Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليندسي غراهام... ريغاني يبحث عن بروتوس روسي

يتقدم السيناتور الأميركي جبهة أعداء موسكو ويدعو صراحة إلى اغتيال بوتين

دعا السيناتور ليندسي غراهام إلى اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

يصفه البعض بأنه جمهوري معتدل، بينما وصفه البعض الآخر ذات مرة بأنه محافظ بـ"مسحة معتدلة" وذو صبغة مستقلة، فيما يرى هو نفسه أنه "جمهوري على طراز ريغان".

هل تسللت الريغانية الكارهة للشيوعية ودولة السوفيات البائدة إلى شرايين السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام، ومن هذا المنطلق يمكن القول إنه ورث كراهية ومقتاً شديدين للرجل الذي رأى أن: "تفكيك الاتحاد السوفياتي، كان أكبر خطأ عرفه القرن العشرين"، والمقولة لسيد الكرملين فلاديمير بوتين؟

يعلم القاصي والداني كيف يكره سيناتور ولاية كارولينا الجنوبية النافذ الرئيس الروسي، غير أن كراهيته له تضاعفت منذ أن بدأ المحللون يتوقعون عملية عسكرية في أوكرانيا.

في 21 فبراير (شباط) المنصرم، وقبل ثلاثة أيام من الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، كتب غراهام سلسلة تغريدات "تويترية" قال فيها: "قرار بوتين إعلان منطقتي لوغانسك ودونيتسك مستقلتين هو انتهاك لاتفاق مينسك وإعلان حرب ضد شعب أوكرانيا".

طالب غراهام بأن يقابل قرار بوتين بعقوبات شديدة، تدمر العملة الروسية من جهة، وتسحق قطاع الغاز والنفط الروسيين بحسب تعبيره من جهة ثانية.

قبل ذلك وفي 15 فبراير (شباط) عينه، طالب غراهام الكونغرس الأميركي بأن يرسل إشارة قوية إلى بوتين، إذ كانت الأجواء وقتها تفيد بقرب قيام عملية عسكرية روسية على الحدود الروسية الأوكرانية، إشارة تحمل تحذيراً شديداً من أن العلاقات بين البلدين سوف تتضرر للأبد في حال هاجمت روسيا أوكرانيا.

إلى هنا يمكن اعتبار تصريحات غراهام تتسق والصراعات السياسية التقليدية القائمة والمقبلة بين واشنطن وموسكو، وقد عرف العالم منها كثيراً طوال أعوام الحرب الباردة.

غير أن ما لم يكُن في الحسبان، هو أن يمضي الرجل الذي يحمل درجة الدكتوراه في القانون، والذي خدم في القوات الجوية للولايات المتحدة في فترة 1982 - 1988، ثم عمل كمحامٍ في القطاع الخاص قبل انتخابه ليشغل منصباً في مجلس النواب عن ولاية كارولينا الجنوبية عام 1992، ليصرّح بأقوال تنافي وتجافي روح القوانين الدولية المتعارف عليها، لا سيما في علاقات الدول بعضها ببعض، عطفاً على أوضاع رؤساء الدول وحصانتهم بنوع خاص.

غرّد غراهام في بداية الأسبوع الثاني من الهجوم الروسي على أوكرانيا، قائلا: "من الواضح أن العالم سيكون مكاناً أفضل إذا حدث تغيير في النظام في روسيا... بوتين مجرم حرب، يجب أن يذهب بأيدي الشعب الروسي، بأي وسيلة ممكنة".

تابع غراهام: "أتحدى الوزير بلينكن وإدارة بايدن بإعلان أنشطة بوتين ودائرته الداخلية، على أنها جرائم حرب، وجعل الإدارة تدعم بالكامل التحقيق مع بوتين ومقاضاته كمجرم حرب... وأي شيء أقل من ذلك هو إضرار بالشعب الأوكراني والشعب الروسي والنظام العالمي".

