هذا الأسبوع، بين 21 و27 مارس (آذار)، يحتفي العالم بـ"أسبوع التنوع العصبي" Neurodiversity Celebration Week. وبالنسبة إليّ، فإنه تذكير بمدى الجهل الذي كنت عليه. في صيف 2016. قالت مديرة الحضانة التي كان يرتادها صغيري، "ابنُكِ لم يتواصل معي عبر العينين أبداً". كان يبلغ من العمر آنذاك نحو 18 شهراً. أدركت المسؤولة السبب، خلافاً لي. في الحقيقة، لم أشعر قط بهذا القدر من الجهل.
مُذّاك، صرت أُولي مراحل التطور لدى ابني مزيداً من الاهتمام. أجريت عمليات بحث على الإنترنت حول خصائص عدة من قبيل: "لا يستجيب عند مناداته باسمه"، "لا يتواصل بصرياً مع الآخرين"، "لا يتكلم" و"يحرك يديه بسرعة ثابتة وبصورة متكررة". جاءتني الإجابة: "التوحد".
غيّرت هذه الكلمة (التوحد) الطريقة التي أنظر بها إلى العالم. علّمتني أن أتقبّل الآخرين بغض النظر عن اختلافاتهم. علّمتني أن أكون أقل شدة [ألطف] في إطلاق الأحكام على الناس، لأن الأحكام والانتقادات دائماً ما تلاحق آباء الأطفال المصابين بالتوحد وأمهاتهم، يوماً بعد يوم.
"أنتِ أُمُّه، أليس كذلك؟"، يسألني رجل لا أعرفه بنبرة مرتفعة، فيما راح ابني يمشي على طاولة موضوعة لتناول وجبة الإفطار في أحد الفنادق. ويتابع الرجل كلامه، "حري بك أن تعلميه أن تصرفه هذا لا ينمّ عن نظافة". يومها، لم أكن أملك ما يكفي من معرفة أو وعي أو شجاعة كي أرد عليه بالطريقة المناسبة.
كيف للغرباء أن يفهموا الرضا الحسي الذي يشعر به ابني عندما يصعد أماكن مرتفعة؟ كيف يعرفون أنه لن يفهم حتى لو طلبت منه النزول؟ من أين لهم إدراك أن التخلص من سلوك ما أو تغييره بالنسبة إلى مرضى التوحد قد يستغرق أسابيع أو أشهراً عدة، أو حتى سنوات أحياناً؟ كيف يعرفون أن تلك التصرفات ليس مردها إلى سوء التربية، بل "التوحد"؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علاوةً على الوصم الاجتماعي الذي يكابده مرضى التوحد ومُعايرة الوالدين بسوء التربية، يواجه هؤلاء عقبات أخرى كثيرة، تبدأ بإحالات كثيرة إلى الخدمات الصحية المتخصصة، وشعور بعبء نفسي بعد تشخيص الإصابة، ومشاعر إحباط ومخاوف من المستقبل، ومعارك من أجل إيجاد أماكن للمرضى في المدارس في ظل وجود هيئات محلية ترغب في عدم استقبالهم.
رافقت ابني في ست إحالات إلى الجهات الطبية المتخصصة كي يتلقى مساعدة مبكرة، وانتظرت طوال سنتين قبل الحصول على تشخيص "رسمي" يؤكد إصابته بـ"التوحد". تقتضي حالته أن يتمكن من الوصول إلى الخدمات المتخصصة بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، النطق واللغة والعلاجات الوظيفية. في معاييرها المعتمدة لقبول التلاميذ، تطلب بعض مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة أيضاً تقديم هذا التشخيص لها. من الواضح أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد تفوتهم فرصة التعلم والاستفادة من الخدمات المتخصصة.
لكن، علينا أن نحتفظ بطاقتنا من أجل الأطفال المصابين بالتوحد. هم الذين يحتاجون إلى تركيز كامل. من الضروري طبعاً أن يتوفر وعي أكبر وقنوات دعم إضافية، ولن أتظاهر بأنني ملمة بالأمور كافةً حول التوحد، ولكني أعلم أن تربية طفل مصاب بالتوحد ليست مهمة سهلة، خصوصاً في ظل غياب أي علاج، بيد أنها تفيض بالإيجابيات أيضاً. يستطيع أطفالنا بمهارة أن يتبينوا مشاعرنا الحقيقية، وكلما كانت إيجابية أكثر، عاد ذلك بالنفع عليهم أكثر. من ثمّ، سيساعدهم على التقدم والاستجابة بشكل جيد.
صحيح أن علينا، في ظني، أن نتقبل التوحد لدى أطفالنا، غير أنه لا ينبغي لنا أن نرضى بالعبء الذي ربما يفرضه المجتمع علينا. كانت لي تجارب مع آباء وأمهات لا يسمحون لأطفالهم باللعب مع نظراء لهم مصابين بالتوحد، مخافة وصمهم بالعار. لديّ اعتقاد راسخ بأن الجهل وراء هذا الخوف.
ابني المصاب بالتوحد علّمني، وما زال يفعل، الكثير حول كيف أصبح واسعة الحيلة، وأن أتوقع غير المتوقع (وأستعدّ له)، وأثق في حدسي. أُقدّر إصراره وروحه المرحة والشعور المستمر بالسعادة الذي يغمره. تجده ينشر الحب غير المشروط، ويغدق عليّ بمئات العناقات الكبيرة كل يوم، من دون أن ينتظر أي شيء في المقابل. حبه نقي.
لا ينتقدني، ولا يعرف كيف يكذب، أو ما الذي تعنيه الكذبة أصلاً. أحتفل معه بأصغر إنجاز يحققه، وتوقفت عن مقارنته بالأطفال من عمره. المهم أنه يتعلم.
ابني قلبي الذي يمشي على قدمين، ومصدر بهجتي. لا يسعني أن أتصوره إنساناً مختلفاً عما هو عليه الآن. إنه فريد من نوعه، وهنا يكمن تميزه. يجعلني فخورة كل يوم. لأنه لا يستسلم أبداً، ويتعلم كيف يتغلب على نقاط الضعف لديه، ويستفيد من نقاط قوته. على الرغم من كل شيء، لن يفتُر إيماني أبداً بـ[قدرات] الأطفال المصابين بالتوحد.
لا أصدّق أني انتظرت ست سنوات قبل أن تسعفني قدرتي على أن أكتب نصاً في هذا الشأن. لحُسن الحظ، صار "جلدي سميكاً" [صرت متجالدة، ولم أعُد آبَهُ بالانتقادات]، وأحمل بين ضلوعي قلب أسد. أعتقد أن الوقت قد حان الآن كي أبوح بما احتفظت به دائماً. نعم، أنا "أمُّه" وأفتخر. أنا مدينة لابني بهذا.
© The Independent