Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغرب يسوق "هزيمة روسيا" في يوم نصرها

الـ "غارديان" البريطانية تعتقد أن دحر موسكو أصبح واقعاً "من دون المخاطرة بحرب نووية" وتستدعي أفغانستان الثمانينيات

روج الغرب انتكاسة حملة روسيا في أوكرانيا بالتزامن مع احتفالات يوم النصر على النازية (أ ف ب)

استعجل الغرب الترويج لهزيمة روسيا على الرغم من استعار المعارك في أنحاء متفرقة من أوكرانيا، وإعلان الكرملين في الوقت نفسه تحقيق أهداف عسكرية وأخرى استراتيجية في البلد المنكوب، وسط إصرار الرئيس فلاديمير بوتين على أن "العملية في أوكرانيا ستحقق خططها بشكل تام".

ومع أن القوى الأوروبية بقيادة الولايات المتحدة سوقت لفكرة تعظيم كلفة الحرب على بوتين مرات عدة، إلا أن أحاديث تحقيق النصر باكراً هذه الأيام والمعارك في أوجها قد يتجاوز تفسيرها الحرب الدعائية والتشويش على احتفالات موسكو بيوم نصرها الكبير على النازية في 1945، إلى إشاعة الطمأنينة بين الأوروبيين الذين وصلت آثار الحرب المباشرة إلى مختلف تفاصيل حياتهم اليومية في قوتهم ومصابيح منازلهم وصناديق اقتراع بلادهم، ليقال لهم إن المعركة أوشكت على نهايتها، وما "النصر إلا صبر ساعة".

"هزيمة روسيا" خلاصة، على الرغم من أنها لم تكن كل الصورة في المشهد الغربي، إلا أن صحفاً غربية مثل الـ "غارديان" البريطانية دعمتها صراحة، ففي مقالة احتفالية للصحيفة نشرتها للباحث أناتول ليفن مؤلف كتاب "أوكرانيا وروسيا: تنافس أخوي"، تؤكد بلا تحفظ أن "أوكرانيا تفوز بالفعل، وأن تحقيق النصر من دون المخاطرة بحرب نووية أصبح ممكناً"، وإن حذرت من تطور المعركة إلى حرب أميركية بالوكالة مع روسيا تجري مناقشتها حالياً، تستهدف "الأراضي التي تحتلها روسيا" قبل الأزمة الحالية في كل من جورجيا والقرم، وهي خطوة رآها الكاتب خطرة "وغير ضرورية"، وأن تحقيق النصر ضد روسيا يلوح في الأفق من دونها.

"نصر عظيم"

ويفصل الباحث رؤيته بالنظر إلى إعادة التمحور الروسي في البلاد بوصفه "نصراً عظيماً هزم الهدف الأصلي من الغزو الروسي للاستيلاء على كييف واستبدال الحكومة الأوكرانية"، معتبراً أن الجيش الروسي أعاد الآن تجميع صفوفه نتيجة لذلك في الشرق من أجل هدف أكثر محدودية، وهو "الاستيلاء على منطقة دونباس التي يسكنها الروس بأكملها، والتي اعترفت بها موسكو بالفعل على أنها منطقة مستقلة".

 

ويرى أنه إذا تمكن الجيش الروسي من تحقيق ذلك خلال الأسابيع المقبلة فإن خطوة موسكو التالية غير واضحة، إلا أنها مهما تكن فإنها لن تمحو تكبد روسيا "خسائر فادحة بين قوات النخبة فيها، فحتى الاستيلاء على مدينة ماريوبول الصغيرة نسبياً استغرق شهرين وتطلب تحويل المدينة إلى أطلال" على حد قوله.

وفي ضوء ذلك يشير إلى أن أي حملة روسية أخرى للاستيلاء على مدن أكبر مثل أوديسا "غير قابلة للتصديق"، ويبدو بالنسبة إليه أن النتيجة المتوقعة إثر ذلك هي اتخاذ روسيا موقفاً دفاعياً يجعلها تعرض وقف إطلاق النار ومحادثات السلام.

