أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوماً خاصاً بتنظيم عمل شركات الاستعلام الائتماني، وهو المرسوم رقم 2 لسنة 2022، وينظم نشاطها ويخص قانون عمل شركات متخصصة في الاستعلام عن معطيات مالية وتجارية في الأساس للمؤسسات أو للأشخاص بهدف توفيرها في خدمة مجال المال والتجارة، لصالح منخرطين لديها من أشخاص طبيعيين ومعنويين على منصة بيانات متخصصة، بالمنتفعين عن طريق الانخراط. وهم الموفرون لهذه المعلومات بدورهم بحكم انخراطهم والمستفيدين منها بصفة آلية.
وتُعد شركات الاستعلام الائتماني الأولى من نوعها في تونس، ما فتح جدلاً واسعاً وجملة من الانتقادات من قبل منظمات، وتساؤلات حول هيكلتها وتنظيم نشاطها.
واختلف متخصصون في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" بين منتقدين لمثل هذه المؤسسات المستجدة في تونس ومدى تهديدها للمعطيات الشخصية للمواطنين، ومحللين رأوا فيها عنصراً دافعاً إلى تنشيط الحركة التجارية والمالية وإضفاء المرونة عليها بفضل ما توفره من ثقة في مناخ المال والأعمال والتسهيل في تدقيق المخاطر لدى البنوك خصوصاً.
هيكلة الشركات
وتوفر خدمة الاستعلام الائتماني المالي معلومات عن الديون لدى الأشخاص الماديين والمعنويين وآجال سدادها والمتبقي منها، وبالتالي مدى الوفاء بالالتزامات المالية لديهم. وتقوم الشركات المعنية بحكم امتلاكها هذه المعطيات بتقييم أداء الأطراف المالي وقدرتهم على إسداء خدمات مالية جيدة من عدمها.
ويشير المرسوم الذي وقعه الرئيس التونسي إلى طبيعة هذه الشركات التي تسدي الخدمة، وهي تحتكم إلى نظام يعمل على تجميع البيانات الائتمانية للأفراد والشركات في إطار منصة بيانات خاصة بها، مرخصة من قبل البنك المركزي.
وتخضع شركات الاستعلام الائتماني إلى أحكام القانون الذي يضبطها وللتشريع التونسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، وإلى مجلة الإجراءات التجارية (الهيكل القانوني المنظم للمؤسسات التجارية).
ويفسر المرسوم المعلومات الائتمانية بأنها متعلقة بمبالغ ديون الأشخاص الطبيعيين والمعنويين وآجال حلولها، والمتبقي منها والمعلومات ذات العلاقة بها، وأن هذه الشركات يتمثل نشاطها في معالجة هذه المعلومات لغرض تقييم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية وإسداء الخدمات ذات الصلة.
معلومات ائتمانية
وأوضح المرسوم، "أنه صادر عن شركات الاستعلام الائتماني في شكل مستند يتضمن هذ النوع من المعلومات للمعني بالأمر وبياناته حول تقييم قدرته على الإيفاء بالتزاماته، أما مزودو هذه المعلومات فهم الجهات والهياكل التي ترتبط مع شركات الاستعلام باتفاقية. ويتمثل المساهم المرجعي في كل مساهم أو تحالف لمجموع منهم بمقتضى اتفاق معلن بينهم يملك بصفة مباشرة أو غير مباشرة نسبة من رأس مال شركة الاستعلام تمكنه من التحكم فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويخضع إحداث شركات الاستعلام الائتماني لترخيص من المركزي التونسي. بعد حصول طالبي الترخيص على قرار قبول تصريح المعالجة الصادر عن الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (هيئة دستورية). ولا يمكن للبنك المركزي التونسي منح الترخيص في غياب موافقة الهيئة على التصريح لمعالجة المعطيات الشخصية، وفق نص المرسوم الرئاسي.
وتتحصل شركات الاستعلام الائتماني على المعطيات من مزودي المعلومات، وهي البنوك والمؤسسات المالية وشركات استخلاص الديون والتجار الذين يتعاطون البيوعات بالتقسيط، ومؤسسات التمويل الصغير ومؤسسات التأمين والمؤسسات والمنشآت والإدارات التي تسدي خدمات للعموم، وكذلك أي شركة استعلام ائتماني مرخصة لها وفق أحكام هذا القانون.
رقابة ميدانية
ويحظر على الشركات الإفصاح عن أي معلومة ائتمانية أو تقرير إلا لفائدة مزودي المعلومات الذين تربطهم بهم اتفاقية، كما تخضع شركات الاستعلام الائتماني لرقابة ميدانية ورقابة على الوثائق يجريها أعوان البنك المركزي التونسي، إضافة إلى رقابة على النظم المعلوماتية من قبل "الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية" (حكومية)، ورقابة على معالجة المعطيات الشخصية من قبل "الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية" ويمكن للهيئة في حال الإخلال بالواجبات القانونية منع المعالجة وإعلام البنك المركزي.
وعبرت "الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية" عن تحفظها على المرسوم المنظم لعمل الاستعلام الائتماني. واعتبر رئيس الهيئة شوقي قداس، "أنه يتسبب في اختراق المعطيات الشخصية للتونسيين، ورغم توفر الضمانات لحماية المعطيات في هذا المرسوم، وتكليف الهيئة صراحة بالقيام بمهمة الرقابة على هذا النشاط، فإن الهيئة تستغرب تمسك وزارة المالية في الإبقاء على أحد مصادر المعلومات وهو المتعلق بالمؤسسات الإدارية التي تسدي خدمات للعموم. واعتبرته الهيئة يتنافى مع قاعدة التناسب ويخترق الفصل 49 من الدستور التونسي الذي حدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات وأن تتكفل الهيئات القضائية بحمايتها من أي انتهاك".
كما يستوجب على كل المؤسسات التي ستقوم بإحالة المعطيات لهذه الشركات أن تحترم الفصل 47 من القانون الأساسي للهيئة عدد 2004-63 الذي ينص على أنه "تحجر إحالة المعطيات الشخصية إلى الغير من دون الموافقة الصريحة للمعني بالأمر أو ورثته أو وليه بأي وسيلة تترك أثراً كتابياً". وبناء على ذلك يتوجب على هذه الهياكل طلباً في استمارة من عملائها والمتعاملين معها أن يوافقوا على هذه الإحالة. كما ينص الفصل 17 من نفس القانون أنه "لا يجوز في كل الحالات ربط إسداء خدمة أو منفعة لفائدة شخص بشرط موافقته على معالجة معطياته الشخصية. وتبقى الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في إطار مهامها على ذمة الأشخاص المعنيين في تقبل شكاواهم إذا ما تم خرق القواعد المذكورة".
استعادة الثقة
في المقابل، اعتبر المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد سويلم، أن "إنشاء شركات الاستعلام الائتماني من شأنه تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية بصفة عامة، بحكم توفير هذه المؤسسات لمعطيات مهمة لجميع الفاعلين من بنوك وشركات بأنواعها صغرى ومتوسطة وكبرى إضافة إلى العملاء الصغار في السوق. ويمكن توفير معلومات دقيقة وشاملة عن مديونية المقترضين وتاريخهم الائتماني المؤسسات البنكية من تحديد دقيق للمخاطر. ويمكن المقترضين من استغلال مناخ الثقة بصفة أوفر. وتمكن المعلومات والبيانات الائتمانية المؤسسات المقرضة من العثور على أسواق في شكل عملاء جدد. ويمنح ذلك الفرصة للمقترضين في التوسع بالحصول على تمويل مشاريعهم وأنشطتهم بطريقة أسرع وأسهل بفضل توفر المعلومات المشجعة والمتمثلة في المصداقية لديهم، حيث تخلق هذه المنظومة مناخاً من الثقة يكاد يهتز بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية".
يُذكر أن نسبة التخلف عن سداد الدين لدى البنوك المقيمة في تونس، بلغت 5.7 في المئة عام 2019 وفق آخر تقرير للبنك المركزي مقابل 6 في المئة خلال 2018، و5.4 في المئة عام 2017. بينما بلغت حصة القروض المصنَّفة من إجمالي التعهدات 13.4 في المئة خلال 2019، مقابل 13.9 في المئة عام 2017. وبلغت قائمة القروض المصنفة 13.4 مليار دينار (4.6 مليار دولار) في 2019.