Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح التعثر يطارد الميزان التجاري التونسي

وصف مراقبون إجراءات ترشيد الواردات بـ "الفاشلة" ويحذرون من أن "الأسوأ قادم"

توقعات باستمرار اختلال الميزان التجاري التونسي وسط اضطراب الصادرات (أ ف ب)

زادت واردات تونس خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، بنسبة 33 في المئة، مقابل تراجعها 12 في المئة عام 2021، وفق ما نشره المعهد الوطني للإحصاء. وقُدرت قيمة هذه الواردات بـ 11613.7 مليون دينار (4004 ملايين دولار)، مقابل 8733.3 مليون دينار (3011 مليون دولار)، تم تسجيلها في العام 2021. كما تطورت الصادرات خلال الشهرين الأولين من العام الحالي 2022، بنسبة 31.6 في المئة مقابل تراجعها 10.1 في المئة خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية. وبلغت قيمة هذه الصادرات 8999.2 مليون دينار (3103 ملايين دولار) مقابل 6839 مليون دينار (2358 مليون دولار) في 2021. وعلى ضوء هذه المعطيات تعمق العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2022 ليبلغ قيمة 2614.5 مليون دينار (901.5 مليون دولار) مقابل عجز بقيمة 1894.3 مليون دينار (653.2 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها من السنة الفائتة. كما نتج من هذه الوضعية تراجع نسبة تغطية الواردات بالصادرات 0.8 نقطة، لتبلغ مستوى 77.5 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

الأسوأ قادم

ويتوقع متخصصون أن تزداد وضعية اختلال الميزان التجاري التونسي سوءاً، في ظل ما يشهده العالم من تطورات، أبرزها الحرب الدائرة رحاها في منطقة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا. هذه الحرب المستعرة تسببت في ارتفاع لافت طال أسعار النفط والمواد الغذائية والمواد الأولية، إذ تستورد تونس جزءاً كبيراً من تلك الحاجات من أوكرانيا، مما يعني وفق المتابعين أن الميزان التجاري سيزيد في الاختلال بفعل غلاء المواد البترولية والغذائية أولاً، وإمكان تسجيل ندرة كبيرة في توافر المواد الأولية والقمح ثانياً، مما سيؤثر في العرض والطلب، ليتحول الاهتمام إلى دول أخرى مصدرة للحبوب وبأسعار مرتفعة، ومن شأن هذه التحولات الجيو-استراتيجية وما سينتج منها من تغيرات كبيرة على مستوى الطلب، بخاصة المواد الغذائية والأولية، أن يحدث ارتفاعاً في الأسعار يستنزف رصيد تونس من العملات الأجنبية.

إجراء فاشل

ويعكس تفاقم اختلال الميزان التجاري التونسي مع مطلع العام الحالي، وضعية حقيقة ثابتة بأن الإجراء المتخَذ من الحكومة في قانون المالية لسنة 2022 الفصل (57) لم يعط النتائج المرجوة منه عبر ترشيد الواردات، والحفاظ على موارد تونس من العملة الصعبة من جهة وتحفيز الصادرات في المقابل. وفي هذا الصدد، فسرت المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية درة البرجي عدم تراجع الواردات بالشكل المطلوب، بأن محتوى الفصل (57) من قانون المالية لا يشمل الدول التي ترتبط تونس معها باتفاقات تجارية، على غرار بلدان الاتحاد الأوروبي والدول العربية وتركيا، بينما يشمل دولاً أخرى على غرار الصين والهند واليابان.وأوضحت البرجي في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن قرار ترشيد الواردات يبدو أنه لم يربك الموردين ولم يتأثروا به، بدليل ارتفاع نسق الواردات مع بداية السنة الحالية، مؤكدة أن القرار المذكور استثنى توريد مدخلات الإنتاج والمواد نصف المصنعة الموجهة للاستثمار والتجهيز. كما أفادت البرجي بأن تنامي قيمة الواردات خلال شهري يناير وفبراير يعود أيضاً لتراجع قيمة سعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، بخاصة الدولار.

 تطويق الظاهرة

وشرعت تونس مع بداية عام 2022 في فرض قوانين جمركية جديدة على نحو 1300 بند تعريفي، ما يعادل حوالى 3000 صنف من المنتجات الصناعية والزراعية والغذائية التي يتم توريدها سنوياً، ويندرج هذا الإجراء الوارد بالفصل (57) من قانون المالية لهذا العام، وفق درة البرجي، للحد من إغراق السوق التونسية بهذه المنتجات التي لها مثيل مصنع، والتقليص من العجز التجاري الذي أخل بالتوازنات المالية للبلاد وإهدار العملة الصعبة في مواد تعد من الكماليات، ويجب التخلي عن استيرادها وفسح المجال للصناعة والمنتجات الوطنية للرفع من تنافسيتها، وكذلك التشجيع على استهلاك المنتج الملحي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب المسؤولة التونسية يستهدف الإجراء ترشيد واردات المواد الآتية من الصين التي ليس لها أي اتفاق تجاري مع البلاد، من خلال توظيف كلفة إضافية عند توريدها، ما من شأنه أن يسهم كذلك في الحد من تنافسية هذه المنتجات والتشجيع على استهلاك المنتجات المماثلة المصنعة محلياً، إضافة إلى تحقيق مداخيل إضافية للدولة من خلال العائدات المترتبة عن توظيف التعريفة الجمركية قد تصل إلى 500 مليون دينار (172.4 مليون دولار) سنوياً.

تفاقم العجز

وأقرت البرجي بتفاقم العجز التجاري مع تركيا منذ العام 2007 وحتى 2020، إذ تضاعف بأكثر من خمس مرات من 409.2 مليون دينار (141 مليون دولار) إلى 2140 مليون دينار (737.9 مليون دولار)، ونتج من ذلك تراجع ملحوظ لنسبة تغطية الصادرات للواردات، بلغت في حدها الأدنى حوالى 13.8 في المئة عام 2019، بينما بلغ الحد الأقصى 2466.8 مليون دينار (850.6 مليون دولار)، وهي أكبر قيمة مسجلة للعجز منذ دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ عام 2004. وأضافت أن قيمة الواردات بلغت خلال الأشهر الـ 10 الأولى من السنة الماضية 2765.4 مليون دينار (953.5 مليون دولار)، لتتضاعف بنسبة تتجاوز سبع مرات القيمة المسجلة عام 2005 وهي 386.2 مليون دينار (133 مليون دولار)، وبذلك ارتفعت حصة الواردات التركية في إجمالي الواردات بشكل مطرد لتبلغ حوالى 5.4 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) من السنة الماضية (مقابل 3.2 في المئة فقط عام 2012).

مقترحات جديدة

ويترجم هذا الاختلال في نسق تطور عنصرَي المبادلات، بحسب البرجي، عدم استفادة تونس من اتفاق الشراكة مع تركيا على النحو الأفضل، إذ تسبب هذا الاتفاق في دخول البضائع التركية للسوق المحلية من دون فتح آفاق واسعة أمام الصادرات الوطنية. وفي الإطار ذاته، كشفت أنه تم الشروع في العمل على مراجعة اتفاق الشراكة بما يخدم مصلحة البلدين، من خلال اعتماد اتفاق يرمي إلى ترشيد الواردات ذات المنشأ التركي وتثمين الصادرات الوطنية، إلى جانب التركيز على ضرورة الاستفادة من كل فرص التعاون الاقتصادي والفني الذي من شأنه النهوض بالاقتصاد الوطني، فعلى مستوى الصادرات اقترح الجانب التونسي رفع حجم الصادرات من خلال تحسين وتسهيل النفاذ إلى السوق التركية وتوسيع قاعدة المنتجات المصدرة.