Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من تسارع انحدار التصنيف الائتماني للقطاع المصرفي التونسي

أول حالة إفلاس لبنك محلي تشير إلى حجم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد

تعرض مؤسسات مالية تونسية لأزمة سيولة متعلقة بالأساس بالوضع الاقتصادي الصعب المتأتي من عجز الميزان التجاري وندرة العملة الصعبة (رويترز)

سلط قرار تصفية ملف البنك الفرنسي التونسي من قبل البنك المركزي الضوء على السوق النقدية في تونس، ومدى استقرار البنوك والوضعية التي تمر بها، وذلك بعد أن أعلن عن تفاقم وضعه المالي الصعب وإحالة ملفه على القضاء بهدف تصفيته ودعوة عملائه لفتح حسابات في بنوك أخرى، ما سيترك من تداعيات على القطاع المصرفي وصورة البنوك التونسية بالخارج وإمكان تراجع الثقة فيها بسبب الانعكاسات المتوقعة لإفلاس البنك الفرنسي التونسي على تصنيف البنوك التونسية وترقيمها، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد وما تعرفه السوق النقدية من نقص في السيولة.

وأشار محللون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" إلى تعرض مؤسسات مالية تونسية لأزمة سيولة متعلقة بالأساس بالوضع الاقتصادي الصعب المتأتي من عجز الميزان التجاري وندرة العملة الصعبة، فإن الواقع المالي لا ينبئ في المستقبل بالمصير نفسه وهو الإفلاس وفق تقديرهم.

تطمينات المحافظ

وقال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي إن إحالة ملف أي مؤسسة مالية تونسية على القضاء بقصد تصفيتها ليس بالأمر الهين والجيد بخاصة في الظرف الاقتصادي الراهن الذي تمر به البلاد، لكن تم استيفاء كل المراحل قبل الوصول إلى هذه النقطة، مشيراً إلى استحالة تطبيق أي معالجة تقنية للملف طيلة عقود حاولت خلالها السلطات المعنية معالجة الوضعية، بعد أن سارعت "لجنة إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة" إلى وضع خطة لإنقاذ البنك وتعيين مفوض لتنفيذها، لكن الوضعية المالية الصعبة التي كان عليها البنك حالت دون تنفيذ خطة الإنقاذ وتعثرت كل السبل، لكنه عاد ليطمئن الجميع بالقول إنه لا توجد تداعيات لتصفية البنك الفرنسي التونسي على الساحة المالية، لافتاً النظر إلى أن القاضي المشرف على وضعية البنك سيواصل استرجاع الأموال التي قدمت في شكل ديون من طرف البنك.

ودعا البنك المركزي عملاء البنك إلى فتح حسابات في بنوك أخرى، بعد إحالة "لجنة إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة"، المحدثة بموجب القانون عدد 48 لسنة 2016، تقريراً بخصوص توقف البنك الفرنسي التونسي عن الدفع وتعذر إنقاذه على المحكمة الابتدائية بتونس لإصدار حكم بالحل والتصفية وتعيين مصفٍّ للبنك طبقاً لمقتضيات القانون.

وأوضح العباسي أنه تمت معالجة الملف من كل الجوانب التقنية والقانونية لأجل حماية القطاع المصرفي في البلاد، ولن تكون للقرار تبعات على تصنيف البنوك التونسية من طرف مختلف وكالات الترقيم الدولية أو المؤسسات المالية الدولية، متابعاً، "بل بالعكس، فإن وكالات الترقيم سوف تستحسن هذه العملية، التي عكست صلابة القطاع المالي التونسي، وبخاصة، وجود قوانين وآليات تتفاعل مع مثل هذه الوضعيات، وأن وكالات الترقيم ستعتبر هذا القرار تقدماً لتونس في التعاطي مع أول ملف إفلاس بنك تتعرض له".

وحرص المحافظ على التقليل من انعكاس قرار إحالة ملف البنك على أنظار القضاء، موضحاً أن البنك يعتبر مؤسسة اقتصادية تتعرض في مسارها إلى العديد من الصعوبات وأنه في حال عدم إنقاذها فإن مآلها الاضمحلال على غرار العديد من الشركات التونسية الأخرى، التي تغادر المشهد التجاري والاقتصادي وتترك مكانها لمؤسسات جديدة.

