Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى متى سيحتفظ الغرب بوحدته في مواجهة بوتين؟

ضغوط الطاقة واللاجئين وأسعار الحبوب تزيد من كلفة الصراع وتبعاته أمام سيناريو "حرب استنزاف" طويلة الأمد

ترجح التقديرات تحول المعارك في أوكرانيا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد (أ ف ب)

بين مراوغات السياسة وضجيج المعركة، تدخل الحرب الروسية في أوكرانيا يومها الـ39 من دون أن تصل بعد إلى محطتها النهائية بانتصار أحد الأطراف، أو الوصول لاتفاق، ما يزيد في النهاية من كلفة الصراع وتبعاته بين الغرب وموسكو، في واحدة من أخطر الأزمات "الجيوسياسية" التي تشهدها القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وأياً كان السيناريو المرجح على الأرض لمستقبل المعارك، التي قدرها أخيراً البنتاغون بأن تتحول لـ"نزاع طويل الأمد"، مع تركيز الجهود الحربية الروسية على شرق أوكرانيا، يتساءل مراقبون عن قدرة الطرف الغربي على الصمود والحفاظ على وحدته مع زيادة الأعباء الاقتصادية والإنسانية المطلوبة في صد ما يعتبرونه "مغامرة وخطأ استراتيجياً" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهجومه على جارته الجمهورية السوفياتية السابقة.

ويقول مراقبون ومحللون عسكريون غربيون، إن مسار المعارك في أوكرانيا تحول بعد مرور أكثر من شهر إلى "حرب استنزاف"، بعد أن فشلت القوات الروسية في السيطرة على أي مدينة كبرى، وواجه هجومهم مقاومة شديدة، ما قد يزيد في النهاية من أمد المعارك والصراع، ويزيد من حدة التداعيات الاقتصادية والإنسانية جراء الأزمة على دول الاتحاد الأوروبي.

مهمة غير سهلة

وفي وقت يتمسك الكرملين بمطالبه السياسية والأمنية في جارته أوكرانيا، ويتشدد الغرب في فرض العقوبات على روسيا، يواجه الاتحاد الأوروبي، ومن خلفه الولايات المتحدة، وفق ما تقول "واشنطن بوست" الأميركية، "مهمة غير سهلة"، لا سيما مع الأعباء الاقتصادية المتزايدة والمطلوبة لمواجهة سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأزمة الأوكرانية.

وبحسب ما كتبه مايكل غيرسون في الصحيفة الأميركية، فإنه "على الرغم من صعوبة قبول الغرب للأعباء الاقتصادية واستيعاب ملايين اللاجئين الأوكران، وارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة، لمواجهة بوتين، إلا أنها بالتأكيد تبقى أسهل من القتال المباشر مثل ما يفعل الأوكران في مواجهة الجيش الروسي".

ويقول الكاتب، إن كثيراً من الأسئلة تتزايد، لا سيما تلك المتعلقة بالفترة التي تستطيع فيها أوروبا أن تبقى موحدة ضد الرئيس بوتين عندما تواجه نقصاً في الطاقة، وفقداناً للوظائف، واستيعاب ملايين من اللاجئين بما يتجاوز أربعة ملايين أوكراني، ما قد يدفع بعض البلدان في النهاية للعودة لاسترضاء بوتين جراء المعاناة الاقتصادية الحادة.

وتابع، "على الرغم من أن اعتماد الاقتصاد الأميركي على علاقته بروسيا ليس كما هي الحال بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، إلا أن الاضطرابات التي أصابت أسواق الطاقة العالمية والارتفاعات الكبيرة في أسعار الوقود للمستهلك، وكذلك السلع الغذائية، من شأنها أن تشكل ضغوطاً كبيرة على متخذي القرار في تلك البلدان، الأمر الذي من شأنه زيادة احتمالات حدوث تغيرات سياسية كبيرة في بعض البلدان الغربية".

وتهدد الحرب بالتسبب بمجاعة في أجزاء من العالم بسبب مكانة البلدين كمصدرين رئيسين للمنتجات الزراعية، والطاقة، إذ تعد أوكرانيا وروسيا من بين أكبر الدول المصدرة للمواد الغذائية المزروعة والأسمدة، خصوصاً القمح والذرة وبذور عباد الشمس، كذلك، تعد روسيا أكبر مورد للأسمدة النيتروجينية وثاني أكبر مورد للأسمدة البوتاسية والفوسفورية، ووفق توقعات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فإن للحرب الروسية في أوكرانيا عواقب وخيمة على أوروبا والعالم لناحية الطاقة، والزراعة، والتضخم، ونسب الفقر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتخوف البعض، من أن يقود الصراع بين موسكو والغرب عبر البوابة الأوكرانية، واشتداد العقوبات الغربية، إلى تحويل روسيا لـ "دولة مارقة"، أو يدفعها لمزيد من الاقتراب إلى الصين للحصول على الدعم، فضلاً عن ترجيح البعض أن يقود طول أمد الحرب في أوكرانيا، إلى زيادة المستوى المتطرف الحالي من العداء بين روسيا والغرب، مما قد يقوض المصالح الأميركية في الاستقرار الإقليمي والعالمي على المدى الطويل.

ووفق ما كتب بنيامين جونسون وتيسون ويتزل وجي بي بارانكو، في "مجلس الأطلسي"، فإن أغلب التقديرات تشير إلى تحول المعارك في أوكرانيا إلى حرب استنزاف طويلة. فعلى مدار أكثر من شهر، فشلت القوات الروسية في السيطرة على أي مدينة كبرى، وواجه هجومهم مقاومة شديدة من القوات الأوكرانية، وتوقفوا عند بوابات العاصمة كييف، وبدلاً من ذلك، قصف الروس المدن وطوقوها، وشردوا حوالى ربع سكان أوكرانيا البالغ عددهم 44 مليون نسمة بعيداً من ديارهم. وفر قرابة أربعة ملايين منهم إلى الخارج، نصفهم إلى بولندا، وتجمدت خطوط القتال بالقرب من كييف منذ أسابيع، وتحدثت تقارير للمخابرات البريطانية عن هجوم أوكراني مضاد دفع الروس إلى التراجع في الشرق.

وتمتلك روسيا واحداً من أعتى الجيوش في العالم، لكن هذه القوة لم تظهر جلية في حملتها العسكرية على أوكرانيا، وفوجئ عدد من المحللين العسكريين الغربيين من أداء القوات الروسية في ساحة المعركة، ووصفه بعضهم بأنه "بائس".

تنازلات "مؤلمة" تقوي بوتين

ومع إصرار الجانب الروسي على مواقفه المسبقة بضرورة تحقيق اختراقات في اتجاه الضمانات الأمنية، يتخوف البعض من أن تقود شدة المعارك وتداعياتها إلى تحول أوكرانيا نحو تقديم جزء كبير من تلك الضمانات بما يظهر ولو ضمنياً "تحقيق بوتين لأهداف العملية العسكرية لبلاده في الجمهورية السوفياتية السابقة في مواجهة الغرب"، بحسب ما ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، مشيرة إلى أنه على الرغم من "إدراك كييف ذلك كسبيل وحيد لوقف إطلاق النار، إلا أنه ليس هناك ما يضمن تحقيق هذا الهدف بالنسبة للأوكرانيين".

وقبل الحرب، طالب بوتين الغرب، باتفاقات مكتوبة تضمن حياد أوكرانيا وعزل سلاحها، فضلاً عن ضمان عدم انضمامها لحلف شمال الأطلسي، وتوقف الأخير عن التوسع شرقاً باتجاه الدولة الروسية، وخلال الأيام الأخيرة، أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خطوات نحو تحقيق السلام ووقف إطلاق النار، شملت إعلانه انفتاحه على تقديم تنازلات عدة للمطالب الروسية من بينها الالتزام بالحياد الأوكراني في ما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ورفض أي ترسانة نووية، وقبول السيطرة الروسية على المناطق الشرقية للبلاد، حتى أنه أشار إلى استعداد لتغيير السياسات اللغوية التي أضرت بالناطقين باللغة الروسية، وهو الأمر الذي أعطى المحادثات المباشرة التي عقدت هذا الأسبوع في إسطنبول بعض الأمل في وقف إطلاق النار.

وذكرت "فورين بوليسي"، أنه في خضم الحرب التي هددت وجود أوكرانيا بصفتها دولة، يبدو أن زيلينسكي والأوكرانيين أدركوا أخيراً أنه سيتعين عليهم التخلي عن طموحهم في الانضمام إلى تحالف الدفاع الغربي، وربما محو هذا الطموح من دستورهم، موضحة أن الروس دخلوا المفاوضات المباشرة مع نظرائهم الأوكرانيين بشكل مباشر في إسطنبول، وهم يدركون أن مسؤولي كييف لم يعودوا مهتمين بأن يكونوا جزءاً من "الناتو"، وعليه، وصف الروس محادثات إسطنبول بأنها "ذات مغزى"، وقالوا إن الجيش الأوكراني "سيقلص نشاطه العسكري في أوكرانيا"، وإنهم تشجعوا لعقد لقاء بين زيلينسكي وبوتين في وقت أقرب مما كان متوقعاً في البداية.

ويرى محللون أنه على الرغم من "الإشارات الإيجابية" الناتجة من المحادثات رفيعة المستوى بين روسيا وأوكرانيا التي أحيت أملاً عابراً في التوصل إلى حل تفاوضي بين البلدين، لكن تسوية الصراع ستكون بشكل أساسي عسكرياً على الأرض.

ونقلت وكالة "فرانس برس"، عن ناتيا سيسكوريا الباحثة الجورجية في معهد "رويال يونايتد سيرفس" في لندن قولها إنه "من الصعب مناقشة أي حل للنزاع على الإطلاق، أو حتى وقف لإطلاق النار"، مضيفة، "في هذه المرحلة، تحاول روسيا تحقيق أهدافها القصوى في أوكرانيا، وإذا نجحت في إجبار الأوكرانيين على قبول شروطها على طاولة المفاوضات، فستحصل على ما تريد. لكن إذا لم يتحقق ذلك ستستمر الحرب".

من جهته، قال إيغور سابوتين، الصحافي الروسي المتخصص في الشؤون الدولية لـ "اندبندنت عربية"، "لم يعد هدف موسكو هو إقامة حوار مع الغرب بشأن ضماناتها الأمنية"، مضيفاً، "على الرغم من التداعيات الكبيرة لتنفيذ عمل عسكري طويل الأمد في أوكرانيا، إلا أن الأمر بات بالنسبة للنظام الروسي محطة تاريخية قد تتيح لبوتين لعب دور تاريخي في إعادة صياغة توازنات القوى القائمة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي"، وتابع سابوتين، "يدرك كلا الطرفين، الغرب وروسيا، أن الأهداف الرئيسة حول ما هو دائر الآن من عمليات عسكرية في أوكرانيا هو تحديد أكبر مكاسب في مجالات النفوذ، وإعادة صياغة الأمن المتبادل بين الطرفين".

المزيد من تحقيقات ومطولات