Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسار السلام السوداني متأرجح بين التجميد والتعطل والتصعيد

انتكاسة الحلول تهدد بإغلاق جديد لإقليم الشرق ومؤسساته وإطلاق التظاهرات والمواكب

يشكل إغلاق ميناء بورتسودان شللاً لكل واردات وصادرات السودان (اندبندنت عربية- حسن حامد)

عادت أزمة شرق السودان إلى الأضواء من جديد، مهددة بمزيد من التوتر، على الرغم من الإجراءات التي وعدت بها الحكومة في سبيل إطفاء جذوة الصراع المرشح لتصعيد جديد خلال الفترة المقبلة، فيما أجج إصرار الجبهة الثورية في مؤتمرها التداولي الأخير، على تنفيذ اتفاق سلام جوبا حزمة واحدة من دون تجزئة، بما في ذلك مسار الشرق، الصراع من جديد، ما دفع المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة إلى التلويح مجدداً بسلاح التصعيد، كأداة اختُبرت فاعليتها في مرات سابقة، وأسفرت عن تجميد المسار بقرار حكومي، نهاية العام الماضي.

تجديد الجرح

لكن بعض بنود مبادرة الجبهة الثورية في اجتماعها التداولي الأخير، عاودت فتح جرح شرق السودان من جديد، بتشديدها على تنفيذ اتفاق السلام الموقع في جوبا، في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، كاملاً من دون تجزئة. ورداً على ذلك، أطلق المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة المناهض للمسار، تحذيرات شديدة اللهجة من مغبة العودة إلى تنفيذه، مهددين باللجوء مجدداً إلى إغلاق الإقليم، وتتريس الطريق القومي والميناء الرئيس في بورتسودان، كوسيلة سلمية لانتزاع حقوقهم والانتصار لقضيتهم.

في السياق، جدد سيد علي أبو آمنة، الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، رفضهم القاطع عودة الحديث عن مسار الشرق في اتفاق جوبا، وتمسكهم بمقررات ومطالب الإقليم في مؤتمر "سنكات" المصيري، وعلى رأسها إلغاء المسار وترسيم الحدود بين القبائل والنظارات في الإقليم.

أبو آمنة كشف أنهم "يرصدون شواهد ومحاولات عدة للعودة إلى المسار بطرق ووسائل وأساليب مخفية، بتنفيذه تدريجاً من دون أن يشعر المواطن في شرق السودان بذلك"، لافتاً إلى بوادر الإصرار من الجبهة الثورية وحواضن داخلية أخرى يجري تأسيسها لتعزيز التوجه ذاته الذي فجر مشكلة شرق السودان منذ البداية، على الرغم من رفض أهل الإقليم المسار. 

الأمين السياسي قال إن المجلس الأعلى لنظارات البجا أرجأ التصعيد والإغلاق في المرة السابقة، امتثالاً لوعود الحكومة بحل المشكلة وتشكيل لجان عدة لذلك الغرض، لكن اتضح له جلياً أن تلك الآليات باتت جزءاً من المشكلة وليس الحل، بخاصة بعد أن اتضح أنها لا تملك إمكانية ومقومات الحل المطلوب ولا تتخذ موقفاً محايداً، بل باتت تحاول بوضوح، عبر آليات وواجهات مخادعة، المضي في تنفيذ المسار بصورة خفية تدريجية من دون أن يشعر به الناس.

واعتبر أن لجان وضع الحلول فشلت في القيام بما هي مكلفة به، ولم تتمكن حتى الآن من تنفيذ ولو مطلب واحد من مطالبهم المتمثلة في ترسيم الحدود ومراجعة عمليات التجنيس، التي تمت في العهد البائد واعتقال الجناة، إضافة إلى فتح المنبر التفاوضي الخاص بإنسان شرق السودان.

