Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في الدفاع عن واضعي النماذج الحاسوبية الخاصة بكورونا

قد تكون النمذجة المعنية برصد وتتبع وتوقع انتشار موجات جائحة ما عملاً شائكاً مشوباً بالشكوك، فلماذا تنطوي على صعوبة بالغة؟ ولماذا واجهت حملة انتقادات واسعة في الآونة الأخيرة؟ سامويل لوفيت يتحدث إلى خبراء في هذا المجال

السلوك البشري يشكل الجزء الأكثر تحدياً من الناحية التقنية في معضلة النمذجة (غيتي)

اسأل خبيراً في الأرصاد الجوية عن حال الطقس المتوقعة بعد أسبوعين من تاريخ اليوم، وببساطة سيقول بينما يهز كتفيه إن معرفة ذلك أمر محال. في المستطاع وضع تنبؤات، استناداً إلى أنماط جوية أكثر شمولاً، واتجاهات جوية سابقة وعمليات رصد بالأقمار الاصطناعية، ولكن نطاق الاحتمالات وهوامش التيقن [التأكد] ستكون واسعة وعديمة الفائدة جراء غياب أي بيانات مثبتة.

ولكن إذ يقترب التاريخ المقصود حاملاً معه معلومات أوضح وأكثر صدقية، تصير هوامش اليقين تلك أكثر ضيقاً، متيحة للخبراء بأن يقولوا بثقة أكبر إن الطقس في الأيام المقبلة سيكون ممطراً أو مثلجاً أو ربما مشمساً.

البروفيسور مايك تيلدسلي، علماً أنه أحد المستشارين العلميين الكثيرين لدى الحكومة البريطانية، يستعين بالتناظر [المقارنة] بغية وصف التعقيدات التي تنطوي عليها عملية وضع نماذج حاسوبية افتراضية لجائحة "كوفيد-19".

يشرح أنه "قبل 10 أيام من التاريخ المحدد، ربما تتوصل بفضل النمذجة إلى توقع مفاده أن الجو سيكون ممطراً أو مشمساً باحتمال نسبته 10 في المئة، في حين لا يتعدى احتمال تساقط الثلوج واحداً في المئة، ولكن بطبيعة الحال ما إن يحل اليوم المقصود لن يحدث سوى واحد من هذه الاحتمالات".

في ما يخص متحور "أوميكرون" من فيروس كورونا، ونظراً إلى قلة البيانات التي كانت متاحة في بداية الموجة، صاغ الخبراء سيناريوهات عدة لما ربما ستشهده البلاد [من إصابات وحالات تستدعي دخول المستشفى ووفيات] خلال احتفالات عيد الميلاد.

تباينت تلك السيناريوهات كثيراً حول مدى نطاقها واحتمال حدوثها، لكن أياً منها لم يكن جازماً أو تنبؤياً في طابعه. "يبدو أن كثيرين يعتقدون أنه يفترض بنا أن نتعامل مع حقائق مؤكدة، ولكن لا يعقل ذلك"، يقول البروفيسور تيلدسلي.

إذن ماذا بينت تلك السيناريوهات؟ التوقع الأكثر سوءاً الذي "تنحو الصحف إلى التشديد عليه"، كما يقول البروفيسور جون إدموندز، باحث زميل في إعداد نماذج حاسوبية تتزود بها الحكومة البريطانية، أظهر أن عدم فرض أي قيود لاحتواء المتحورة سيؤدي إلى وفاة ستة آلاف شخص يومياً في ذروة موجة "أوميكرون"، مع دخول عشرات الآلاف من الحالات يومياً إلى المستشفى من أجل العلاج، أما السيناريو الأفضل فأشار إلى أن البلاد ستقاسي يومياً ما يصل حتى 400 وفاة، وأقل بقليل من ثلاثة آلاف حالة دخول إلى المستشفى.

كما نتقبل التوقعات غير المؤكدة إنما المؤثرة التي تزودنا بها الأرصاد الجوية عند وضع خطط لتمضية الإجازة المقبلة بعد أسبوعين، بالمثل استخدمت الحكومة البريطانية هذه المجموعة الواسعة من الاحتمالات كي تستعد، بناء عليها، لموجة كورونا خلال الشتاء بالشكل المطلوب، وتحدد ما إذا كان عليها أن تحتمي بمظلة صغيرة أو أن تشتري مجموعة جديدة من اللوازم المقاومة للماء.

هذه المرة اتجه مكتب رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى تبني نهج "اللمسة الخفيفة" [القيود الطفيفة]، الذي أصاب [كان في محله] لحسن الحظ.

في الوقت نفسه السيناريو الأسوأ الذي صاغه الخبراء، "الذي لم يتعد احتمال حدوثه نسبة واحد في المئة فقط"، كما يقول البروفيسور تيلدسلي، لم يتحقق أبداً.

ولكن مع ذلك واجه البروفيسوران إدموندز وتيلدسلي، إلى جانب أعضاء آخرين في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" (SPI-M)، انتقادات شديدة بسبب النماذج الحاسوبية الافتراضية التي ساعدوا في مد وزراء المملكة المتحدة بها في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما كانت المخاوف من "أوميكرون" تتفاقم.

أرادت الحكومة البريطانية، شأن الناس، أن تعرف كم من الأشخاص سيفارقون الحياة، وعدد الإصابات التي ستسجلها البلاد، وإلى أي مدى سيرتفع المعدل اليومي لدخول الحالات إلى المستشفى، وما هي القيود التي يتعين فرضها. وكل ما سبق ذكره بعيد كل البعد عن التنبؤ بأحوال الطقس.

في الواقع اتسم التحدي المطروح بالتعقيد بسبب نقص البيانات حول مدى الخطورة التي يتسم بها "أوميكرون" وقدراته على التهرب من المناعة التي اكتسبها الجسم. وفي ظل غياب هذه التفاصيل بلغت مجموعة التصورات التي وضعتها عملية النمذجة أقصى حدود الواقع [الخطر]، على ما يبدو.

"لم تكن في متناولنا بيانات جيدة تشير إلى أن "أوميكرون" أقل خطورة فعلاً، مقارنة مع نظرائه إلا قبل مجيء عيد الميلاد بفترة وجيزة، على ما يقول البروفيسور إدموندز، ولكن بحلوله كانت وضعت العناوين الرئيسة، مع إشارة مسبقة من منتقدين، بصراحة إلى حد ما، إلى أن عدوى "أوميكرون" لا تحصد في الحقيقة ستة آلاف شخص يومياً.

في التباس رئيس آخر، نُظر إلى النماذج الخاصة بكورونا باعتبارها تنبؤات، وليست هذه حالها بالتأكيد، كما يقول البروفيسور غراهام ميدلي، رئيس "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، مضيفاً أن مهمتهم "توضيح الاحتمالات للحكومة. تشكل النماذج سيناريوهات الغرض منها مساعدة صانعي القرار في فهم الآثار المترتبة على اتخاذ مختلف الخيارات السياسية."

كذلك يوضح البروفيسور ميدلي أنه بحلول موعد إعلان النماذج التي توصل إليها "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" للناس، يكون الزمن قد تجاوزها أصلاً. هكذا تركنا لنحاول أن نشرح أمراً هو خبر قديم فعلاً، من منطلق أنه سبق أن خضع لمراجعة من جانب الحكومة وحدد عملية تحديد السياسات.

ومع ذلك سيقر الخبراء بأن أعمالهم بعيدة كل البعد من كونها فناً مثالياً [بالغ الدقة]، بل على النقيض من ذلك تماماً.

اعترف كل الأعضاء في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" الذين تحدثوا إلى "اندبندنت" أن السلوك البشري يشكل الجزء الأكثر تحدياً من الناحية التقنية في معضلة النمذجة.

عندما يتعلق الأمر بارتفاع في عدد الإصابات وإمكان إرساء إجراءات تقييدية جديدة، كما شاهدنا في ديسمبر الماضي مع تفشي "أوميكرون"، تكون طريقة استجابة الناس شديدة التباين في مستوياتها.

سيختار كثيرون الانسحاب تماماً من المجتمع حتى قبل أن تصدر الحكومة هكذا توصية، وسيتابع آخرون ظناً منهم أن اللقاحات التي تلقوها تبقيهم بمنأى عن العدوى، حياتهم كالمعتاد، إلى أن يفرض القانون إجراء يثنيهم عن ذلك، وفي الأحوال كلها سيتجاهل بعض الناس كل أشكال التوجيهات.

وفق البروفيسور تيلدسلي "من الصعب جداً أيضاً أن نتبين كيف أن ردود الفعل هذه تختلف باختلاف أجزاء المجتمع. من المحتمل أن يستجيب الأشخاص من مختلف الفئات العمرية والمجتمعات بطرق متباينة، لذا يبدو من العسير إدراج ذلك في النماذج".

يشكل ذلك أحد أسباب عدم دمج السلوك البشري في كثير من النماذج الصادرة عن "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، علماً أن فرقاً جامعية عدة تضع سيناريوهات مختلفة تغذي البيانات التي تحال إلى الوزراء، ويوضح بشكل أكبر الاحتمالات الواسعة النطاق التي وجدت طريقها إلى هؤلاء الشهر الماضي .

يعتقد النقاد أنه في ظل غياب هذه القطعة [السلوك البشري] من الأحجية، ستبقى السيناريوهات التي تخلص إليها النماذج غير دقيقة دائماً، ويتوفر بالتأكيد سبب يدعو إلى دمجها في النمذجة، خصوصاً بوجود دراسات دولية عدة تعود إلى العامين الماضيين، توضح كيف تغير سلوك الناس على امتداد الجائحة.

في الواقع شهد الاجتماع الأخير الذي عقده "الفريق الاستشاري العلمي للطوارئ" ("سيج"Sage ) إقراراً بأن الزيادة المتوقعة في الدخول إلى المستشفيات "لم تتبد حتى الآن". افترض العلماء أن "ذلك مرده إلى مستويات مرتفعة من الحماية توفرها اللقاحات ضد الإصابة بمضاعفات تقتضي اللجوء إلى المستشفى، أو تضاؤل بطيء في نسبة الحصانة الناتجة من اللقاح، أو ربما بسبب سلوكيات احترازية تسود أوساط الفئات الأكثر هشاشة من الناس والأشخاص المحيطين بهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن لا تؤشر هذه الثغرة بعينها إلى أن النمذجة غير مجدية وغير جديرة بالثقة، إنما تمثل تذكيراً بأن [النمذجة] لا تمتلك معرفة كاملة أو شاملة.

سيقول الخبراء شيئاً من هذا القبيل. "ليست [النمذجة] علماً دقيقاً" لا ينطوي على تخمينات، يقول البروفيسور تيلدسلي.

ولكن في فترة تشهد استقطاباً شاملاً في المجتمع، استغلت الإخفاقات المتصورة لنمذجة "كوفيد" من جانب من يسعون إلى العثور على ثغرات في استجابة المملكة المتحدة للجائحة، ويطالبون بالاقتصاص منها بسبب القيود التي واجهناها، حتى إن عضواً في البرلمان البريطاني لا يتمتع كما يبدو بحيلة واسعة، ذهب إلى حد الاستشهاد بكلمات لوينستون تشرشل في انتقاده لنمذجة "كورونا" قائلاً، "لم يحدث سابقاً أن ألحقت قلة من الناس ضرراً كبيراً بكثيرين بناء على بيانات ضئيلة مشكوك فيها، ويحتمل أن عيوباً تشوبها".

ولكن أحد الأعضاء في "الفريق العلمي لنمذجة الإنفلونزا الوبائية"، طلب عدم الكشف عن اسمه، أوجز الأمر بطريقة جيدة إذ قال، "في نهاية المطاف كل شيء من عالم السياسة، وحين تقديم ذرائع في جدال سياسي يبقى تشويه أحد الأدلة التي تدعم الأمر الذي لا تحبذ حدوثه ممكناً ومنصفاً". للأسف، لم يسع العلماء قط إلى الانخراط في هذه اللعبة" السياسية.

© The Independent

المزيد من علوم