Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفاوضات فيينا وولاءات خامنئي

المرشد الأعلى يدخل على خط الاتهامات التي وجهها أطراف في تيار السلطة والمحافظين إلى روحاني وظريف والفريق المفاوض

وفدا الاتحاد الأوروبي والإيراني باجتماع لإحياء الاتفاق النووي في فيينا   (أ ف ب)

للمرة الأولى يدخل المرشد الأعلى على خط الاتهامات التي وجهها أطراف في تيار السلطة والمحافظين إلى الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف والفريق المفاوض، بالحديث قبل أيام عن تقصير وقع في المسار الذي أخذته الحكومة السابقة في تقدير ما تضمنته بعض بنود الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة دول (5+1) في فيينا عام 2015، وأن عدم أخذ الفريق المفاوض بالملاحظات التي وضعها على الاتفاق سمحت للأطراف الأخرى بالتملص من التزاماتها وعدم إلغاء العقوبات، ما أوصل الأمور إلى ما عليه الآن.

هذا الموقف الذي تلقفته الجماعات المتشددة شكل إشارة تحرك برلمانية على خط المفاوضات، على غرار ما حدث خلال الأشهر الأخيرة من رئاسة روحاني وإقرار قانون الإجراءات الاستراتيجية للدفاع عن مصالح الشعب الإيراني وإلغاء العقوبات، وهو القانون الذي منع روحاني من التقدم في المفاوضات وكبل أيدي الفريق المفاوض الذي سلب صلاحية أي تفاهم، بانتظار اتضاح صورة التغيير المتوقع والمرسوم في الانتخابات الرئاسية ووصول إبراهيم رئيسي إلى موقع رئاسة السلطة التنفيذية، وما تعنيه من تولي فريقه مسؤولية التفاوض على أسس تنسجم بشكل كامل مع رؤية النظام وقيادته.

الخطوة البرلمانية التي قام بها نحو 250 نائباً، لم تدرج هذه المرة في قالب قانون جديد، بل على شكل رسالة من ست نقاط موجهة إلى رئيس الجمهورية تتهم الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية بعدم الوفاء بتعهداتها، وإلحاق الضرر بشتى الوسائل بمصالح الشعب الإيراني من خلال العقوبات، وعليه فإن المطلوب هو أخذ العبر من التجربة السابقة واعتبار مصالح الشعب الإيراني خطاً أحمر، وألا يتم أي اتفاق مع "ناكثي العهود" من دون الحصول على الضمانات المطلوبة من هذه الدول بعدم الانسحاب من الاتفاق، وألا يستخدموا آلية "سناب باك".

رسالة النواب وصفت العقوبات التي فرضتها واشنطن والعواصم الغربية لأسباب تتعلق بالبرنامج النووي ودعم الإرهاب والبرنامج الصاروخي وحقوق الإنسان ذرائع واهية طالبت الفريق المفاوض، بالحصول على تعهد من هذه العواصم بعدم العودة إلى مثل هذه العقوبات، وبالتالي على واشنطن إلغاء العقوبات التي تتضمنها قوانين مثل آیسا وکاتسا.

النواب وضعوا في رسالتهم آليات تنفيذية لأي اتفاق، بأن تبدأ واشنطن والأطراف المخلة بالاتفاق بإلغاء العقوبات، وبعد التأكد من التنفيذ، تنتقل إيران لتنفيذ تعهداتها.

واشترط النواب في رسالتهم، وبناء على المادة السابعة من قانون الإجراءات الاستراتيجية، على الحكومة تقديم تقرير إلى البرلمان عن مدى التزام الدول الغربية بتنفيذ تعهداتها في إلغاء العقوبات، بخاصة النفطية والبنكية وتحويل عائدات الصادرات عبر الآليات البنكية من دون أي عائق، وأن أي خطوة إيرانية في التعهدات النووية لا تتم إلا بعد موافقة البرلمان بعد تقويم الالتزامات الغربية.

وفي هذا السياق، يمكن اعتبار مواقف المرشد الأعلى الأخيرة مؤشراً آخر على نوع من التشدد. فالعودة إلى تأكيد البرنامج النووي السلمي ربطه المرشد بذرائع لا معنى لها وكلام سخيف للعواصم الغربية حول سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، واستخدامها لفرض العقوبات، لكنه في المقابل أكد حق بلاده في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وأن إرجاء التفكير فيها قد يجعلها صعبة المنال في المستقبل، خصوصاً إذا ما أذعنت طهران وقبلت بالشروط الغربية، لأنها ستكون خالية الوفاض مما حققته من إنجازات في هذا المجال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه المؤشرات التصعيدية عشية الحديث عن اقتراب توصل المتفاوضين في فيينا إلى إنهاء التباحث حول النص النهائي للاتفاق الجديد، وتأكيدها إمكانية التوقيع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يعزز التسريبات لمصادر إيرانية عن آليات وضعها الوفد الإيراني على طاولة التفاوض حول آليات تنفيذ أي اتفاق جديد.

وتتحدث هذه التسريبات عن رفض إيران الحاسم أي شرط يفرض عليها تفكيك أجهزة الطرد المركزي وإخراجها منها وتخزينها في دولة أخرى، وهو الموقف الذي أشار إليه المرشد الأعلى بشكل غير مباشر عندما تحدث عن تمسك بلاده بحقها في برنامج سلمي.

في المقابل فإن إيران على استعداد لوضع هذه الأجهزة وتخزينها داخلها على أن تخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومراقبة كاميرات المفتشين الدوليين. في حين أنها قد توافق على إخراج جزء لا بأس به من إنتاجها من اليورانيوم المخصب ضمن آليات تضمن لها الحصول على عائدات بيعها لأي دولة يتم الاتفاق معها عبر الوكالة الدولية.

وتسوغ طهران هذا الشرط بأنها ليست على استعداد للدخول في دوامة تصنيع أجهزة جديدة وتكاليفها المالية الباهظة، في حال تنصلت دول الاتفاق من تعهداتها وعادت إلى سياسة العقوبات والحصار، خصوصاً أن واشنطن والعواصم الغربية رفضت مبدأ التعويض عن المرحلة السابقة والأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي والتكاليف التي تكبدتها طهران جراء قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق.

وفي الجانب المتعلق بالآليات التنفيذية للاتفاق الجديد التي أشارت إليها رسالة النواب إلى رئيس الجمهورية، تضيف التسريبات أن الوفد المفاوض قدم ورقة تتضمن تفسيراً وشرحاً لهذه الآليات، تم التركيز فيها على بدء واشنطن بالخطوة الأولى، بإلغاء جميع العقوبات أولاً، وبعد التأكد من التزامها بتنفيذ هذه الخطوة في إطار اختبار حسن النيات، تقوم طهران ثانياً بالعودة إلى تفعيل جميع التزاماتها في اتفاق عام 2015 كاملة ودفعة واحدة؛ أي أن إلغاء العقوبات لا يمكن أن يبقى على الورق، بل يجب أن تلمس إيران آثاره الاقتصادية. 

واقترحت طهران على واشنطن والترويكا الأوروبية أن تمتد الفترة الاختبارية من بضعة أسابيع إلى ستة أشهر موزعة على مرحلتين؛ الأولى تمتد من أسبوعين إلى شهرين، وتكون بمثابة مرحلة استعداد، تحدد فيها جميع الخطوات المطلوبة من كل طرف، تقوم فيها واشنطن بإعداد جميع الإجراءات الإدارية واللوجستية (المتعلقة بنقل الأموال إلى إيران) والاتفاقات الملحقة، في المقابل تعلق إيران جميع أنشطتها النووية بشكل كامل من دون تفكيكها.

والثانية تبدأ بعد تحديد الموعد النهائي لها؛ أي أن الطرفين يتفقان على المدة الزمنية التي ستستغرقها في التنفيذ، ولا يجب أن تتخطى الأشهر الأربعة، تقوم خلالها واشنطن بإصدار القرار النهائي بإلغاء جميع العقوبات بمختلف مسمياتها، في المقابل تقوم طهران بعدها بالعودة التامة والكاملة إلى تنفيذ تعهداتها في اتفاق 2015 بعد أن تكون قد مهدت لذلك مسبقاً من خلال الإجراءات التي قامت بها في المرحلة الأولى بما يضمن التنفيذ السريع. 

المواقف الأخيرة للقيادات الإسرائيلية سواء تلك التي صدرت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، أو جولات المباحثات التي أجراها مسؤول القسم الاستراتيجي بوزارة الخارجية الإسرائيلية يوش زرقا في فيينا، والزيارة التي قامت بها رئيسة الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي إلى تل أبيب، وبعد الجولة التي قام بها مبعوث البيت الأبيض للأزمة الإيرانية، روبرت مالي، على تل أبيب والعواصم الخليجية، يعزز الاعتقاد بأن إسرائيل تنظر بعين الريبة لما يجري خلف كواليس فيينا، وأن المنحى الذي تسير فيه عملية التفاوض يشير إلى وجود صفقة كبيرة قد تجعل من إيران الرابح الأكبر على حساب المخاوف الإسرائيلية والدول الإقليمية. وقد يشكل مؤشراً على وجود أزمة ثقة بين واشنطن وتل أبيب، والاتهام المبطن لواشنطن من قبل القيادة الإسرائيلية بأنها قدمت مصالحها مع طهران على مصالح إسرائيل وأمنها في المنطقة. الأمر الذي يرفع مخاطر دخول تل أبيب في موجة من الضغوط ودفعها أميركياً للقبول بحقائق تتعلق بتكريس الوجود والنفوذ الإيراني بالمنطقة، وما يعنيه ذلك من تأجيل العمل على إيجاد حلول لأزمة حلفاء طهران وأذرعها، التي تشكل تهديداً مباشراً لأمنها واستقرارها، ما يجعلها وحيدة في مواجهة هذا التحدي والخطر. وهي هواجس تساعد على تفسيرها الأبعاد التصعيدية التي جاءت في الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله اللبناني وحديثه عن تجاوز الحزب مرحلة نقل الصواريخ الدقيقة إلى تصنيعها إلى جانب تصنيع الطائرات المسيرة. ويفسر أيضاً ارتفاع وتيرة الغارات الإسرائيلية على مواقع داخل الأراضي السورية يعتقد أن الحزب يستخدمها، بعد أن حرصت تل أبيب في السنة الأخيرة، في الأقل، على تجنب الاقتراب من مواقع الحزب بعد التصعيد الذي شهدته الحدود الجنوبية السورية عقب مقتل عنصرين من الحزب في واحدة من هذه الغارات. 

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل