لا تشيح كبرى شركات البناء والمقاولات بنظرها عن مراقبة الواقع الميداني في سوريا، منتظرةً توقيت انطفاء أتون الحرب الدائرة في شمال البلاد، إذ يُغريها خوض مغامرةِ دخول أسواق بلادٍ تعيدُ بناء نفسها من جديد، واستحواذها على عقود وصفقات لن تنالها ما دامت خارج السباق نحو السوق السورية.
إلى موسكو
لا يترك أصحاب القرار الاقتصادي مناسبة إلا ويعزّزون حضورهم في منتديات في موسكو أو الدول التابعة لروسيا الاتحادية، وآخرها منتدى بطرسبورغ، الذي أعلن فيه وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل نيّة بلاده وضع قانون وآلية جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
ولطالما كسبت الشركات الروسية في السنتين الماضيتين صفقات وعقود استثمارية جلّها في قطاع البناء والمقاولات، مع دخولها إلى قطاعات جديدة أبرزها الطاقة والنقل ودراسة استثمار مواقع مهمة، منها مطار دمشق الدولي وفق نظام B.O.T.
وكان الامتياز الأكبر لشركة روسية تمكنت من استثمار ميناء طرطوس الملاحي المطلّ على البحر المتوسط، لمدة 49 عاماً وضخها لـ 500 مليون دولار لتوسعته.
التعافي والحلفاء
وعلى الرغم من وصف اقتصاديين للمرحلة الحالية بأنها مرحلة "التعافي"، لا تنكفئ حركة الشركات الاستثمارية الروسية عن دراسة أبرز طرق الاستثمار في البلاد مع تحرك على مستوى السياسات النقدية والاقتصادية والتجارة الخارجية وخطط لإعادة تأهيل المؤسسات.
ولا يخفي وزير الاقتصاد السوري، في حديثه إلى وسائل إعلام روسية على هامش منتدى بطرسبورغ، أهمية حلفاء دمشق في المجال الاقتصادي، كما في المجال السياسي والعسكري، قائلاً إن "الدول الصديقة لديها خبرة في إعادة الإعمار وقطاعات الطاقة والصناعة".
وتعكف الحكومة السورية على جذب الرساميل الموجودة خارج سوريا إلى قطاعات واعدة بمردوديتها العالية وجدوى اقتصادية مرتفعة. وتفاخر الخليل أن سوريا تمكنت من رفع صادراتها إلى 103 دولة حول العالم بعدما تراجعت الصادرات بسبب الحرب.
وأضاف "تحسين الوضع الاقتصادي يبدأ بدوران عجلة الإنتاج وتخفيض البطالة وإيجاد برامج لإحلال بدائل عن الاستيراد لتخفيف القطع الأجنبي ليكون هناك إنتاج محلي وتخفيض جزء من التضخم الكبير، الذي بلغ أشده خصوصاً في العام 2013، الذي كان العام الأسوأ في سوريا".
التنين الصيني
لا تستطيع روسيا وحيدة إعمار بلد تبلغ تكلفة إعادة إعماره 400 مليار دولار، على الرغم من امتلاكها الأرضية والخبرة والشركات. لكن موسكو التي نالت من العقوبات الأميركية ما نالته، لا يمكن أن تغفل الدعم الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تشترط أوروبا لدعم إعادة الإعمار إنجاز تغيير سياسي واستقرار أمني في البلاد، ليتقدم التنين الصيني نافثاً نيراناً هادئة نحو شرق المتوسط.
ولا يستبعد الدكتور عبد الله الإبراهيم، الاختصاصي في الاقتصاد الدولي، أن تقتحم الشركات الصينية السوق السورية من بوابة المقاولات، على أن تنتقل بعدها إلى قطاعات غاية في الأهمية، مثل النقل والطاقة لخبرتها الواسعة فيها.
ويضيف "لن تكون الصين مصدراً لإعادة إعمار، بل ستكون مصدر إلهام وإنتاج على أوسع نطاق إن تحقق دخولها إلى السوق السورية. كما أن الصين ستضع بصمة خاصة بها في سوريا، وسنرى قريباً دوراً كبيراً لها في بناء مشاريع سكنية بشكل عمودي، إلى جانب شركات روسية بدأت بالتحرك في مدينتي دمشق وحلب".
المال المهاجر
يتساءل اقتصاديون عن الفرص التي تتيحها آلية جذب الاستثمارات الجديدة التي وعد بها وزير الاقتصاد السوري من بطرسبورغ، خصوصاً في ظل عدم وضوح إن كانت تحمل جديداً غير الاعتماد على الدول الحليفة أو الصديقة لسوريا.
وتطبق سوريا قانون استثمار يعود تاريخه إلى العام 2007، يسمح للمستثمر بتملك الأراضي والعقارات اللازمة لإقامة المشاريع مع مزايا تشجيعية أخرى. ويرى مراقبون أنه من الأجدى تشجيع رؤوس الأموال السورية المهاجرة على العودة قبل التفكير بجذب رؤوس أموال أجنبية.
فيما بلغت إعادة توطين استثمارات السوريين، التي هربت منذ بداية الأحداث السورية في العام 2011، حوالى 200 مليار دولار حتى منتصف العام 2014. وهو رقم زاد مع ازدياد وتيرة الحرب، وفق ما رصده الخبير الاقتصادي ليون زكي، مشيراً إلى أنه يشكل جزءًا من إعادة الإعمار المرتقبة.
واعتبر زكي أن "المساعي لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية موجودة، لأن تكلفة إعادة الإعمار باهظة جداً وفواتيرها تفوق قدرة دول بمفردها".