Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وحدة أوروبا بعد "بريكست" ضرورية وحرب أوكرانيا هي الإثبات

ترغب بريطانيا في قيادة الهجوم لكنها عالقة في وضعها الأيديولوجي المعتاد الذي ألحق الضرر بقدرتها على التأثير

لا تستطيع المملكة المتحدة أن تعتمد على علاقتها بالولايات المتحدة فقط كجوهر لسياستها الخارجية (غيتي)

  في الوقت الذي يشهد العالم فيه على تدمير أوكرانيا ونزوح اللاجئين الجماعي في أخطر فترة تمر بها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، رص الغرب صفوفه وحشد جهوده بسرعة لافتة. ولكن، هل سيكفي هذا الإجراء وحده لوضع بوتين عند حده؟

  في "إبقاء القنوات مفتوحة"، وهي [مبادرة استراتيجية جديدة] مكرسة لتعزيز الحوار بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، استضفنا سياسيين ومجموعات بحوث وخبراء في مارس (آذار) لمناقشة سبل إنهاء الحرب وتدعيم العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

  يتفق كثيرون على أن التنسيق بين ضفتي الأطلسي وآلية صناعة القرار القوية كانا يستحقان الإعجاب، فيما انهمك الأميركيون والأوروبيون وشركاؤهم العالميون في العمل الدبلوماسي، و[جهود] الردع وفرض العقوبات من أجل عزل روسيا وإجبارها على الانسحاب. قامت دول مثل ألمانيا بتحولات جذرية، بينما فرض الاعتداء الروسي الغاشم إعادة تقييم نظام ما بعد الحرب الباردة [إعادة النظر فيه].

  وعملت المنظمات الدولية، على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إضافة إلى كل من قطاع الأعمال والرياضة والثقافة والمجتمع المدني، على حشد جهودها كلها من أجل الحث على رد جماعي. في هذه الاثناء، تواصل الدبابات الروسية زحفها عبر أراضي أوكرانيا، وتتعرض المستشفيات والمدارس للقصف بالصواريخ وتجري محاصرة المدن.

  وفي وقت يثني كثيرون على رص الصفوف هذا، يجمع المسؤولون والمحللون على أن الغرب كان عليه أن يكون أشد صرامة في التعامل مع روسيا، ومنذ زمن، أي تحديداً في أعقاب قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، وغيرها من الأعمال العدائية. لكنهم يختلفون بشأن المدة الممكن أن تتجنب خلالها الدول الغربية المواجهة العسكرية المباشرة إذا تمت تسوية المدن الأوكرانية بالأرض بشكل ممنهج كما حصل في غروزني أو حلب.

 وبينما يشك البعض في أن يغزو الكرملين دولة عضواً في حلف "الناتو"، يحذر آخرون من أنه عاجلاً أم آجلاً، سنواجه "صداماً عنيفاً جداً مع بوتين" باعتباره لا يفهم سوى لغة القوة القاسية. سيتعين على حلف "الناتو" حينها التفكير باتخاذ الموقف عينه الذي اتخذه خلال الحرب الباردة، حين وضع فرقاً مدججة بالسلاح في أوروبا بشكل دائم، والاستعداد لحصول ما لا يمكن تصوره. وبوسع مصاب بجنون العظمة مثل بوتين، معزول ومحبوس، أن يهاجم بطرق لا يمكن التكهن بها، بما في ذلك توجيه ضربة بأسلحة نووية تكتيكية.

 تشكل هذه الأزمة اختباراً لفعالية التحالفات والعلاقات والصيغ التي تصنع الإجماع على القرارات. وبالنسبة إلى المملكة المتحدة، كانت هذه الحرب امتحاناً آخر لسياستها الخارجية في مرحلة ما بعد "بريكست"، وقدرتها على القيادة والتنسيق مع الحلفاء في الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من العلاقات الشائكة.

  بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فقد عملت مؤسساته ليل نهار من أجل توحيد الأعضاء الـ 27 كلهم في مواقف متماسكة، دافعة إياهم للمضي مسافة أبعد وبشكل أسرع مما تسمح به الآلية عادة. وبنى بايدن وحدة هشة بين الحزبين لإظهار التصميم على الدفاع عن حلفاء "الناتو"، في الوقت الذي كان يستبعد فيه على الدوام الإسهام الفعال في الحرب نفسها. وهو يواجه الآن تحدياً يتمثل في إقناع الناخبين بأن أسعار الغاز الآخذة بالارتفاع والتضخم هي ثمن مناسب للوقوف في وجه بوتين.

  وكانت المملكة المتحدة تبذل قصارى جهدها طيلة الوقت لإظهار نهجها الجريء العازم على اتخاذ إجراء فعلي، بناء على كراهيتها القديمة العهد لروسيا ودعمها التاريخي لأوكرانيا على مستوى العلاقات الثنائية وعبر حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

  وللتعويض عن كونها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، فقد ركزت المملكة المتحدة على العلاقات الثنائية والكتل مثل "فيشغراد 4"، ودول البلطيق، ودول الشمال، ومجموعة السبع وأوكرانيا نفسها. وأرسلت وزيرة الخارجية ليز تروس إلى موسكو في شباط (فبراير) من أجل مواجهة نظيرها، فيما التقى الزعيمان الألماني والفرنسي مع بوتين. وعلى الرغم من أن أياً من هذه الاجتماعات لم يسفر عن نتائج، فإن تزايد التنسيق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، كان موضع ترحيب، على الرغم من أن المنافسة بينهما لا تزال قائمة.

  أصاب بوريس جونسون حين أعلن في منتدى ميونخ للأمن عن الحاجة إلى أقوى العلاقات الممكنة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في السياسة والدبلوماسية والدفاع، بيد أنه لم يستطع أن يقاوم الإضافة بأن المملكة المتحدة كانت أسرع من الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على بيلاروس. وادعى في وقت لاحق بشكل مضلل أن المملكة المتحدة قد قامت بإعادة توطين معظم اللاجئين من دول أوروبية منذ عام 2015.

  تجد الحكومة البريطانية ما بعد "بريكست" نفسها في موقف يدعو إلى الإحباط، إذ إنها راغبة بقيادة الهجوم، ولكنها تبقى عالقة في وضعها الأيديولوجي المعتاد الذي ألحق الضرر بقدرتها على التأثير. ولقد آن الأوان حالياً لدعم كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لإجراءات الآخر علناً، ومنع بوتين من تحقيق أهدافه في تطبيق سياسة فرق تسد.

  وخلال الأزمة، عززت المملكة المتحدة تقاربها في المواقف مع الولايات المتحدة، مرددة الدعوات لاستجابة جماعية أشد صرامة. كما أنها استفادت أيضاً من الشراكة التي تمت تقويتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقالت ليز تروس في الخطاب الذي ألقته في 10 مارس أمام المجلس الأطلسي     "كانت بريطانيا وأميركا على الدوام في صميم الأمن العالمي والأوروبي، وفي صميم مجموعة قوية للدول السبع مع أصدقائنا في الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان".

  كان التعاون العميق عبر الأطلسي أساسياً في هذه الأزمة، وقد تحسن كثيراً منذ الانسحاب من أفغانستان. غير أن الولايات المتحدة التي لا تزال تواجه عدم الاستقرار داخلياً، قد لا يسمح بالاعتماد عليها دوماً، سيما إذا خسر الديمقراطيون الانتخابات النصفية وعاد ترامب إلى الحكم. ويحذر دبلوماسيون أميركيون [ممن شاركوا في ندوات] الطاولة المستديرة التي نظمتها "إبقاء القنوات مفتوحة"، على الدوام من أن أوروبا في حاجة إلى أن تعزل نفسها عن اضطرابات الولايات المتحدة المستقبلية، وتطور قيادة أقوى ومرونة أمنية.

  لا تستطيع المملكة المتحدة أن تعتمد فقط على علاقاتها بالولايات المتحدة كجوهر سياستها الخارجية، ولا على حلفاء جدد بعيدين جداً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على الرغم من التهديد من جانب الصين المتحالفة حالياً مع روسيا، التي تستخلص نتائجها الخاصة من هذه الأزمة.

  وفيما تنمو الاتصالات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل طبيعي لا افتعال أو إكراه فيه، حول العقوبات والخطوات الأخرى، فلقد حان الوقت بالنسبة إلى المملكة المتحدة كي تلطف خطوطها الحمراء وخطابها، وتفكر [من جديد في اتباع] نموذج ما للتنسيق المنظم للسياسة الخارجية الذي رفضه بوريس جونسون، بما في ذلك إقامة روابط دفاعية أقوى في الوقت الذي تبني فيه المملكة المتحدة استقلاليتها الذاتية على الصعيد الاستراتيجي.

  تنص اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على التعاون في مجال الأمن السيبراني، وإنفاذ القانون الجنائي، وغسيل الأموال ومكافحة تمويل الارهاب، ولكن ليس بشأن الدفاع أو الهجرة، وكلاهما مجالان لهما أهمية حاسمة من أجل إدارة تداعيات هذه الحرب. وتلوح في الأفق المخاوف المشتركة [لكليهما] في مناطق غرب البلقان، والقوقاز، وشرق المتوسط، إذا تزعزع الاستقرار فيها. وسيزداد التعاون بين حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي، باعتبار أن تعريفاً أوسع للأمن سيشتمل على حكم ديمقراطي فعال وسيادة قانون، وقواعد تجارة وتكنولوجيا عصرية، وأعمال إنسانية وأدوات تضليل. وينبغي أيضاً تأمين مصادر بديلة للطاقة، وتحضير السكان للعيش في ظل نقص السلع وارتفاع أسعارها.

  إن إنشاء فريق عمل عبر الأطلسي مؤلف من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي للتنسيق في ما يتعلق بالعقوبات، سيساعد على سد الثغرات بينها. إلا أن المملكة المتحدة لديها الكثير لتقدمه، ولا يمكنها أن تتحمل الغياب عن طاولة الاتحاد الأوروبي، حيث يجري تشكيل معالم هيكل أمني أوروبي جديد، وحتى ولو أدت دوراً أقل أهمية في صنع القرار.

  تحتاج المملكة المتحدة لإعادة الاستثمار في علاقاتها مع أوروبا لكي تستعيد ثقة شركائها، ليس فقط كقضية اقتصادية، بل أيضاً من أجل القيم الأساسية والأمن. من شأن علاقات وطيدة أكثر بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تساعد الحكومة على البدء في استعادة ناخبين مؤيدين لأوروبا تم تنفيرهم في بريطانيا، حيث لا يزال الانقسام بين أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي وأنصار البقاء فيه، يتسبب في إضعاف البلاد، حتى بعد ست سنوات من الاستفتاء. وتدلل الأزمة على الحاجة إلى الوحدة، داخلياً وخارجياً على حد سواء، الآن أكثر من أي وقت مضى.

ساندرا خدوري هي شريكة في مبادرة "إبقاء القنوات مفتوحة" ومديرتها

تيريز أو دونوغيو رئيسة التواصل في مبادرة "إبقاء القنوات مفتوحة"

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 14 مارس 2022

© The Independent

المزيد من آراء