Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمن الغذائي للبنان ضحية اجتياح أوكرانيا والعقوبات على روسيا

قد تتعرقل أيضاً عقود وقعتها الدولة مع شركات روسية لبناء منشآت نفطية

يعيش لبنان مرحلة دقيقة من الهشاشة الشاملة على كل الصعد، في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف به وتترافق مع انهيار دراماتيكي في قيمة عملته. ومما لا شك فيه أن الاجتياح الروسي لأراضي أوكرانيا ألقى بظلاله الكثيفة على صدر البلد الصغير. وليس من قبيل المبالغة القول إن الأمن الغذائي اللبناني مهدد، ذلك أن 80 في المئة من إجمالي القمح المستورد في لبنان يأتي من أوكرانيا بحسب تأكيدات نقيب مستوردي القمح. وفي ظل غموض الرؤية المستقبلية لهذه الأزمة، يبرز التخوف من آثارها العميقة وعدم قدرة لبنان على مواجهة نتائجها. وتزيد المؤشرات المقلقة من مستوى التوقعات السلبية، فالنفط ارتفع، يوم الخميس 24 فبراير (شباط) الحالي، إلى 105 دولارات أي أن صفيحة النفط ستبلغ مستوى 400 ألف ليرة لبنانية، كما أن عقود الغاز الآجلة ارتفعت 35 في المئة، وبلغ الذهب مستوى 1970 دولار للأونصة. كما أن القمح وصل في التداولات الأوروبية إلى 344 يورو للطن الواحد، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2012.

لبنان مهدد

صحيح أن لبنان خارج دائرة الصراع العسكري، إلا أن الآثار الاقتصادية عميقة جداً، وتزداد وطأتها في ظل الانهيار الاقتصادي غير المسبوق. وأضعف ذلك مناعة اللبناني تجاه الصدمات المستجدة. والخشية الكبيرة اليوم في لبنان، تأتي من بوابة أزمتَي الرغيف والوقود.
وكشف نقيب مستوردي القمح في لبنان أحمد حطيط أن "أوكرانيا هي أكبر مصدّري القمح إلى لبنان بنسبة تتجاوز 80 في المئة"، موضحاً أن "لبنان يستهلك سنوياً بين 600 و650 ألف طن من القمح، يأتي معظمها من أوكرانيا، واستورد حوالى 520 ألف طن عام 2021، فيما تأتي الكميات المتبقية من روسيا ومولدوفيا. وعليه، فإن لبنان سيتأثر مباشرة بالأزمة العسكرية المستجدة. وتفاقمت المخاوف، إذ إن "مولدوفيا لا تملك مرفأ، لذلك فإنها تخزّن القمح في أوكرانيا".
وأشار حطيط إلى أنه "حتى الآن لا توجد خيارات جاهزة للعثور على بديل لأوكرانيا، وكل شيء يتوقف على تصاعد الأمور بين موسكو وكييف وعرقلة البحر الأسود بأسره، وفي تلك الحالة، فإن البديل سيكون بالتوجه نحو أوروبا من ألمانيا إلى فرنسا والدول المحيطة، إلا أننا سنكون في مواجهة أسعار أعلى من تلك الأوكرانية، إذ إن سعر الطن الأوروبي بلغ مستوى 390 دولاراً، وشهد قفزة بحدود 50 دولاراً خلال يوم واحد، وهناك تخوف من استمرار ذلك".
أما الخيار الثالث المحتمل، بحسب نقيب مستوردي القمح، "فهو الاتجاه نحو الولايات المتحدة والأرجنتين، ولكن المشكلة في هذا الطرح هي أن القمح الأوكراني أرخص من الأميركي بحدود 40 دولاراً في الأصل، كما أن تكلفة استيراد القمح من تلك المنطقة عالية جداً لبعدها عن لبنان". وقال "خلال 7 أيام، تصل المواد المستوردة من أوكرانيا في سفن تبلغ حمولتها 25 إلى 40 ألف طن، تحتاج 25 يوماً للوصول من الأميركتين إذا كانت جاهزة. وسيتحمل المستهلك اللبناني هذه التكلفة".
وفي حين يثير هذا الأمر تخوّفاً من أزمة قمح في البلاد، كشف حطيط أن "المخزون الموجود يكفي حوالى الشهر ونصف الشهر، بشقَّيه المدعوم وغير المدعوم". ولفت إلى أن "كل شيء متوقف على مصرف لبنان، الذي يُفترض به تأمين الاعتمادات لاستيراد القمح على وجه السرعة لأن على الحكومة التدخل من أجل دفع المركزي إلى تأمين السيولة الكافية لاستيراد القمح من خلال القطاع الخاص أو الحكومة".

ارتفاع النفط يفاقم مؤشرات الانهيار

كذلك يواجه لبنان مشكلة أخرى من جراء آثار الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، ألا وهي أسعار النفط التي بلغت مستوى 105 دولارات للبرميل. وتتوقع الباحثة في مجال النفط لوري هايتايان انعكاسات قاسية على لبنان نتيجة ذلك، لناحية التأثير في أسعار مختلف السلع والخدمات. وقالت إن "ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض كمية الفيول العراقي المصدّر إلى لبنان، وعليه سنكون أمام تراجع في التغذية بالتيار الكهربائي".
أما بالنسبة إلى تأثير الأزمة في لبنان بموضوع العقد الموقَّع لتأهيل مصفاة طرابلس (شمال البلد) مع الجانب الروسي، فتلفت هايتايان إلى أنه "من المبكر الحديث عن تأثير الحرب وفرض العقوبات في لبنان، لأنه في الأصل لم يبدأ الروس بأي أعمال في المنشآت، بانتظار اتضاح مسألة وضع شركة روسنفت على لائحة العقوبات. كما علينا انتظار دورة التراخيص الثانية في يونيو (حزيران) المقبل، لنرى ما إذا كانت شركات روسية ستتقدم لاستثمار الغاز والنفط في بلوكات لبنان المفترضة".
وتؤكد هايتايان أن "دور لبنان هامشي في مسألة محاولة أوروبا البحث عن تنويع مصادر الغاز، وعدم التزام المصدر الروسي كمصدر وحيد. في هذا المجال، يبدو أن مصر هي الوجهة الأساسية، كما ستكون إسرائيل في الموقع الثاني، حيث ستحاول القاهرة ضخ كميات إضافية لزيادة الكميات المصدرة إلى أوروبا، ناهيك عن تنشيط خط شرق المتوسط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لبنان والعقوبات الغربية

سؤال آخر تطرحه الأزمة الراهنة حول تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية في إمكانية التعامل مع روسيا، هنا أجاب رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية، المحامي بول مرقص أن "العقوبات الأميركية تشكل الأداة السياسية والقانونية الأكثر شهرة وانتشاراً حول العالم لما لها من تأثير فاعل في أكثر من مجال، لا سيما على مستوى الاقتصاد العالمي، كون الولايات المتحدة من الدول الأكثر نفوذاً في العالم، وهي تترجم استجابة لتحديات تتناول المصالح الأميركية المعرّضة للخطر، كما أنها وسيلة للإشارة إلى استياء المسؤولين الأميركيين من سلوك معين".
وأوضح مرقص آلية اتخاذ العقوبات، إذ تقوم وزارة الخزانة الأميركية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أو ما يُسمّى بـ"OFAC" بإدارة وإنفاذ العقوبات التجارية والاقتصادية والمالية، وذلك كجزء من أهداف السياسة الخارجية الأميركية، التي يمكن أن تشمل أفراداً وكيانات أجنبية أو شركات مملوكة بأكثر من 50 في المئة من أفراد مدرجين على لائحة العقوبات، وتشكل تهديداً للأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة. وأشار مرقص إلى أن "هذه العقوبات في الأساس بديل اقتصادي لاستخدام القوة العسكرية لمحاولة إجبار دولة على القيام أو عدم القيام بأمر ما. ويمكن للولايات المتحدة التنسيق مع دول أخرى لإنفاذها، ويمكن أن تشمل حظر التعامل التجاري وفرض قيود على صادرات أو واردات معينة ورفض المساعدات والقروض والاستثمارات الأجنبية وحظر التعاملات الاقتصادية التي يشارك فيها مواطنون أميركيون أو شركات أميركية".

وفصّل مرقص "آلية تنفيذ العقوبات، التي تُحدد أصول تطبيقها استناداً إلى أوامر تنفيذية موقّعة من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي تخوّل وزارة الخارجية بالتشاور مع وزير الخزانة والمدعي العام، تحديد الأفراد والكيانات التي تقوم إما بتقديم الدعم المالي أو توفير الخدمات المالية، أو غيرها من الخدمات لدعم الأعمال الإرهابية، أو دعم الأفراد أو الكيانات المحدّدة على لائحة العقوبات بأي وسيلة كانت". وأضاف أنه "بمجرد قيام وزير الخارجية أو وزير الخزانة بإدراج فرد أو كيان على اللائحة، يتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC الإجراء المناسب لتجميد أصول وأموال الأفراد أو الكيانات في الولايات المتحدة، كما يقوم بإخطار المؤسسات المالية الأميركية بأمر الحظر. ثم يتم إدراج أسماء المحدّدين بالعقوبات على القائمة الخاصة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية SDN. بالتالي، تبقى الأسماء مدرجة حتى يتم إلغاء الأمر التنفيذي وفقاً لقانون الولايات المتحدة".

التعامل الخطير مع الشركات الروسية

وتطرق مرقص إلى مسألة العقوبات على الشركات الروسية، وقال إنه "بتاريخ 18 فبراير 2020، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، شركة روسنفت ترايدينغ، وهي شركة تابعة لشركة "روسنفت أويل كومباني" Rosneft oil company ومقرها روسيا ورئيسها ديدييه كاسيميرو، على لائحة العقوبات الأميركية SDN وذلك بسبب قيامها بأنشطة في فنزويلا، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13850".
وبنتيجة هذا الإجراء، يُحظر على الأشخاص الأميركيين عموماً ممارسة الأعمال التجارية مع "روسنفت ترايدينغ" Rosneft trading  وديدييه كازيميرو  Didier  Casimiro والكيانات التي يمتلكانها بنسبة 50 في المئة أو أكثر، من دون ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية. ولا تنطبق هذه العقوبات على شركة "روسنفت أويل كومباني" الأم أو الكيانات ذات الصلة التي ليست مملوكة بنسبة 50 في المئة أو أكثر لشركة "روسنفت ترايدينغ" أو ديدييه كازيميرو.

وتحدث مرقص عن "فترة سماح" تضمنها الأمر التنفيذي 36، بالتالي في حال فرض عقوبات أميركية على شركة "روسنفت" الروسية الأم التي لم يتم فرض عقوبات عليها حتى الآن، والتي تعاقد معها وزير الطاقة اللبناني لصيانة وبناء خزّانات مشتقات نفطية في طرابلس، فإن من شأن ذلك أن يعرّض لبنان لخطر التعامل طالما ليس هناك إعفاء صريح من الإدارة الأميركية.

إعفاءات ممكنة

أما في ما يتعلق بإمكانية منح الدول الصغيرة كلبنان إعفاءات على غرار ما جرى مع قانون "قيصر" لناحية السماح باستجرار الغاز والكهرباء عبر سوريا، فأكد مرقص أنه "بشكل عام، القوانين العقابية الأميركية قد تتضمن إعفاءات أو إجازات من العقوبات، وفي معظم الحالات تكون لغايات إنسانية، وهذه الإجازات تخوّل بعض الدول الاستفادة من الاستثناء على القانون، وهذا الاستثناء يعود إلى تقدير واستنسابية الإدارة الأميركية، تحديداً الرئيس الأميركي الذي بحسب بنود القانون يمكن أن يتنازل عن تطبيق أي حكم من أحكامه، إذا اتفق مع الكونغرس الأميركي على أن هذا التنازل يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة"، لافتاً إلى أن "هذا الاستثناء وإن مُنح فهو لفترة محدودة، قابلة للتجديد، إذا ما ارتأت الإدارة الأميركية ذلك".

المزيد من متابعات