بروتوس وشتاوفنبرغ

والشاهد أنه يمكن كذلك أن يستوعب المرء هذا الديالكتيك السياسي على قسوته ومرارته، ويمكن أيضاً تفهمه في ضوء الرد الروسي عليه، وتوجيه عبارات التقريع للسيناتور الريغاني، غير أن القارعة جاءت في التفاصيل، هناك حيث تسكن الشياطين كما يُقال.

"هل يوجد بروتوس في روسيا؟ هل هناك عقيد أنجح من شتاوفنبرغ  في الجيش الروسي؟ إنها الطريقة الوحيدة التي ينتهي بها الأمر، وهي أن يقوم شخص ما في روسيا بإنهاء هذا الرجل... ستقدّم لبلدك والعالم خدمة رائعة".

هكذا أكمل غراهام، والكلمات لا تحتاج إلى جهد كبير لتحليلها وتفكيكها، فبروتوس هو قاتل الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر في 15 مارس (آذار) عام 44 قبل الميلاد، وهناك اختلاف حول شخصيته، إذ يقول البعض إنه الصديق المقرب جداً من القيصر، والبعض الآخر يذهب إلى أنه ابنه غير الشرعي، ويقصّ المؤرخون أن يوليوس قيصر دافع عن نفسه دفاع الأبطال الصناديد، قبل أن تخور قواه ويستسلم، حين رأى أخلص وأقرب الناس له يشارك في اغتياله، وساعتها أطلق الصيحة التي ستضحى تاريخية: "حتى أنت يا بروتوس".

أما العقيد شتاوفنبرغ، فهو كلاوس فون شتاوفنبرغ،  وكان ضابطاً في الجيش الألماني، وهو شخصية محورية في محاولة اغتيال الزعيم النازي هتلر المعروفة تاريخياً بمؤامرة 20 يوليو (تموز) عام 1944، وهي من أهم محاولات الاغتيال التي تعرّض لها هتلر وفشلت، وعُرفت باسم "عملية فالكيري".

طهرانية أم نفعية؟

ما الذي قصده غراهام بهذا الإسقاط؟

الفكرة واضحة، وليس من معنى في بطن الشاعر كما يُقال، وترمي إلى تشجيع اغتيال الرئيس بوتين من خلال أحد المقربين منه، سواء من المدنيين أو العسكريين.

يبرر غراهام دعوته بالقول: "الأشخاص الوحيدون القادرون على إصلاح ذلك هم الشعب الروسي... من السهل القول من الصعب التنفيذ، وما لم تكُن تريد أن تعيش في الظلام لبقية حياتك، ومنعزلاً عن العالم في فقر مدقع، فأنت بحاجة إلى الإقدام".

هل خالف غراهام بهذه الدعوة بعض القوانين الأميركية الداخلية، التي تمنع أجهزة الاستخبارات من تشجيع عمليات الاغتيالات الخاصة بالرؤساء والزعماء.

كان الرئيس كارتر في أعوام إدارته اليتيمة في نهاية السبعينيات ألغى حق تلك الأجهزة في القيام بعمليات نوعية دموية من هذا النوع، غير أن حديث غراهام قد يشجع على إعادة التفكير فيها، حتى ولو جرت بأيدي أجنبية، كي لا تتلطخ الأيادي الأميركية وتخالف القوانين الداخلية.

على أن الرد الروسي على دعوة غراهام، ذاك الذي تمثل في تعليق السفارة الروسية في واشنطن، ونُشر على صفحتها في "فيسبوك"، يلفت الانتباه إلى هول المشهد، إذ من المستحيل تصديق أن عضواً في مجلس الشيوخ، ولدولة تروّج لقيمها الأخلاقية كنجمة مرشدة للبشرية جمعاء، يمكنه تحمّل الدعوة إلى الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهداف واشنطن على الساحة الدولية.

