Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصبح الطاقة المتجددة طوق نجاة تونس لمواجهة العجز؟

استثمارات بقيمة 416.6 مليون دولار لإنتاج الكهرباء وسط توجه للسيطرة على الاستهلاك المحلي

صادق البرلمان التونسي على قانون تطوير إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقات المتجددة منذ سنة 2015 (غيتي)

يحظى قطاع الطاقة في تونس بأهمية بالغة في إطار السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على تقليص الاستهلاك والتقشف في المصاريف بالعملة الصعبة، وتعمل تونس على تركيز منوال طاقي جديد يهدف إلى الحد من المصاريف الموجهة إلى إنتاج الطاقة من الموارد التقليدية المنهكة لميزان المدفوعات، ومثل دعم الدولة مواد الطاقة عبئاً دائماً على الميزانية، وتم العمل على التقليص التدريجي لهذا الدعم مع وضع برنامج للتحكم في الطاقة يتوجه إلى التخفيض في استهلاك الطاقة التقليدية في غضون عشر سنوات، بالاتجاه إلى إنتاج الطاقة المتجددة، عبر الطاقة الشمسية أو الهوائية، وصادق البرلمان التونسي على قانون تطوير إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقات المتجددة منذ سنة 2015.

استثمارات في مجال الطاقة البديلة

وأشرفت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان، الأربعاء، الثاني من مارس (آذار) 2022 على موكب المصادقة على مشاريع الإنتاج الخاصة للكهرباء من الطاقات المتجددة، في إطار نظام عقود استغلال بقدرة 500 ميغاواط، وتأتي هذه العقود في إطار تنفيذ البرنامج الوطني لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة ضمن برنامج الانتقال الطاقي من خلال دفعة أولى من المشاريع تستهدف إنتاج 500 ميغاواط من الطاقة الشمسية الفولتوضوئية مركزة في خمس محافظات، وهي تطاوين بحجم 200 ميغاواط، وتوزر بحجم 50 ميغاواط، وسيدي بوزيد بحجم 50 ميغاواط، والقيروان بـ100 ميغاواط، وقفصة بـ100 ميغاواط، وتستغل المشاريع موضوع العقود شركات "سكاتاك" النرويجية و"إنرجي نرفيا" المغربية الفرنسية، و"تيبا أمايا" الصينية الإماراتية، وذلك في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتقدر قيمة الاستثمارات لهذه المشاريع بـ1.2 مليار دينار (416.6 مليون دولار)، وستمكن المشاريع المصادق عليها من تخفيض واردات الغاز الطبيعي بنسبة ستة في المئة والاقتصاد بقرابة 130 مليون دينار (45.1 مليون دولار) من مصاريف الغاز، بالإضافة إلى مزايا تخفيض الانبعاثات الغازية.

تنامي الطلب

وأضحى اللجوء إلى الطاقات المتجددة في تونس ضرورة ملحة بسبب تنامي الطلب وتفاقم العجز الطاقي، وسجلت الموارد المتاحة من الطاقة الأولية خلال الفترة الفاصلة بين 2010-2021 تراجعاً سنوياً بمعدل أربعة في المئة، وشهدت سنة 2021 ارتفاعاً مقارنة بسنة 2020، وارتفع إنتاج النفط الخام بنسبة 24 في المئة، وارتفع إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 19 في المئة، على أثر دخول حقلين جديدين حيز الاستغلال والإنتاج، وهما "نوارة" و"حلق المنزل"، ما أسهم على المدى القريب في الحد من التراجع الطبيعي لإنتاج أبرز الحقول النفطية والغازية .

لكن خلافاً للموارد، عرف الطلب على الطاقة نمواً متواصلاً بـمعدل اثنين في المئة سنوياً خلال السنوات الأخيرة (2010-2019)، وخلال سنة 2020، انخفض استهلاك الطاقة الأولية بنسبة سبعة في المئة حيث لم يتجاوز 9.1 مليون طن مكافئ نفط مقابل 9.7 مليون طن خلال 2019، وبلغ الانخفاض ثمانية في المئة بالنسبة إلى المواد البترولية، وبنسبة خمسة في المئة بالنسبة إلى الغاز الطبيعي، على أثر انتشار كورونا والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لاحتوائه وما انجر عليها من تراجع للنشاط الاقتصادي، وارتفع الاستهلاك سنة 2021 كما هو متوقع ليصل إلى 9.7 مليون طن مكافئ نفط، ويعتمد المزيج الطاقي حالياً على 53 في المئة غازاً طبيعياً و47 في المئة مواد بترولية بينما لا تتعدى مساهمة الطاقات المتجددة 0.5 في المئة.

ويعتبر قطاع إنتاج الكهرباء المستهلك الرئيس للغاز الطبيعي وبلغ سنة 2021 نحو 74 في المئة من الطلب الإجمالي على الغاز الطبيعي، بخاصة أن إنتاج الكهرباء يعتمد بصفة شبه كلية على الغاز الطبيعي بنسبة تفوق 97 في المئة، بينما يعود ثلاثة في المئة إلى الطاقات المتجددة، علماً أن الغاز الجزائري يمثل نحو 62 في المئة حالياً من إجمال الاستهلاك الوطني، يتوزع بين 45 في المئة شراءات و17 في المئة إتاوة مستهلكة، وتبعاً لهذا الوضع، أفرز ميزان الطاقة الأولية عجزاً بنسبة 4.6 مليون طن مكافئ نفط بالنسبة إلى سنة 2021 مقابل عجز بـ5.2 مليون طن مكافئ نفط بالنسبة إلى سنة 2020. مع الإشارة إلى أن هذا العجز كان في حدود 0.6 مليون طن مكافئ نفط في سنة 2010، وقد تضاعف بأكثر من ثماني مرات خلال هذه الفترة.

نزيف دعم المواد الطاقية

وكشف بلحسن شيبوب المدير العام للكهرباء والانتقال الطاقي بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم أن حجم الدعم الموجه للطاقة بلغ 2.7 مليار دينار (937.5 مليون دولار) سنة 2020، وبلغ الدعم الموجه للمحروقات 1.03 مليار دينار (357 مليون دولار) حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وبلغ دعم النقل 567 مليون دينار (197 مليون دولار) حتى أكتوبر 2021، بزيادة في نفقات دعم المحروقات قدرها 252 مليون دينار (87.5 مليون دولار)، وترفيع في نفقات دعم النقل بـ111 مليون دينار (38.5 مليون دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويثقل دعم المواد الطاقية كاهل الميزانية في تونس، وتدعم الدولة الطاقة لدى المستهلك، لذلك تفوق كلفة إنتاجها السعر الذي تباع به، ويرافق الدعم، العجز الطاقي الذي تعانيه بسبب ارتفاع الاستهلاك وانخفاض إنتاج الغاز والبترول، إضافة إلى ارتباطه بأسعار النفط والغاز في السوق العالمية وكذلك بأسعار العملة بحكم اللجوء إلى التوريد، ما أدى إلى تكلفة باهظة نتيجة التراجع الذي يعرفه الدينار التونسي مقابل الدولار.

وارتبطت كلفة دعم الاستهلاك الطاقي المتكون من الغاز والبترول والكهرباء بأسعار النفط في السوق العالمية، وبلغت التكلفة أوجها سنة 2013 حيث ارتفعت إلى 3.7 مليار دينار (1.2 مليار دولار)، بحكم ارتفاع سعر برميل النفط إلى 100 دولار، ما أدى إلى التحذير من عدم استقلالية طاقية منذرة بالخطر إضافة إلى نزيف العملة الصعبة.

العجز الطاقي

وقد بلغ العجز من الطاقة الأولية، وهي الغاز والبترول 57 في المئة سنة 2020 و55 في المئة سنة 2021، ويمثل العجز في الغاز 65 في المئة من مجمل العجز المذكور، وفق بلحسن شيبوب، وتستخرج تونس 97 في المئة من الإنتاج الإجمالي للطاقة من الغاز الطبيعي، أي يتم الاعتماد على الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة، بينما تنتج تونس 35 في المئة فقط من استهلاكها للغاز، ثم يتم الاعتماد على الغاز الجزائري بنسبة 65 في المئة من مجموع الاستهلاك.

وذكر المستشار الدولي في مجال الطاقة عز الدين خلف الله أن "المزيج الطاقي في تونس، وهو الاستهلاك الأولي من الطاقة، يتكون من 53 في المئة من الغاز الطبيعي و46.5 في المئة من المواد البترولية و0.5 في المئة من الطاقات المتجددة، وحجم الاستهلاك الإجمالي للطاقة سنة 2020 في تونس بلغ 9.1 مليون طن مكافئ نفط، بينما بلغ الإنتاج الوطني 3.9 مليون طن مكافئ نفط، وبناء على ذلك، حجم العجز الطاقي بلغ 5.1 مليون طن مكافئ نفط، وخلال سنة 2021، شهد الاستهلاك ارتفاعاً كما هو متوقع ليصل إلى 9.7 مليون طن مكافئ نفط مقابل إنتاج حجمه 5.1 مليون طن".

نحو أربعة آلاف ميغاواط

كل هذه المعطيات دفعت إلى التخطيط للاعتماد على الطاقة البديلة أو ما يعرف بالطاقة المتجددة أو النظيفة التي أضحت ضرورة ملحة، وتوفر تونس حالياً ثلاثة في المئة من استهلاكها الطاقي من الطاقة البديلة الهوائية والشمسية، عن طريق محطات هوائية توفر 250 ميغاواط (محطة بنزرت ومحطة الهوارية)، وانطلقت التجربة التونسية منذ عقود في هذا المجال عن طريق القطاع العام وهي الشركة التونسية للكهرباء والغاز، في حين يتجه المشروع التونسي الحالي إلى توفير أربعة آلاف ميغاواط، وفق بلحسن شيبوب، وتوفير 30 في المئة من مجمل الاستهلاك للطاقة في أفق سنة 2030، ويقدر حجم الاستثمار السنوي في هذا المجال بمليار دينار (347 مليون دولار)، وتتوفر ثلاثة أنظمة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، الأول نظام عقود الاستغلال، والثاني نظام الترخيص في إنتاج الكهرباء، والثالث نظام إنتاج الاستهلاك الذاتي.

وتم توقيع عقود الاستغلال مع مستثمرين تونسيين وأجانب في هذا المجال، وتم الاعتماد على الأسعار المنخفضة، وحسب المشاريع الحالية، فإن السعر المقترح للكيلوواط ساعة يتراوح بين 0.024 دولار، و0.027 دولار.

انخفاض التكاليف

وخلص عز الدين خلف الله إلى القول إن الطاقة المتجددة في آخر المطاف، تمثل طوق نجاة في مواجهة التكاليف الباهظة لإنتاج الطاقة بالطريقة التقليدية، وإضافة إلى أنها طاقة نظيفة وصديقة للبيئة، فإن كلفة إنتاجها منخفضة مقارنة بالطاقة التقليدية، وليست لديها كلفة إضافية، بحكم أن الاستثمار في الطاقة البديلة طويل المدى، فالعمر الافتراضي الخاص باللوحات الشمسية مثلاً يبلغ 25 سنة.

لكن وجب في المقابل تطوير قدرة شبكة الكهرباء للشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) على امتصاص الطاقات المتجددة، بحكم أن الكميات التي سيتم توفيرها من قبل المحطات ستمر بالضرورة بالشركة الوطنية التي ستعمل على توجيهها إلى المستهلك بفضل توفر الشبكة لديها.

اقرأ المزيد