Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتجه الاقتصاد التونسي إلى التوازنات المحلية أم لخطة صندوق النقد؟

الحكومة تستعد لإصلاحات هيكلية مطلوبة لتعزيز مرحلة التنمية الجديدة

اشترط صندوق النقد الدولي القيام بإصلاحات هيكلية للاقتصاد التونسي مقابل الإقراض (أ ف ب)

تستعد تونس لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على قرض يمكّنها من الخروج للسوق المالية العالمية للاقتراض، وتنكب البلاد، محدودة الموارد، على وضع اللمسات الأخيرة للملف الذي ستقدمه ويحتوي على برنامج الإصلاحات الحكومية المعتمدة لإنعاش الاقتصاد.

يذكر أن صندوق النقد قد اشترط القيام بإصلاحات هيكلية للاقتصاد التونسي مقابل الإقراض، ويتمثل البرنامج في تجميد الانتدابات والزيادة في الأجور في القطاع العام إلى حدود عام 2024، ومراجعة مساهمة الدولة في رؤوس أموال المؤسسات العمومية "غير الاستراتيجية" ثم التفويت فيها.

الرّفع التدريجي للدعم

كما يتضمن البرنامج الحكومي الرّفع التدريجي في الدعم على المحروقات والمواد الأساسية مقابل تخصيص منح مالية مباشرة لمستحقيه، وقد قوبل البرنامج بانتقادات من قبل المراقبين، في حين نبّه محللون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" من خطورة الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي من دون التحضير لأرضية إصلاح متكاملة بالتأسيس لنمط تنموي مناسب لهذه التغييرات، وتبدو دوافع هذه الإصلاحات المفترضة مالية بحتة وهي التمكن من تعبئة الأموال من دون توافر نوايا حقيقية للتغيير نحو نموذج اقتصادي جديد في البلاد.

إصلاحات اقتصادية

وكانت تونس قد وقعت برنامج إقراض مع صندوق النقد في 2016، بقيمة 2.8 مليار دولار على أن تواصل إصلاحات اقتصادية تهدف إلى الضغط على عجز الميزانية، لكن الحكومات المتعاقبة اصطدمت بعوائق منعتها من تنفيذ هذه الإصلاحات، وهي نفسها التي تقدمها الحكومة الحالية في برنامجها وعوداً للتفاوض، وقد وضع الصندوق شروطاً مسبقة للتفاوض مع تونس، وهي وضع برنامج واضح لتنفيذ هذه الإصلاحات والانطلاق فيها.

وجوبهت الحكومات الماضية برفض الشركاء الاجتماعيين وبخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) لما ورد فيها من تفويت في الشركات العمومية وبخاصة تقليص كتلة الأجور.

شركات مفلسة

وتعد تونس 110 شركات عمومية تنشط في 21 قطاعاً منها مجالات الطاقة والصناعة والصحة والخدمات والنقل، وتعاني من خسائر متراكمة وصلت نهاية 2019 ما قيمته سبعة مليارات دينار (2.41 مليار دولار).

وقد تحولت إلى عبء على الدولة بعد أن كانت من أهم مصادر تمويل الميزانية، بسبب الاحتجاجات وتعطل الإنتاج وتأثير حجم الأجور والانتدابات غير المدروسة، وبلغ عدد العاملين بالشركات العمومية 200 ألف شخص مقابل أقل من 120 ألفاً عام 2011، ومن أهمها الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وشركة التبغ والوقيد، وشركة الخطوط التونسية، وفوسفات قفصة، والصيدلية المركزية.

وتكبّدت وكالة التبغ والوقيد خلال السنوات الأخيرة خسائر بقيمة 1.4 مليار دينار (482 مليون دولار)، وناهزت خسائر الخطوط الجوية التونسية 1.8 مليار دينار (620 مليون دولار) خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2020 وفق وزير النقل السابق، بينما تبلغ الديون غير المستخلصة للشركة التونسية للكهرباء والغاز 2.5 مليار دينار (862 مليون دولار) ما فاقم العجز لديها، وأدى التراجع في مؤشرات الإنتاج والمبيعات لدى شركة فوسفات قفصة إلى خسائر مالية خلال الفترة من 2011 إلى 2019، بلغت 603 ملايين دينار (207 ملايين دولار)، ويبلغ معدل حجم الخسائر السنوية للصيدلية المركزية 163 مليون دينار (56.2 مليون دولار).

الدعم المتنامي

وتبلغ التقديرات الإجمالية لنفقات الدعم في تونس عام 2022 ما قدره 7.26  مليار دينار (2.5 مليار دولار) وهو ما يمثل 15.4 في المئة من جملة نفقات ميزانية الدولة و5.3 في  المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وفق ما أعلنت عنه وزارة المالية، وتقدر حاجيات التمويل الضرورية لتوازن منظومة المحروقات والكهرباء والغاز في عام 2022 نحو 5.13 مليار دينار (1.76 مليار دولار) تم ضبطها على أساس معطيات وفرضيات معدل سعر النفط 75 دولاراً للبرميل من نوع "برنت"، ومعدل سعر صرف الدولار عند 2.920 دينار، علماً أن الزيادة بدولار واحد في سعر البرميل تؤدي إلى زيادة في نفقات الدعم بـ 137 مليون دينار (47.2 مليون دولار)، والزيادة بـ 10 مليمات في سعر صرف الدولار تؤدي إلى زيادة بـ 40 مليون دينار (13.7 مليون دولار) في النفقات المذكورة.

ورصدت اعتمادات لدعم المواد الأساسية (غذائية) في عام 2022 بحدود 3.77 مليار دينار (1.3 مليار دولار) مقابل 2.2 مليار دينار (758 مليون دولار) عام 2021 ، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ يأخذ في الاعتبار اقتصاداً بحوالى 429 مليون دينار (147.9 مليون دولار) في إطار اتخاذ تدابير جديدة بقصد ترشيد دعم المواد الأساسية، وتم تخصيص اعتماد في حدود 600 مليون دينار (206.9 مليون دولار) لدعم النقل العمومي مقابل 500 مليون دينار (172.4 مليون دولار) عام 2021.

تصاعد الأجور

أما ملف كتلة الأجور، فينطوي على تنامي مخصصات أجور موظفي الدولة بصفة سريعة ومتواصلة، وارتفعت من 9.5 مليار دينار (3.27 مليار دولار) إلى 10 مليارات دينار (3.44 مليار دولار) خلال النصف الأول من عام 2021 وحسب، بنسبة قدرها ستة في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد عرفت تصاعداً بأكثر من ثلاث مرات خلال السنوات العشر الماضية، إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار (2.06 مليار دولار) في عام 2010، لتفوق الـ 20 مليار دينار (6.89 مليار دولار) خلال عام 2021، ويعد أبرز أسباب هذا الارتفاع الانتدابات التي وصفت بالعشوائية في هذه الفترة، وتمثل كتلة الأجور ما يناهز 16.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وباتت تمثل 40 في المئة من الميزانية العامة.

توازنات المالية العمومية

ونبه المحلل عبد الجليل البدوي إلى ضرورة مراعاة توازنات المالية العمومية وحاجيات المؤسسات للموظفين عند الضغط على كتلة الأجور وعدم الاكتفاء بتنفيذ توصيات صندوق النقد التي لن تراعي مصلحة الدولة التونسية، لكي لا يتم الإصلاح على حساب أداء الوظيفة العمومية، كما وجب أن يشمل القضاء على التفاوت الحاصل في توزيع الموظفين بالنقص والزيادة في الإدارات، وتعاني إدارات تونسية استراتيجية في مجالات الصحة والتعليم من نقص فادح في الانتدابات، ويتحتم النظر في هيكلية الوظيفة العمومية بدراسة الامتيازات الممنوحة ومراجعتها، علاوة على الانتباه إلى أن كتلة الأجور تمثل المحرك الوحيد في خدمة معدل  التنمية الضعيف في تونس، وذلك بتحريك الاستهلاك، ويؤدي الضغط على كتلة الأجور إلى نقص الاستهلاك وهو من محركات التنمية وبالتالي تكريس تراجعه.

أما الدعم فلا يمثل امتيازاً اجتماعياً بقدر ما هو خيار استراتيجي للدولة التونسية، وقد أسس من أجل استقطاب الاستثمار الأجنبي وتشغيل اليد العاملة المنحدرة الكفاءة بأجور زهيدة، وتقليص تكلفة الإنتاج، وتوفر الشركات غير المقيمة المنتفعة من هذه الخيارات 65 في المئة من الصادرات، وتستقطب 70 في المئة من اليد العاملة الناشطة في الصناعة، لذلك وجب إرفاق مراجعة منظومة الدعم بنمط تنموي جديد، لأن الدعم لا يمثل  امتيازاً اجتماعياً، وحسب، على الرغم من حتمية المراجعة وواقعية التبذير الحاصل، فهو موجه للإنتاج في الجزء الأوفر منه.

إعادة هيكلة الشركات

ودعا الاقتصادي جمال بن جميع إلى الاعتماد على إصلاحات مدروسة  في إعادة هيكلة الشركات العمومية والاكتفاء بمراجعة مساهمة الدولة في الشركات التي لا تمثل مجالات حيوية مثل التبغ والوقيد والبنوك التي تحتفظ الدولة التونسية بأسهم فيها على الرغم من انتمائها إلى قطاعات تنافسية، ولا ضرر في التفويت فيها، بل من شأنها تطوير حجم الاستثمار في مجالاتها وتوفير المداخيل وخلق الثروة في حال خصخصتها، بينما يتحتم الاحتفاظ بالمؤسسات الاستراتيجية التي تنتمي إلى مجالات حيوية وموفرة للخدمات المباشرة للتونسيين مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وشركة الخطوط التونسية، والصيدلية المركزية، مع إعادة هيكلة شاملة تمكّنها من استرجاع نسق أدائها الموفر لموارد مالية للدولة. فالإصلاح لا يتمثل في التفويت لتوفير الأموال بل في إعادة الهيكلة والبناء لخلق استثمار قطاعي جديد موفر للموارد سواء كان بالإصلاح أو الخصخصة.