Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجفاف في الصومال... ثلاثة مواسم مطيرة فاشلة

90 في المئة من المساحة الجغرافية للبلاد تعاني بشدة وخمس السكان مهددون بخطر نقص المياه

خمس سكان الصومال قد يتأثرون بموجة جفاف جديدة  (أ ف ب)

تتصاعد وتيرة التحذيرات التي أعلنتها هيئات إغاثة دولية منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي من عودة موجة جفاف جديدة قد تؤدي إلى تأثر حياة ما يقرب من خمس سكان الصومال.

وفي تقرير لمنظمة "أوكسفام" الدولية، أصدرت تحذيراً من "أن ما يقرب من 90 في المئة من المساحة الجغرافية للبلاد الآن تعاني جفافاً شديداً بعد ثلاثة مواسم مطيرة متتالية فاشلة"، مؤكدة "أن بعض مناطق البلاد تواجه موسمها الأكثر جفافا منذ 40 عاماً، مما يعني أن ما يقرب من 3.5 مليون شخص يعانون بالفعل انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويتعرض ملايين آخرون الآن لخطر الجوع بحلول بداية هذا العام  الحالي، مشيرة إلى إمكان هطول أمطار ربيعية قد تمثل فترة راحة تلوح في الأفق، إلا أنها لا تكفي لزراعة محاصيل الموسم المقبل أو العثور على مراع جيدة للماشية".

أسباب شدة تأثير الجفاف على الصوماليين

كانت دورات الخصب والجفاف جزءاً طبيعياً من تاريخ البلاد منذ عرفها الإنسان، شأن بلدان كثيرة، إلا أن فداحة تأثير مواسم الجفاف في العقود الأخيرة تخلق حال ضغط على البيئة والإنسان في القرن الأفريقي عموماً والصومال خصوصاً، وفي هذا الشأن يقول المهندس سعيد طاهر، الباحث في الشأن البيئي والزراعة والمقيم في مدينة "هرجيسا"، "تناوب مواسم الجفاف والخصب أمر طبيعي للغاية في البلاد، فبحسب دراسات توصلنا إلى أن البلاد شهدت على مدى 32 سنة 13 موسم جفاف شديد و19 موسم فيضان، إلا أن أسباب تفاقم تأثير الحالتين وبلوغهما درجة غير مسبوقة من التطرف تعود لعوامل تتجاوز التغير المناخي العلمي الذي نلمسه، فعلى الرغم من خطورة  أنماط التغير الحاصلة فهناك عوامل أخرى، كانعدام الاستقرار السياسي واستمرار صراعات مسلحة وسوء استغلال الأرض وحرق الأشجار من أجل الحصول على الوقود والرعي الجائر أو غير المنظم، فالعامل البشري يسهم إلى حد كبير في تفاقم المشكلات وتحولها إلى مآس".

كما يؤكد خطورة استمرار ما يقرب من 50 في المئة من الصوماليين في ممارسة نمط الحياة البدوي "الرعاة الرحل"، الأمر الذي يفاقم المشكلة نظراً إلى العزلة وصعوبة الحصول على التوعية أو المساعدة اللازمة لتجاوز أخطار المرحلة، فقد توصلت دراسة قادها أحمد عواله مدير مؤسسة "كاندلايت" المعنية بالشؤون البيئية، إلى أنه بناء على الدراسات السابقة التي تم إجراؤها فقد اتضح أن "للتغير المناخي تأثيراً شديد الخطر على الرعاة على وجه الخصوص، فمن خلال عينة تمت دراستها "منطقة غبيلي في صوماليلاند"، تم الكشف عن أن عدم انتظام هطول الأمطار وتدهور كميات الهطل المطري أديا إلى تراجع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبدو الرحل، خصوصاً من سكان المنطقة قيد الدراسة".

تقصير حكومي وإداري يجب تداركه

وعلى الرغم من كون الجفاف مصدر خطورة فيما يخص الوضع الإنساني، ودورية مواسم الجفاف والمحل، فإن هنالك تقاعساً حكومياً وإدارياً مرده ضعف موارد الحكومات المحلية والإدارات الإقليمية من جهة، وعدم وجود خطط واضحة لمواجهة الحال القائمة، كما لا توجد جهود يسعى عبرها القائمون على الشأن العام في البلاد إلى استباق التبعات المستقبلية لمواسم الجفاف التي غدت ضيفاً روتينياً على الأراضي الصومالية.

يقول الباحث عبدالرحمن محلي، "المطلوب وضع سياسة واضحة تربط جميع الوكالات ذات الصلة مثل وزارات الثروة الحيوانية والبيئة والزراعة والمعادن والمياه والسياحة، وكذلك وكالات إدارة الكوارث الطبيعية، ومن المهم أيضاً أن تنشئ الحكومة لجاناً وطنية وإقليمية تقوم بإجراء البحوث والتنبؤ بفترات الجفاف، ووضع البرامج الإغاثية والتوعوية لمنع آثار الجفاف".

يضيف، "لا بد من الخروج بحلول محلية لتعبئة السكان أمام الأخطار التي تواجههم، فمن الضروري الاستفادة من كل أشكال التنظيم الاجتماعي من دون استثناء للاستفادة من التركيبة القبلية في البلاد، بمنح الزعماء التقليديين دوراً في إنقاذ المتضررين من أبناء مجتمعاتهم، وإحداث تغييرات في البيئة والممارسات للحد من تكرار الكوارث، كما يجب على جميع اللجان الرسمية والجهات الحكومية والمنظمات الأهلية إنشاء شبكة أو لجان واضحة لإدارة ومساعدة المتضررين من الجفاف، وكذلك إعادة توطينهم بعيداً من البيروقراطية والارتجالية أو الاعتماد على الخارج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفساد

يشكل الفساد عاملاً آخر يفاقم خطورة الأوضاع ويسهم في تبديد الموارد والجهود الهادفة للحد من التأثيرات للجفاف الراهن، وكذلك إيجاد حلول استباقية لمواسم الجفاف المستقبلية.

يقول الصحافي محمود موسى حسين، "هنالك أشكال عدة من الفساد تكتنف الجهود لإغاثة المتضررين، وكذلك المشاريع التي تستهدف الحد من تأثيرات مواسم الجفاف المستقبلية، فنحن تصلنا معلومات متكررة عن ممارسة فاسدة على مستوى مسؤولين حكوميين، من الاستيلاء على المساعدات بهدف بيعها في الأسواق المحلية أو فرض رسوم على دخول المساعدات أو ترهيب فرق العمل وابتزازها وعرقلة أعمالها، ومن خلال التقارير الدولية حول فساد منظمات الغوث الدولية، سواء الممارسات الفاسدة المباشرة التي تعد البلاد الفقيرة بيئة خصبة لها، تظهر كذلك أشكال غير مباشرة من الفساد الإداري والمالي تمارسه تلك المنظمات بشكل مؤسس ومنتظم، بدءاً من تبديد التمويل الضئيل المتوافر ببنود السفر والتأمين والإقامة الفاخرة لموظفيها الأجانب، وهنالك كذلك مشكلة جلب المحاصيل من الخارج لإغاثة السكان مما يؤدي إلى إغراق الأسواق، بحيث تتضاعف خسائر المزارعين الناجين من الجفاف".

ويضيف، "كل تلك الممارسات الفاسدة مع ما تدل عليه من انعدام الضمير والشعور الإنساني، تؤدي إلى إزهاق أرواح بريئة، كما تحط من قيمة الإنسان الصومالي الذي بقي حياً ليكابد الوصم والمهانة، وإن ما يجري يكاد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية تستحق أقسى العقوبات".

حلول ممكنة

وفي معرض البحث عن حلول يبادر طاهر بالقول، "الحلول تتمثل في التركيز على الداخل أكثر من الخارج، والعمل بما لدينا من إمكانات وموارد، فالتوعية بطرق أفضل للممارسة الزراعة والرعي والحد من قطع الأشجار ضروري من جهة أولى، أما من جهة ثانية فمن الواجب وجود قرار بإحداث تغيير على أرض الواقع، كعمل محطات لمكافحة الجفاف يمكنها أن تستوعب معظم عائلات البدو الرحل المتضررين خلال فترات ذروة الجفاف، كما يمكن استنباط حلول إضافية من خلال سوابق تاريخية لدينا، كما حدث مع سلطنة أجوران في القرن الـ 17، ونجاحها في النهوض بالاقتصاد عبر وضعها موارد مالية ضخمة لتوفير المياه للسكان، بل وتوليد مداخيل من خلال الاستفادة من تلك المياه، والأنشطة البشرية الجديدة التي قامت بالاعتماد عليها.

كما يمكننا درس ممارسات تقليدية لشعوب أخرى، وما تتم إعادة إحيائه منها عبر تقنيات الزراعة المستدامة وحصاد المياه والتماهي مع قطعان الطرائد الكبيرة عبر اعتماد طرق رعيها في سهوبنا الأفريقية، وتقييد حركة القطعان المستأنسة بالطريقة ذاتها، بحيث نضمن تجدد المراعي ونزيد احتفاظ التربة بما تتلقاه من مياه الأمطار".

ويشير حسين إلى ضرورة إيجاد حلول عبر مكافحة الفساد، "فمن المهم عدم التهاون مع الممارسات الفاسدة التي تعرقل إغاثة المتضررين، إن كان ذلك فساداً محلياً أو خارجياً عبر آليتين، تتمثل أولاهما في تشديد العقوبات على ممارسي الأنشطة الفاسدة المحيطة بالنشاط الإغاثي، والثانية إطلاق العنان للصحافة الاستقصائية الساعية إلى الكشف عن حقائق ما يجري، ومنح الحماية لمن يكشفون الفساد والفاسدين، بحيث تتم محاصرة الفساد بالعقاب من جهة، وتوعية المجتمعات بضرورة رفض تلك الممارسات وممارسيها، وخلق رقابة مجتمعية تجعل استمتاع الفاسدين بثمار فسادهم مستحيلاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير