Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتشكل نظام عالمي جديد للطاقة على وقع حرب أوكرانيا؟

تحالفات جديدة تظهر وسط قفزة تاريخية في أسعار النفط والغاز

تحالفات جديدة قد تؤدي إلى سوق جديدة للطاقة   (أ ف ب)

يبدو أن العالم مقبل على نظام جديد للطاقة، يولد من رحم الحرب الروسية- الأوكرانية التي تفرض على حكومات الدول تبعات صراع تشنه دولة كبري في مجال النفط والغاز، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".  وبينما تدخل الحرب أسبوعها الثالث، تثير التحولات الجارية على قدم وساق مرارات قديمة في الأسواق، لكنها توفر أيضاً فرصة لإنشاء تحالفات جديدة وسط بدء التكتلات في التشكل ما يسرع من إنشاء نظام عالمي جديد للطاقة. فدول الاتحاد الأوروبي الـ 27 تعمل حالياً على تسريع قطع اعتمادها على الغاز الروسي، بينما حظرت الولايات المتحدة استيراد النفط من موسكو، كما أنها تبحث عن إمدادات بديلة لا سيما من إيران وفنزويلا.

وفي الوقت الذي تعزز السعودية مكانتها الاستراتيجية وسط قفزة في أسعار الخام، تهدد موسكو بوقف صادراتها من الطاقة إلى أوروبا وتجد نفسها تقترب أكثر من الصين.وزادت العقود الآجلة لخام برنت أكثر من ثلاثة دولارات بما يعادل 2.8 في المئة إلى 112.38 دولار للبرميل في آخر تعاملات الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 2.71 دولار أو 2.6 في المئة إلى 108.73 دولار للبرميل. ولكن سجل خام برنت هبوطاً أسبوعياً 5.4 في المئة بعد أن بلغ 139.13 دولار الاثنين. بينما سجل الخام الأميركي انخفاضاً أسبوعياً 6.2 في المئة بعد أن لامس مستوى مرتفعاً عند 130.50 دولار الاثنين. وكانت آخر مرة يشهد فيها العقدان مثل تلك المستويات في 2008.

التدخل الروسي

كانت أسعار النفط قد ارتفعت بعد تدخل روسيا عسكرياً في أوكرانيا ووصلت لأعلى مستوياتها في 14 عاماً، لكنها تراجعت قليلاً الأسبوع الماضي على أمل أن تعمل بعض الدول المنتجة على زيادة المعروض، لكن المخاوف بشأن تصعيد الحظر على النفط الروسي استمرت وصارت محط تركيز من جديد مع تداولات يوم الجمعة. أما أسعار الغاز في أوروبا، قد سجلت الأسبوع الماضي مستوي قياسياً جديداً عند 3900 دولار لكل ألف متر مكعب، للمرة الأولى في التاريخ. بينما أدت المخاوف من تعطل صادرات روسيا، التي توفر 40 في المئة من واردات الغاز الأوروبية إلى ارتفاع أسعار الغاز، يتواصل التصعيد حالياً ضد موسكو تسعى الولايات المتحدة وكبرى شركاتها إلى الاستفادة من هذا التصعيد ببيع كميات من الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي بأسعار قياسية.

إعادة رسم خريطة الطاقة  

وقال رئيس شركة "ربيدان إنيرجي غروب" بوب ماكنيلي "ينطوي هذا على أكبر محاولة لإعادة رسم خريطة الطاقة والأوضاع "الجيوسياسية"، وربما العالم، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إن لم يكن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ". ومثلما كانت ألمانيا تشغل صدارة الاهتمام في الحرب الباردة الأصلية، فإن لها وضعاً متميزاً الآن أيضاً. وبعد أيام من إرسال روسيا قواتها إلى أوكرانيا، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز تدشين خطط لتأمين أمن الطاقة. ويضرب تخفيف اعتماد ألمانيا على روسيا في مجال الطاقة مورداً رئيسياً لموسكو، كما أنه يعد بمثابة تراجع عن سياسة للتقارب مع الاتحاد السوفياتي، ومع روسيا لاحقاً، ظلت سارية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وشملت توثيق الروابط معها في مجالي الغاز والنفط، بحسب "بلومبيرغ".  وتستورد برلين حالياً ثلث نفطها، وحوالى 45 في المئة من فحمها من روسيا، بحسب إحصاءات الحكومة الألمانية، خلال العقد الماضي، ازداد اعتماد ألمانيا في مجال الطاقة على روسيا، من 36 في المئة من إجمالي عمليات استيراد الغاز عام 2014، إلى 55 في المئة حالياً.

