Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يتلقى العراقيون الحرب الروسية - الأوكرانية؟

أنزلت السلطات جدارية لبوتين في قلب بغداد

انتهز كثيرون من العراقيين الفرصة ليذكروا بمشاركة الأوكرانيين لشنّ الحرب على العراق واقتحام الجيش الأوكراني من خلال التحالف الدولي الذي غزا العراق عام 2003 (رويترز)

يردد العراقيون مثلاً عربياً قديماً (اتفقنا على ألا نتفق)، وهي ثقافة عراقية أضحت سائدة بعد أن تزحلق العراقيون بقشر الموز بترديد شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يصف كاتب عراقي ساخر، إذ تتراجع قيم الدولة الصارمة التي سادت عقوداً، ويعبر كل واحد على هواه، في أي موضوع شاء أو اعترض، أو يعلن انضمامه لأية منظومة يرتئي أنها تمثله، فكثرت في تعابير "السوشيال ميديا" عبارة (فلان… يمثلني)، ويذهب غيره ليكتب (فلان... لا يمثلني)، وتعال (جيب ليل وخذ عتابه)، كما يقول المثل العراقي، كثير التكرار.

أنصار روسيا يعلقون صور بوتين

هذه الظاهرة وجدت حيزاً كبيراً مع الأزمة الروسية - الأوكرانية، فراح كثيرون يترددون على مكاتب ومقرات وقنصليات الدولتين المتحاربتين للتأييد حيناً، أو التطوع أحياناً، كما أعلنت القنصلية الروسية في البصرة عن تطوع كثيرين من الشباب العراقيين، عبر مكتب القنصلية لتأييد الروس في حربهم مع أوكرانيا، وباتوا يرددون "هوسات" التأييد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما ذكر أحد الصحافيين البصريين، ومعظمهم من العاطلين عن العمل، وبعض اليساريين الذين رفعوا صورة كبيرة في أرقى أحياء بغداد، "حي الجادرية"، حتى قامت السلطات الحكومية برفع جدارية بوتين في بغداد، وفتح تحقيق عن الجهة التي علقتها.

ويتساءل الدكتور محمد القريشي، ما مصلحة العراقي في مساندة مستبد؟ ألم يستفد من تجربة الطغيان التي مر بها؟ ويضيف زميله الكردي كاميران قره داغي، "أتساءل لماذا الحماسة التي يبديها بعض الكتاب في السوشيال ميديا لحرب بوتين العدوانية، ما مشكلتكم مع أوكرانيا والأوكرانيين؟".

الأوكرانيون اقتحموا الحدود العراقية 2003

وانتهز كثيرون من العراقيين الفرصة ليذكروا بمشاركة الأوكرانيين في شن الحرب على العراق واقتحام الجيش الأوكراني من خلال التحالف الدولي الذي غزا العراق عام 2003، وكانوا في طليعة القوات المقتحمة للمدن العراقية، حتى تمركزوا في محافظة واسط، جنوبي البلاد، مع نشر متكرر لصور الدبابات الأوكرانية التي هاجمت المدن العراقية، وجنودها الذين لوحوا بشارة النصر عام 2003، مع عبارة عراقية متكررة، "ذوقوا ما اقترفت أياديكم"، بشماتة عراقية للأغلبية المعلنة حول العقاب الذي يحصل لهم جراء الحرب، ونشرت صور كثيرة حول مشاركة الجيش الأوكراني، في الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

تأييد الشباب للأوكرانيات المقاتلات

بينما تفرد البعض بإجراء مقابلات وحوارات مع المحطات المحلية، يعلنون فيها تأييدهم الشعب الأوكراني، وإعلان رغبتهم بالزواج من أوكرانيات! والإعلان عن فتح بيوتهم للاجئين الأوكرانيين، بسخاء غير اعتيادي، في وقت تردد، كثيراً، فيديو لمقابلة مع شاب بصري يعلن تطوعه دفاعاً عن الشعب الأوكراني، وحين سأله المذيع عن سر حماسته، لم يتردد بإعلان نيته بالزواج من أوكرانية وهو يدافع عن أخوال أبنائه المقبلين، وبكل جدية وتصميم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظاهرة لافتة، امتلأت مواقع "السوشيال ميديا" العراقية بصور المقاتلات الأوكرانيات مع تعليقات مرحبة بشجاعتهن وبأناقتهن وهن بالزي العسكري الذي يرتدينه.

وكان لقاء الرئيس الاوكراني السابق بترو بوروشنكو، وهو يحمل بندقية للدفاع عن كييف مع إحدى القنوات، مثار إعجاب المجتمع العراقي الذي اعتبره مدافعاً شجاعاًعن بلده ضد اقتحام عاصمة بلاده، مذكرين بموقف الزعماء العراقيين الذين تسلموا السلطة من الاحتلال لبلدهم، مع تعليقات لا تخلو من السخرية العراقية المعروفة، وهي أشبه بالكوميديا السوداء.

إحدى ظواهر الاستقطاب

يقول منقذ داغر رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث إن "العراق لا يختلف عن كل المجتمعات بظاهرة الاستقطاب الموجودة في كل العالم، وهناك استقطاب شديد بالرأي العام، في كل الدول، لأسباب كثيرة منها غياب الرأي الوسط، واضمحلال دور الطبقة الوسطى، وبوجود عدم ثقة كبيرة بين الناس، وبسبب الخطاب الشعبوي، والخوف الموجود عند الناس من الآخر، وكلها تجعل الآراء مستقطبة بشكل شديد، وعندما يكون هناك استقطاب يتحول الرأي إلى دين، الآن ترى من يؤمن بفكرة معينة يتبناها إلى حد الدفاع عنها حتى الموت، وكل شيء يسقطه على هذه الفكرة، لذلك الحرب الروسية - الأوكرانية هي فرصة أخرى من فرص الاستقطاب بهذا الاتجاه أو بذاك الاتجاه، وهذا ما يحصل حالياً، ما نشهده من تفسيرات وتأويلات إزاء هذه الحرب".

في الغالب، فإن معظم المشتركين في تفسير تداعيات الحرب التي تجري بين روسيا وأوكرانيا ينطلقون من رؤى وعقائدهم الخاصة، الممزوجة بوعي التجربة مع بلد اشترك في التحالف الدولي أثناء غزو العراق، رافقتها انتقادات شديدة للتعالي والعنصرية التي أبداها بعض المراسلين الغربيين، وهم يقارنون بين ضحايا الحرب على بلادهم وحال الأوكرانيين الأوروبيين الذين يحملون العرق الأوروبي قبالة الشعوب الشرق أوسطية، التي لا تقارن بقيمتها معهم!؟ ما أثار نقمة الكتاب العراقيين واستهجانهم تلك التغطية المتميزة.

وتقول الناشطة سهاد العبيدي وهي سياسية مستقلة، "معظم العراقيين متعاطف مع الشعب الأوكراني لأنه مر بالظروف نفسها، ولأكثر من مرة، لكن هؤلاء في الوقت نفسه، يشعرون بالفرح والارتياح، وكأن بوتين بعملياته العسكرية على أوكرانيا قد مرغ أنف أميركا وحلفائها الذين شاركوا في حرب الخليج الأولى والثانية، ودمروا العراق بكل تفاصيله، ويرددون، بوتين يأخذ بثأر العراقيين من حلف الناتو، الطبيعة العربية غالبة على تفكيرنا".

أخلاقيات الحرب

ويفسر الكاتب سعيد ياسين موسى، مجريات الحرب وأخلاقياتها بقوله، "وأنا أراقب مجريات الحرب في أوكرانيا اليوم، تمت السيطرة على أحد المفاعلات النووية، وهذا يثير تساؤلاً عن ماهية قواعد السلوك والتزامات الدول النووية في زمن الحروب باتجاه هذه المفاعلات والسلام العالمي؟ يبدو أن الدول الكبرى تقدم للبشرية نموذجاً مصغراً عن شبح الحرب النووية، (طايحه براس ولد الخايبة)، بمعنى أن الحرب الشاملة فقط برؤوس العراقيين!؟".

في وقت، كثيرون من المعتدلين العراقيين يرون ضرورة أن يقف المجتمع العراقي والعالم العربي على الحياد والنأي بالنفس، من الوقوع بدائرة الحرب التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ويذكر كبار السن من العراقيين بأننا كنا دوماً مسرحاً للحروب الكونية، وما علينا إلا أن نمسك الحياد، ونتوخى الدقة بعدم الانجرار إليها.

المزيد من تقارير