تخوفات من التصنيف

وعمق ملف تصفية البنك الفرنسي التونسي من مخاوف انحدار تصنيف المؤسسات البنكية التونسية، بعد أن خفضت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" في تصنيف أربعة بنوك تونسية بعنوان الإيداعات البنكية على المدى الطويل من "B3" إلى "caa1" في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وفسرت الوكالة مراجعة التصنيف بالمناخ الصعب، الذي تعمل في إطاره البنوك التونسية، وأتى ذلك بعد تخفيض الوكالة نفسها تصنيف تونس من "B3" إلى "caa1" ما يفيد تقليص الثقة الممنوحة للمالية التونسية، ويؤدي التصنيف الجديد حتماً إلى صعوبة خروج تونس إلى السوق المالية العالمية للاقتراض بسبب اهتزاز الثقة في قدرتها على تسديد ديونها، كما ينعكس على أداء القطاع المصرفي في تونس.

تصاعد العائدات

وتعد البنوك والمؤسسات المالية في تونس 42 مؤسسة، وهي 23 بنكاً مقيماً وثماني مؤسسات إيجار مالي ومؤسستان لإدارة الديون وبنكا أعمال علاوة على سبعة بنوك غير مقيمة، وشهدت البنوك التونسية تطوراً سنة 2021 بالتوازي مع عودة النشاط بعد فترات الغلق بسبب جائحة كورونا، وبلغت مداخيل "بنك الأمان" 455.1 مليون دينار (157 مليون دولار) مقابل 400.5 مليون دينار (138 مليون دولار) سنة 2020 بارتفاع قيمته 13.6 في المئة، وتصاعدت العائدات الصافية لبنك "التجاري بنك" بنسبة 7.3 في المئة وبلغت 523 مليون دينار (180 مليون دولار)، وأعلن "البنك الوطني الفلاحي" عن تحقيق عائدات قياسية سنة 2021 قيمتها 829 مليون دينار (285.8 مليون دولار) مقابل 690 مليون دينار (238 مليون دولار) في السنة التي سبقتها بزيادة قدرها 20 في المئة.

وسجل بنك "الاتحاد الدولي للبنوك" ارتفاعاً في مداخيله الصافية بنسبة عشرة في المئة ليصل إلى 442.5 مليون دينار (152 مليون دولار) بينما لم تتجاوز 402.2 مليون دينار (138.6 مليون دولار) سنة 2020، وقفزت العائدات الصافية لـ"بنك الوفاق" من 31.7 مليون دينار (11 مليون دولار) سنة 2020 إلى 49.6 مليون دينار (17 مليون دولار)، وازدادت عائدات "الشركة التونسية للبنك" بنسبة 3.81 في المئة لتصل إلى 649.5 مليون دينار (223.9 مليون دولار)، كما حقق "الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة "عائدات صافية قيمتها 263.2 مليون دينار (90 مليون دولار) بتطور قيمته تسعة في المئة.

وارتفعت عائدات "البنك العربي لتونس" بنسبة 13.7 في المئة لتصل إلى 298 مليون دينار (102.7 مليون دولار)، وحقق "بنك تونس الإمارات" ارتفاعاً في مداخيله بقيمة 15.3 في المئة ليبلغ 123.2 مليون دينار (47.3 مليون دولار) بفعل زيادة في عمليات الصرف بنسبة 81.2 في المئة والعمولة بنسبة 30.4 في المئة وعائدات استثمارات المحفظة بـ20.1 في المئة.

عزل البنك

واستبعد المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم الانعكاسات السيئة لتصفية البنك الفرنسي التونسي على القطاع المصرفي، وقال إن ذلك لا يؤثر في التصنيف حتماً بل يزيد من منسوب الثقة، لأن البنك المركزي التونسي أثبت أنه يمتلك آليات فعالة للتعامل مع البنوك التي تمر بالصعوبات، وتولت لجنة مختصة دراسة الملف وأسند لقاضٍ مهمة التمحيص في الواقع المالي لهذه المؤسسة وفي حال التأكد من عدم الإيفاء بالتزامات البنك تتم التصفية.

كما تم تنقيح القانون عدد 48 -2016 في إطار النظر في أزمة هذا البنك، وتم بمقتضاه تأسيس "صندوق لضمان الودائع" الذي يسمح لكل مودع أن يسترجع إيداعاته.

وقد اندلع النزاع بين المجموعة العربية الدولية للأعمال والدولة التونسية في سنة 1982 وتواصل إلى حد الساعة، وتم عرض الملف في 2003 على مركز التحكيم الدولي، التابع لمجموعة البنك العالمي، وتخلله في الأثناء العديد من المحاولات الصلحية ولكنها باءت كلها بالفشل ما جعل النزاع ينعكس على البنك لفترة دامت أربعة عقود انعكست سلباً على أدائه المالي، وسعت السلطات التونسية في 2007 و2010 إلى خصخصة البنك لكنها فشلت في ظل الكلفة المالية الباهظة لعملية تطهير المؤسسة.

وبتوفر الترسانة القانونية المتمثلة في إحداث لجنة إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة المحدثة بموجب القانون عدد 48 لسنة 2016 أمكن إحالة ملف البنك الفرنسي التونسي وتعيين مفوّض في 2018 لأجل تنفيذ برنامج لإنقاذه، ولكن الوضعية المالية الصعبة للمؤسسة حالت دون ذلك، وواجه صعوبات مالية منذ سنوات أثرت في توازناته المالية ولم يتمكن من تطوير نشاطه نتيجة للتداعيات المباشرة للنزاع القائم منذ ما يزيد على ثلاثة عقود بين أحد مساهميه الأوائل والدولة التونسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يزيد رأس مال البنك الفرنسي التونسي على خمسة ملايين دينار (1.7 مليون دولار) ويوفر خمسة فروع ولا يتجاوز عدد الأعوان به 67 موظفاً، ويبلغ حجم تعهدات البنك 279 مليون دينار (96.2 مليون دولار) وحسب، وهي محل نزاع في ما يقدر العجز المتراكم بين 400 مليون دينار (137.9 مليون دولار) و500 مليون دينار (172.4 مليون دولار)، وحجم البنك المحدود يحول دون تسببه في مخاطر نظامية على المؤسسات المالية وكذلك التصنيف.

وقد تم عزله عن السوق النقدية من قبل البنك المركزي بصفة كلية ما يمنع انعكاس إفلاسه على النظام المصرفي أو واقع المؤسسات المالية في تونس، بينما تشكو البنوك في تونس من تأثيرات مخالفة تماماً تعود إلى الأزمة الاقتصادية في شكل شح السيولة وندرة العملات تأثراً بالعجز المالي وطبيعة هذا القصور في التمويل لا يؤدي إلى إفلاسها.

شح السيولة

كما نفى الخبير الاقتصادي حسين الديماسي تعرض البنوك إلى تهديدات بمصير الإفلاس الذي واجهه البنك الفرنسي التونسي، بل خلافاً لذلك هي تمر بمرحلة إيجابية نتيجة الأرباح التي تجنيها جراء إقراض الدولة، بعد أن اضطرت الدولة التونسية إلى اعتماد الاقتراض من السوق المالية الداخلية. ولوحظ ارتفاع قائم رقاع الخزينة والسندات الحكومية والاكتتابات من قبل البنوك في إصدارات الخزينة في السنتين المنقضيتين، يقابله إقبال منقطع النظير من قبل البنوك على السندات بحكم نسبة الفوائد المرتفعة التي تتراوح بين ستة وسبعة في المئة، وحاد القطاع المصرفي عن مهمته الأساسية، وهي تمويل الاقتصاد الأمر الذي بدا جلياً في تراجع نسبة الاستثمار إلى 13 في المئة سنة 2021.

في المقابل، اعتمد البنك المركزي التونسي على سياسة نقدية محافظة نسبياً سنة 2021 بتخفيض مستوى ضخ السيولة حفاظاً على مستوى احتياطي العملة الصعبة الذي يبلغ حالياً 23.4 مليار دينار (ثمانية مليارات دولار) وقد تراجع إلى 128 يوم توريد، كما يعود الحزم المتبع من قبل المركزي إلى توجه جزء كبير من السيولة إلى رقاع الخزينة وعدم اعتمادها لتمويل المشاريع التنموية، كل هذه المعطيات تؤدي إلى نقص في السيولة لدى البنوك واهتزاز علاقتها بعملائها.

اقرأ المزيد