Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ريشي سوناك وريث بلير... وميزانيته المصغرة ستحمل بصمات "العمال الجديد"

دافع وزير المالية البريطانية في بيان الربيع عن زيادة الضرائب من أجل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، في وقت يحاول مساعدة أصحاب الدخل المحدود وخفض فواتير الوقود

"كان سلفاً يتعرض للضغط في أجزاء مختلفة من المقابلتين لكي يشرح سبب مُضيّه قدماً في قرار رفع الضرائب" (رويترز)

إذا أغلقت عينيك ستلاحظ أن صوت ريشي سوناك يشبه صوت توني بلير. فلهما اللهجة الفخمة الرائجة نفسها، والفصاحة المفرطة ذاتها، وتلك الرزانة التامة. يتحدث وزير المالية بسرعة، ولكن بدقة. ولقد أجرى مقابلتين تلفزيونيتين في نهاية الأسبوع من أجل التمهيد للميزانية المصغرة، ويجدر بالمهتمين للغاية برئيس الوزراء التالي أن يشاهدوهما.

إذا رأيت إحدى المقابلتين، فلعلك لاحظت تناغمه مع بلير [أوجه الشبه بينهما]. أما لو شاهدت المقابلتين، فستكون قد صعقت لسبب آخر، فقد كانت المقابلتان متطابقتين تقريباً. لم يكن اسم كل من الصحافيتين اللتين أجرت كل منهما مقابلة معه شبيهاً للغاية باسم الأخرى، فهما سوفي آر وسوفي آر Sophy R (كُنية الأولى راورث وهي من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وكُنية الثانية ريدج، وهي من "سكاي نيوز")، بل كانت إجابات سوناك متطابقة حرفياً [مع بلير]، لكن ذلك أمر طبيعي تماماً في سياق من هذا النوع. وهذه عبارة عن رسالة تغالي في التزام نهج بلير في بلوغ  المآرب السياسية حين عرض الحجج السياسية من دون تشتت .

إن القدرة على تقديم الجواب ذاته مرات عدة هو بطبيعة الحال مجرد مهارة ميكانيكية [تلقائية وبالسليقة]، مع أن معظم السياسيين يصارعون حتى يجيدونها. أما ما يجعل سوناك حتى أكثر شبهاً ببلير، فهو أنه متمكن من موضوعه. وحين يكون هناك اعتراض على مقطع من جدال مقنع تمت صياغته بشكل مثالي فإن لديه البراعة الكاملة لتذكر الخطوات التي قادته أثناء التفكير إلى تلك النقطة، إضافة إلى الحقائق التي تستند عليها تلك الخطوات.

ولقد سألته كل من الصحافيتين في سياق مقابلتها عن إخفاق الإنفاق الدفاعي في مواكبة التضخم، وفي كلتا الحالتين انتهى به الأمر إلى خلاف معقد حول الفترة التي ينطبق عليها الوعد بالمحافظة على الإنفاق بالقيمة الحقيقية، لكنه بعد ذلك كان قادراً على تحويل المقابلتين إلى المسائل الأكبر المتعلقة بالإنفاق العام والضرائب، لكي يقول عملياً "لا يمكنني أبداً إنفاق مبالغ أكبر من المال العام على كل شيء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان سلفاً يتعرض للضغط في أجزاء مختلفة من المقابلتين لكي يشرح سبب مُضيّه قدماً في قرار رفع الضرائب. وفي هذا الصدد كان واضحاً وغير آسف. وقال لراورث: "إننا نضع ضريبة جديدة لخدمة الصحة الوطنية والرعاية الاجتماعية لأننا نهتم بخدمة الصحة الوطنية". وأضاف، "الذي أود قوله إلى الناس هو أنني أعرف أن الوضع صعب، لكن يمكنكم أن تطمئنوا إلى أن كل بنس تدفعونه لقاء هذه الضريبة، وخلافاً للضرائب الأخرى، سيذهب بشكل مباشر إلى الشيء الذي يعنيكم أكثر من غيره، وهو خدمة الصحة الوطنية".

هكذا، سلك منحى الطريق الثالث [سياسة وسطية تحاول الموازنة بين السياسات اليمينية واليسارية والعدالة الاجتماعية] ووفّق بين أولئك الذين يشتكون من أنه لا ينفق بشكل كافٍ على الدفاع في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب في أوروبا، وبين هؤلاء الذين يشتكون من ارتفاع الضرائب. ويصبح الدفاع عن رفع الضرائب أشد صعوبة حين يضم حزب العمال صوته إلى النواب المحافظين للمطالبة بتأجيله. ويتصرف حزب العمال بشكل أناني، فيما يبدو أولئك الذين يعتبرون أنفسهم تاتشريين من بين نواب حزب المحافظين، غير معقولين من الناحية الاقتصادية، وغير متأكدين مما إذا كانوا يدعون إلى مزيد من الإقراض أو إلى العودة إلى "التقشف"، ولكن باعتبار أن البدائل أسوأ، فإن سوناك يجد موقفاً قوياً في المعقولية التي يشترك فيها كلا الحزبين، والتي دافع عنها بحزم.

عرضت ريدج جدولاً يظهر وزراء المالية على مر العصور، يعود أدراجه إلى أنتوني باربر في سبعينيات القرن الماضي، و[يبين] كم رفعوا الضرائب، أو خفضوها بشكل إجمالي. ويشترك حالياً سوناك مع غوردون براون في الفوز بالجائزة المخصصة لمن رفع الضرائب أكثر من الجميع، علماً بأن المكافأة في حالة غوردن براون كانت لقاء أدائه على امتداد عشر سنوات، أما بالنسبة إلى سوناك، فهي على عمله خلال سنتين. ورد سوناك على ذلك بشكل حاد متسائلاً: "أي من هؤلاء اضطر إلى التعامل مع جائحة؟"

إنه على غرار بلير يتمتع بالموهبة لاتخاذ موقف تم التفكير به والدفاع عنه ضد هجمات تبدو معقولة بشكل سطحي غير أنها سرعان ما تتلاشى في أول مواجهة. إن من الصعب دعم الفكرة القائلة إن الضرائب يجب ألا ترتفع في أعقاب اقتراض 400 مليار جنيه استرليني (نحو 527.54 مليار دولار) من أجل الحفاظ على الوظائف خلال الجائحة، فهي فكرة تتطلب إما اقتراضاً إضافياً ضخماً أو خفض كبير في الإنفاق العام، وهما أمران ليس هناك من هو مستعد للدفاع عنهما بشكل مفصل.

يبقى هذا بشكل أساسي صحيحاً حتى مع تغير الحالة الاقتصادية. وقد تعرض سوناك للضغط لكي يفعل المزيد بشأن أسعار الطاقة الآخذة بالارتفاع في بيان الربيع الذي سيعلنه غداً، في وقت توفر فيه العائدات الضريبية التي جاءت أعلى مما كان متوقعاً بعض الهامش لكي يفعل ذلك، لكن يجري التساؤل هنا حول حجم المساعدة التي يجب أن يقدمها، وكم ستكون موجهة نحو هؤلاء من أصحاب الدخول المتدنية.

ومما يثير الاهتمام أن ثمة نصيحة قد جاءت من توني بلير نفسه، إضافة إلى كل المصادر الأخرى المعتادة، فقد نشر معهده أمس ورقة قصيرة حدد فيها بعض الخيارات من أجل تخفيف وطأة ارتفاع تكلفة المعيشة. ويتمثل الاقتراح الرئيس للمعهد في زيادة المكاسب من خلال معدل التضخم الحالي بدلاً من المعدل قبل سبعة أشهر، وهذا من شأنه بحكم طبيعته أن يحمي الفئات الأكثر فقراً، باستثناء أن أسعار البضائع التي ينفقون عليها شطراً أكبر من دخلهم على (غالباً فواتير الطاقة)، أخذة في الارتفاع بشكل أسرع من المعدل الوسطي. وهكذا يقترح المعهد أيضاً إعادة ضم نصف الزيادة التي تبلغ  20 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع إلى الائتمان الشامل، وتوسيع نطاقها لتشمل كل المزايا الأخرى المخصصة للعاطلين عن العمل.

وتعتبر هذه الورقة مثالاً جيداً على كيفية عثور معهد بلير بشكل متزايد على دور له كما لو كان يتم عبر عملية على شاكلة حرب العصابات، ليطلق هجمات سياسية للعمال الجديد مصممة من أجل تعزيز قبضة التفكير البليري على كلا الحزبين الرئيسين.

وإن الشيء الآخر المثير للاهتمام بشأن مقابلتي سوناك يوم الأحد كان المدى الذي ذهب إليه في التمسك بالوسطية البليرية، وهي تتجلى في إعطاء الأفضلية لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" التي يجري تمويلها من خلال سياسة ضريبية "منصفة" مع "دعم موجه "يذهب" إلى أصحاب الدخول المتدنية، "وذلك: من أجل فواتير الطاقة".

هذا الإصرار على الإنصاف والعدالة الاجتماعية هو السمة البارزة لخطاب سوناك خلال الجائحة. ويتعين علينا ألا نتجاهل مدى تمثيله هو وبوريس جونسون عودة إلى إرث بلير.

نشرت اندبندنت هذا المقال في 22 مارس 2022

© The Independent

المزيد من آراء