانحياز إلى روسيا والعودة إلى توثيق علاقاتها بإيران، في خضم الصراع الدولي الراهن. كما أن مصادر المشاركين في مؤتمر بروكسل أشارت إلى أن لدى الأوروبيين ثلاثة ثوابت حيال سوريا، حتى إشعار آخر، هي الحفاظ على اللاءات الثلاث، وهي: لا لإعادة إعمار ما تهدم، ولا للتطبيع مع نظام الأسد، ولا رفع للعقوبات بهدف التعامل معه، طالما أنه ليس هناك أي تقدم على صعيد العملية السياسة لتحقيق "حكم انتقالي" كما ينص عليه القرار 2254.

وتنسجم هذه اللاءات مع التوجه الذي تميز به القضاء الأوروبي في الآونة الأخيرة بمحاكمة عدد من رجالات النظام المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان (في ألمانيا والسويد...)، ومع التوجه الأميركي المتشدد الذي تجلى في دعوات متزايدة إلى عدم التهاون في تطبيق "قانون قيصر" للعقوبات على التعامل مع النظام السوري مالياً وتجارياً في شكل يحول دون استفادته من أجل إطالة الحرب في سوريا. ويبدو أن اللوبي السوري المعارض في واشنطن قد أقنع عديداً من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بمزيد من خطوات الضغط على النظام بدلاً من الانفتاح عليه. وهو أمر لقي تجاوباً إلى درجة أن بعض النواب الأميركيين اعترضوا علناً على مشروع الاتفاق الذي سوّقته وزارة الخارجية في إدارة بايدن من أجل مساعدة لبنان على تجاوز جزء من أزمة الطاقة التي يعانيها، عن طريق استجرار الغاز المصري إليه، واستجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا، كون الأخيرة ستحصل على حصة من هاتين العمليتين. وأدى ذلك إلى تجميد العلميتين من أجل التأكد من قبل وزارة الخزانة الأميركية من أن العقود التي ستنظمهما لن تؤدي إلى إفادة شركات تابعة للنظام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العفو عن جرائم الإرهاب والتشدد الغربي

وتفيد المعلومات بأن إعلان الأسد العفو العام عن جرائم الإرهاب في سوريا، في 30 أبريل (نيسان) الماضي، الذي أراد منه إشاعة أجواء بأنه يتخذ خطوات على طريق الحل السياسي، جاء في هذا التوقيت من أجل التغطية على تسريب الفيديو الذي انتشر عن مجازر حي التضامن في عام 2015، والذي يظهر عسكريي النظام يطلقون النار على معتقلين معارضين ويدفعونهم إلى حفرة تحولت مقبرة جماعية.

العفو عن المعتقلين ولوائح المعارضة

ويلفت بعض المعارضين إلى أن الإفراج عن المعتقلين في وقت لاحق هذا الشهر استناداً إلى مرسوم العفو، اقتصر على بضع مئات وناهز الألف معتقل من الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، فيما بقي مصير الموقوفين الباقين من دون محاكمة مجهولاً. فاللوائح التي سبق لقادة المعارضة السورية أن سلموها إلى الموفد الدولي إلى سوريا غير بيدرسون، إبان جهوده من أجل تحقيق تقدم في التفاوض بين النظام والمعارضة في إطار اجتماعات اللجنة الدستورية، تضم أسماء 240 ألف معتقل اختفوا أو جرت محاكمتهم خلال السنوات الماضية من الحرب في سوريا. فالمعتقلون من دون محاكمة استناداً إلى إصدارات أجهزة الاستخبارات السورية يفوق عددهم أولئك الذين خضعوا للمحاكمة. وبعض الذين أفرج عنهم قبل أسبوعين أبلغوا أهالي معتقلين آخرين كانوا يتقاسمون معهم زنزانات السجون بوفاة بعضهم، إما نتيجة التعذيب، وإما بسبب المرض الناجم عن سوء أحوال السجون.

تشدد وتفعيل جديد للعقوبات

ويشير معارضون لنظام الأسد في سياق الحديث عن العودة إلى التشدد في تطبيق العقوبات الأميركية على النظام إلى نقطتين مستجدتين في هذا السياق:

- إن تصاعد العداء بين روسيا والغرب وخصوصاً أميركا، في سياق الحرب والمواجهة في أوكرانيا، أدى إلى عودة موسكو إلى التستر على انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب، ومنها أن القيادة الروسية لم تلتزم تعهداتها في عام 2013-2014 بالإشراف على التخلص من الأسلحة الكيماوية إثر مجزرة الغوطة الشهيرة، بينما تتم العودة حالياً إلى إثارة مسألة استخدام النظام للسلاح الكيماوي في منطقة خان شيخون في عام 2018. 

- إنه جرى تفعيل قانون أميركي قديم (صادر في عام 1956) ينص على تنفيذ عقوبات بحق رجال أعمال أو كيانات تتهم بانتهاك عقوبات يفرضها القانون الأميركي، أو الأمم المتحدة، تصل إلى حد مصادرة أموال المتهمين بذلك، ويشمل ذلك تقديم جزء من هذه الأموال إلى الأشخاص الذين يكشفون عن معلومات عن هذه الانتهاكات للعقوبات كجوائز مقابل تقديمهم المعطيات في هذا الشأن. وجرت تسمية التعديل الذي أدخل على هذا القانون بقانون "بسام بربندي"، وهو اسم قنصل سوريا الأسبق في واشنطن الذي انشق عن النظام، وأسهم لاحقاً في اقتراح صوغ هذا القانون. وتطبيق هذا القانون يمكن أن يشمل دولاً تُبدي انفتاحاً على دمشق.

المزيد من تقارير