Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كل جيش الكرملين"... هذه حكاية صعود "القيصر البلشفي"

الكتاب الأكثر مبيعا يتطرق إلى كيفية تخلص بوتين من الخصوم وحرس النظام القديم وتفرده بالحكم

يحكي الكتاب كيف أعاد بوتين تشكيل السلطة في روسيا وموازين القوى فيها (غيتي)

لا يمكن فهم الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا من دون معرفة أبرز الوجوه الفاعلة فيها. إنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو "القيصر الرهيب" بتوصيف كتاب "كل جيش الكرملين: موجز تاريخ روسيا المعاصرة" تأليف الصحافي والكاتب الروسي ميخائيل زيغار، رئيس تحرير قناة التلفزيون الروسي (dozhd)، وهي القناة المستقلة الوحيدة التي تنقل آراء المعارضين السياسيين. هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية نزار عيون السود (دار ممدوح عدوان)، حل في رأس قائمة أكثر الكتب مبيعاً  في روسيا ولا يزال، وترجم اإلى لغات عدة. 

في عام 1999 وضعت خطة سرية لنقل رفات لينين وإزالة الضريح من الساحة إلى سان بطرسبورغ لإنهاء تقديس رموز الحقبة السوفياتية التي تزعج الرئيس بوريس يلتسين الذي اختار تحولاً ـ لا رجعة فيه ـ إلى الغرب.

كان ذلك ضمن الصراع المحتدم بين السلطة والحزب الشيوعي الذي تنامى نفوذه آنذاك، والملتف وراء يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء، وكانت ثمة محاولات لإقالة يلتسين بتهم عدة، ليحل بريماكوف بديلاً عنه، خصوصاً مع زيادة شعبيته لرفضه معونات أميركية! من ثم سعى يلتسين لإقالة بريماكوف، والبحث عن بديل آخر، ليس بالضرورة أن يكون سياسياً مخضرماً. فوقع الاختيار على ضابط أمن شاب يدعى فلاديمير بوتين كان الساعد الأيمن لعمدة سان بطرسبورغ ليصبح رئيس الوزراء.

العجوز والشاب القوي

نأى بوتين عن الاستقطاب السياسي، فلم يشترك في الانتخابات، وترك هذه المسألة لرئيس إدارة الكرملين ألكسندر فولوشين الذي نجح في بناء تحالف أسقط بريماكوف. وفي 31 ديسمبر (كانون الأول) 1999، أعلن يلتسين استقالته وتعيين بوتين خليفة له، على أن تجرى الانتخابات على منصب الرئيس في مارس (آذار) 2000. شرع رجال الأعمال في نقل رهانهم من بريماكوف العجوز المريض والذي يشبه يلتسين نفسه، إلى بوتين الشاب القوي، فدعموا حملته الانتخابية، تحت شعار التغيير و"الليبرالية"!

لم يسع بوتين إلى السلطة بل رفض عروضها، لكن راقت له "الحياة الجديدة" وسحرته الرفاهية والامتيازات الرئاسية. وكانت الصحافة العالمية تستغرب صعوده المفاجئ خلال بضعة أشهر وتسأل: "من هو السيد بوتين؟!"، فحرص على أن يقدم نفسه كشاب ذكي ودود ومنفتح، كما نجح سريعاً في عقد صداقات مع زعماء الغرب؛ توني بلير وجاك شيراك وبيل كلينتون ثم بوش الابن.

أيَّد البرلمان الإصلاحات الاقتصادية (الثورية) للرئيس الجديد، منها السماح ببيع وشراء الأراضي الزراعية، إضافة إلى استفادته من ارتفاع أسعار النفط مطلع الألفية، في تسديد ديون روسيا، وشعور المواطنين بالثراء، ونجاحه في ضم الجميع تحت حزب موالٍ له "روسيا الموحدة"، والقضاء على نفوذ الحزب الشيوعي. على رغم أنه في الوقت نفسه أعاد النشيد الوطني للاتحاد السوفياتي السابق!

ثم سرعان ما انخرط في حرب الشيشان الثانية، لكنه اعتمد على القائد الميداني أحمد قديروف ونصبه رئيساً موالياً له، وقدّم الحرب للعالم بوصفها صراعاً بين حكومة محلية وجماعات إرهابية. واستغل أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ليعزز علاقته مع بوش، ويبرر حربه في الشيشان، بحرب أميركا ضد "القاعدة"، ولم يعترض على أن يصبح للأميركان قاعدة في "قرغيزيا"، ثم شعر بأن أميركا تخدعه عندما رفضت التخلي عنها بعد إسقاط حكومة "طالبان" في أفغانستان. ثم تضررت العلاقة بعدما أدرك أن الولايات المتحدة قررت ضرب العراق من دون الرجوع إليه، وهو ما يهدد مصالح كثيرة متشابكة بين الروس والعراقيين، وتُرجم ضيقه من "خسارة المصالح الروسية" بوصفه بطلاً على الصعيد العالمي وداعية للسلام!

حصار مسرح

في أواخر عام 2002 تعرض بوتين لأكبر ضربة عندما تم حصار مركز مسرحي به أكثر من 800 شخص من قبل إرهابيين. لكن بعد ثلاثة أيام تم إطلاق غاز منوم على الجميع، وقيل إن عدد الضحايا يزيد على 130 شخصاً، وتم قتل جميع الإرهابيين لتصبح ظروف الاستيلاء على المسرح وتفاصيل العملية كلها، سراً إلى الأبد.

لكن الصحافية آنا بوليتكوفسكايا أجرت حواراً مع شخص زعم أنه أحد أفراد تلك الجماعة الإرهابية وأن الاستخبارات الروسية هي التي جنَّدته، وكانت على علم مسبق بالعملية، وبات من المستحيل التأكد من تلك الرواية؛ لأن هذا الشخص لقي مصرعه بعدها في حادث سيارة، وقُتلت الصحافية نفسها عام 2006 بينما نال قادة العملية الأمنيون الجوائز. فيما رفع بعض أهالي الضحايا دعاوى عن طبيعة الغاز الكيميائي المنوم الذي أدى لعدم استيقاظ البعض للأبد.

حفلة شواء

في صيف 2001 جمع بوتين كبار رجال المال في حفلة شواء في بيته الريفي وعرف هذا اللقاء بـ "اجتماع الشاشليك" وكان شرطه بسيطاً: "لا تتدخلوا في السياسة". لكن كل منهم فهم الشرط بطريقته الخاصة.

كان رجل الأعمال وقطب الإعلام فلاديمير غوسينسكي أول المعاقَبين لوقوفه في معسكر بريماكوف، حيث جرى اعتقاله وأجبر على التخلي عن قناته إلى الدولة، وعندما سافر إلى الخارج نشر تلك الاتفاقية التي مثَّلت فضيحة مدوية هزت الصورة التي يرسمها بوتين لنفسه لدى الغرب، فأصدر قراراً بإيقاف مصادرة القناة.

ثاني الضحايا كان بوريس بيريزوفسكي صديق بوتين طوال التسعينيات، وأول من طرح اسمه ليكون خليفة يلتسين في صيف عام 1999، وتصور أنه سيحفظ له الجميل ويمنحه سيطرة عليه، لكن الأمور ساءت بين الصديقين حيث أجبره بوتين على التخلي عن نصيبه في إحدى القنوات المهمة، لدرجة أن بيريزوفسكي نشر رسالة في جريدته يحذر فيها الرئيس من إطلاق جني السلطة الشمولية الذي عانت منه البلاد لسبعين عاماً.

وانتهى الرجلان إلى منفى اختياري في كل من إسبانيا ولندن، مع إعلان نيتهما عدم العودة، وسعي الحكومة للقبض عليهما عن طريق الانتربول. ونشر بيريزوفسكي كتاباً ثم فيلماً بعنوان "اغتيال روسيا" اتهم فيه الأجهزة الأمنية بتدبير تفجيرات ونسبتها للإرهابيين بهدف زيادة شعبية بوتين.

أغنى رجل

ثالث الضحايا كان ميخائيل خودوركوفسكي أغنى رجل في روسيا ورئيس أكبر شركة نفط "يوكوس" والذي كان محبوب الجماهير والليبراليين ويرعى عشرات الأنشطة الثقافية والخيرية، وإن لم يتدخل في السياسة مباشرة باستثناء استغلال نفوذه لتخفيف الضرائب عن الصناعات النفطية. ثم دعم أواخر عام 2003 أحزاباً معارضة في مجلس "الدوما" آملاً بتقليص صلاحيات الرئيس!

عندما أعلن خودوركوفسكي أمام بوتين عن فساد في شركة نفط تابعة للحكومة، ردّ عليه بفساد حصوله على ثروته الطائلة وما يعرف بـ "مزادات الرهن العقاري"؛ حيث منحت حكومة يلتسين في التسعينيات شركات حكومية ضخمة لطبقة رجال الأعمال في مزادات وصفقات مشبوهة تفتقر إلى الشفافية. ثم سرعان ما جرى اعتقاله وصدرت ضده أحكام بالسجن لأربعة عشر عاماً، قبل أن يطلق سراحه عام 2014

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آخر اللاعبين

فلم يتبق من اللاعبين الكبار في الاقتصاد الروسي إلا رومان إبراموفيتش الذي اشترى نادي تشيلسي وانتقل للعيش في لندن بعدما باع ممتلكاته. بالنسبة إلى اللاعبين السياسيين الذين لا يدينون بالولاء المطلق لبوتين فكان آخرهم رئيس الوزراء ميخائيل كاسيانوف الذي وضعت تقارير عنه تتهمه بأنه على رأس مؤامرة للإطاحة ببوتين. وانتهى الأمر بإجباره على الاستقالة والتزام الصمت مقابل تسامح السلطة معه. بعدها أصبحت السلطة بالمطلق في يد دائرة أمنية مقربة من بوتين يقودها سكرتيره والرجل القريب منه دائماً إيغور سيتشين.

وبذلك ينتهي كتاب "كل جيش الكرملين" والذي حمل عنوان "بوتين قلب الأسد". هو الذي نجح خلال الفترة الرئاسية الأولى في التخلص من جميع خصومه والمحسوبين على النظام القديم، وتفرد بحكم روسيا على طريقة القياصرة.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب