Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير السياحة التونسي: كورونا أرهقتنا و2023 ستكون سنة الإقلاع

أكد في حوار لـ"اندبندنت عربية" أن خسائر هذا القطاع متراكمة جراء الأزمة الصحية ووصلت إلى 2.3 مليار دولار

وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين (اندبندنت عربية)

قال وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين إن القطاع السياحي في تونس عانى كثيراً جراء جائحة فيروس كورونا لمدة سنتي 2020 و2021، ما أثر بشكل كبير في القطاع الذي يمثل أحد أهم أعمدة الاقتصاد التونسي، لكونه يسهم بنحو 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام، ويوفر 400 موطن عمل مباشر وغير مباشر، و12 في المئة من اليد العاملة في البلاد يوفرها القطاع السياحي أيضاً، وفي حوار مع "اندبندنت عربية"، أقر بأن جائحة فيروس كورونا أرهقت كامل القطاع وأثرت فيه من كل الجوانب، لكنه أمل عودة تونس على خارطة وكالات السياحة العالمية معتبراً أن 2022 ستكون سنة التعافي فعلاً، وعام 2023 سيكون الانطلاقة الحقيقية والإقلاع للسياحة التونسية.

وعرج على أهمية الاستراتيجية للقطاع لارتباطه بقطاعات اقتصادية أخرى تأثرت بدورها خلال فترة الأزمة الصحية، وأكد أنه على الرغم من تداعيات الجائحة الصحية، لم تبقَ السلطات السياحية في تونس مكتوفة الأيدي بل استغلت الوضعية للاستعداد الجيد إلى ما بعد الأزمة الصحية بإرساء مخطط عملي لدفع القطاع يتضمن إجراءات عدة.

تونس وجهة سياحية آمنة صحياً

ومن أهم هذه الإجراءات، حسب وزير السياحة، قرارات تتعلق بالجانب الصحي بتكثيف عمليات تلقيح جميع العاملين والمتدخلين في القطاع، إذ إنه تم تلقيح العاملين بنسبة 100 في المئة، وإنجاز تطبيق بروتوكولات صحية صارمة تم تطبيقها في مختلف المؤسسات السياحية ووجوب الاستظهار بجواز التلقيح الصحي، وشدد على أن هذه الإجراءات الصحية من شأنها أن تعطي رسائل طمأنة للسائح بأن تونس وجهة سياحية آمنة من الجانب الصحي، وتطرق الوزير إلى الجانب الأمني الذي تمّ اتخاذه استعداداً للموسم السياحي الصيفي، ملاحظاً أن جانب السلامة أمر مهم في القطاع عبر تكثيف الرقابة بالتعاون مع وزارة الداخلية حتى تكون عطلة السياح مؤمنة بشكل جيد، وتم الاشتغال أيضاً على الجانب البيئي وجمالية المحيط ونظافته، لافتاً إلى أن من المعايير السياحية العالمية التركيز على المسائل البيئية والاعتناء بالنظافة واستدامة المنظومة السياحية، مشيراً إلى تنظيم حملات وطنية متواصلة للنظافة لغرض تنظيف المناطق والمسالك السياحية، علاوة على تنظيم حملات نظافة أخرى تهم المواقع الأثرية.

وعن أهم الإجراءات الهيكلية والعميقة التي تم اتخاذها لمزيد إنعاش القطاع السياحي والاستعداد للخروج من تداعيات الأزمة الصحية، بين وزير السياحي التونسي أنه تم للغرض اتخاد العديد من التدابير والإجراءات من أبرزها سن تدابير للمحافظة على مواطن الشغل، بمواصلة تمتيع عملة القطاع بمساعدة من الدولة بقيمة 200 دينار شهرياً (66 دولاراً) إضافة إلى جزء من أجرهم العادي، وأكد في هذا الإطار أهمية الحفاظ على مواطن الشغل، نظراً إلى أن العمال يعدون رأس مال القطاع بعدما اكتسبوا من خبرة وحرفية في مختلف مراحل العملية السياحية.

واستدامة القطاع تمرّ، من وجهة نظر الوزير محمد المعز بلحسين، عبر تنويع المنتوج السياحي من خلال التركيز على التوجه نحو السياحة البديلة والسياحة المستدامة وتثمين الموروث الثقافي والحضاري، وقال، "هذا أمر استراتيجي بالنسبة إلى تونس، وأخيراً صدر أمر رئاسي يهدف إلى تشجيع الاستثمار عبر سحب التراخيص في مجال الإيواء السياحي لغرض حفز الاستثمار الخاص في هذا المجال".

وكالات السياحة العالمية

وتم تصنيف تونس أخيراً كأول وجهة أفريقية وعربية، والرابعة عالمياً من بين الوجهات السياحية الأكثر طلباً من السياح الفرنسيين خلال الفترة المقبلة حسب حجم المبيعات التي تم تسجيلها خلال شهر أبريل (نيسان) 2022 حسب "بارومتر الوجهات" الذي يقوم به الموقع الفرنسي المختص في السياحة والرحلات والترفيه (L’echo Touristique).

وعما إذا كانت هذه النتيجة ثمرة الزيارات المتواصلة التي تم القيام بها خلال جولة لأهم العواصم الأوروبية للترويج للوجهة التونسية، قال المعز بلحسين إن هذه المسألة، الهدف منها، إرجاع تونس ضمن أجندات أبرز وكالات السياحة العالمية وإعطاء أكثر رؤية لتونس وجعلها ضمن "رادار" صناع القرار السياحي العالمي، وإذ أقرّ بأن إمكانات تونس المالية تبدو جدّ ضعيفة في مجال الترويج السياحي، فإن الأمر تم بفضل العلاقات الجيدة لتونس ولأصدقائها وشركائها، لجهة حسن الترويج للوجهة التونسية بالاعتماد كلياً على الترويج الرقمي، واستدل في هذا الإطار على بث القناة الفرنسية الأولى تحقيقاً حول السياحة في تونس في فترة ذروة المشاهدة (الثامنة ليلاً)، وكذلك بث القناة الفرنسية الثانية تحقيقاً آخر عن تونس في إحدى المناطق السياحية ما يعتبر مسألة جيدة للتعريف بالوجهة السياحية التونسية، وخلص إلى أن تونس عادت إلى مدارها الطبيعي وأضحت تستأثر باهتمام السياح الأجانب.

استقطاب أكثر من أربعة ملايين سائح

حسب إحصاءات الوزارة، توافد على تونس خلال الربع الأول من هذا العام أكثر من مليون سائح، وأفاد وزير السياحة المعز بلحسين بأن الهدف المنشود تحقيق بين 50 و60 في المئة من إنجازات سنة 2019 التي تعدّ سنة مرجعية قبل الأزمة الصحية العالمية حيث استقطبت تونس تسعة ملايين و400 ألف سائح، لكنه استدرك قائلاً إن تحقيق هذا الهدف مرتبط بمتغيرات عدة أهمها الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى أن معدل عدد السياح الروس الذين يتوافدون على تونس 630 ألف سائح وأيضاً 30 ألف سائح أوكراني علاوة على عدم فتح الحدود بين تونس والجزائر، وأكد في هذا الصدد أهمية العلاقات مع الجزائر في دفع القطاع السياحي بين البلدين، إذ إن زهاء مليون تونسي يتحولون إلى الجزائر ونحو ثلاثة ملايين جزائري يتوافدون على تونس، وشدد وزير السياحة على ضرورة استقرار الأوضاع الصحية العالمية، ما قد يؤدي إلى مراجعة البروتوكولات الصحية، وبالتالي مراجعة إجراءات الدخول إلى تونس، فضلاً عن وجوب توفير إمكانات كبيرة على مستوى توفير النقل الجوي.

خسائر بأكثر من 2.3 مليار دولار

ورداً على سؤال بخصوص إمكانية اعتبار سنة 2022 عام الإقلاع للسياحة التونسية بعد الأزمة الصحية التي عصفت بها، قال إن هذه السنة تعتبر مفصلية، والانطلاقة الفعلية للقطاع بالعودة على أجندات وكالات السياحة العالمية، وأقرّ في الوقت نفسه بأن هذا القطاع يعاني نقصاً في السيولة المالية واليد العاملة وفق ما أفرزته الأزمة الصحية، وعن تقديره لخسائر القطاع السياحي جراء جائحة كورونا، كشف عن أنها لا تقل عن سبعة مليارات دينار (2.3 مليار دولار)، وأوضح أن العائدات السياحية بلغت 5.6 مليار دينار (1.9 مليار دولار) في 2019 و2.2 مليار دينار (758 مليون دولار) في 2020 و2.4 مليار دينار (827 مليون دولار) في 2021.

 

حركة استثمارية

وعلى مستوى الحركة التي يشهدها القطاع السياحي من حيث نيات الاستثمار، فقد بلغت 360 مليون دينار (120 مليون دولار) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة بزيادة بأكثر من 120 في المئة بالمقارنة مع السنة الماضية، ولفت إلى أنه على الرغم من تأثيرات الأزمة الصحية، فإن تونس لا تزال تحظى بثقة أهم وأبرز العلامات السياحية العالمية، إذ إن العديد من هذه العلامات بصدد تشييد وحدات سياحية جديدة في عدد من المناطق السياحية على غرار سلسلة "ماريوت" و"نوفوتال" و"سويس أوتيل" و"هيلتون" وكذلك سلاسل "فور سيزون" و"حياة" و"راديسون"، وفي قادم الأيام سيقع تدشين وحدات سياحية جديدة ستدخل حيّز الاستغلال.

إشكالية النقل الجوي

وتحدث وزير السياحة التونسي عن الطموح والأمل في إعادة تموقع السياحة التونسية لاستقطاب أسواق جديدة على غرار أسواق القارة الأفريقية (جنوب الصحراء) وأوروبا الشرقية ودول جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، لكن هذا الحلم يصطدم بإشكالية النقل الجوي، مفسراً في هذا الصدد المسألة بضرورة توفير خطوط جوية منتظمة مع الأسواق الجديدة بأسعار تنافسية.

تواضع السياحة العربية والخليجية

ترتكز خارطة السياحة التونسية على الدول الأوروبية والدول المغاربية أساساً الجزائر وليبيا، مع حضور ضعيف للسياح العرب والخليجيين، وعن هذه المسألة أجاب وزير السياحة التونسي أن السياح العرب والخليجيين مهمون لتونس، وتم في 2017 تنظيم منتدى عربي للاستثمار السياحي في البلاد، ووجب أن يتناسب العرض السياحي التونسي مع رغبات واحتياجات السائح العربي والخليجي، وقال، "في هذا الصدد، نحن نشتغل على إعادة تأهيل العرض السياحي من حيث الإيواء وتلبية طلبات في مستوى التسوق وبخاصة توفير نوعية خاصة من الغرف في الوحدات السياحية"، وأشار إلى أن عدداً من المستثمرين العرب أعربوا عن إنجاز وحدات سياحية مخصصة للسائح العربي والخليجي لكن الأزمة الصحية أوقفت نيات الاستثمار على أمل إعادة إطلاقها في القريب العاجل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجدد تأكيد أهمية توفير رحلات جوية منتظمة بين تونس ودول الخليج والشرق الأوسط، فضلاً عن مسألة تأشيرة السفر ومراجعتها في الاتجاهين والدعوة إلى إرساء التأشيرة الإلكترونية.

السياحة الداخلية ليست حلاً بديلاً

في ذروة الأزمة الصحية وغلق الحدود وإقرار بروتوكولات صحية صارمة، توقف تدفق السياح الأجانب على تونس، لكن السياحة انتعشت نسبياً من خلال السياحة الداخلية التي اعتبرها المختصون أنها أنقذت القطاع في العامين الأخيرين.

لكن عدداً من المختصين ينتقدون عدم اهتمام المهنيين والجهات الرسمية بالسياحة الداخلية ويصفونها "بعجلة خامسة"، أو حلّ ثانوي عندما يتعرض القطاع إلى أزمات، وفي هذا الصدد يوضح الوزير أنه تم اتخاذ إجراءات لدفع السياحة الداخلية عبر توقيع جملة من اتفاقات العمل مع أصحاب الوحدات السياحية يتم بموجبها إقرار تخفيضات معقولة وإنجاز حملة دعائية للسياحة الداخلية، بهدف الترويج لعدد من الجهات والمناطق السياحية داخل تونس، ولا تقتصر السياحة الداخلية على بقاء التونسي داخل النزل، لكن يجب المرور إلى مراحل أخرى من خلال تجاوز البقاء في النزل بين الأكل والتشجيع على الإيواء السياحي البديل، ومعرفة مخزون تونس الحضاري والتاريخي، وفق تصوره.

وتم في مارس (آذار) 2022 تنظيم أول منتدى وطني للسياحة الداخلية أفرز جملة من القرارات أهمها ضبط استراتيجية لتطوير السياحة الداخلية في تونس، التي تظل في صدارة اهتمام السلطات السياحية عبر مزيد من الاعتناء بجودة الخدمات والعروض المناسبة. واستدرك الوزير بالتشديد على أهمية إرساء عقلية جديدة للسائح التونسي بدعوته للحجز المسبق، للتمتع بأفضل العروض، وتجنب فترات الضغط التي ترتفع مع نهاية الأسبوع أو في العطل الموسمية مثل عطل الشتاء والربيع للتلاميذ والطلبة، ولتأكيد أهمية السياحة الداخلية أعلن الوزير المعز بلحسين أنه تم ضبط هدف بلوغ السياحة الداخلية في حدود 50 في المئة من الليالي المقضاة من مجمل النشاط السياحي في البلاد.

منوال تنموي جديد للسياحة التونسية

وتنكب الحكومة التونسية على إعداد خطة تنموية جديدة للبلاد في أفق سنة 2035، وعن تموقع السياحة التونسية في هذا المخطط يرى أنه حان الوقت لإرساء منوال تنموي جديد للسياحة التونسية في السنوات المقبلة، واعتبر أن المنوال السابق ارتكز على السياحة الموجهة للتصدير بتشييد مناطق سياحية يقبع فيها السائح بين الأكل والتمتع بالشواطئ فقط، من دون الخروج إلى حين عودتهم إلى أوطانهم، وفي المنوال التنموي الجديد المزمع تركيزه إعادة النظرة للمناطق السياحية برمتها واعتبار تونس كلها منطقة سياحية.

كما تطرق وزير السياحة إلى أن موسم النشاط السياحي يرتكز أساساً على فصل الصيف وفي المناطق الساحلية، لكن في النظرة الجديدة للقطاع، فإن التوجه سيرتكز على تقديم منتوج سياحي على طول فترات العام وفي كامل أنحاء البلاد، وشدد على ضرورة المحافظة على الطبيعة والموارد البشرية والمائية.

ومن المحاور التي سيتم العمل عليها أيضاً الترويج للجهات التونسية، كل على حدة، وليس كامل البلاد على غرار وجهة جربة أو الحمامات أو القيروان أو توزر (الجنوب)، وإكساب هذه المناطق علامات تميز سياحية، كما سيتم إعطاء حرية أكثر للسلطات الجهوية للترويج السياحي لمناطقهم وعدم انتظار الأوامر من الجهات المركزية، وخلص وزير السياحة التونسي في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن السياحة التونسية في قادم السنوات ستعرف قفزة نوعية ملحوظة تتقاطع مع منوال تنموي قديم، وإرساء مقومات منوال يبرز المخزون الحضاري والتاريخي لتونس.

المزيد من حوارات