Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عين الداخل والخارج على الجيش اللبناني... هل تشن إسرائيل حربا عليه؟

تصريحات إيرانية تفيد بأن 30 في المئة من المنضمين للقوات الأمنية الرسمية يتبعون الحزب

استهدفت ضربة سيارة في قصاء صيدا جنوب لبنان وأعلن الجيش اللبناني سقوط عنصر من صفوفه في الغارة (ا ف ب)

ملخص

مع اقترابه من تولي المسؤولية الأمنية جنوب نهر الليطاني، تتصاعد الاتهامات الاسرائيلية عن اختراق داخل المؤسسة العسكرية ووجود حالات ولاء مزدوج عقب غارات عسكرية وتصريحات إسرائيلية وإيرانية في مقابل نفي لبناني رسمي وتحقيقات داخلية، وهو ما طرح تساؤلات عن سعي إسرائيل إلى إدخال الجيش والدولة اللبنانية في دائرة الاستهداف السياسي والعسكري، وتوسيع نطاق الضغط ليشمل البر والبحر والبقاع.

في وقت يستعد الجيش اللبناني ليُعلن سيطرته الكاملة على منطقة جنوب نهر الليطاني وتوليه المسؤولية الأمنية فيها، يبدو أنه دخل في صلب معادلة الضغط الإسرائيلية المتصاعدة، إذ خرجت أخيراً مؤشرات سياسية وأمنية توحي بأن إسرائيل تتعامل مع الجيش لا بوصفه قوة نظامية مستقلة، بل كشريك مباشر أو غير مباشر لـ "حزب الله" في عدد من المفاصل الأمنية الحساسة، وهذا المسار ليس جديداً لكنه عاد للواجهة بوتيرة أعلى، فتل أبيب وعبر تقارير خرجت مباشرة عنها وكذلك تقارير غربية عدة سبق أن أشارت، خلال أكثر من مناسبة، لرواية مفادها بأن هناك اختراقًا للحزب داخل المؤسسات الأمنية اللبنانية، بما فيها الجيش، وبأن عدداً من العسكريين في مواقع مختلفة يدينون بالولاء للحزب لا للمؤسسة العسكرية، وهذه الرواية عادت بقوة أخيراً عبر التلميح إلى أن الجيش إما يسهل تحرك عناصر من "حزب الله" أو يوفر غطاء لمواقع تابعة له.

ويأتي الإيحاء الإسرائيلي ليتقاطع مع تصريح خطر سبق أن نشره الموقع الرسمي للمرشد الإيراني علي خامنئي لمقابلة أجريت في بداية ديسمبر (كانون الأول) الجاري مع مدرس في جامعة الإمام الصادق في طهران يدعى حسين محمدي سيرات، قال فيها إن 30 في المئة من عناصر الجيش اللبناني هم أعضاء في "حزب الله" ويرتدون زي الجيش صباحاً ثم ينضمون في المساء إلى صفوف الحزب، في مقارنة بقوة الباسيج الإيرانية، على حد قوله، ولذلك تتخوف مصادر سياسية لبنانية من أن تعمل إسرائيل بصورة متدرجة على إدخال الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمها الجيش، إلى دائرة الاتهام والاستهداف ولو من دون أي دليل حسي ومباشر.

ازدواجية الولاء

شكلت الغارة الإسرائيلية الأخيرة جنوب لبنان نموذجاً واضحاً لهذا المنحى التصعيدي، فقد كشف الجيش اللبناني عبر بيان رسمي أن أحد جنوده كان من بين ثلاثة قتلى سقطوا جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة قرب مدينة صيدا الجنوبية قبل ساعات، وعلى رغم أن إسرائيل قالت إن الضربة استهدفت عناصر في "حزب الله" فإن الجيش اللبناني نعى الرقيب أول علي عبدالله، موضحاً أنه قُتل أثناء وجوده داخل السيارة المستهدفة، والأخطر في الحادثة لم يكن فقط سقوط عنصر في الجيش، بل مسارعة الجيش الإسرائيلي وعلى لسان المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي إلى الإعلان أن أحد القتلى المنتمين للحزب "كان يخدم بالتوازي في وحدة الاستخبارات التابعة للجيش اللبناني"، في إشارة واضحة إلى ما سماه "الولاء المزدوج"، غير أن مصدراً عسكرياً لبنانياً نفى هذه الاتهامات مؤكداً أن الادعاء غير صحيح ويشكل ذريعة إسرائيلية مكشوفة.

