تعاني تونس من عجز في الطاقة يُقدر بـ3.13 مليار دينار (1 مليار دولار) خلال فترة الثمانية أشهر الأولى من عام 2021، مقابل 3.42 مليار دينار (1.2 مليار دولار) في الفترة ذاتها من عام 2020.
تعتمد تونس على المحروقات لتوفير الطاقة بانتظار جملة مشاريع للطاقة المتجددة بهدف الضغط على تنامي استهلاك المحروقات المكلف لميزانية الدولة، علماً أن مشاريع الطاقة المتجددة التي أُنشئت إلى الآن تغطي 3 في المئة فقط من حاجيات البلاد.
وفي انتظار ذلك، يقدر الباحثون أن زيادة دولار واحد في سعر برميل النفط يحمل المالية العمومية التونسية نحو 80 مليون دينار (27.7 مليون دولار)، وأن كل تراجع في سعر صرف الدينار التونسي بعشرة مليمات مقارنة بالدولار، يحملها عبئاً إضافياً مقدراً بـ20 مليون دينار(6.9 مليون دلار).
وحذر خبراء من تراجع موارد المحروقات في تونس بسبب نقص عمليات التنقيب والبحث عن النفط وعدم منح رخص جديدة للشركات المختصة، إضافة إلى مغادرة عدد من الشركات الناشطة في هذا المجال تونس واستعداد الأخرى للرحيل في الفترة المقبلة.
رخص الاستكشاف
ونبهت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية إلى إمكانية بلوغ العجز الطاقي مستويات قياسية، تُقدر بـ87 في المئة من الاستهلاك المحلي بحلول عام 2030. ويعود ذلك إلى عدم تجدد المخزون الوطني، بسبب تراجع نسق إسناد رخص جديدة لشركات التنقيب عن النفط.
ويعود الانخفاض المسجل في إسناد رخص البحث إلى المناخ الاستثماري الصعب في تونس، ما أدى الى نقص في نشاط المحروقات في البلاد، وتراجعه بنحو 50 في المئة في عام 2021 مقارنة بعام 2010.
وتقلص إنتاج الطاقة في تونس من 7.3 مليون برميل مكافئ نفط في عام 2010 إلى أقل من 4.5 مليون برميل مكافئ نفط في عام 2020.
وبلغ عدد هذه الرخص في 2020 نحو 23 رخصة فحسب، مقابل 52 رخصة في 2010. وتوزعت الرخص الـ23 بين 8 رخص استكشاف و15 رخصة بحث.
ولم يتم إسناد أي رخصة بحث واستكشاف على مدى ثلاث سنوات متتالية: 2014 و2015 و2016، بينما سُجلت انتعاشة طفيفة في هذا المجال خلال عام 2019 عبر إسناد 6 رخص. كما أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة عن إمكانية إسناد 4 رخص إضافية خلال عام 2021.
مغادرة شركات
وتستعد شركة "إيني" الإيطالية النفطية لمغادرة تونس ووقف كل أنشطتها في مجال المحروقات في البلاد. وتكفل لها اتفاقياتها المبرمة مع تونس حق إحالة التزاماتها أو بيع أسهمها إلى طرف آخر.
وتخول هذه الاتفاقيات الدولة التونسية تقييم الطرف البديل على أن يكون بنفس كفاءة الشركة المغادرة تقنياً ومالياً. ولا يتوفر في الوقت الراهن بديل لـ"إيني" بشكل رسمي. كما تعتزم شركة "رويال داتش شل" بدورها الرحيل من تونس، مما يهدد باستفحال عدم تجديد المخزون وعدم التحكم في الانخفاض الطبيعي للبترول ونقص عمليات التنقيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتجلى ذلك في تقلص إنتاج النفط الخام، في مقابل ارتفاع الاستهلاك الوطني لمواد الطاقة الأولية والكهرباء.
سوء الإدارة
ويعود النقص الحاصل في إنتاج النفط الخام إلى انخفاض الاستكشاف بتراجع إسناد رخص التنقيب من قبل الدولة التونسية للشركات المختصة وانحدار عددها من 52 في عام 2010 إلى 23 رخصة في عام 2021 وفق الوزير التونسي السابق للطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، خالد قدور، الذي صرح بأن "التغيير الوارد على قانون إسناد الرخص هو الذي أدى إلى ذلك. فقد تسبب الفصل 13 من الدستور التونسي الجديد الذي تمت المصادقة عليه في عام 2014 إلى تعطيل وتعقيد إجراءات إسناد الرخص، إذ نص على ضرورة مرور طلبات الشركات النفطية العالمية على البرلمان بعد النظر فيها من قبل اللجنة المختصة في الطاقة، مما أدى إلى تمييع الإجراءات وتمددها. ويطول بذلك معدل النظر في هذه المطالب ليصل إلى 18 شهراً، وهي مدة زمنية طويلة وغير مبررة، علاوة على تقلص الإنتاج في الحقول القديمة. وهو أمر طبيعي بحكم هرمها ومرور أكثر من 50 سنة على انطلاق استغلالها مثل حقل البرمة في الجنوب التونسي".
في المقابل يتحتم تعويض هذا النقص بإسناد رخص للبحث الأمر غير الحاصل حالياً مع انعدام التنقيب مقارنة بالعقد الماضي حيث تم حفر 19 بئر استكشافية في عام 2010.
وتبلغ نسبة نجاح البئر عند التنقيب 15 في المئة فحسب، وترتفع تكلفته لتتراوح بين 20 مليون دينار (6.9 مليون دولار) و30 مليون دينار (10.4 مليون دولار) في الأرض اليابسة، و50 مليون دينار (19.3 مليون دولار) في البحر، بينما يبلغ معدل تكلفة البرميل 28 دولاراً، وتتفاوت حسب الآبار حيث تبلغ 18 دولاراً للبرميل بحقل "البرمة" الأقدم على الإطلاق في تونس و4 دولارات في بعض الآبار الأخرى. وتُعد هذه التكلفة باهظة في المعدل بالنظر إلى الكميات المحدودة المستخرجة.
وتُضاف هذه العوامل إلى عجز الحكومات التونسية المتعاقبة على إدارة الأزمات الاجتماعية الدائرة حول المناطق المنتجة للبترول، حيث جرت احتجاجات شعبية مطالبة بفرص العمل في شركات النفط وتم توقيف الإنتاج، مما جعل المناخ الاقتصادي والاجتماعي غير مشجع على الاستمرار في الاستثمار، فغادرت شركات أجنبية، وتراكمت ديون الشركة التونسية للأنشطة البترولية (حكومية).
وواجه قطاع الطاقة بصفة عامة والنفط بصفة خاصة إجراء ارتجالياً غير مبرر في عام 2018 تمثل في حل وزارة الطاقة وحذفها برمتها وعزل جميع مديريها، قبل أن يتم إلحاقها بوزارة الصناعة، في ظل عدم استقرار حكومي طيلة العشر سنوات الماضية، نتج عنه تغيير دائم للوزراء، ما أثر على تناول هذا الملف الحارق الذي يعاني من غياب رؤية واستراتيجية واضحة.
المناخ الاجتماعي
وفسر الباحث الاقتصادي جمال بن جميع، "وضع القطاع بغياب الحوكمة الرشيدة، وعجز السلطة على إدارة الملف الاجتماعي، الذي عصف بالعلاقة مع شركات النفط، بفعل الخسائر التي تتكبدها نتيجة الاحتجاجات الشعبية وإيقاف الإنتاج، الذي يتسبب بخسائر حجمها 200 ألف دولار في اليوم الواحد.
وبلغ معدل الإنتاج اليومي من النفط 40 ألف برميل إلى حدود يوليو (تموز) 2021 مقابل 35.9 ألف برميل في نفس الفترة من عام 2020 مسجلاً نقصاً حاداً مقارنة بالفترات الماضية، إذ زاد على 63 ألف برميل يومياً في عام 2015، بينما مثل عام 1980 السنة النموذجية بإنتاج قدره 118 ألف برميل يومياً".
كما أسهم تصلب الإطار القانوني المنظِم لمنح الرخص في رحيل المستثمرين. واقترح بن جميع "تنقيح الفصل 13 من الدستور التونسي والعمل على مركزية القرار في الشأن الطاقي لضمان فرص أكبر في مجال الاستثمار في المحروقات. حتى يفتح المجال للبحث والتنقيب بحكم أنه الطريق الوحيد لتجديد المخزون. علاوة على ضرورة تكريس المناخ الملائم لعمل الشركات النفطية عبر غلق المناطق المخصصة للتنقيب وتوفير الحراسة اللازمة والسيطرة على الوضع الاجتماعي في المساحات المستغلة.