Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينقذ تدخل البنك الدولي تونس من أزمة اقتصادية حادة؟

ارتدادات الحرب الأوكرانية على مستوى المحروقات والأغذية والمواد الأولية والنشاط السياحي عميقة

أشار البنك الدولي إلى استعداده للاستجابة لحاجات تونس وعدد من بلدان المنطقة في إطار الوسائل المتاحة للتغلب على الضائقة المالية التي أحدثتها الحرب (أ ف ب)

عبّر البنك الدولي عن انشغاله بالارتدادات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا على بلدان شمال أفريقيا، ومنها تونس، مشيراً إلى العواقب الإنسانية للتطورات السريعة للحرب، ونبّه إلى أنها مُعرّضة لتداعيات أخرى اجتماعية، بالنظر إلى أن البلاد تمثل شريكاً تجارياً لأوكرانيا، بالتالي، فإن آثار الأزمة ستكون ملموسة على الاقتصاد، وقد تكون لها تبعات سلبية مضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاه الاجتماعي، الأمر الذي يُعمّق الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد التي تنتظر انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على أمل أن تحصل على قرض لتتمكن من استكمال تمويل ميزانية 2022، لتصطدم باندلاع حرب أثّرت على عمليات توريد السلع، وبخاصة الأغذية والمحروقات، ما يرجح أن يؤدي إلى زيادة عجز الميزان التجاري ونُدرة العملة الصعبة بحكم ارتفاع الأسعار بالأسواق العالمية.

وأشار البنك الدولي إلى استعداده للاستجابة لحاجات تونس وعدد من بلدان المنطقة في إطار الوسائل المتاحة للتغلب على الضائقة المالية التي أحدثتها الحرب، والتي تُضاف إلى انعكاسات جائحة كورونا. واختلف خبراء في تصاريح لـ"اندبندنت عربية " حول طبيعة التدخل المنتظر للبنك بين معاضدة ميزانية الدولة بالإقراض لسد ثغرة الشح الحاصل في السيولة لحماية العملة من الانهيار، وتخفيض العجز أو الإسراع في وضع خط تمويل لتوسيع البرنامج الاجتماعي للبنك لتفادي الاضطرابات الاجتماعية المنتظرة بفعل تفاقم الفقر.

المحروقات والمواد الأولية

وينتظر أن يتأثر الاقتصاد التونسي على مستوى توريد المحروقات والحبوب والمواد الأولية والنشاط السياحي، ويظهر الانعكاس الأول المباشر على سعر برميل النفط، وتم إعداد ميزانية الدولة لسنة 2022 على أساس فرضية سعر برميل النفط في حدود 75 دولاراً، في وقت بلغ هذا السعر مستوى 116 دولاراً حالياً، وتكلف كل زيادة في سعر البرميل، بدولار واحد، صندوق الدعم وميزانية الدولة ما يوازي 120 مليون دينار (41.3 مليون دولار) إضافية، مما سيكون له نتائج جد سلبية على المالية العمومية، وستتجاوز تكلفة دعم المحروقات، مع بقاء سعر برميل النفط في هذا المستوى، التمويلات المتوقع تعبئتها كقروض إضافية بالنسبة لسنة 2022، كما تتأثر تونس بأسعار المواد الأولية، لا سيما أنها تستورد أكثر من 50 في المئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.

وحذر البنك الدولي بعد أيام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من أسعار السلع الزراعية التي زادت بنسبة 35 في المئة على أساس سنوي، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع بسبب الحرب، نظراً لأن روسيا وأوكرانيا من كبار مصدري القمح والذرة والشعير وزيت دوار الشمس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تؤدي الحرب إلى ركود منتظر في الموسم السياحي بالنظر إلى أهمية بلدان أوروبا الشرقية وروسيا على مستوى التدفقات السياحية، التي تؤمنها هذه السوق إلى الوجهة التونسية، وقد بلغ عدد الوافدين الروس 630 ألف سائح سنة 2019 مقابل 33 ألف وافد أوكراني، ومثلوا 21 في المئة من الليالي المقضية، إضافة إلى انعكاسات ارتفاع أسعار المواد الأولية الموردة، ما قد يؤثر بشكل مباشر على الصناعة التونسية.

ومن شأن الوضعية الحالية أن تدفع بالأسعار إلى مستويات مرتفعة جداً، وأن تمنع تونس من التزود بالكميات اللازمة، والحال أن تونس تعاني عجزاً في تمويل الميزانية الحالية يبلغ 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار)، وتحتاج إلى موارد خارجية قدرها 18 مليار دينار (6.2 مليار دولار) لتسديد استحقاقات الدين لسنة 2022.

مخاطر اقتصادية

وأشار فريد بالحاج نائب رئيس البنك الدولي المكلف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن تأثير الأزمة على تونس وبعض البلدان المجاورة مثل المغرب ومصر تتمثل في صدمات أسعار الغذاء، وبخاصة القمح والزيادات في أسعار النفط والغاز، ثم عزوف المستثمرين عن المخاطر وجنوحهم إلى الاستثمارات الآمنة، الأمر الذي قد يؤثر على تدفقات رؤوس الأموال الخاصة، إضافة إلى تحويلات المغتربين التي قد تتناقص، ثم الارتدادات على القطاع السياحي المهدد بالركود، وتوقع أن تتعرض تونس لتداعيات سلبية قد تقود إلى توترات اجتماعية إضافية كبلد غير منتج للنفط، ولذلك تداعيات سلبية على معدلات التشغيل وميزان المدفوعات، كما سيترك الصراع في أوكرانيا تأثيراً ملموساً على الواردات الغذائية، وأن تؤدي الأزمة إلى تعطل سلاسل توريد الحبوب والبذور الزيتية، وزيادة أسعار الأغذية، وارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج المحلية في قطاع الزراعة، وستكون، لانخفاض المحاصيل والمدخول لا سيما لصغار المزارعين، آثار سلبية على سبل كسب العيش، وقد يؤثر ذلك على المنتمين إلى الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً الذين يعتمدون على الزراعة في كسب أرزاقهم .

مساعدات إنسانية وإنمائية

وأشار بالحاج إلى ضرورة تعزيز المساعدات الإنسانية والإنمائية سنة 2022، وأن البنك الدولي على أهبة الاستعداد للاستجابة بكل الأدوات المتاحة الملائمة لطبيعة مواطن الضعف والقصور على المستوى القطري، "وفي بلدان مثل تونس ومصر والمغرب، يمكن أن يكون لعمليات البنك الخاصة بدعم موازناتها دورها الفعال"، ومن المتوقع أن تكون آثار الأزمة أكثر شدة على مستوى قيود المالية العامة، إضافة إلى الاستعداد لزيادة المساندة للإنتاج المحلي والتسويق التجاري للأغذية الزراعية، وإدارة المخاطر الزراعية والاحتياطيات الغذائية في البلدان التي تتعرض لصدمات على ذلك المستوى، سواء من خلال زيادة تكاليف الطاقة أو الأسمدة، أو عوامل أخرى مثل الأزمات المرتبطة بالجفاف، ويتأهب البنك في الأجل القريب، لتوسيع برامجه للحماية الاجتماعية الموجهة للتغذية في بلدان مختارة عن طريق البناء على الأعمال التي أنجزت منذ 2020 في سياق الاستجابة والتصدي لجائحة كورونا.

الاضطرابات الاجتماعية

ولفتت كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب حرب روسيا على أوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي بالشرق الأوسط وأفريقيا، "لأنها تعاني بالفعل انعدام الأمن الغذائي"، وأن "أحداث الشغب" كانت جزءاً من قصة "الربيع العربي" التي انطلقت من تونس، مشيرة إلى الانقلابات التي حصلت، ومن الممكن أن تؤدي الزيادات المفاجئة في أسعار الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية مثلما حدث في 2007 و2008، ثم مجدداً في 2011، عندما ارتبطت أحداث شغب في أكثر من 40 دولة بارتفاع أسعار الغذاء العالمية.