تمزيق سمعة الجيش الروسي

ورجحت الصحيفة الليبرالية أن ذلك السيناريو لن يمنع بوتين من التظاهر أمام شعبه بأنه أحرز انتصاراً مهماً للتغطية على ما سمته "حقيقة أن الحرب أثبتت أنها كارثة عسكرية وسياسية وأخلاقية مزقت سمعة الجيش الروسي"، لكنها أعادت الفضل في ذلك إلى تحرك أوروبي سريع وتصميم اعتبرته مذهلاً لإنهاء وتخفيف الاعتماد على الطاقة الروسية، في سياق جهد أوسع لمعاقبة روسيا عسكرياً بدعم أوكرانيا بالسلام، واقتصادياً عبر أدوات شتى أقساها العقوبات والاستغناء المتدرج عن وسيلة هيمنتها الأكبر في الغرب النفط والغاز.

ولم تكن الـ "غارديان" الوحيدة في هذا السياق، فقد انتهجت "فرنسا 24" وكذلك "بي بي سي" الأوروبيتين تحليلاً متقارباً يكشف عن تزايد ثقة الغرب بإحراز ما يعتبره نصراً ضد روسيا في الأزمة الأوكرانية، في مناسبة احتفال روسيا بـ "يوم القيامة" الذي انتصرت فيه خلال الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية، إلا أنها حاولت هذه المرة تحميله رسائل أكثر وضوحاً، مثل قولها إن روسيا التي انتصرت على أوروبا ممثلة في ألمانيا النازية قبل عقود عازمة على تحقيق نصر مماثل على أوروبا المتواطئة ضدها مع أوكرانيا، التي وقعت فريسة بين تصفية القوتين حساباتهما التاريخية والآنية.

"الصدام مع النازيين حتمي"

وفي هذا الصدد يقول أستاذ الدراسات الدفاعية في جامعة "كينغز كوليدج" بلندن مايكل كلارك، بعد استعراض ما يراه سلسة الإخفاقات الروسية في أوكرانيا، إن "ما يحدث في دونباس لا يقدم لبوتين سوى الاختيار بين أنواع مختلفة من الهزيمة، فإذا وصلت المعركة إلى طريق مسدود في الخريف فلن يكون لديه كثير من المكاسب ليظهره مقابل كثير من الخسارة والألم".

وخلص في المقالة التي نقلت "بي بي سي" عنه طرفاً منها إلى أن بوتين على الرغم من ذلك لا يبدو أمامه أي خط للتراجع، ولذلك فإن "الاستراتيجية السياسية الوحيدة الباقية أمامه هي تحويل الحرب في أوكرانيا إلى شيء آخر، ألا وهو جعلها جزءاً من النضال لأجل بقاء روسيا ونضالها ضد النازيين والإمبرياليين في الغرب الذين يتطلعون لفرصة إسقاط موسكو".

ولم يخيب الزعيم الروسي ظنه وهو الذي أكد في خطابه ليوم النصر أن قواته المسلحة "تقاتل من أجل الوطن الأم ومن أجل مستقبله"، مشدداً على وجوب بذل كل ما يمكن "حتى لا تتكرر أهوال حرب شاملة جديدة"، ومؤكداً أن الدلائل كانت توحي بأن "الصدام مع النازيين الجدد أمر لا مفر منه" بعد زحف الـ "ناتو" نحو أراضي جوار روسيا عسكرياً، مقترباً من حدودها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعودة للـ "غارديان" فإنها عندما اعتبرت هزيمة روسيا راجحة توسعت إلى التساؤل عن التداعيات وراء ذلك، فرأت أنه "في ما يتعلق بأهم قضية حتى الآن وهي سيادة أوكرانيا واستقلالها والاصطفاف الغربي، فازت أوكرانيا والغرب بالفعل، وعليه يجب أن يسمح ذلك بدرجة من المرونة عندما يتعلق الأمر بالتنازلات حول القضايا الإقليمية، خصوصاً وأن معظم الأراضي المعنية كانت تحت سيطرة روسيا منذ العام 2014".

ونظرت إلى المخاوف بأن هناك خطة روسية لاستخدام أوكرانيا كنقطة انطلاق لمزيد من العدوان، "فالجيش الروسي الذي لم يتمكن من الاستيلاء على مدن أقل من 20 ميلاً من روسيا من غير المرجح أن يغزو الـ (ناتو)"!

حذار من ثمن "نصر كامل"

ومن بين التداعيات التي اعتبرتها خطرة تزايد احتمالات سعي الدول الأخرى إلى استعادة الأراضي المفقودة بالقوة في مثل جورجيا وأذربيجان، مما يؤدي إلى صراع أوسع وأكثر خطورة، في رأي الصحيفة التي أكدت أن تشجيع هذا الاتجاه سيتم غالباً "إذا أصبحت أوكرانيا حرباً بالوكالة للولايات المتحدة ضد روسيا، كما تعتزم إدارة بايدن الآن على ما يبدو".

 

ولفتت في المقالة التي نقلتها عن ليفن إشارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى أن على الولايات المتحدة استخدام الحرب في أوكرانيا لإضعاف روسيا ومنعها من غزو مزيد من البلدان، إلى جانب أصوات مهمة في الولايات المتحدة وبريطانيا قالت إنه تجب مساعدة أوكرانيا على تحقيق نصر كامل، والتي يبدو أنها تعني إخراج روسيا من جميع الأراضي التي احتلتها منذ العام 2014.

الباحث حذر من هذه الخطوة التي اعتبرها تذهب بعيداً في محاولة "إلحاق هزيمة مهينة ببوتين"، بوصفها تنذر بعودة كابوس الحرب النووية، في وقت أصبح الانتصار من دون تصعيد أكبر على الروس ممكناً، وأبدى دهشته من استدعاء النموذج الأفغاني وتسويق أن "دعم الولايات المتحدة للمجاهدين في أفغانستان خلال الثمانينيات مع كل عواقبه المروعة على أفغانستان والولايات المتحدة والشرق الأوسط، هو نوع من النموذج الإيجابي لذلك".

ذخيرة الغرب تنفد

لكن في الجانب الآخر من الصورة ترى صحيفة غربية مثل "واشنطن بوست" أن على الولايات المتحدة أن تكون حذرة من توسع دائرة الصراع، فـ "الحرب في أوكرانيا تستنزف ترسانة الديمقراطية الأميركية" المكلفة مادياً، ويصعب تعويضها بوتيرة سريعة.

 

وقالت في تحليل سابق احتفى به الإعلام الروسي كثيراً، إن "الأسلحة المضادة للدبابات التي يرسلونها لحاجات القوات المسلحة الأوكرانية لمدة أسبوع تستهلك في يوم واحد، فخلال شهرين نقصت ترسانة جافلين الأميركية، على سبيل المثال، بمقدار الثلث، وإذا ما استمر القتال بهذه الشدة فسوف تنفد ذخيرة الغرب بكل بساطة".

ولا يبدو لأسباب كثيرة أن الأطراف الغربية في عجلة من أمرها تجاه مسألة إنهاء الحرب الأوكرانية أو تهيئة السبل لذلك، فقد يدعم استمرارها مطامع انتخابية في أميركا وأخرى أهم بإنهاك روسيا، وربما لاحقاً إسقاط بوتين والدفع بأوروبا بعيداً من موسكو المتهمة بالتأثير في القارة العجوز بواسطة ورقة الطاقة الحيوية، لكن هل يسمح مثل بوتين بذلك؟

المزيد من تقارير