Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يستفزنا جميعا وكما يبدو فسيتحتم علينا تقبل الأمر

يبدو أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية تخوضان حرباً نفسية حتى وإن لم تتقدم القوات العسكرية داخل أوكرانيا كما كان متوقعاً

التوتر يعم أوكرانيا في يوم الوحدة الوطنية (أ ب)

ها نحن من جديد، عالقون تحت رحمة شد حبال جيوسياسي يتلخص في "هل سيقدم على ذلك أم لن يقدم عليه؟"

لأشهر عدة خيم شبح الاجتياح الروسي الوشيك على الأجواء في أوكرانيا. وخلال كل تلك الفترة، جدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأكيده على الاستراتيجية التي يحترفها تماماً: وهي استفزاز العالم. والآن، يبدو وكأن الولايات المتحدة تسعى إلى هزيمة الحاكم المستبد الذي يعتمد على التضليل الإعلامي في لعبته السيكولوجية الخاصة.

إن كنتم ممن تابع التطورات خلال الأشهر الماضية، ربما ستكونون بحاجة إلى حزام واق لرقبتكم، لأن الضربات التي تلقيناها كانت متتالية. لكن بالنسبة لهؤلاء ممن هم على دراية بتكتيكات التضليل الإعلامي الخاصة بالعهد السوفياتي، ويعرفون عن التدخلات الروسية الأخيرة في الديمقراطيات الغربية، يبدو واضحاً أن الجانب السيكولوجي الذي يسعى إلى بث الغموض والارتباك على القدر نفسه من الأهمية وصنو الهجوم المادي [الفعلي] بالنسبة لبوتين.

روسيا نشرت مئة وخمسين ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا فيما تدعي أنها هي تتعرض للاستفزاز. ويقول الرئيس بوتين إنه قد بدأ عملية لسحب بعض من قواته من على الحدود مع أوكرانيا، لكن الرئيسين الأميركي والأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقولان إنهما لم يلاحظا ما يظهر أي انسحاب على أرض الواقع. أمين عام حلف الأطلسي ينز ستولتنبيرغ قد يذهب حتى إلى أبعد من ذلك من خلال إعلانه أن روسيا تواصل عمليات حشد قواتها. في هذه الأثناء، يكرر الرئيس الروسي قوله إنه لا يرغب بنشوب الحرب، لكنه يصف الوضع في منطقة دونباس بالـ "إبادة الجماعية" والتي يجادل البعض أنها العذر اللازم لشن الهجوم.   

فيما يتواصل هذا الأخذ والرد المشتت للانتباه في خلق حال من عدم اليقين، فإن غايات بوتين الرئيسية معروفة تماماً. فهو يرغب في إعادة روسيا إلى عظمتها السابقة إبان الحقبة السوفياتية، واستعادة السيطرة على أوكرانيا التي تعتبر جزءاً رئيسياً في تلك الأحجية. وهو مذعور إلى حد الجنون من فكرة توسيع الغرب الحلف الأطلسي خلال العشرين سنة الماضية. وفي سعيه وراء هذه الأهداف، خططت روسيا لتقسيم التحالف الغربي عبر عمليات عدائية تمثلت بالهجمات السيبرانية لبث الفوضى والتضليل الإعلامي. وفي الأشهر القليلة الماضية، يبدو أن الرئيس بوتين قد توصل إلى خلاصة بعد تحليله مسار الأوضاع في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا ودول غربية أخرى مفادها بأن هناك ثغرة سانحة حالياً ولم تكن متوافرة في السابق.   

حلف الأطلسي كان بصدد التعافي بعد أربع سنوات من (الآثار السلبية التي خلفتها) إدارة قومية أميركية بقيادة دونالد ترمب. فالولايات المتحدة لا تزال منشغلة في محاربة انقسامات سياسية داخلية، وبعد الانسحاب من أفغانستان (في أغسطس 2021)، هي بلد سئم وتعب من استراتيجيات تدخلاتها (العسكرية). وتتوافر لبوتين إمكانيات [أوراق إيجابية] لم تكن متوافرة قبل عقد من الزمن، وهو حزب جمهوري أميركي صديق لروسيا، وآراء (أميركية) مؤيدة بقوة لروسيا في الأوساط الإعلامية لتيار اليمين الأميركي. وبعيداً من أميركا، تبدو المملكة المتحدة متورطة في أزمة سياسية خاصة بها، فيما يواجه رئيس الحكومة بوريس جونسون فضيحة وجودية. ولدى ألمانيا قيادة سياسية جديدة. كل ذلك فيما يتواصل استعار جائحة كوفيد. لذا، من الجائز القول إن دول الديمقراطيات الغربية المؤثرة قد وجدت نفسها أخيراً وهي تعاني أزمات ولحظة ضعف.  

إذاً، نشرت روسيا أكثر من مئة وخمسين ألف جندي بحسب التقديرات الأميركية على حدودها مع أوكرانيا. لقد نشر بوتين مطالبه، والتي تضمنت طلب التزام حلف الأطلسي عدم السماح لأوكرانيا في الانضمام إلى الحلف. لكن، نوايا الرئيس بوتين لا تزال غير واضحة تماماً. فهل يدخل ذلك في سياق كونه مجرد لعبة الوقوف على "حافة الهاوية" brinkmanship [التصعيد إلى أقصى حد ثم التراجع]، والمصممة للضغط على الدول الغربية؟ أم، هل تخطط روسيا فعلاً لاجتياح [أوكرانيا]؟ لا أحد يعلم ــ على رغم أن الوضع يؤشر ربما إلى أن بوتين لم يكن يتوقع جبهة موحدة لحلف الأطلسي في رده على (التهديدات الروسية)، وبقاء الرئيس الأوكراني زيلينسكي متماسكاً (أمام تلك الضغوط).

على الرغم من بعض المشكلات التي واجهها حلف الأطلسي في البداية، فلقد وقف الحلف بقوة في مواجهة تلك التهديدات. فالحلف رفض أي تنازلات كبيرة بخصوص ضبط عملية توسع ناتو، وحذر من عقوبات اقتصادية منسقة قاسية في حال قيام روسيا بالهجوم على أوكرانيا. وتلا ذلك لعبة شد الأعصاب نفسياً.

الولايات المتحدة الأميركية دخلت في مواجهة حربية على الصعيد الإعلامي تهدف لردع روسيا واستباق تضليلها الإعلامي. أما إدارة بايدن فانتهجت مقاربة على قدر من الدهاء في اعتماد تسريبات نارية متلاحقة تضمنت كل ما اكتشفته الاستخبارات الأميركية عن تحركات بوتين المتوقعة. ويبدو أن روسيا قد فاجأتها هذه الاستراتيجية الأميركية.

قلة من الصحافيين لديهم فهم أفضل للعلاقات الروسية الأميركية من الخبيرة جوليا أيوفي Julia Ioffe، التي تعتقد أن فرص الاجتياح قد تراجعت عما كان عليه الأمر قبل شهر من اليوم، والفضل يعود في ذلك إلى النهج الذي اعتمدته إدارة بايدن. وبما أن خيار بوتين المفضل لطالما كان يرتكز على جعل الآخرين غير قادرين على التنبؤ (بتحركاته المقبلة)، فلقد كانت عملية تسريب المعلومات الاستخبارية ضربة "تجديدية" و "ذكية" كما كتبت الصحافية أيوفي في موقع "باك نيوز" Puck News.

وهذا الأسبوع، رفعت الولايات المتحدة من نسبة قلقها مرة جديدة من احتمالية وقوع "اجتياح وشيك" والذي لم يقع حتى الآن.  في المقابل، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن "يوم 15 من فبراير (شباط) 2022 سيدخل التاريخ لأنه اليوم الذي فشلت فيه الحرب الدعائية الغربية، فقد تم تدميرها بشكل مهين وساحق من دون إطلاق أي رصاصة".

فلو اختارت روسيا أن تبتعد عن سياسة حافة الهاوية التي تنتهجها، فسيكون ذلك أكثر الخيارات منطقية وعقلانية من أجل مستقبل أفضل. على الرغم من التهديد والوعيد الذي تكيله روسيا، فهي تعاني من ضعف اقتصادها وتراجع نموها السكاني. فالثمن الاقتصادي والبشري الذي قد تتكلفه روسيا نتيجة قيامها بأي اجتياح لأوكرانيا قد يكون وبكل بساطة غير مجد. لن تخدم مثل هكذا حرب أي كان، سوى قطاع الصناعات العسكرية. وفيما قد تخدم عملية الاجتياح الواسعة غرور بوتين، فهي لن تخدم المواطنين الروس ــ وسيكون لعدم الرضا هذا تبعاته السلبية على المستوى المحلي الروسي.

هناك طريقتان قد يتمكن من خلالهما الرئيس بوتين ادعاء النصر بعد كل هذه القضية المشوشة. يمكنه أن يزعم أنه في النهاية نجح في إقناع حلف ناتو على أخذ القلق الروسي بخصوص الأمن الروسي على محمل الجد. ويمكنه أن يواصل الإدعاء أن الغرب يبالغ كثيراً ويهوّل [يستعرض عضلاته] ولا يمكن الوثوق فيه. ويمكنه أن يتلقف واحداً من المخارج التي اقترحتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وقد لا تقدم تلك المخارج ما كانت روسيا قد طالبت بتحقيقه، لكن الإعلام الروسي الحكومي في وسعه المساعدة على الترويج له [وإقناع العامة بأنه انتصار]. لو كان هذا هو المطلوب للدفع نحو تخفيف التوتر، فعلينا في حينه أن نوافق جميعاً على تحقيقه.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن لو قررت روسيا المضي قدماً واجتياح أوكرانيا، إما هذا الأسبوع أو في المستقبل القريب، فإنه سيتم استفزازنا بشكل مختلف. فعملية تضليل عسكرية false flag قد تكون السيناريو الأكثر احتمالاً، بالاستناد إلى المواقف التي وضع المسؤولون الروس أنفسهم رهناً لها خلال الأيام الماضية. ففي الغالب أنهم لن يتعبوا أنفسهم لنقض سردية "الهستيريا الغربية" التي التزموا بها.

نعم فأنت محق في شعورك أن ما يجري هو بمثابة تجربة معروفة ومرهقة. فالتاريخ الإنساني هو سلسلة لا متناهية من النمو والتقدم الذي تعكره من فترة لأخرى معوقات عشوائية حين يؤخذ مستقبل العالم رهينة لغرور عملاق وهش من بعض الأشخاص الصغار والمحرومين. هذه المرة، وكما نأمل فإننا سنتمكن من كسر هذه الحلقة المفرغة.

© The Independent

المزيد من آراء