وجاءت الواقعة في سياق أوسع من الضغوط العسكرية والسياسية، فإسرائيل تواصل تنفيذ غارات جوية في مناطق مختلفة من لبنان لمنع "حزب الله" من إعادة بناء قدراته بعد الحرب الطويلة التي انتهت بوقف لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وفي هذا الإطار يرى متابعون أن إسرائيل تسعى بوضوح إلى إسقاط أي اعتراف بدور الجيش وقدرته على ضبط الوضع جنوب الليطاني، فالرسالة الإسرائيلية، وفق هذه القراءة، تقوم على معادلة خطرة هي أنه إذا كان الجيش هو القوة الوحيدة المنتشرة في الجنوب فيجب أولاً نزع شرعيته وتصويره كامتداد أو غطاء لـ "حزب الله"، تمهيداً لتبرير أي عمل عسكري بري أو جوي، حتى لو استهدف مواقع رسمية لبنانية.

ولا تقف هذه الحملة عند الحدود الجنوبية، فقد رصدت تقارير عدة في الآونة الأخيرة تكثيفًا لتحليق الطيران الاستطلاعي الإسرائيلي فوق مواقع رسمية حيوية ومنشآت مدنية لبنانية لا علاقة مباشرة لها بـ "حزب الله"، وهذا السلوك يُقرأ على أنه جزء من بناء بنك أهداف ورسائل ردع موجهة إلى الدولة اللبنانية نفسها وليس فقط إلى الحزب.

جبهة البحر

هذا وتربط مصادر أمنية بين هذا التصعيد وبين نشر اعترافات البحار اللبناني الأسير عماد أمهز قبل أيام قليلة، معتبرة أن تل أبيب تحاول فتح جبهة جديدة عنوانها البحر، فوفق السردية الإسرائيلية لم يعد التهديد محصوراً بالحدود البرية الممتدة من شبعا إلى رأس الناقورة، بل بات يشمل الساحل اللبناني بأكمله، في ظل الحديث عن "مشروع بحري سري" لـ "حزب الله"، وفق اعترافات أمهز، وهو ما يستخدم لتوسيع مفهوم الدفاع عن الأمن القومي الإسرائيلي.

وتتوازى هذه الرواية مع إعادة تسليط الضوء على البقاع، شرق لبنان، الذي تصفه إسرائيل دائماً بأنه خزان الصواريخ الدقيقة والباليستية، وهذا التزامن بين الجنوب والشرق والغرب لا يبدو عفوياً بل يُقرأ على أنه تمهيد ممنهج لمرحلة جديدة من العنف، تُبنى لها الأرضية السياسية والإعلامية مسبقاً.

المرحلة الثانية

في السياق حذرت الصحافية المتخصصة في الشأن الإسرائيلي رندا حيدر من التعاطي السطحي مع السردية الإسرائيلية المتداولة أخيراً حول ما قيل إنه اختراق داخل صفوف الجيش اللبناني، معتبرة أن الملف بالغ الحساسية سياسياً وأمنياً ويجري توظيفه ضمن إستراتيجية إسرائيلية أوسع لتقويض دور الجيش ونزع الثقة الدولية به، لافتة إلى أن الجيش اللبناني سارع إلى إصدار بيان رسمي رد فيه على اتهامات إسرائيلية مباشرة، زعمت أن أحد عناصره كان يخدم في الوقت نفسه داخل صفوف "حزب الله".

وتشدد حيدر على أن مجرد طرح هذا الادعاء علناً يضع المؤسسة العسكرية اللبنانية في دائرة استهداف سياسي وإعلامي شديد الحساسية، وفي تقديرها فإن ما يجري لا يمكن فصله عن محاولة منهجية تقودها المؤسسة الأمنية والقيادة السياسية في إسرائيل لتكريس قناعة، قبل نهاية العام، مفادها أن الجيش اللبناني غير قادر على تنفيذ مهمة نزع سلاح "حزب الله"، سواء جنوب نهر الليطاني أو شماله.

وفي هذا السياق تعمل إسرائيل على جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة، سواء كانت دقيقة أو مشكوكاً في صحتها، لتدعيم هذه الرواية بغية إقناع أميركا بأن الانتقال إلى ما تسميه "المرحلة الثانية" في لبنان مسألة شبه مستحيلة في ظل عجز الدولة اللبنانية ومؤسساتها العسكرية.

وتضيف حيدر أن الإسرائيليين يراكمون الذرائع واحدة تلو الأخرى، من قصة العنصر الذي قتل قبل ساعات ويزعم أنه ينتمي إلى الجيش و"حزب الله" في آن، إلى تصريحات منسوبة لأحد الخبراء الإيرانيين تتحدث عن أن نحو 30 في المئة من جنود الجيش اللبناني يخدمون في صفوف الحزب، موضحة أن الغاية النهائية من هذا المسار هي دفع الأميركيين إلى منح الجيش الإسرائيلي ضوءاً أخضر لعملية عسكرية أوسع، تتكفل إسرائيل من خلالها بتنظيف منطقة جنوب الليطاني من أي وجود مسلح تابع للحزب، غير أن حيدر تشدد في المقابل على أن هذا التهديد المستدام بعملية عسكرية واسعة يدخل في جانب كبير منه ضمن إطار الترهيب والضغط السياسي، أكثر مما يعكس استعداداً فعلياً لتحويله إلى واقع ميداني، مذكرة بأن الولايات المتحدة لم تمنح حتى الآن أي ضوء أخضر لشن هجوم استباقي على لبنان، ولا تزال تفضل المسار الدبلوماسي، مما يحد من هامش الحركة الإسرائيلية.

وتشير الصحافية المتخصصة في الشأن الإسرائيلي إلى أن تل أبيب لا ترغب في فرض أي قيود على حركتها العسكرية، ولا في أية التزامات بالانسحاب من النقاط الخمس المتنازع عليها جنوب لبنان، بل تسعى إلى إبقاء الساحة اللبنانية مفتوحة على الغارات والضربات المستمرة، ومن هنا فإن استهداف الجيش اللبناني عبر اتهامات بالاختراق لا ينفصل عن سياسة أوسع ترمي إلى إبقاء الحرب المفتوحة في جنوب لبنان، بالتوازي مع غزة، وفي ظل مناخ إقليمي يتجه وفق التهديدات الأخيرة إلى احتمالات تصعيد أوسع قد تشمل مواجهة جديدة مع إيران، وقد نفى الجيش اللبناني في بيان رسمي صدر ظهر اليوم ما نقل في وسائل الإعلام حول انتماء بعض العسكريين وولائهم، وجاء في البيان أنه "يهم قيادة الجيش أن تنفي هذه المعلومات نفياً قاطعاً، وتؤكد أن هذه الأخبار هدفها التشكيك بعقيدة الجيش وأداء عناصره، في حين أن انتماءهم ثابت وراسخ للمؤسسة والوطن".

تضليل إسرائيلي

بدوره يقدم العميد المتقاعد خالد حمادة قراءة متقاطعة مع ما يروج إسرائيلياً حول حادثة استهداف السيارة في جنوب لبنان، معتبراً أن ما جرى يتجاوز البعد الميداني المباشر ويدخل في إطار توظيف سياسي وإعلامي منظم، ويضع هذا الاستهداف ضمن سلسلة العمليات الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان والتي تشمل اعتداءات متكررة على مناطق مختلفة، واستهداف كوادر من "حزب الله" أو عناصر يشتبه في ارتباطهم ببنيته التنظيمية أو العسكرية، غير أن خصوصية هذه الحادثة، وفق حمادة، تكمن في محاولة إسرائيل تحميلها دلالات إضافية تتجاوز الحسابات العسكرية التقليدية، لتصل إلى حدود توجيه رسائل سياسية مباشرة وربما الضغط غير المباشر على الجيش اللبناني ودفعه إلى إعادة التموضع أو الدفاع عن موقعه ودوره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضع ادعاء المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بأن المجموعة المستهدفة ضمت عنصراً من الجيش اللبناني، معتبراً أنه ليس تفصيلاً عابراً بل محاولة واعية لإعادة إحياء سردية إسرائيلية قديمة تقوم على الزعم بوجود تنسيق أو تداخل بنيوي بين الجيش اللبناني و"حزب الله"، ووفق هذه السردية يجري التشكيك الممنهج في قدرة المؤسسة العسكرية اللبنانية على الاضطلاع بمهمة نزع سلاح الحزب، أو حتى التعامل معه كجهة مستقلة عن الدولة.

والمعطيات الأولية، بحسب حمادة، تشير إلى أن الأشخاص الثلاثة الذين كانوا في السيارة المستهدفة ينتمون إلى القرية نفسها أو يقيمون ضمن نطاق جغرافي واحد، مما يجعل وجودهم معاً أمراً طبيعياً في السياق الاجتماعي المحلي، ولا يرقى بحد ذاته إلى دليل على أي تنسيق عسكري أو أمني منظم.

وعلى رغم هشاشة هذه المعطيات يرى حمادة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى استثمار الرواية سياسياً، سواء عبر إعادة توجيه الاتهام إلى الجيش اللبناني أو استخدامها كورقة ضغط إضافية ضمن اتصالاته مع الإدارة الأميركية، وبخاصة في لقاءاته مع الرئيس دونالد ترمب ومساعيه المتكررة إلى الحصول على ضوء أخضر يتيح له توسيع أو استئناف العمليات العسكرية في لبنان.

الجيش والسكان

من جانبه يؤكد العميد المتقاعد جوني خلف أن هذا الملف بالغ الدقة والحساسية ولا يحتمل التهويل أو الاستباق السياسي والإعلامي، ويوضح أن ما يفسر أحياناً على أنه تعاون مع "حزب الله" لا يعدو كونه التباساً في فهم طبيعة علاقة الجيش اللبناني بالسكان والبلدات، بخاصة في المناطق الجنوبية، حيث يقوم الجيش بمهماته الأمنية والعسكرية وفق تكليف واضح ومن دون أي تنسيق عملياتي أو عسكري مع أحزاب أو تنظيمات سياسية، ويؤكد أن الجيش اللبناني لا يبني علاقات ميدانية مع أي حزب في تنفيذ المهمات العسكرية، وأن هذا الأمر غير قابل للنقاش ولم يحصل لا في الماضي ولا في الحاضر.

ويخلص خلف إلى أن هذا الملف يجب التعامل معه بأقصى درجات التروي والمسؤولية من دون تضخيم أو استثمار سياسي قبل صدور نتائج التحقيق الرسمية، فالجيش اللبناني، كما يؤكد، حريص على مؤسساته وعناصره ولديه إجراءات واضحة، وهي أنه إذا تبين وجود أية مخالفة أو تعامل غير مشروع فسيُصدر تقريراً ويتخذ الإجراءات اللازمة، وحتى ذلك الحين يبقى الموقف الأكثر اتزاناً هو انتظار التحقيق ونفي أو تأكيد الادعاءات على أساس الوقائع لا الإشاعات، حماية لصدقية المؤسسة العسكرية في واحدة من أدق المراحل التي يمر بها لبنان.

اختراقات فردية

أما العميد المتقاعد جورج نادر فيشرح أن الجيش اللبناني يعتمد شروط تطويع صارمة وموحدة تشمل العمر والمستوى العلمي والوضع العائلي والشروط الصحية والطول والوزن والخلو من الأمراض، وهي شروط تطبق على جميع المتقدمين من مختلف المناطق والانتماءات، وبالتالي فإن الجيش يطوع أفراداً وفق معايير مؤسساتية لا على أساس الانتماء الحزبي.

ولا ينفي نادر احتمال تسلل بعض الأفراد إلى صفوف الجيش من دون أن تُكتشف خلفياتهم بالكامل، كما قد يحصل في أي مؤسسة كبيرة، لكنه يشدد على أن هذه الحالات وإن وُجدت تبقى هامشية ولا تملك أية قدرة على التأثير في قرار القيادة العسكرية أو المسار العام للمؤسسة، ليخلص إلى أن أي خرق محتمل، مهما كان، لا يمكن أن يغير من عقيدة الجيش ولا من قراره الوطني، كما لا يشكل دليلاً على اختراق منهجي أو ولاء مزدوج داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية.

بدوره يرى العميد المتقاعد يعرب صخر أن الجيش اللبناني ابن بيئته ويضم في صفوفه تنوعاً طائفياً واجتماعياً واسعاً، ومن الطبيعي أن يتأثر بعض أفراده ببيئاتهم، ولا سيما في بلد مثل لبنان حيث الطائفية تتقاطع مع معظم المؤسسات، غير أن هذا التأثر الاجتماعي لا يعني بأي شكل وجود سيطرة أو توجيه مباشر من "حزب الله" داخل الجيش، ولا توجد أدلة علنية أو مؤكدة تثبت أن المؤسسة العسكرية ككل تنفذ أجندة الحزب أو تتناغم معه، كما يُروج سياسياً وإعلامياً.

ويوضح صخر أن 30 في المئة من الجيش اللبناني ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وهو أمر طبيعي ينسجم مع التوازن الطائفي داخل البلاد، كما هو الحال بالنسبة إلى بقية الطوائف من سنّة ومسيحيين وغيرهم، وهذا التوزيع منطقي ولا يحمل بحد ذاته أية دلالة سياسية أو أمنية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات