شهدت معظم أسواق العالم الرئيسة موجات بيع كبيرة للأسهم مع بدء تعاملات الأسبوع، صباح الاثنين التاسع من مايو (أيار)، وسط زيادة مخاوف المستثمرين من احتمال الركود الاقتصادي العالمي. وكانت البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة صعدت أخيراً من إجراءات التشديد النقدي، برفع أسعار الفائدة بشكل كبير والتأكيد على أنها ستواصل زيادة نسبة الفائدة للحد من ارتفاع معدلات التضخم، كما تبدأ البنوك المركزية في التخلص من السندات التي اشترتها بتريليونات الدولارات ضمن برامج التيسير الكمي خلال أزمة وباء كورونا، ويخشى المستثمرون في الأسواق من أن يؤدي ذلك إلى شح السيولة في الوقت الذي ترتفع فيه كلفة الاقتراض.
ولدى افتتاح أسواق "وول ستريت" في نيويورك في أول تعاملات الأسبوع، هبط مؤشر "ناسداك" لشركات التكنولوجيا بنسبة 2.5 في المئة بينما انخفض مؤشر "أس أند بي" للشركات الكبرى بنسبة اثنين في المئة، وهوى سعر العملات المشفرة ليهبط سعر عملة "بيتكوين" إلى مستوى 32 ألف دولار، بعد أن كان تجاوز سقف 40 ألف دولار قبل فتح الأسواق هذا الأسبوع، وتأثرت قيمة المشفرات بالهبوط المستمر لأسهم شركات التكنولوجيا كما يتضح من أداء مؤشر "ناسداك".
كذلك انخفض سعر خام النفط مع بداية تعاملات الاثنين بنسبة تزيد على اثنين في المئة ليهبط سعر البرميل عن مستوى 110 دولارات لخام برنت القياسي، وارتفع العائد على سندات الخزينة (أوراق الدين الحكومي) إلى مستويات جديدة، ما يعني انخفاض أسعار السندات إذ يتناسب سعر السند عكسياً مع نسبة العائد عليه.
موجة بيع عالمية
لا يقتصر الهبوط على الأسواق الأميركية، بل أنهت الأسواق الرئيسة في آسيا وأوروبا تعاملات أول أيام الأسبوع على انخفاض أيضاً وسط موجة بيع كبيرة للأسهم، وهبط مؤشر "ستوكس 600" القياسي للأسهم الأوروبية بما يقارب نقطتين مئويتين (بنسبة 1.9 في المئة)، وهبط مؤشر "داكس" في البورصة الألمانية بنسبة 1.6 في المئة بينما أغلق مؤشر بورصة لندن على انخفاض بنسبة تقارب 1.8 في المئة.
الاقتصادات الصاعدة
وهبط مؤشر "أم أس سي آي" العالمي، القياسي لأسهم الاقتصادات الصاعدة، بأكثر من نصف نقطة مئوية (بنسبة 0.7 في المئة)، ليصل معدل انخفاضه منذ بداية العام حتى الآن إلى نسبة 15 في المئة، أما مؤشر "أم أس سي آي" لآسيا والمحيط الهادي فانخفض بنسبة 1.4 في المئة، بعد ما أنهت بورصة طوكيو في اليابان تعاملات أول أيام الأسبوع بانخفاض مؤشر "نيكي" بأكثر من 2.5 في المئة، وانخفض مؤشر البورصة الصينية بنسبة 0.8 في المئة.
في الوقت نفسه، وبالتوازي مع زيادة العائد على سندات الخزانة، ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي إلى مستوى جديد في سياق ارتفاعاته أخيراً لأعلى مستوى في 20 عاماً، وارتفع مؤشر سعر الدولار أمام سلة عملات بنسبة 0.4 في المئة، الاثنين، ليصل المؤشر إلى نسبة 104.19 نقطة.
كذلك ارتفعت أسعار الذهب في سوق البيع الفوري بنسبة 1.24 في المئة ليصل سعر الأوقية إلى 1859 دولار. وفي حالات اضطراب السوق وضبابية الرؤية المستقبلية للاقتصاد، يلجأ المستثمرون لما تسمى "ملاذات آمنة"، وفي مقدمها الذهب والدولار الأميركي، بينما فشلت العملات المشفرة في طرح نفسها كملاذ للتحوط في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم أو تغيير السياسة النقدية وتباطؤ النمو الاقتصادي، لذا هبط سعرها بشدة.
مخاوف الركود
ومما دفع المستثمرين للتخلص من مراكزهم في الأسهم وغيرها من الأصول عالية المخاطر عودة التشاؤم بشأن النمو الاقتصادي وزيادة احتمالات الركود في الاقتصادات الرئيسة، ونقلت وكالة "رويترز" عن دان إيفاسين، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بيمكو" عملاق تداول السندات قوله، "نرى أن مخاطر الركود في غضون عام أو عام ونصف العام ترتفع إلى نسبة 30 في المئة الآن، وأحد الأسباب الرئيسة لذلك هو ما يبدو من عزم الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي والبنوك المركزية الأخرى السيطرة على معدلات التضخم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد قرار الاحتياطي الفيدرالي، الأسبوع الماضي، رفع سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية مرة واحدة، وكذلك رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة للمرة الثالثة، زادت المخاوف ليس فقط من ارتفاع كلفة الاقتراض والضغط على توفر السيولة، وإنما من أن ذلك قد لا يكبح جماح التضخم بما يكفي في الوقت الذي يضغط فيه أكثر على النمو الاقتصادي. وتشهد الاقتصادات الرئيسة بالفعل تباطؤاً شديداً في النمو، وصل إلى مستوى نسبة صفر في مارس (آذار) الماضي في بريطانيا، وتلك المؤشرات على احتمالات الركود الاقتصادي.
توازن الأسواق
ومع ذلك، هناك بعض المحللين يرون أن الصورة لم تصل إلى هذا الحد من القتامة بعد في السوق، ويقول جوست فان ليندر من شركة "كيمبن كابيتال مانجمنت" في مقابلة مع "فايننشال تايمز" إن المستثمرين أصبحوا يستبعدون أن يجعل الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على توازن الأسواق من أولوياته القصوى كما فعل في بداية أزمة وباء كورونا، ويضيف، "من الصعب القول إن كل شيء متراجع ومنخفض جداً، فمع ارتفاع نسبة العائد على السندات وهبوط أسواق الأسهم نرى الوضع المالي في حال تضييق (تشديد) وهو ما يريده الاحتياطي الفيدرالي".
وتنتظر الأسواق عدداً من المؤشرات هذا الأسبوع والأسبوع المقبل قد تعطي صورة حول تأثير رفع سعر الفائدة على الانفاق الاستهلاكي، مع الأخذ في الاعتبار أن الانفاق الاستهلاكي يشكل أكثر من قليل الناتج المحلي الاجمالي في أكبر اقتصاد في العالم بالولايات المتحدة وكذلك في اقتصادات رئيسة كما في بريطانيا.