مربع التصعيد

وأكد أبو آمنة أن إصرار الخرطوم على المضي في تنفيذ هذا المسار والسماح للجبهة الثورية بتبنّيه مرة أخرى، ومحاولات نكوص الحكومة عن وعودها بإيجاد الحلول اللازمة، سيدفع القضية إلى مربع التصعيد الثوري الأول، ليس فقط بإغلاق الشرق، الذي سيأتي ضمن سلسلة من الأدوات التصعيدية الأخرى، بينها إغلاق الطريق القومي بحيث لن يعود طريقاً قومياً.

وأضاف، "نكرر أنه إذا استمرت الحكومة في تجاهلها مطالبنا على النحو القائم الآن، فإننا سنعلن قريباً جداً التصعيد الثوري الشامل في إقليم البجا شمال شرقي السودان، بإغلاق كل المؤسسات التي تُسمّى قومية بالولاية، بينما هي غارقة في المركزية، إلى جانب التظاهرات والمواكب وكل الأدوات الثورية السلمية المتاحة".         

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

                                                                                                          

من جانبه، قال المتحدث باسم المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة عبدالله أوبشار إن تمسّك الجبهة الثورية بتنفيذ اتفاقية جوبا كاملة لا يعنيهم في شيء، لا سيما أن أعضاء بارزين من قيادات الجبهة أعضاء في لجنة الوساطة التي جمّدت مسار الشرق.

 وتوعّد باللجوء إلى الوسائل السلمية المعروفة لهم حال الإصرار على تنفيذ المسار كما ورد في الاتفاق، مطالباً في الوقت ذاته بتنفيذ مقررات مؤتمر "سنكات" (مدينة في شرق السودان). ووصف أوبشار أي حديث أو محاولة لإحياء هذا المسار الذي يتمسكون بتجميده وإغلاق صفحته إلى الأبد، بمثابة إعادة إشعال للمنطقة، بخاصة أن الحكومة سبق وأصدرت قرارات عطلت بموجبها المسار إلى حين اتخاذ الترتيبات الخاصة بمعالجة قضايا المنطقة، مؤكداً أنهم لن يكونوا طرفاً في أي مؤتمر تنوي الجبهة الثورية تنظيمه خلال الفترة المقبلة.

مسارات أخرى معطلة

في السياق، أوضح علي داؤود، القيادي بالجبهة الثورية عن مسار الشمال (حركة كوش)، أنه إذا كان مسار الشرق معطلاً بقرار من المجلس السيادي، فإن مسارَي الشمال والوسط في اتفاق جوبا لسلام السودان أيضاً يعانيان التعطيل، ليس بقرار، ولكن بسبب اهتمام وتركيز كل مكون في الجبهة الثورية على الجزئية التي تعنيه في الاتفاق، ما يهدد بتحويل الجبهة إلى مجرد تحالف شكلي تعمل أطرافه بصورة فردية وليس كلّية شاملة.

ويضيف، "معظم ما جاء في اتفاق مسار الشمال في ما يتصل بقسمة السلطة 10 في المئة والثروة 30 في المئة لم ينفذ حتى الآن، بينما شمل التنفيذ قدراً ضئيلاً جداً في مجالات وجوانب محدودة تتصل بالتنمية والخدمات وتصحيح بعض الأوضاع المرتبطة بالأراضي والتعدين التقليدي، مشيراً إلى أن "المسار لم يُستَشر حتى في تشكيل الحكومة الولائية الحالية بالشمالية، التي انفرد بتشكيلها المكون العسكري، ولا علاقة له بها، كما لم يُطلب منها ترشيح أي مسؤول أو حتى موظفين فيها".

داؤود كشف أن المؤتمر التداولي الأخير هدف أساساً إلى معالجة مشكلات الجبهة الداخلية المرتبطة بضعف التنسيق وتنشيط العمل المشترك من خلال إعادة هيكلتها، باستبدال الأمانة العامة وسائر الأمانات التنفيذية الأخرى شبه المعطلة، بسكرتارية تنفيذية فاعلة ومتفرغة، تضم تمثيلاً لمختلف مكونات الجبهة مع ضرورة إيجاد مقر دائم لها، لتفادي سلبيات العامين الماضيين، وأبرزها عمل كل مسار في الاتفاقية على حلحلة قضاياه بصورة منفردة.