جاءت تصريحات غراهام لتعيد التذكير بالإشكالية الأميركية الحقيقية المتمثلة في غياب الهوية الحقيقية لهذه الدولة، وهل هي طهرانية بيوريتانية مثالية، أو أنها دولة جاكسونية براغماتية ذرائعية نفعية، هل هي دولة أولياء وصالحين، أو أبالسة وشياطين، دولة تحترم القانون الدولي أو تمتهنه، تعلي من راية الديمقراطيات، أو تضرب عنها صفحاً إذا لم تتوافق ومصالحها الاستراتيجية.

عن الحريات الفردية

ولعلّ من الأكثر إثارة أن غراهام لم يتوقف ليحاسب نفسه على هذه التغريدة "الإرهابية" إن جاز القول، ذلك أنه أطلّ مساء الأحد الماضي من على شاشة "فوكس نيوز" الأميركية، ليطمئن الأميركيين بأن القتال في أوكرانيا "لن يتصاعد إلى الأسوأ"، مضيفاً أن حرباً  عالمية ثالثة لن تقع ومعتبراً أنها خدعة لأن بوتين يعرف أنه لا أحد سيفوز في نزاع نووي.

إلى هنا ومن جديد، تبدو الكلمات موضوعية، غير أنه ما لبث أن أكمل في امتداد واضح لرؤيته السابقة: "إذا أمر بوتين بشنّ هجوم نووي على الولايات المتحدة، فإن جنرالاً سيقتله بالرصاص في رأسه".

يعنّ لنا أن نتساءل: هل تكرار الدعوة إلى القتل، هل هي من قبيل التنبؤات التي تسعى إلى تحقيق ذاتها بذاتها، بمعنى أن غراهام يحاول أن يكرّس الافتراض الخاص باغتيال بوتين، ليضحى الأمر عند لحظة بعينها حقيقة واقعة، وتصبح العقول مهيأة لحدوث الأمر وتقبّله.

تبدو شخصية غراهام مثيرة للجدل على الصعيد الداخلي قبل الخارحي، ومواقفه من الحريات الشخصية والإرهاب أكثر غرابة، فعلى سبيل المثال وردّاً على فضيحة التنصت العالمي لوكالة الأمن القومي على المسؤولين الدولين ومواطنين أميركيين، قال غراهام إنه "مسرور أن وكالة الأمن القومي جمعت سجلات هواتف المواطنين"،  وأضاف: "أنا عميل لفيرايزون ولا أمانع أن تأخذ الشركة تسجيلات للحكومة إذا كانت الحكومة ستتأكد من خلالها من كون مستخدم الهاتف إرهابياً في الداخل الأميركي... لا أعتقد أنني سأتحدث إلى الإرهابيين، أعلم أنني لست كذلك ولهذا ليس لدي ما أخشاه".

غراهام نفسه وعلى الرغم من أنه رجل قانون ينبغي أن يدافع عن الحريات الخاصة، ويصون الحق الفردي في الخصوصية وحقوق الإنسان، له موقف غريب من المواطنين الأميركيين المتهمين بالإرهاب، فقد صرّح ذات مرة أمام مجلس الشيوح: "عندما  يقولون – أي الأميركيين المتهمين بالإرهاب – نريد محامياً، يتوجب علينا أن نقول لهم اخرسوا، لن تحصلوا على محامٍ، إنكم عدو لنا، وسنتحدث بشأن انضمامكم إلى القاعدة".

وفي لقاء موسع  في مايو (أيار) 2009 مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية الشهيرة، أشار غراهام إلى اعتقال أسرى الحرب اليابانيين والألمان ومواطني الولايات المتحدة كنموذج للاعتقال المحلي في غوانتانامو، قائلاً: "لقد كان لدينا 450 ألف ياباني وألماني من الأسرى المحجوزين في الولايات المتحدة في أثناء الحرب وبإمكاننا التعامل مع ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضد ترمب ومعه

هل نحن أمام سيناتور له ميول ريغانية، أو أنه نسخة محدثة لو توافرت له الظروف من السيناتور جوزيف مكارثي، الرجل الذي طارد اليساريين الأميركيين في خسمينيات القرن الماضي وبصورة جعلت كثيرين من رموز الفن والسياسة الأميركية يفرّون من الولايات المتحدة إلى خارجها.

مهما يكُن من أمر، فإننا أمام رجل يبدو صاحب رؤى سياسية ومواقف حادة، أي أنه درج على الانتقال على الدوام من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار، وربما علاقته مع الرئيس السابق دونالد ترمب تؤكد ذلك.

عارض غراهام ترشح ترمب للرئاسة، في أول الأمر، ودعا المصوتين إلى الابتعاد عنه عام 2016، وذلك بعدما انسحب هو شخصياً من دائرة السباق الرئاسي كونه أدرك أن الحزب الجمهوري لن يقوم بترشيحه، وفضّل اختيار ترمب عوضاً عنه، ويومها خاطب الأميركيين بقوله: "بحق الله، اختاروا شخصاً يستحق تضحية من يقاتلون في هذه الحرب، ومن يعلم في الحقيقة كيف يربح، لا أظن أن هذا سيكون ترمب".

وعلى الرغم من ذلك، ناصر ترمب في غالبية مواقفه الصعبة طوال فترة رئاسته الوحيدة، بل كان من أقرب أعضاء مجلس الشيوخ إليه.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أكد غراهام دعمه لترمب في الطعون التي قدّمها بشأن الانتخابات الرئاسية، ودعا ترمب إلى الترشح في انتخابات 2024، إذا لم تغيّر الطعون النتيجة المعلنة بفوز جو بايدن.

هل كان غراهام وراء أجندة ترمب للأعوام المقبلة؟

يكاد أن يكون ذلك كذلك بالفعل، فقد صرّح بأنه على ترمب الاستعداد بكل قواه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة 2024، وأكثر من ذلك إذ نصحه بضرورة إنشاء منظمة أو منصة لإبقاء حركته على قيد الحياة... مضيفاً "أود أن أشجعه على التفكير في الترشح مرة أخرى... عليه أن يفكر في الأمر"... هل كان غراهام إذاً هو الدافع لترمب لإنشاء وسيلته للتواصل الاجتماعي والمعروفة باسم "تروث ناشيونال"، تلك التي سعى كبار الجمهوريين ورجال الأعمال منهم تحديداً إلى جمع نحو مليار وربع المليار دولار لكي تخرج على الأميركيين، بعدما حُرم الرجل من حقه في أن يغرّد على "تويتر"، أو ينشر صوره على "إنستغرام" على سبيل المثال؟

في كل الأحوال، ربما كانت إيران والعداء لها، نقطة التقاء غراهام مع ترمب، ونقطة افتراق غراهام عن بايدن، ففي نهايات يونيو 2021 الماضي، حذر غراهام من أسلوب تعامل جو بايدن مع إيران واعتبر أن: "إيران تتلاعب بإدارته وتسعى إلى جعل العالم رهينة لها".

في مقابلة له مع "فوكس نيوز"، شبّه غراهام النظام الإيراني بالنظام النازي في ألمانيا خلال عهد هتلر، معتبراً أن هتلر كان يحركه التفوق العرقي، أما الإيرانيون، فتحرّكهم دوافع التفوق الديني، وأنهم يحاولون صنع سلاح نووي لجعل العالم رهينة.

أكثر من ذلك، يرى غراهام أن روسيا والصين لاعبان عقلانيان على الرغم من أن سلوكهما بلطجي على حد تعبيره، لكن إيران ليست كذلك، إذ إن الأفكار الأيديولوجية تؤثر في سياساتها... لا يمكن تجاهل أشخاص مثل هولاء.

وما بين غراهام الريغاني والماكارثي، يبقى الجدل من حول الرجل مستمراً ومستقراً.   

المزيد من تقارير