وكتبت ألمانيا شهادة الوفاة لسياسة التقارب مع روسيا عندما تم تجميد خط غاز "نورد ستريم 2" بقيمة 11 مليار دولار، الذي يعد أكثر الإشارات وضوحاً على التشكل السريع لتحالفات جديدة. وعلى الرغم من أن العقوبات الدولية استثنت الطاقة الروسية، والتي اقتصرت على الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، حتى يمكن تجنيب العالم تبعات كارثية، لكن الإجراءات والإدانات على مستوى الحكومات للغزو الروسي قد أدت لإحجام المشترين عن شراء الإمدادات الروسية من الطاقة. وترتب على هذا صعود أسعار الديزل في شمال غربي أوروبا لتصل أعلى مستوياتها منذ ثمانينيات القرن الماضي.

قفزة الأسعار  

في هذا الصدد يؤكد محللون تحدثوا لـ "اندبندنت عربية" على أن خريطة الطاقة الجديدة قد تغير معادلات العرض والطلب في الأسواق العالمية حيث أوضح الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي أن أزمة أوكرانيا وما صاحبها من قفزة في أسعار النفط والغاز "دفعت أوروبا إلى التحرك السريع نحو نشر مشروعات الطاقة المتجددة، لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية وتفادي التكلفة المرتفعة".  وقال الرفاعي إن نظاماً عالمياً جديداً للطاقة بدأ يتشكل بالفعل قبل عقد من الزمان بعد الارتفاعات القياسية في أسعار النفط في عام 2008، وهو ما دفع العديد من دول العالم إلى التحول نحو الطاقة البديلة، وعلى سبيل المثال أوقفت ألمانيا اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2022 جميع المفاعلات النووية"، مضيفاً أن الحرب الروسية- الأوكرانية ساهمت في الإسراع في ذلك، حيث وفرت فرصة لإنشاء تحالفات جديدة قد تسرع من إنشاء نظام عالمي جديد للطاقة.

 

وبينما يهجر الزبائن روسيا، فإن شراكتها مع المنتجين الكبار للنفط في الشرق الأوسط ضمن تحالف "أوبك+" ظلت قوية لحد بعيد، بحسب وكالة "بلومبيرغ"، تعد روسيا والسعودية أكبر دول مصدرة للنفط في العالم، إذ تشكلان نسبة 29 في المئة من الإجمالي العالمي. واتفقت السعودية وروسيا وكبار منتجي النفط الآخرون في آخر اجتماع لتحالف "أوبك+" على الالتزام بخطط زيادة الإنتاج المقررة سلفاً بواقع 400 ألف برميل يومياً في أبريل (نيسان).

ماذا عن الاتفاق النووي الإيراني ؟

ومع إعلان الولايات المتحدة فرض حظر على استيراد النفط الروسي بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين، تزايدت الأنباء عن رغبة الغرب في عودة صادرات النفط الإيراني والفنزويلي بهدف ضمان الحفاظ على إمدادات كافية من النفط في الأسواق العالمية ،إلا أن إحياء محادثات الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية بات في غموض مع توقف المحادثات، في أعقاب مطالب روسيا بضمانات من الولايات المتحدة بأن العقوبات التي تواجهها بشأن الصراع في أوكرانيا لن تضر بتجارتها مع طهران. وذكرت مصادر أن الصين طرحت مطالب جديدة.

وتحاول روسيا حالياً إعاقة الجهود الأميركية الساعية لإعادة تمرير الاتفاق. وتم بالفعل تعطيل التوصل لاتفاق مجدداً يوم الجمعة.

 

 

في الشأن ذاته يتطلع الرئيس الأميركي جو بايدن للحصول على المزيد من النفط كي يضمن بقاء أسعار البنزين متدنية للأميركيين وتعزيز فرص حزبه الديمقراطي في الاحتفاظ بسيطرته على الكونغرس خلال انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الأول)، وستؤدي هزيمته إلى إلحاق أضرار بشعبيته وستؤذن بعودة الجمهوريين – وربما حتى ترامب – في عام 2024.

كذلك تسعى واشنطن للاستفادة من نفط فنزويلا، في الضغط على موسكو، ولكن المصادر المطلعة على مناقشات المسؤولين الفنزويليين والأميركيين في كاراكاس لبحث إمكانية تخفيف العقوبات النفطية على الدولة العضو في "أوبك"، لم تحقق تقدماً يذكر نحو التوصل إلى اتفاق في أول محادثات ثنائية رفيعة المستوى تجرى بين الجانبين منذ سنوات.

وتسعى واشنطن إلى فصل روسيا عن أحد حلفائها الرئيسيين، وقد استغل الجانبان الاجتماع في كراكاس لتقديم ما وصفه مصدر بالحد الأقصى من المطالب، مما يعكس التوترات القائمة منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وأحد أكبر خصومها الأيديولوجيين. وتعرضت فنزويلا لعقوبات دولية منذ عهد ترامب مما حد من قدرتها على بيع النفط.

وقال الرئيس نيكولاس مادورو رداً على الخطوة الأميركية إن شركة النفط الحكومية الفنزويلية "بتروليوس دي فنزويلا" مستعدة لزيادة الإنتاج إلى نحو ثلاثة مليون برميل يومياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال أستاذ العلاقات الدولية فليكس أرلانو إن الزيارة الأميركية غير متوقعة ومفاجئة، وتعد بمثابة تغير كامل في التوجهات السياسية، بحسب وكالة "بلومبيرغ".  وأضاف أن الولايات المتحدة تسعى لتقييد النفوذ الذي تتمتع به روسيا والصين، وأن الزيارة تعني أن فنزويلا في طور إعادة دمجها مع الغرب عبر الطاقة.

غموض موقف الصين  

في الوقت ذاته اتسم موقف الصين بالغموض في ما يتعلق بالهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ عبرت عن قلقها بخصوص وقوع ضحايا من المدنيين، وقالت إنها تدعم سيادة أوكرانيا من دون إدانة أفعال الكرملين أو الانضمام إلى الدول التي قررت فرض عقوبات. وقال زهاو ليجيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين ستواصل التعاون التجاري المعتاد مع روسيا، بما في ذلك النفط والغاز. وبحسب وكالة "بلومبيرغ"، تدرس الصين شراء شركات روسية مثل غازبروم أو زيادة حصصها فيها.

الالتزامات المناخية 

وفي أوروبا، يرفض الاتحاد الأوروبي التنازل عن التزاماته المناخية بينما يسعى إلى خفض الواردات من روسيا، أكبر مورد له، العام الجاري، واستبدال التدفقات الآتية منها تماماً بحلول عام 2027، بحسب وكالة "بلومبيرغ".  ولاقت هذه الجهود دعماً وسط تلويح روسيا بوقف إمداداتها من الغاز المار عبر خط "نورد ستريم 1" إلى أوروبا. وقف إمدادات الغاز الروسي سيوجه ضربة قاسية لألمانيا بشكل خاص، إذ إن الاقتصاد الأكبر في أوروبا يعتمد على روسيا في الحصول على أكثر من نصف إمداداته من الغاز الطبيعي. فهل هي حقبة جديدة تنتظر خريطة النفط والغاز؟

المزيد من البترول والغاز