Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخليج يستقبل جونسون فوق خيط الحياد الرفيع

يزور رئيس الوزراء البريطاني الرياض في وقت تشهد فيه أسواق الطاقة ارتفاعاً حاداً مصحوباً برفض خليجي لزيادة الإنتاج

جونسون في قصر الضيافة في أبوظبي بعد وصوله إلى الإمارات (رويترز)

يقود رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الجبهة الغربية الرامية لمعاقبة بوتين على الحرب في أوكرانيا، إذ فرضت المملكة المتحدة عقوبات على 370 شخصية روسية، بما في ذلك أكثر من 50 فرداً وصفتهم لندن بـ"الأوليغارشية الروسية" وعائلاتهم، بقيمة إجمالية تبلغ 100 مليار جنيه استرليني (130 مليار دولار أميركي).

هذه المعركة التي يخوضها جونسون بعنف، هو مدين لها في الوقت نفسه بتهشيم كتلة الـ"بارتي غيت" التي اصطفت لإسقاطه بعد أن انفجرت فضيحة الحفلة التي حضرها في داونينغ ستريت في مايو (أيار)، فترة قيود الحظر الخاصة بكورونا، لتتحول المعركة الداخلية إلى جبهة في مواجهة التهديد الأمني القادم من الشرق على القارة، وبقيادة من؟ المتهم في السابق.

هذه المعركة بدأت تمتد إلى ما هو أبعد من ساحة الحرب في أوكرانيا، بعد أن بدأت الكلفة الاقتصادية تصيب البريطانيين جراء الارتفاع الحاد في أسعار النفط، ليجد بوريس نفسه في رحلة إلى أكبر مصدر للطاقة في العالم، السعودية.

الفواتير تحمل جونسون إلى الخليج

لا يريد جونسون خسارة مكاسب الحرب الشخصية بخسائر صغيرة تتسبب بها أسعار فواتير الطاقة على الفرد البريطاني، لهذا جاءت زيارته المنطقة محاطة بآمال بريطانية وغربية في أن واحد.

في السعودية بالتحديد، تناولت الصحف البريطانية تفاصيل عن زيارته، قالت إن رئيس الوزراء سيناقش هناك ملفات عدة، تتضمن حرب اليمن وملف حقوق الإنسان، إلا أن الباحثة المتخصصة في مجال الدبلوماسية العامة، نجاح العتيبي، لا ترجح أن تتطرق الزيارة في عناوينها الكبرى سوى إلى ملف الطاقة. وأضافت من خلال متابعتها لتفاعل الأحداث في لندن، أن "ارتفاع تكاليف الطاقة على البريطانيين في فواتيرهم اليومية هو السبب الرئيس للزيارة، فبحسب رصد التفاعلات في بريطانيا، فإن الغضب الذي يطال جونسون حيالها كان سببه أن البريطانيين توقعوا برامج دعم في هذه الفترة، بعد وعود أطلقها لحمايتهم من التضخم الذي تسببت به أزمة كورونا والإغلاق، لكنهم تفاجأوا بزيادة الأسعار وهو ما يحاول إنقاذه"، محاولاً بذلك حماية مكاسبه السياسية بعد النجاة من فخ حفلة "داونينغ ستريت".

الأزمة أبعد من الحرب

ويمكن اعتبار أي زيادة معتبَرة في الإنتاج قادرة على تصحيح الأسعار، في ما لو اعتبرنا أن التضخم كان بسبب الحرب القائمة في أوكرانيا الآن، إلا أن هذا محط نقاش.

إذ يرى خبراء اقتصاديون استضافتهم "اندبندنت عربية" في نقاش مفتوح عبر مساحتها الأسبوعية على "تويتر"، أن "الحرب أسهمت في تفجّر الأزمة وليس خلقها". واعتبر نايف الدندني، الباحث في الشأن النفطي واستراتيجيات الطاقة، أن "الأزمة الحالية متوقَعة منذ العام الماضي"، لافتاً إلى أن "الصعود السريع في الأسعار بدأ منذ الربع الرابع من العام الماضي، على الرغم من كل الأحداث المهمة التي كانت بمقدورها أن تخفض الأسعار". وأضاف أن "الأسعار تعافت سريعاً من صدمة متحورة أوميكرون، ولم تتأثر بإقدام دول تكتل المخزونات الاستراتيجية بسحب 52 مليون برميل دفعة واحدة من المخزون، وهذا يدل على أن سبب التضخم له جذر أبعد من الحرب الحالية، لذلك لا يُعد الرفع الآن حلاً".
وحول الأسباب الحقيقية، يوجز الدندني أن "الأسعار تتعامل بشكل استراتيجي ولا تنظر إلى المرحلة الآنية. السوق تدرك التحديات المقبلة بسبب نقص الاستثمارات النفطية في العالم، فتآكل معدلات الإنتاج مقابل زيادة الطلب العالمي، يعطي هذا الارتفاع مبررات صلبة، حتى لو تم رفع الإنتاج الآن. وحتى لو زدنا الاستثمارات الآن لرفع الإنتاج وتلبية الطلب، فهي بحاجة إلى دورة كاملة، تتجاوز السنة، لحصد ثمار تطوير البنى التحتية".

روسيا ليست السبب

كذلك فإن الملمح الرئيس لأهداف الزيارة هو قوة الرياض داخل مجموعة "أوبك+" التي تقود التوازن في السوق اليوم، ونجد أنها صاغت أنظمتها بناءً على حصص إنتاج راعت أزمة كورونا التي انفجرت نفطياً في أبريل (نيسان) 2020، بهدف سحب المعروض الفائض من حصص الإنتاج بشكل تدريجي من الدول الأعضاء، وهي لم تنه حتى الآن خطط إعادة توزيع الحصص تلك، ما يجعل قدرتها على التلاعب بالحصص بشكل حاد صعباً.
وشدد محمد البيشي، مدير تحرير اقتصاد "قناة الشرق" في السعودية، على ذلك، بقوله إن "أوبك+ اتفاقية مهنية وليست سياسية، أتت بهدف معالجة نقص في الطلب سببته كارثة مفاجئة مثل كورونا، لكن المشكلة التي يواجهها العالم اليوم لها أسباب ليس من ضمنها حرب أوكرانيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول هذه الأسباب يقول إن "أهم هذه الأسباب هو النقص الحاد في الاستثمارات في القطاع النفطي بسبب معاداة الوقود الأحفوري من قبل سياسات المناخ، وهذا أثّر على حجم التمويل للمشاريع في أميركا وأوروبا". وحذّر البيشي من كارثة نقص التمويل، قائلاً إنه "حتى هذه اللحظة، ما يجري في العالم اليوم بشأن الطاقة لم يظهر بشكل كامل، نحن مقبلون على صدمة تاريخية هي الأكبر على الإطلاق، فما يجري لم يصل إلى مستوى الخطر بعد، سيكون ذلك عندما يفقد العالم القدرة على التحكم بأسواق الطاقة".

الرحلة ليست نفطية فقط

من جهتها، تنقل نجاح العتيبي، في متابعتها للنقاش الإعلامي اليومي في بريطانيا منذ أُعلنت جولة جونسون الخليجية، تصريح وزير الدولة السابق لشؤون الشرق الأوسط جيمس كليفرلي لشبكة "سكاي نيوز"، إذ قال "لا أعرف إذا كانت السعودية أدانت الغزو الروسي أم لا، لكن يجب أن ندفعها لذلك، نحاول حث الدول للانضمام إلى التحالف الذي يسعى لحماية الشرعية الدولية".
وتعتبر العتيبي أن "هذا مؤشر على أن البريطانيين لا يتفهمون حاجة الرياض إلى الحياد النسبي في هذا الصراع، ويريدون موقفاً مصطفاً أكثر مع الشرعية الدولية". وكذلك اعتبر الدكتور إياد الرفاعي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبد العزيز، أن "ما يجهله الغرب هو أن الحياد بات أكثر ما يحتاجه العالم اليوم من السعودية". وأضاف "هذا التموضع يتوافق مع المصلحة الدولية الشاملة، اتخاذ السعودية لموقف متطرف في هذا الصراع سيؤدي إلى انهيار محتمل للثقة الدولية في أسواق الطاقة، ومن هذه الفكرة فإن الموقف السعودية غير المنحاز ليس ترفاً بل ضرورة".

السعودية وسيط محتمل

وكانت السعودية عرضت وساطتها بين موسكو وكييف، في اتصالين منفصلين جمعا بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي مطلع مارس (آذار) الجاري.

وهذا يمكن استنتاجه من دفاع جونسون عن زيارته أمام انتقادات بعض نواب المعارضة اليساريين، قائلاً إن "الغرب بحاجة إلى بناء أوسع تحالف لوقف الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية"، مشدداً على أن تجنب "ابتزاز بوتين" مرهون ببناء شبكات تحالفات أوسع.

إلا أن الأمر لا يبدو بهذه الحدة عندما يتعلق الأمر بالبريطانيين، إذ اعتبر أستاذ العلوم السياسية إياد الرفاعي، أنه "بعد (بريكست) والانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، اختلف التعاطي الحكومي والشعبي مع السياسات الخارجية للمملكة المتحدة بشكل جذري. إذ إن السياسات البريطانية الخارجية على العكس من الأميركية، تقوم على التعاون الدولي ومحاولة تغيير سلوك الأنظمة الخارجة عن الإجماع الدولي بالعصى الدبلوماسية". وأضاف "في مقدمة ما يريده البريطانيون من دول الخليج هو ضمان استقرار الطاقة وأسعارها، وهم يفصلون هذا عن المواقف الكلية والمبدئية لدول الخليج تجاه القيادة الروسية. وهنا تتمايز بريطانيا عن أميركا في مرونتها السياسية، إذ إنها لا تمتعض من تطور العلاقات الخليجية - الروسية، بعكس الولايات المتحدة التي تنظر إلى أن نفوذها يتم تهديده من خلال تطور العلاقات الخليجية مع روسيا أو الصين. وهنا يكمن التعامل مع الرؤية البريطانية للسياسات الدولية وصلابتها، إذ إنها لا تعارض بالمطلق التعاون مع الصين وروسيا في ما لا يمس القوانين والأعراف الدولية، وتتوقع من الرياض نهجاً مقارباً لها، وهذا سيسهم في حل المشكلات الإقليمية والدولية وعلى رأسها المعضلة الأوكرانية في ما لو نجحت السعودية في التموضع خلال الأزمة".

المزيد من متابعات