اُتُّهِم بوريس جونسون بـ "الخداع" حول خططه الخاصة بـ "دائرة الصحة الوطنية" بعد وعده بإضافة "50 ألف ممرض" بعد اتضاح أن هذا العدد يتضمن 18,500 ممرض موجود حاليا تأمل الحكومة بإقناعهم في البقاء ضمن سوق العمل.
كان وعد التشغيل هذا نقطة مركزية في برنامج المحافظين الانتخابي الذي وعد فيه أيضا بإكمال الانسحاب من الاتحاد الأوروبي قبل نهاية يوم 31 يناير(كانون الثاني) المقبل، واستثمار 100 مليار جنيه في البنى التحتية واستثناء ضريبة الدخل والضريبة الإضافية على السلع والتأمين الوطني من رفع معدلاتها حتى عام 2024.
يمكن القول إن البرنامج الانتخابي يخلو من خطة طويلة الأمد للرعاية الاجتماعية، ورآه الكثير من المحللين بأنه برنامج يضع السلامة أولا ومكتفٍ بالحد الأدنى، مع تجنب جونسون من مواجهة القضية التي أضعفت حملة تيريزا ماي الانتخابية لعام 2017، بعد أن نُعِت برنامجها بـ "ضريبة الخرف".
كذلك كان غائبا من برنامج المحافظين أي بند يشير إلى سبل تغطية الزيادة في الحد الأدنى (من الدخل السنوي الشخصي) المعفى من التأمين الوطني الذي سيصل إلى 12,500 جنيه إسترليني حسب وعد رئيس الوزراء البريطاني. وكان وزير الخزانة ساجد جافيد أصدر وثيقة تتضمن مبلغ 2.2 مليار جنيه (حوالي 2.5 مليار دولار) لتغطية زيادة الحد الأدنى المعفي من هذه الضريبة على أول 9,500 جنيه من الدخل السنوي الشخصي السنة المقبلة، وهذه تساوي ما يقرب من 100 جنيه بالنسبة للعمال الذين يكسبون فوق ذلك المبلغ. لكن لم يكن هناك جدول زمني أو تمويل للزيادة اللاحقة، التي وصفت فقط بأنها "طموح نهائي".
وعلى الرغم من وضع بريكست في صميم ندائه، فإنه لم يكن هناك أي ذكر في خطاب رئيس الوزراء للمفاوضات بشأن التعامل التجاري مستقبلا مع الاتحاد الأوروبي، الذي سيكون الموضوع المسيطر في العام المقبل إذا تم تنفيذ اتفاق الخروج منه.
من ناحية أخرى، ألزَم البرنامج الانتخابي المحافظين بعدم تمديد الفترة الانتقالية لبريكست إلى ما بعد عام 2020، وخلالها ستستمر المملكة المتحدة بالتمتع بعلاقاتها التجارية القائمة حاليا مع الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يرفع من مخاطر الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق بعد عام 2020، ما دفع "كونفدرالية الصناعة البريطانية" إلى التحذير من "التسرع غير المبرر له" (في انهاء اتفاقية الخروج) الذي يمكنه أن "يبطئ تقدمنا على المستوى الوطني لجيل كامل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعند إشهار الوثيقة في مدينة تيلفورد الإنجليزية، قال رئيس الوزراء البريطاني إن المحافظين سيوظفون 50 الف ممرض إضافي، و6000 طبيب و50 مليون معاينة إضافية مع الأطباء العامين في العيادات كل سنة، كجزء من "أكبر دعم نقدي لدائرة الصحة الوطنية لجيل كامل" تصل قيمتها إلى 34 مليار جنيه إضافي حتى نهاية دورة البرلمان اللاحقة.
لكن مصادر الحزب أكدت لاحقا أن رقم الخمسين ألف من الممرضين يتضمن ما يقرب من 18,500 ممرض موجودين حاليا وسيتم تشجيعهم على البقاء مع دائرة الصحة الوطنية أو جذبهم للعودة إليها بعد خروجهم منها، وذلك من خلال إجراءات جديدة تحسّن من فرص تطوير عملهم المهني.
وتشمل خطة التشغيل المدعومة بمبلغ يصل إلى 725 مليون جنيه، أيضا توفير 14 ألف فرصة لتدريب الممرضين مدعومة بمنحة دراسية سنوية تبلغ 8 آلاف جنيه، إضافة إلى 5000 متدرب في مجال التمريض، و12,500 من الخارج الذين سيُطلَب منهم دفع مبلغ 464 جنيها للحصول على تأشيرة الدخول و400 جنيه رسما إضافية سماها المنتقدون بـ "ضريبة الممرض".
فقد وصف وزير الصحة في حكومة الظل العمالية جوناثان أشورث رقم الـ 50 ألف بأنه "بصراحة مخادع"، مضيفا إلى أنه "كان لدينا أولا 40 مستشفى وهمية أعلن عنها جونسون، والآن لدينا 50 ألف ممرض إضافي".
أما لوسيانا برجر، المتحدثة باسم حزب الديمقراطيين الأحرار، لشؤون الصحة، فقالت إنها "إهانة للجمهور ولأولئك الذين يعملون في دائرة الصحة الوطنية حين يحتفل بوريس جونسون بعودة المنح الدراسية. إنهم المحافظون الذين ألغوها في المقام الأول".
وأضافت برجر أن "ما وعد المحافظون به حقا في هذه الانتخابات هو فرض ضريبة على ممرضينا. فبتوسيع رسم الصحة الإضافي على المهاجرين ورسم تأشيرة الدخول على المهاجرين ليشمل المهنيين الصحيين من دول الاتحاد الأوروبي، فإن أعدادا أكثر من ممرضي الاتحاد الأوروبي سيجدون أسبابا أقل تدعوهم للبقاء هنا في المملكة المتحدة".
وجرى إشهار برنامج المحافظين الانتخابي، المكون من 59 صفحة، في تيلفورد، بحضور معظم أعضاء الحكومة – عدا جاكوب ريس موغ، الذي قلل من ظهوره في الحملة الانتخابية بعد الهفوة التي وقع فيها عند تعليقه على ضحايا الحريق الذي لحق بمبنى غرنفيلد بأنهم لم يكونوا أذكياء بما فيه الكفاية ببقائهم في مساكنهم- حيث يشكل الوعد بـ "تنفيذ بريكست" النقطة المحورية فيه إضافة إلى ستة ضمانات أخرى.
فإضافة إلى الوعود المقطوعة بخصوص دائرة الصحة الوطنية وتجميد رفع معدلات الضرائب، هناك وعد بزيادة عدد أفراد الشرطة بـ 20 ألف، وفرض عقوبات أشد على المجرمين؛ واتباع الأسلوب الأسترالي في قبول المهاجرين القائم على نظام النقاط؛ والوعد بانفاق ملايين الجنيهات في مجال الاستثمار في البنى التحتية، وتصفير انبعاث الكربون قبل نهاية عام 2050.
وعلى وقع تصفيق الناشطين، قال جونسون إن انتخابات 12 ديسمبر ستكون "أخطر انتخابات في الذاكرة الحديثة" ووصف برنامج المحافظين الانتخابي بأنه "خريطة طريق تأخذنا إلى الأمام".
لكن بول جونسون مدير "معهد الدراسات الضريبية" البحثي قال إن البرنامج كان متواضعا في طموحاته، مقارنة بالبرنامجين اللذين قدمهما حزبا العمال والديمقراطيين الأحرار.
وفي هذا الصدد قال مدير المعهد إنه "إذا كانت الموازنة تتضمن كل هذه المقترحات في مجالي الضرائب والإنفاق، فنحن نعتبرها متواضعة... فكمخطط أساسي لحكومة فترة عملها خمس سنوات، نجد النقص في الإجراءات السياساتية المهمة ملموسا".
وحذر مدير "معهد الدراسات الضريبية" بول جونسون من أن تجميد رفع الضرائب هو "تقييد لوزير المالية قد يندم عليه لاحقا"، وأضاف أن الخطط الموضوعة من قبل رئيس الوزراء لا تقدم الا "النزر الضئيل" للخدمات العامة غير الصحة والمدارس.
فتجميد رفع الضرائب هو "جزء من سردية مضرة بشكل أساسي، ترى أن بإمكاننا أن نحصل على الخدمات العامة التي نريدها بأموال إضافية للصحة والرواتب التقاعدية والمدارس، من دون أن ندفع ثمنها... نحن لا نستطيع القيام بذلك".
وفي حفل إعلان البرنامج الانتخابي، كرس بوريس جونسون جزءا كبيرا من خطابه للسخرية من جيريمي كوربين بعد إعلان زعيم حزب العمال أنه سيكون "محايدا" في استفتاء بريكست الذي يقترح إجراءه في يونيو(حزيران) المقبل.
قال جونسون وسط ضحك ناشطي حزب المحافظين الحاضرين: "كان في الماضي مترددا، والآن هو غير متأكد".
واتهم جونسون خصمه السياسي كوربين بأنه يخطط لفرض "أعلى الضرائب على كل شخص" وأضاف ساخرا لاعبا بالكلمات: " أنا أقول لنصفّر الكربون قبل نهاية عام 2050 ونصفّر كوربِين قبل حلول كريسماس".
في المقابل، قال كوربِين إن برنامج جونسون هو "برنامج انتخابي لأصحاب المليارات، هم اشتروه وأنتم ستدفعون ثمنه".
وفي هذا السياق قال زعيم حزب العمال "بعد مضي عقد على التخفيضات التي قام بها المحافظون في الانفاق على دائرة الصحة الوطنية (أن أتش أس)، والشرطة والمدارس، كل ما يقدمه بوريس جونسون هو الشيء نفسه: تخفيضات أكثر، فشل أكثر وسنين أكثر من حالة عدم اليقين بسبب بريكست".
وأضاف كوربِين أن "بوريس جونسون لا يمكن الوثوق به. كبار السن يواجهون ضربة ثلاثية مع فشله في حماية تراخيص أجهزة التلفزيون المجانية لمن هم فوق سن الخامسة والسبعين، ورفضه تحقيق العدالة للنساء اللواتي تضررن من دون حق بزيادة سن التقاعد، وعدم تقديم خطة أو أموال إضافية لمعالجة أزمة الرعاية الاجتماعية".
من ناحية أخرى، وفي رد ظاهر على الضرر الذي لحق بحظوظ المحافظين في انتخابات عام 2017 العامة، عندما ادعوا أنهم سيجيزون صيد الثعالب - وربما تحت تأثير شريكة حياة جونسون المحبة للحيوانات، كاري سيموندز- جاء البرنامج الانتخابي الجديد للمحافظين خاليا ولأول مرة منذ عام 2005 من تقديم عرض بتصويت حر (في البرلمان) على إلغاء القانون الذي يمنع الصيد.
كذلك يؤكد البرنامج الانتخابي نبذ جونسون لعرضه بإجراء تخفيض لضريبة الدخل على أصحاب المداخيل العالية، التي كانت ستكلف الخزينة فقدان 9 مليارات جنيها، وكان وعده هذا جاء خلال الانتخابات المخصصة لاختيار زعيم لحزب المحافظين ففي ذلك الوقت كان يسعى لكسب أصوات الكثير ممن سيستفيدون من هذه الخطوة.
وأعطى البرنامج الضوء الأخضر لمحطة البي بي سي، كي تسحب تراخيص مشاهدة التلفزيون المجانية لمن هم فوق سن الخامسة والسبعين ويرى أن تمويلها يجب أن يكون من طرف الـ بي بي سي".
أما بالنسبة إلى الرعاية الاجتماعية فإن البرنامج الانتخابي يُلزم المحافظين بتوسيع المليار جنيه المعلن عنها لترقيع الثقوب في نظامها، السنة المقبلة لتغطية التكاليف لكل الدورة البرلمانية القادمة.
لكن، وعلى الرغم من وعد جونسون في أول يوم له من احتلال منصب رئيس الوزراء في يوليو(تموز) الماضي بـ "إصلاح الأزمة في مجال الرعاية الاجتماعية بشكل دائم وللجميع مع خطة واضحة أعددناها" فإنه ليس هناك أي مقترح لإصلاح هذا القطاع.
بدلا عن ذلك، اقترح المحافظون "بناء إجماع عابر للأحزاب للدفع قدما نحو إيجاد جواب يحل المشكلة"، شرط أن يضمن الحل عدم اضطرار أي شخص مسن على بيع بيته لتغطية نفقات الرعاية به.
أما أد ديفي، المتحدث باسم الديمقراطيين الأحرار للمالية، فقال إن "برنامج المحافظين الانتخابي مبني على كذبة، تتمثل في أن بالإمكان تنفيذ بريكست من دون أن يتسبب ذلك في سنوات من الفوضى والإضرار باقتصادنا... هذه الوعود لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه. اتفاق بوريس جونسون (للخروج من الاتحاد الأوروبي) المدعوم من حزب فاراج، "بريكست"، سيجعل المملكة المتحدة أسوأ حالا بـ 70 مليار جنيه، وهذا يعني استثمار مالي أقل في مدارسنا ومستشفياتنا ومعالجة مشكلة التغير المناخي الطارئة".
وإذا كان هناك ترحيب من قبل "كونفدرالية الصناعة البريطانية" لـ "الرؤية الداعمة للمشاريع" في الوثيقة فإن نائب مديرها العام جوش هاردي حذر من أن "الحقيقة غير المريحة تبقى أن "النمو الاقتصادي المستدام سيبقى في خطر إذا كان هناك تسرع في تحقيق اتفاق بريكست سيء، إذ أنه سيبطئ تقدمنا على المستوى الوطني لجيل بكامله".
من جانبه، قال آدم مارشال، مدير عام "غرف التجارة البريطانية" إن "هناك اختلافا كبيرا بين "تنفيذ بريكست" وتنفيذه بطريقة صحيحة. فالتفاصيل مهمة بالنسبة إلى كلا الأعمال والكيانات المجتمعية – وحزب المحافظين بحاجة إلى أن يكون واقعيا مع الناخب حول حجم وتعقيد المهمة مستقبلا".
وأضاف مارشال "رفض إمكانية وجود فترة انتقالية أطول، قطعياً، أمر مقلق، لأن ذلك يعني أن الأعمال يمكن أن تواجه حافة مضرة أخرى في نهاية عام 2020".
© The Independent