ورأى الخبير الاقتصادي جمال بن جميع أن التدخل المنتظر للبنك الدولي في تونس سيأخذ منحى اجتماعياً في مرحلته الأولى بحكم التوتر الاجتماعي التي ستحدثه الحرب بسبب ارتفاع الأسعار والنقص المسجل في السلع، وبخاصة المواد الغذائية، وقد بدأت تتجلى نتائجه منذ الأيام الأولى في تونس، التي سجلت شحاً في بعض المواد الأساسية، بسبب الإقبال المفرط من المستهلكين على تخزين الأغذية علاوة على شح بعض المواد الأولية المعتمدة في الصناعة، وزاد من حدة الأزمة انتهاج تونس سياسة التقشف منذ أشهر بسبب الضائقة المالية بالتخفيض في الواردات، وأدّى هذان العاملان إلى نقص فادح في السلع مع الاضطرابات الحاصلة في السوق العالمية في سلاسل التوريد باشتعال الحرب، وكلها عوامل تحتم الصفة الاجتماعية للمساعدات المنتظرة للبنك الدولي، والتي أشار إليها بوضوح نائب الرئيس المكلف شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

ولن يقوم البنك بتمويل مشروع إنمائي معين مثلما دأب عليه في السابق بسبب طبيعة المرحلة التي تخيم عليها الصدمة الاقتصادية الحاصلة بفعل الحرب، والتي تستوجب تدخلاً عاجلاً واستثنائياً بضخ سيولة في شكل قرض لمساندة الحكومة الحالية في تونس للإحاطة بالفئات الفقيرة الأكثر تأثراً بارتفاع الأسعار، أو إحداث برنامج اجتماعي لمواجهة نقص إمدادات الأغذية، على أن تختار الحكومة الآليات المناسبة للاستفادة من هذه المعاضدة لاحتواء التوتر الاجتماعي المنتظر بسبب تأثر المقدرة الشرائية، في ظل نسبة التضخم التي بلغت 6.6 في المئة، ونسبة بطالة زادت على 18 في المئة واتساع دائرة الفقراء في تونس لتشمل أربعة ملايين شخص يعيشون بما قدره 4.8 دينار (1.6 دولار) للفرد الواحد في اليوم وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) بفعل تأكل الطبقة المتوسطة، وانخفاض نسبة النمو، وانعدام خلق الثروة تحت مفعول التداين المفرط.

وهي معطيات محفزة للتوتر الاجتماعي الذي يسعى البنك الدولي للتدخل لتفاديه عن طريق آلية الإقراض أو فتح خط تمويل خاص للمساعدات الإنسانية، وهو تدخل يصنف بالإسعافات السريعة والعاجلة.

احتواء الصدمة

واعتبر محمد سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي أن إحداث خط تمويل للبلدان المتضررة من الحرب من قبل البنك الدولي يتنزل في صلب مهامه، وهو مساعدة البلدان الأعضاء في ظروف الصدمات غير المتوقعة، وتسببت الحرب الأوكرانية في أزمة شبيهة بصدمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي، ويتمثل دور البنك الدولي، شأنه شأن المانحين المتعددي الأطراف في التدخل لضخ السيولة لكي تحافظ هذه البلدان على الاستقرار الاجتماعي والمالي المتأثر بالحرب.

ويتم التركيز على البلدان الأكثر تضرراً مثل تونس التي تمر بأزمة مالية سابقة، وتم تدخل مماثل في تاريخ غير بعيد، أي منذ أقل من سنتين بسبب جائحة كورونا، وحصلت تونس على تمويلات من قبل البنك الدولي في شكل قرض ومخصصات لحقوق السحب الخاصة من قبل صندوق النقد الدولي، ومن الواضح أن البنك الدولي يتّجه إلى الاستمرار في تقديم المساعدات بسبب التداعيات القاسية للحرب على تونس، بحكم الضغط الحاصل على ميزان المدفوعات تأثراً بتكلفة الطاقة، ما يضغط على احتياطي العملة الصعبة، الأمر الذي ينعكس على ميزانية الدولة مباشرة، لذلك من المرجح، وفق ما أعلن عنه البنك الدولي من نية التدخل، فإنه سوف يتم توجيه تمويل في شكل قرض للمحافظة على مستوى احتياطي العملات واستقرار العملة المحلية والحيلولة دون انهيارها وضمان عدم تفاقم عجز الميزانية لامتصاص الصدمة.

اقرأ المزيد