مرونة التعاطي

داؤود أشار إلى أن أبرز ما جاء في المبادرة التي أطلقتها الجبهة في ختام مؤتمرها الأخير بمدينة الدمازين في إقليم النيل الأزرق، التأكيد على المرونة اللازمة في التعاطي مع القضية، بفتح كل المسارات لإدخال تعديلات عليها، من دون المساس بجوهر اتفاق السلام، وليس مسار الشرق المحتدم حوله الخلاف فقط، مع عدم الممانعة في الجلوس مع الأطراف الأخرى المعترضة عليه لمناقشة تحفظاتهم ورؤيتهم.

وعزا ممثل حركة "كوش" تصاعد الأوضاع في مسار الشرق بصفة خاصة، إلى ارتباطه بالأوضاع القبلية في الإقليم، والناتج من عدم تمثيل كياناته كافة، سواء في المفاوضات نفسها، أو عند محاولة تنفيذ مخرجاتها في اتفاق جوبا لاحقاً، وهو ما أربك الوضع وأحدث الانقسام الذي تطور إلى نزاع أفرز الوضع المحتقن الراهن، المرشح للتصعيد بين لحظة وأخرى.

وفي شأن تهديد أهالي منطقتي جبيت وسنكات بإغلاق جديد للشرق، نفى أوبشار وجود اتجاه للإغلاق لهذا السبب، لكنه أكد أن المجلس الأعلى للنظارات سيدعم قرار الإغلاق في حال تمسّك أهالي المنطقة به، مشيراً إلى وعد كان قد قطعه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق محمد حمدان دقلو، في زيارته الأخيرة إلى الشرق، بحل مشكلة تتعلق بالكهرباء خلال 48 ساعة في تلك المناطق، لكن ذلك لم يتحقق حتى اليوم.

وكان المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، الذي يتزعمه ناظر عموم قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك، أغلق في بداية الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الطريق القومي الرابط بين الخرطوم ومدينة بورتسودان، بما في ذلك الميناء الحيوي والمنفذ البحري الوحيد للبلاد إلى جانب مرافق حيوية بولاية البحر الأحمر، لما يقارب الشهر، اعتراضاً على اتفاق مسار شرق السودان الذي وقّعته الحكومة الانتقالية مع الجبهة الثورية.

وقرر مجلس السيادة الانتقالي تعليق مسار شرق السودان ضمن اتفاق جوبا، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى حين توافق أهالي الشرق بعد التشاور مع أطراف الحكومة والوساطة من جنوب السودان، كما تم تشكيل لجنة قومية عليا لجبر الضرر واحتواء الأزمة.

وفي فبراير (شباط) 2020، وقّعت الحكومة السودانية اتفاقاً مع مسار شرق السودان، ممثلاً بحزبي "مؤتمر البجا المعارض، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة"، نص على حصول الحزبين الموقعين مع الحكومة على نسبة 30 في المئة من السلطة على المستويين التنفيذي والتشريعي في ولايات شرق السودان الثلاث "البحر الأحمر وكسلا والقضارف".

وطالب الاتفاق بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في حق أبناء الشرق طيلة فترة حكم النظام السابق، وأبرزها ما يُعرف بمذبحة بورتسودان في 2005، كما نادى بإعادة هيكلة صندوق إعمار شرق السودان، المكون بموجب اتفاقية أسمرا بين الحكومة السودانية السابقة والمعارضة في شرق السودان خلال ذلك الوقت. ومنذ إزاحة حكم البشير، شهد شرق السودان اشتباكات قبلية عدة وتوترات أمنية، على خلفية اعتراض بعض المكونات القبلية هناك على ما جاء في اتفاق السلام بخصوص الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل