اتفقت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، السبت 5 مارس (آذار)، على خطة مدتها ثلاثة أشهر ستعمل في أفضل الأحوال على حل المشكلة العالقة منذ فترة طويلة، والخاصة بجزيئات اليورانيوم التي عُثر عليها في مواقع قديمة، ولكن غير معلنة في البلاد، ما يزيل عقبة أمام إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
وبعد 11 شهراً من بدء المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن إنقاذ اتفاق 2015 في فيينا، يحاول المندوبون تسوية القضايا الشائكة الأخيرة في غضون أيام، مع إعلان القوى الغربية أن الوقت ينفد، لأن التقدم النووي الإيراني سيجعل الاتفاق زائداً على الحاجة قريباً.
ويقول دبلوماسيون، إن من بين القضايا التي لم يتم حلها كانت مطالبة إيران بإغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جزيئات اليورانيوم، التي تم العثور عليها في ثلاثة مواقع قديمة على ما يبدو، ولكنها غير معلنة، ما يشير إلى أن إيران لديها مواد نووية هناك لم تعلنها للوكالة.
وتقول الوكالة منذ فترة طويلة إن إيران لم تقدم إجابات مرضية بشأن هذه القضايا، ولكنها أعلنت يوم السبت خطة لسلسلة من التبادلات سيقوم بعدها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي برفع تقرير عن النتائج التي توصل إليها بحلول يونيو (حزيران) 2022، لاجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي يبدأ في السادس من يونيو. وتمهد الخطة المشتركة الطريق أمام احتمال التوصل لاتفاق لإحياء اتفاق 2015 على الرغم من أن غروسي أكد أن نتائجه لن تكون بالضرورة إيجابية.
وقال مسؤول إيراني كبير لوكالة "رويترز" السبت إن مطالبة روسيا بضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات على موسكو لن تضر بتعاونها مع إيران أمر "غير بناء" للمحادثات بين طهران والقوى العالمية التي تهدف لإحياء اتفاق 2015 النووي.
جاء إعلان روسيا، الذي ربما ينسف المحادثات غير المباشرة المكثفة بين طهران وواشنطن في فيينا، والمستمرة منذ أشهر، بعد وقت قصير من قول طهران إنها اتفقت على خارطة طريق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لحل القضايا العالقة وهو ما قد يسهم في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 المبرم بين إيران والدول الكبرى
وأضاف المسؤول الإيراني "طرح الروس هذا الطلب على الطاولة قبل يومين. ندرك أن روسيا، بتغيير موقفها في محادثات فيينا، تريد تأمين مصالحها في أماكن أخرى. هذه الخطوة غير بناءة لمحادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي".
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن العقوبات صارت حجر عثرة في الاتفاق النووي الإيراني، مطالبا بضمانات أميركية مكتوبة بأن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا لن تضر بتعاونها مع إيران. ونبه لافروف الغرب إلى ضرورة أخذ المصالح القومية الروسية في الاعتبار.
وقال لافروف إن العقوبات على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا أوجدت "مشكلة" من وجهة نظر موسكو.
وردا على سؤال حول ما إذا كان طلب روسيا سيضر بالمحادثات المستمرة منذ 11 شهرا بين طهران والقوى العالمية، ومنها روسيا، قال علي واعظ مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية "ليس الآن. لكن من المستحيل الفصل بين الأزمتين لفترة أطول بكثير".
وأضاف واعظ "يمكن للولايات المتحدة إصدار إعفاءات للعمل المتعلق بنقل فائض المواد الانشطارية إلى روسيا. لكنها علامة على أن الربط بين القضيتين قد بدأ".
مقاربة براغماتية
اتفقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران السبت على مقاربة "براغماتية" لحل القضايا العالقة بينهما، خلال مباحثات محورية في سياق جهود إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وأتى ذلك خلال زيارة المدير العام للوكالة التابعة للأمم المتحدة رافايل غروسي إيران، وسط أجواء من التفاؤل الحذر بقرب التفاهم بين طهران والقوى الكبرى لإحياء اتفاق 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وخلال المباحثات الجارية في فيينا لإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا، طلبت طهران إقفال ملف مفتوح ضدها لدى الوكالة الدولية يتعلق بالعثور على مواد نووية في مواقع غير مصرّح عنها.
وبعد لقائه رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي، قال غروسي "لدينا بعض المسائل المهمة التي كانت بحاجة للدراسة والحل معا".
وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك "اتفقنا على اختبار مقاربة عملية وبراغماتية لهذه المسائل للسماح لخبرائنا التقنيين بالنظر فيها بشكل ممنهج، معمّق"، مع "نية صريحة لبلوغ نقطة نحقق فيها نتيجة" يقبلها الطرفان.
من جهته، أكد إسلامي اتفاق الجانبين على أن "تقوم إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بتبادل الوثائق في حد أقصاه شهر خرداد (في التقويم الهجري الشمسي، والذي يبدأ في 22 أيار/ مايو)، لحل المسائل العالقة" بين الطرفين.
والتقى المسؤولان صباحا، قبل أن ينتقل غروسي إلى الخارجية الإيرانية للقاء الوزير حسين أمير عبداللهيان.
ورأت صحف إيرانية السبت أن الاتفاق بين إيران والوكالة ممكن، مما قد يمهّد لتفاهم يعيد العمل باتفاق 2015.
وكتبت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية "يمكن لإيران والوكالة الدولية التوصل الى خريطة طريق لحل المشكلة ضمن مهلة محددة، واقفال الملف تزامنا مع دخول الاتفاق النهائي جيز التنفيذ".
تفاؤل أوروبي
تأتي لقاءات غروسي في طهران غداة إبداء جوزيب بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي الذي يتولى تنسيق مباحثات فيينا، أمله "في تحقيق نتائج خلال عطلة نهاية الأسبوع" من أجل "إحياء اتفاق" 2015. لكنه أكد في الوقت نفسه استمرار وجود نقاط خلافية.
وأتى ذلك بعد اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني الذي أبدى استعداده "للذهاب الى فيينا عندما يقبل الغربيون خطوطنا الحمر المتبقية (...) بما في ذلك الضمانات الاقتصادية الفاعلة".
لكن أمير عبداللهيان لم يوضح ما هي هذه الضمانات أو "الخطوط الحمر".
وأكد الأطراف الأوروبيون المشاركون في مفاوضات فيينا، أن الاتفاق "قريب"، مع عودتهم الى عواصمهم للتشاور.
وقالت رئيسة الوفد البريطاني ستيفاني القاق عبر تويتر الجمعة "نحن قريبون" من اتفاق، موضحة أن المفاوضين الأوروبيين "سيغادرون قريبا لإطلاع الوزراء، ومستعدون للعودة قريبا".
وكانت نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية جالينا بورتر أكدت الخميس أن المفاوضين أحرزوا "تقدما مهما"، محذرة من أنه "لن يكون لدينا اتفاق ما لم تحُل بسرعة المسائل المتبقية".
ويعتبر الغربيون أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة للتفاهم، لا سيما في ظل تسارع الأنشطة الإيرانية، ما سيجعل الاتفاق غير ذي فائدة.
ويرى مراقبون أن الغربيين قد يغادرون المفاوضات إذا لم يتم التوصل إلى تسوية في نهاية هذا ألأسبوع.
مسائل عالقة
وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، بدأ السبت، محادثاته في إيران، وسط أجواء من التفاؤل الحذر بإمكان التوصل إلى تفاهم بشأن الاتفاق النووي.
والتقى غروسي، صباح السبت، رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي، وفق وكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، التي أشارت إلى أنه سيلتقي في وقت لاحق وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
وقال متحدث المنظمة الإيرانية، بهروز كمالوندي، في تصريحات للتلفزيون الرسمي، "نتوقع أن تتم مراجعة المسائل بيننا وبين الوكالة. وأن يحدث تفاهم بشأن الطريقة التي ستجري من خلالها متابعة المواضيع المختلفة".
وكان غروسي قد وصل، الجمعة، إلى إيران في زيارة تأتي بموازاة الجهود التي تبذل في فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي المبرم في 2015، التي بلغت مراحل حاسمة.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبر "تويتر" قبل توجهه إلى العاصمة الإيرانية "أسافر إلى طهران اليوم لعقد اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين لمقاربة مسائل عالقة في إيران. هذا توقيت حساس لكن يمكن تحقيق نتيجة إيجابية للجميع".
وتأتي زيارة غروسي في ظل مطالبة إيران بـ"إقفال" ملف مفتوح من قبل الوكالة ضدها بشأن العثور في مراحل سابقة، على مواد نووية في أربعة مواقع لم يتم التصريح عنها.
وأكد غروسي الأربعاء أن الوكالة "لن تتخلى أبداً عن أي إجراءات لسبب سياسي"، معتبراً أن إقفال الملف رهن تقديم إيران تفسيرات "واضحة".
من جهتها، تشدد إيران على أن إنجاز تفاهم في مباحثات فيينا لن يتحقق ما لم يتم إغلاق هذا الملف الذي تضعه في إطار "مزاعم سياسية".
وقال متحدث الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، الاثنين، "من الطبيعي بحال عدم إقفاله، لا يمكننا التفكير باحتمال عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة"، الاسم الرسمي للاتفاق النووي لعام 2015.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفع العقوبات
وأتاح الاتفاق رفع كثير من العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، في مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها في ظل برنامج رقابة من الوكالة يعد من الأكثر صرامة.
إلا أن مفاعيله باتت في حكم اللاغية مذ قرر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، سحب بلاده أحادياً منه عام 2018، معيداً فرض عقوبات قاسية على طهران.
وردت الأخيرة ببدء التراجع تدريجاً عن غالبية التزاماتها النووية، خصوصاً تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تفوق بشكل كبير السقف المحدد في الاتفاق.
وبلغت المباحثات مرحلة متقدمة لكن من دون حسم كل التباينات. وطالبت دول غربية بإنجازها هذا الأسبوع خصوصاً في ظل تسارع أنشطة إيران النووية.
وقال جوزيب بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي يتولى تنسيق المباحثات، الجمعة، إنه يأمل "في تحقيق نتائج خلال عطلة نهاية الأسبوع"، مع تأكيده بتبقي بعض النقاط الخلافية.
وأتت تصريحاته بعيد اتصال بنظيره الإيراني الذي أبدى استعداده للحضور إلى فيينا بحال إنجاز التفاهم.
شروط إيران
وقال الوزير أمير عبد اللهيان إن "حضور وزراء الخارجية في فيينا والإعلان عن اتفاق نهائي مرتبط بالاحترام الكامل للخطوط الحمر المعلنة من قبل إيران، بما يشمل الضمانات الاقتصادية الفاعلة".
وأضاف وفق الخارجية الإيرانية، "أنا مستعد للذهاب إلى فيينا عندما يقبل الغربيون خطوطنا الحمر المتبقية"، ولم تحدد إيران بشكل صريح ماهية "خطوطها الحمر" في هذه المفاوضات.
وأكدت الخارجية الاثنين أنها تنتظر "قرارات سياسية" من الغرب في ثلاثة مجالات هي رفع العقوبات وضمانات عدم تكرار الانسحاب الأميركي وتبعاته، وملف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وانضمت لندن الجمعة إلى الأطراف الذين يؤكدون أن إنجاز التفاهم بشأن الاتفاق بات قريباً، في يوم أعلن عن عودة الأوروبيين إلى عواصمهم للتشاور.
وقالت رئيسة الوفد البريطاني المفاوض ستيفاني القاق "نحن قريبون (من اتفاق). مفاوضو ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة سيغادرون قريباً لتقييم الوضع مع الوزراء. ونحن مستعدون للعودة قريباً".
وكانت نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية جالينا بورتر أكدت الخميس أن المفاوضين أحرزوا "تقدماً مهماً"، محذرة من أنه "لن يكون لدينا اتفاق ما لم تحل بسرعة المسائل المتبقية".
وتعود الزيارة الأخيرة لغروسي لطهران إلى نوفمبر (تشرين الثاني). وتأتي الزيارة الراهنة قبيل اجتماع لمجلس محافظي الوكالة اعتباراً من الاثنين، وبعد أيام من تقرير جديد لها تؤكد فيه مواصلة طهران تعزيز مخزونها من اليورانيوم المخصّب، الذي بات يتجاوز بأكثر من 15 مرة الحد المسموح به في اتفاق عام 2015.
ووفقاً لتقديرات منتصف فبراير (شباط)، زادت طهران إجمالي احتياطها إلى 3197.1 كيلوغرام، في مقابل 2489.7 كيلوغرام في نوفمبر، بعيداً من السقف البالغ 202.8 كيلوغرام (أو 300 كيلوغرام ما يعادل سادس فلوريد اليورانيوم).