تستعد إيران لإعادة تكييف اقتصادها من أجل مرحلة ما بعد إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات، إذ تعمل على تكثيف نشاطاتها عبر مختلف القطاعات الصناعية والاقتصادية. تجلى ذلك في مؤشرات عدة، لكن أحدثها هو ما يؤشر إلى قرب إتمام الاتفاق واستعداد طهران لجني عوائد رفع العقوبات، فمن جهة منحت إيران تأشيرات مخصصة للمبتكرين ومديري الشركات الناشئة الحريصين على الاستثمار في إيران، ومن جهة أخرى توجه وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان إلى مدينة تونشي في الـ 29 من مارس (آذار) للانضمام إلى قمة وزراء خارجية جيران أفغانستان.
وبالنسبة إلى التأشيرات الممنوحة للمبتكرين والشركات الناشئة، فيمكن للأفراد الذين حصلوا عليها البقاء في إيران من ثلاثة إلى ستة أشهر، وبعد ذلك سيكونون مؤهلين للحصول على الإقامة من أجل تأسيس أعمالهم في إيران.
وتستهدف إيران من تلك الخطوة إصلاح الاقتصاد المتعثر، لكنها تواجه صعوبة في جذب الاستثمار الأجنبي بسبب العقوبات الأميركية التي تحظر التعامل مع كيانات إيرانية معينة، كما يخضع قطاع الطاقة للعقوبات، فضلاً عن منع البنوك الإيرانية من استخدام نظام (SWIFT) للتحويلات المالية العالمية. كل ذلك في التوقيت الذي تتزايد فيه خطط إيران للتجارة مع جيرانها الإقليميين.
وتحاول طهران التعامل مع الاقتصاد الذي يعانى مشكلات هيكلية إلى جانب تداعيات العقوبات الأميركية عليها، إضافة إلى التضخم، كما تعاني نقصاً مزمناً في المياه، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات، فضلاً عن سوء الإدارة الحكومية، أما من يعيشون تحت خط الفقر فقد كشف مركز أبحاث البرلمان الإيراني عن ارتفاع عدد الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 28 في المئة هذا العام، مقارنة بـ 18 في المئة خلال 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول زيارة عبداللهيان للصين، فإلى جانب الصين تشارك في قمة جيران أفغانستان كل من روسيا وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وقطر وإندونيسيا لمناقشة ما جرى التوصل إليه من تعاون في ظل الهيكل السياسي والاقتصادي والأمني المتغير في أفغانستان، لكن لن يفوت عبداللهيان فرصة مناقشة مسار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران التي تستمر لـ 25 عاماً.
ومن المنظور الإيراني، يمثل تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا فرصة حيوية لاغتنامها في ما يرون أنه نظام عالمي جديد في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، وترى أن العقوبات الغربية ضد إيران والصين وروسيا يمكن أن تساعد الثلاثي في تشكيل تحالف قوي لمواجهة النفوذ الغربي.
التحركات الإيرانية في المسار الاقتصادي توحى بالتمسك الإيراني بإحياء الاتفاق لرفع العقوبات، ومن ثم التفاؤل بمستقبل الاقتصاد الإيراني، وقد أصدر البنك الدولي تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، وجاءت توقعاته للنمو الاقتصادي الإيراني مرتفعة لعام 2022، بسبب تخفيف قيود فيروس كورونا والانتعاش التدريجي لقطاع النفط.
كما أشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لإيران سيسجل نمواً بنحو 2.4 في المئة خلال 2022، ويعني ذلك أن إيران في طريقها للخروج من الركود الطويل الذي دام ثلاث سنوات، وبدأ في مايو (أيار) 2018 بعد إعادة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات وسياسة الضغط الأقصى على إيران، لكن يظل التحدي هو ما إذا كانت طهران ستستمر في توجيه العائدات المتوقعة من رفع العقوبات نحو دفع أنشطتها الخارجية الإقليمية.