السرعة التي تتقلص بها مخصصاتي المالية الشهرية تفوق الآن سرعة ذوبان المثلجات في يوم حار، إذ باتت فواتير الطاقة الخاصة بي على وشك تحويل الاستحمام بماء ساخن والسكن في بيت دافئ إلى نوع من الرفاهية.
يوم الأحد، عبرت صحيفة "ميل أونلاين" عن غضبها بعنوان يقول: "التعليم وليس التلقين": نديم زهاوي يطالب المدارس باستئصال المعلمين الناشطين الذين "يغسلون أدمغة الأطفال". وفي اليوم الذي سبقه، كتبت صحيفة "ذا صن" بالخط العريض: "غسيل الأدمغة": "وزير التعليم ينبه إلى ضرورة توقف المدارس عن تعليم الدعاية الناشطة".
تتعلق موجة الغضب هذه تحديداً بتقارير تحدثت عن مطالبة بعض المدارس الأطفال بكتابة رسائل إلى النائب المحلي في منطقتهم عن حزب العمال ينتقدون فيها بوريس جونسون، لكن مثل هذه القصص كانت لسنوات عديدة تظهر وتختفي.
إن لم يكن معلمو المدارس الاشتراكيون هم الذين يقولون لتلاميذهم الذين هم في سن قابلة للتأثر أن يكرهوا المحافظين، فإن محاضري الجامعات الاشتراكيين يجبرون طلابهم على "اليقظة" قبل دخولهم سوق العمل.
ووفقاً للصحيفتين آنفتي الذكر، فإن هذا البلد الجميل يشهد كل يوم ولادة مجموعات من الشباب اليقظ الذي قد يصبح يميني الهوى. لكن وبطريقة مأساوية، تتم استمالتهم إلى الجانب المظلم من قبل عصابات يسارية شريرة، وهذا هو السبب الذي يجعل الشباب الآن ميالين أكثر للتصويت لحزب العمال، أو الأطراف ذات التوجهات المشابهة.
بدلاً من ذلك، ماذا؟ أنا آسفة، لقد انقطعت سلسلة أفكاري. كنت آخذ استراحة قصيرة من كتابة هذا المقال وتفقدت موقع تويتر، هل يمكنكم توقع أي فعل آخر؟ فباغتتني الأنباء حول ارتفاع تكاليف النقل في لندن حوالى خمسة في المئة في الأول من مارس (آذار). لو سمحتم لي، أحتاج إلى ضرب رأسي للحظات بأقرب جدار أعثر عليه.
حسناً. ما قصدت قوله هو هذا: كل أسبوع هناك قصة جديدة أو خطاب جديد أو تغريدة صادرة عن أحد النواب المحافظين يتهم فيها الكوادر التعليمية في البلد بقلب طلابها ضد الحكومة. هذا هو السبب الذي يجعلنا نعتقد أن حزب المحافظين لا يحظى حالياً بشعبية لدى معظم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً. لكنني أريد تقديم تفسير آخر وأضرب مثلاً من حياتي خلال عام 2022.
الأسبوع الماضي، أخبرني المندوب العقاري المشرف على الشقة التي أسكن فيها أن علي الحضور إلى مكتبه لتوقيع عقد جديد للعقار الرخيص الصغير المكون من غرفة نوم واحدة والكائن في منطقة قريبة من مركز العاصمة. لم تكن لدي أدنى فكرة عن السبب. ومنذ ذلك الاتصال الهاتفي، وأنا أشعر بالتوتر والإرهاق، وأصلي لكل الآلهة بأن لا يتضمن العقد الجديد زيادة في الإيجار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالكاد أستطيع تحمل تكلفة هذه الشقة بالوضع الحالي وستؤدي زيادة نفقاتي الشهرية 150 جنيهاً استرلينياً إلى تدميري مالياً. لقد تصفحت المواقع الإلكترونية لأشهر الشركات العقارية، ولو طُلب مني إخلاء شقتي، سيتعين علي الابتعاد كثيراً من مركز لندن في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الإيجارات منذ غيرت مسكني آخر مرة.
ولو تجاوزت تكاليف السكن، فإن ميزانيتي الشهرية تتقلص بسرعة تفوق سرعة ذوبان المثلجات في يوم مشمس، لأن فواتير الطاقة الخاصة بي على وشك تحويل الاستحمام بالمياه الساخنة والعيش في مسكن دافئ إلى رفاهية. بالطبع، يعني التضخم أن مشترياتي الغذائية الأسبوعية ستصبح أغلى بشكل ملحوظ. كما أن التنقل الكريه بواسطة ميترو الأنفاق والحافلات على وشك أن يصبح أكثر تكلفة أيضاً.
لو كانت حياتي ستجسد برسم كاريكاتيري، لرُسمتُ والرعب ظاهر علي وأنا أرى قطع النقود تنزلق بسهولة من يدي واحدة تلو الأخرى، بغض النظر عن محاولاتي الجاهدة للحفاظ عليها.
من الواضح أنها مشكلة بالنسبة لي، لكنها أيضاً مشكلة بالنسبة إلى الحكومة. أنا سيدة ثلاثينية تعمل في مهنة غير قاسية ولدي إمكانات مالية معقولة، ما يعني أنني أنتمي لتلك الفئة التي ينبغي أن يرغب حزب المحافظين في استمالتها قليلاً في الوقت الحالي.
لكن الحزب بدلاً من ذلك، مشغول للغاية في محاولته اليائسة للإبقاء على انتباه المتقاعدين وأصحاب المنازل، بينما يتعرض أمثالي للإهمال. لم يتبق لنا شيء: باستثناء مقومات معيشة متداعية وشعور متنام بالعجز المطلق.
من الجدير بالذكر أيضاً القول إن وضعي سهل نسبياً، فأنا أتقاضى أجراً لائقاً ولم تتضرر مهنتي بشكل خاص من الوباء. كيف سيكون شعور من يحطون رحالهم في العقد الثاني من الحياة الآن؟
هذا سؤال يجب أن يطرحه وزراء الحكومة على أنفسهم، لكن من الواضح أنهم لن يفعلوا ذلك. عوضاً عن هذا، يمكنهم الاستمرار في شكواهم الجذلى من المدارس والجامعات الماركسية، بينما يسعدون بالراحة التي توفرها مساكنهم الآمنة. وأنا التي كانت تعتقد أننا جيل ندفة الثلج كما يسموننا، الأكثر عرضةً للهزات العاطفية والأقل مرونة وتقبلاً للآخر.
© The Independent