Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف في تونس من اضطراب التزود بالقمح في ظل الحرب الروسية - الأوكرانية

60 في المئة من الواردات تأتي من مناطق النزاع

تونس تستورد أكثر من 60 في المئة من استهلاكها من القمح من روسيا وأوكرانيا (أ ف ب)

ينتظر أن تنعكس الحرب الروسية في أوكرانيا على إمدادات القمح والحبوب بصفة عامة في السوق العالمية، بحكم التدافع المتوقع بين المستوردين من هذين البلدين المنتجين لنحو 29 في المئة من صادرات القمح في العالم، وسجّلت أسعار القمح مستويات قياسية في جلسات التداول في السوق الأوروبية، وقد بلغ سعر القمح مستوى غير مسبوق بـ 344 يورو (384 دولاراً) للطن الواحد.

ومن هذه البلدان تونس التي تستورد أكثر من 60 في المئة من استهلاكها من القمح من طرفي النزاع، علماً أن تونس تعاني  بدورها من إشكالات التزود  منذ الخريف المنقضي بسبب التأخر في توفير السيولة اللازمة لتسديد مستحقات دفعات من وارداتها من القمح  بالعملة الصعبة، ما أدى إلى رسو عدد من البواخر المحملة بالقمح بالموانئ التونسية من دون تفريغ شحناتها في أكثر من مناسبة، وحذر خبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" من خطورة توسع  المواجهات العسكرية وامتدادها زمنياً ما من شأنه أن يخلق صعوبات في الحصول على حاجيات تونس من القمح في السوق العالمية بأسعار مدروسة بالنظر إلى الصعوبات التي تعاني منها المالية العمومية بسبب الأزمة الاقتصادية وندرة العملة الصعبة.

شراءات سابقة

وقال حامد الدالي، المدير العام للمرصد الوطني الفلاحي بوزارة الفلاحة هذا الأسبوع إن "تونس أتمت طلبياتها الضرورية حتى الصيف من شراءات القمح قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا ولن تواجه أي نقص حتى موسم جني المحصول في الصيف، وأنه بهذه الشراءات سيكون مخزون تونس من الحبوب كافياً حتى شهر يونيو (حزيران) 2022".

ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 مليون طن بين 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب والقمح اللّين، ومليون طن من الشعير، بحسب ديوان الحبوب (حكومي)، وبلغ الإنتاج المحلي من الحبوب 1.6 مليون طن في 2021، وتستورد تونس بقية حاجياتها وتتزود بأكثر من نصفها من روسيا وأوكرانيا.

صندوق الدعم

لكن هذا لن يمنع التأثير المنتظر لارتفاع الأسعار على صندوق الدعم وفق بشير المستيري رئيس كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية للفلاحة (منظمة مستقلة)، إذ إن 80 في المئة من القمح اللين المستعمل في صناعة الخبز التونسي المدعم يقع توريده من الخارج وخصوصاً من أوكرانيا، ويبلغ سعر الطن حالياً 344 يورو (384 دولاراً)، وتنتج تونس 20 في المئة فقط من حاجياتها من القمح اللين من حاجة السوق.

كما تشمل الواردات "نيترات الأمونيوم" وهو سماد تدعمه الدولة ويستعمل في الفلاحة ويقع توريده من روسيا، ويمثل البحر الأسود، معبراً لجزء هام من واردات تونس من المواد الأوّلية ما يؤدي حتماً إلى الزيادة في أسعارها، إلا أن المخاطر محدودة بالنظر إلى أن 80 في المئة من الاستهلاك يتم ضمانه من خلال الإنتاج المحلي، ولمواجهة الارتفاع في أسعار القمح اللين، يتحتم على تونس إطلاق طلب عروض  لشراء القمح اللين، ومع ذلك، فإن هذا الإجراء يواجه عقبة كبيرة تتمثل في  محدودية سعة التخزين في هذا المجال، والتي تمتد إلى ثلاثة أشهر فقط من الاستهلاك، وفي حال لجأت الدولة إلى تأجير المستودعات التي قد لا تفي بمعايير التخزين المطلوبة، فمن الصعب زيادة هذه السعة التخزينية من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، في ظل عدم وجود استراتيجية سابقة.

اضطراب في التزود

واعتبر منير حسين عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن الحرب الدائرة في أوكرانيا ستنعكس على استمرارية التزويد في السوق العالمية بقطع النظر عن مدتها، وستضطر البلدان الموردة مثل تونس إلى البحث عن مزودين جدد، وستواجه، إلى جانب ارتفاع الأسعار النقص في السلع بسبب ارتفاع الطلب، فالقمح مثل كل السلع في السوق العالمية يخضع إلى معطى العرض والطلب، والنقص المسجل بسبب الحرب لدى أكبر مزودين للسوق، وهما أوكرانيا وروسيا، من شأنه أن يتسبب، إلى جانب الرفع في الأسعار،  في الاضطرابات في التوزيع، فالكميات المعروضة من الحبوب مرشحة إلى الانخفاض بسبب الإقبال الكبير.

والحال أن إشكالاً سابقاً طرح في تونس في الأشهر الأخيرة تمثل في التأخير في دفع مستحقات واردات الحبوب ورسو بواخر محملة بالقمح بموانئ تونسية من دون تفريغ حمولتها في انتظار استخلاص الفواتير، ويعاني الديوان التونسي للحبوب من تفاقم المديونية، وبلغت ديونه لدى البنك القومي الفلاحي ثلاثة مليارات دينار (1.04 مليار دولار) ما يساوي  22 في المئة من مدخرات البنك، ما دفع البنك إلى رفض إقراض الديوان ومده بالسيولة بسبب المخاطر المحدقة بالبنك جراء عملية الإقراض التي أصبحت تهدد مدخراته، الأمر الذي أدى إلى تأخير تفريغ حمولة أربع بواخر بأحد موانئ الجنوب، ما كبّد المالية العمومية خسائر كبيرة بسبب كلفة التأخير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإن أكدت وزارة الفلاحة أن حاجة البلاد من الحبوب مؤمّنة حتى نهاية مايو (أيار) المقبل بالنسبة للقمح الصلب والشعير، وإلى نهاية يونيو بالنسبة للقمح الليّن، باعتبار أن المُزودين قاموا بالتحول لمصادر أخرى مثل الأرجنتين والأوروغواي وبلغاريا ورومانيا بالنسبة للقمح اللّين أساساً، وفرنسا بالنسبة لشعير العلف، فالأمر يتعلق بطلبيات، ولا يعني بالضرورة وصول الكميات المطلوبة إلى الموانئ التونسية، فالسوق تتعرض  لاضطرابات بسبب الطلب المتزايد في كامل أنحاء العالم، بالتالي، نقص متوقع في الإمدادات، إضافة إلى ما يهدد عملية التزود في تونس من اضطرابات متعلقة بتوفير السيولة اللازمة والزيادة المسجلة في تأمين البواخر المتجهة إلى تونس بسبب ما يهددها من تأخير على خلفية ذلك، وما يترتب عن كل هذه العوامل من الزيادة في الأسعار الملتهبة بدورها في السوق تحت وطأة المعارك.

نسق التوريد

وشهد نسق توريد الحبوب ارتفاعاً بلغ 20 في المئة في عام 2021 وفق شكري الرزقي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة مستقلة)، والذي اعتبر أن العجز المسجل يعود إلى التعويل على التوريد وعدم البحث عن الحلول العاجلة لتراجع الإنتاج.

وعانت زراعة الحبوب من انعكاسات الجفاف لمدة ثلاث سنوات متتالية، ما أدى إلى تراجع الإنتاج إلى 800 ألف طن عام 2020 قبل أن يتضاعف عام 2021، لكنه مردود ضئيل للغاية بالنظر إلى المساحات المخصصة لزراعة الحبوب في تونس، وهي تبلغ 17 ألف كيلومتر مربع، وتتنوع بين القمح الصلب والقمح اللين والشعير.

ويبلغ معدل مردودية مساحة 10 آلاف متر مربع المزروعة 1.5 طن من الحبوب بأنواعها، لكن تزايد الطلب على استهلاك القمح اللين في تونس في السنوات الأخيرة، وتراجعت المساحات المخصصة لزراعته من 2000 كيلومتر مربع في العقود الماضية إلى 600 كيلومتر مربع حالياً، ما أدى إلى ندرة هذه المادة الغذائية المحلية، بالتالي ارتفاع نسق توريدها، والتعرض إلى مخاطر السوق العالمية من اضطراب الأسعار.

كما سجلت تونس في السنوات الأخيرة انخفاضاً للمساحات المزروعة التي تراجعت إلى 12 ألف كيلومتر مربع يتم تجميع تسعة آلاف كيلومتر مربع منها، وحسب، والحال أن مساحة 17 ألف كيلومتر مربع مخصصة لزراعة الحبوب، ويعود ذلك إلى إشكاليات قطاعية أهمها انخفاض الأسعار عند البيع والاضطرابات الحاصلة في التزود بالأسمدة، ما يهدد الأمن الغذائي باللجوء إلى التوريد الذي كلف الدولة 1.2 مليار دينار (416 مليون دولار) عام 2021، وإذ تستهلك تونس ثلاثة ملايين طن سنوياً، لا توفر منها غير مليون طن كمعدل، بالتالي، نسبة التغطية للاستهلاك ضئيلة للغاية، وتجعل تونس من بين أكبر موردي القمح في العالم، ما ينذر بخطر الارتهان إلى الخارج وتهديد الأمن الغذائي الذي تجلى في الوضعية الحالية في ظل الحرب الدائرة في البحر الأسود.