Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف بدأت حرب أوكرانيا من داخل ساحات الصراع العربية؟

تدخلات موسكو فى المنطقة كانت جزءاً من محاولة استعادة مكانتها الدولية المفقودة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي

أوكرانيون محتشدون تحت جسر مدمر أثناء محاولتهم الهرب عبر نهر ايربين في إحدى ضواحي كييف (أ ب)

كان من الطبيعي بمجرد بدء التصعيد ثم الحرب في أوكرانيا أن يكون من بين التساؤلات ومصادر القلق مسألة تأثير هذه الحرب في بؤر الأزمات الراهنة في المنطقة العربية، وعلى رأسها ليبيا واليمن وسوريا، التي لم يغلق ملفها بعد، وحتى العراق ولبنان.

بقدر أهمية هذا البعد ضمن الآثار العديدة للحرب، التي تلقي بنتائج وخيمة على الاقتصاد العالمي، فإن هناك زاوية أخرى تستحق أن نبدأ بها، وهي أن ساحة الشرق الأوسط كانت مسرح الصراع الدولي بأطرافه، وربما كانت جزءاً من تحضيرات المشهد الراهن ومقدماته.

نظرة بسيطة على تطورات هذه الصراعات تكشف عن هذه العلاقة الجوهرية، وربما تكون البداية ما سمي بالثورات العربية، التي نظرت إليها موسكو بارتياب شديد منذ الوهلة الأولى، واعتبرتها محاولة من الغرب وواشنطن تحديداً لإعادة التموضع، وفرض مزيد من السيطرة على المنطقة. ثم تضاعفت هذه الشكوك بمجرد أن امتدت هذه الثورات إلى مراكز نفوذ وصداقات لروسيا ثابتة ومستقرة تاريخياً، وبشكل خاص سوريا وليبيا.

سوريا ونفوذ موسكو

بالطبع، شكلت سوريا أهم محاور ونفوذ موسكو المتبقي في المنطقة، فبينهما علاقات متينة وممتدة منذ زمن الاتحاد السوفياتي السابق، اتسمت بدرجة عالية من الاستقرار والثبات، ومع ذلك فإن موسكو واصلت دعمها العسكري الروتيني للنظام السوري، تاركة لحليفتها إيران، التي تربطها بها علاقة مختلفة ومتعددة الأبعاد، مهمة إنقاذ النظام في سوريا، لكنها وجدت أمرين استدعيا تدخلها الحاسم: الأول تراجع النظام وهزيمته على الرغم من الدعم الإيراني وحلفائها الإقليميين، سواء حزب الله أو الحشد الشعبي العراقي. والثاني تبلور القوى المعارضة في سوريا وأكثر فصائلها قوة حول التيارات الأكثر تشدداً مثل "القاعدة" و"داعش".

موسكو تعتبر أن انتصار هؤلاء يشكل تهديداً استراتيجياً لها قد يمتد إلى أقليتها المسلمة، وبخاصة في الشيشان، من هنا كان تدخلها الحاسم، الذي قلب الموازين العسكرية، وسمح للنظام بفرض سيطرته على أغلب البلاد، ولعل من المهم تذكر كيفية تطور رد الفعل الغربي، والأميركي تحديداً، كي يمكن ربط الخيوط السابقة بالمشهد الراهن.

ففي البداية، كانت الأطراف الغربية وواشنطن أوباما بشكل خاص يبدون ردود فعل على قدر من الغموض، إذ كانت أهداف المعركة قصف التنظيمات المتطرفة كـ"داعش والقاعدة"، التي أعلن أوباما الحرب عليها بعد المذابح المخيفة التي تورطت فيها، وبخاصة ضد مسيحيي سوريا والعراق، لذا كان هناك قدر من القبول الضمني، أو في الأقل عدم إمكانية معارضة تدخل موسكو، على الرغم من السلوك الغربي من خلال إعلان أوباما أن الحرب التي يشنها ستستغرق عشر سنوات، أي بما يتيح إسقاط الأسد أولاً، ثم تدخل أكثر حسماً بعد ذلك. وفي جميع الأحوال حدث شبه ترقب وتساهل غربي، حتى جاء ترمب إلى الحكم، وأعلن رغبته في سحب قواته من سوريا، وكأنه أيضاً يرسخ النصر الروسي، وبدأ ذلك بالفعل، ليثير رد فعل غربي معارضاً، مضمونه الحقيقي ألا تترك الساحة لانتصار روسي وللنظام السوري. ودعم هذا موقف مماثل من مؤسسات السياسة الخارجية الأميركية، من الخارجية والدفاع والاستخبارات، التي رفضت أيضاً أطروحة ترمب حول تطوير العلاقات مع موسكو من أجل التفرغ للمواجهة ضد الصين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نجحت هذه الضغوط في كبح جماح ترمب، واضطرته إلى التراجع عن الانسحاب الكامل، وإبقاء بعض قواته لهذه الأسباب، ولحماية حلفائه الأكراد من ضم تركيا شمال شرقي سوريا والقضاء على القوات الكردية. على صعيد آخر، كان إنشاء جيب إدلب، الذي استجمعت فيه تركيا، وتحت مظلة تدخلها المباشر، الفلول المتبقية من "القاعدة" و"داعش"، لكي تصبح مخزن هؤلاء المتطرفين وأداة أنقرة في حرمان روسيا من تحقيق نصر كامل، وفي البداية كانت تركيا تتحرك بمفردها، ثم أصبح هذا بدعم أميركي شبه صريح، ليصبح ترتيب إدلب المستودع الذي سيطرح تالياً حتى في الأزمة الأوكرانية.

ليبيا ومرتزقة فاغنر

أما ليبيا، فقد كان تدخل الناتو لإسقاط القذافي سبباً مباشراً لغضب روسي واضح، ودلالة على نيات غربية عدوانية، وتقليصاً لمساحة علاقاتها الإيجابية في المنطقة العربية. ظلت موسكو لاعباً بعيداً بعض الشيء خلال سنوات الأزمة الأولى، ثم جاء تطور علاقاتها مع الجيش الليبي وقائده، خليفة حفتر، فاتحة دوراً متزايداً انتهى إلى ما هو معروف بتدخل مرتزقة فاغنر ضمن الجيش الليبي، ما أدى إلى تغيير موقف ترمب من دعم ضمني لحفتر، وصل إلى اتصال تليفوني معه، وإصداره تصريحات داعمة له، إلى تراجع وتأييد لتدخل تركيا، وتوظيفها لمستودع المتطرفين في إدلب، وعلى الرغم من تعقد الصورة واللاعبين في ليبيا بشكل مغاير لسوريا، ففي النهاية تحولت هذه الساحة أيضاً إلى مواجهة بين معسكر توجد فيه موسكو، حتى لو لم تكن تقوده بشكل فعلي، وآخر غربي لا تقوده واشنطن وإنما تركيا.

أما الساحات اليمنية والعراقية واللبنانية، فالأمور أكثر تعقيداً، والأطراف الإقليمية تلعب دوراً أكبر، بخاصة إيران، لكن الرابط هنا العلاقات الخاصة بين موسكو وطهران، مع خلاف جوهري، هو العلاقات المتصاعدة بين موسكو ودول الخليج، وموقف موسكو المتباعد في هذه الملفات عن حليفتها طهران، في ضوء جملة علاقاتها العربية مع أطراف تعادي التغلغل الإيراني في المنطقة.

محاولة استعادة مكانة

الخلاصة، أنه في ساحتين من ساحات الصراع، ليبيا وسوريا، كانت إرهاصات المواجهة بين موسكو والغرب، الذي لا يريد لها توسعاً ونفوذاً خارجياً، بخاصة أن تدخلها في القرم وجورجيا كان سابقاً لتدخلها في الساحتين السورية ثم الليبية، وجملة هذه التدخلات يمكن أن نعتبرها جزءاً من المشهد التحضيري لبلورة درجة أعلى في الصراع بين الطرفين نراه الآن في أوكرانيا.

لكن تفاصيل المشهد الراهن مليئة بالتعقيدات وخلط الأوراق، ومن بين هذا رأينا استدعاء للشرق الأوسط إلى الساحة الأوكرانية، متمثلاً في الحديث حول طلب كل طرف المرتزقة الذين يعملون لديه من العالم العربي، فجاء الحديث عن مرتزقة سوريين من داعمي روسيا، وآخرين من "داعش" و"القاعدة" من مستودع إدلب ضد روسيا، ثم المشهد المركب من حليفي واشنطن، تركيا وإسرائيل، اللتين وقفتا طبعاً ضد الحرب، لكنهما عرضتا الوساطة التي نجحت تركيا أخيراً في الاضطلاع بها، حتى لو كان هدفها مجرد إبقاء الاتصال الجيد مع موسكو بحكم اعتبارات كثيرة.

لكن تبقى الدلالة الرئيسة وهي أن تدخلات موسكو في ساحات الصراع بالمنطقة كانت جزءاً مهماً من أوراق عودتها لمحاولة استعادة مكانة دولية مفقودة بعد انحلال الاتحاد السوفياتي، لتشكل جزءاً من معركة المصير الأكبر لهذا الدور، المتمثل في الساحة الأوكرانية، ومن ثم ربما يكون هذا الحديث مقدمة حديث آخر حول ما يمكن أن تسفر عنه المعركة الأوكرانية على ساحات الصراع في العالم العربي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل