ما زالت الحدود المغربية مغلقة ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من خطر انتشار المتحورة "أوميكرون"، وعليه ما زالت السياحة تعتبر من أكبر القطاعات المتضررة من هذا الإغلاق إن لم نقل أكبرها.
وأمام تردي أوضاع القطاع والمهنيين والمقاولين السياحيين، سارعت الحكومة المغربية لفتح نقاشات مع ممثلي مهنيي السياحة وعقد اجتماعات وزارية تمخض عن آخرها الإعلان عن مخطط استعجالي لإنقاذ قطاع السياحة وتحسين الأوضاع المعيشية للمتضررين من النكسة الأخيرة.
واستعرضت فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، خلال الاجتماع الخطوط العريضة للمخطط الاستعجالي للقطاع، بحضور نادية فتاح، وزيرة المالية والاقتصاد، وفوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وعليه صادق رئيس الحكومة على خمسة تدابير رئيسة، جاءت ضمن مقترح المخطط، لا سيما تمديد صرف التعويض الجزافي المحدد في 220 دولاراً خلال الربع الأول من سنة 2022 لفائدة مستخدمي القطاع السياحي والنقل السياحي والمطاعم المصنفة، وتأخير أداء الاقتطاعات المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لمدة ستة أشهر لفائدة هؤلاء المستخدمين أنفسهم، وأيضاً، تأخير وقت دفع القروض البنكية لمدة قد تصل إلى سنة، لفائدة أصحاب الفنادق وشركات النقل السياحي، إذ ستدفع الحكومة الفائدة المرحلية لمدة تعادل عدد أشهر التوقف عن النشاط خلال سنة 2021، وكذلك خلال الربع الأول من سنة 2022، إضافة إلى إلغاء الضريبة المهنية المستحقة خلال سنتي 2020 و2021 على أصحاب الفنادق إذ ستقوم الدولة بدفعها.
كما تم تخصيص دعم حكومي لفائدة القطاع الفندقي بـ111 مليون دولار، على أن تخصص الاستفادة منه لدعم جهود الاستثمار في "الصيانة، والتجديد"، للفنادق التي تستعد لاستئناف نشاطها على وجه السرعة بمجرد إعادة فتح الحدود، ويأتي هذا المخطط بعد نحو سنتين من تداعيات الأزمة، وتهدف الحكومة المغربية منه إلى إنعاش سريع لقطاع السياحة يمكن من الإبقاء على الشركات، والمحافظة على مناصب الشغل وتجنب تشرد صغار العمال.
النقل السياحي
ساعات قليلة بعد إعلان الحكومة عن مخططها الاستعجالي لإنعاش قطاع السياحة وما تضمنه من إجراءات، خرج مهنيو القطاع بمختلف تخصصاتهم للتفاعل مع المخطط وإبداء ملاحظاتهم، وعبرت الفيدرالية الوطنية للنقل السياحي، في بلاغ، عما سمته صدمتها من عدم استجابة المخطط لسقف تطلعات المهنيين، وقالت إنه لا يرقى لمستوى المطالب التي قدمتها الفيدرالية لمختلف القطاعات الوزارية في ملفها المطلبي.
وجاء في البلاغ أن الفيدرالية ترحب أولاً بتمديد الدعم الجزافي للأجراء للربع الأول من سنة 2022 ودعتها لتمديده حتى استئناف العمل، كما أنها تناشد الحكومة إيجاد حل للأجراء غير المستفيدين من الدعم، وتندد بإقصاء قطاع النقل السياحي من الدعم المباشر ومن الإعفاء من الضريبة المهنية، وتصفه بالمتضرر الأول من الجائحة، وكون استئنافه للعمل يتطلب مصاريف ضخمة لصيانة المركبات المتضررة من التوقف الطويل الأمد الذي فرضته عليها التدابير الاحترازية المتخذة من طرف الحكومة.
ونبهت الهيئة ذاتها ضمن بلاغها الحكومة من تكرار ما سمته "خطيئة" عقد البرنامج 2020-2022 بعدم توضيح تفاصيل تأجيل سداد الديون، وبعدم إصدار قرارات ملزمة لمؤسسات التمويل والقطاع البنكي بتطبيق التأجيل، كما دعت الحكومة والوزارة الوصية إلى التعجيل بتعديل دفتر تحملات النقل السياحي لتمكين القطاع من استئناف عمله تدريجياً وتمكينه من الاشتغال مع الزبون المغربي من دون تعقيدات إدارية وقانونية.
وختم بلاغ الفيدرالية الوطنية للنقل السياحي أن "عيوب المخطط الاستعجالي لدعم السياحة، تؤكد واقعية واستعجالية مطلب الفيدرالية بتخصيص عقد برنامج خاص بكل قطاع، نظراً للتفاوتات في خصوصيات كل قطاع عن الآخر، ونظراً لكون بعض القطاعات لا تحظى بمن يدافع عنها ومن يستوعب خصوصياتها داخل الهيئات التي تفاوض عن قطاع السياحة وتقرر في مصير الدعم".
وكالات الأسفار
وكالات الأسفار لم تتأخر هي الأخرى في التعليق على المخطط الحكومي الاستعجالي وعنونت بلاغها في الموضوع بالاستنكاري، وأسف ممثلو وكالات الأسفار على مضمون الخطة الحكومية المستعجلة ورأوا أنه تم تغييب أي ذكر لوكالات الأسفار داخل المخطط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبرت الجمعية الوطنية لوكالات الأسفار المغربية عن استيائها وتساءلت في بلاغها عن سبب ما وصفته بالإقصاء على الرغم من أنها خاضت وقفة احتجاجية وأرسلت شكاوى لوزارة السياحة ونظمت ندوة صحافية قدمت خلالها خطة إنعاش مقترحة.
ونبهت الجمعية في البلاغ الحكومة المغربية والرأي العام الوطني بشأن الوضع الاجتماعي الصعب لآلاف الأشخاص والأسر الذين كانوا يعيشون من مداخيل 1200 وكالة سفر الموجودة على التراب الوطني، والتي توقف نشاطها كلياً منذ بداية الأزمة الصحية المرتبطة بآثار كورونا.
أرقام ما قبل الجائحة
السياحة إلى جانب الزراعة قطاعان واعدان يعتبران عصب الاقتصاد المغربي نظراً لما يخلقانه من فرص شغل واستثمارات ضخمة، وفي هذا الخصوص، قال المتخصص السياحي الزوبير بوحوت، إن القطاع السياحي يضم عشرات الآلاف من المؤسسات منها الفنادق، ودور الضيافة، والمطاعم السياحية، ووكالات الأسفار، ووكالات النقل السياحي، ووكالات تأجير السيارات، واستقطبت استثمارات كبيرة فاقت 17 مليار دولار، علماً أن القطاع يشغل أكثر من 500 ألف عامل بصفة مباشرة، وتشير أرقام المندوبية السامية للتخطيط إلى استهلاك داخلي يتجاوز 15 مليار دولار في 2019، وتمثل فيها حصة السياحة الدولية نسبة 70 في المئة ومن ضمنها السياحة الداخلية، من دون نسيان قطاع النقل الجوي المرتبط بالقطاع السياحي الذي سجل مداخيل بقيمة 1.8 مليار دولار في 2019.
أضاف بوحوت أن الصناعة التقليدية حققت رقم معاملات مهمة للتصدير بقيمة 89 مليون دولار في 2019، إضافة إلى مداخيل الرسوم والضرائب التي يستخلصها المكتب الوطني للمطارات من رسو الطائرات ومداخيل الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجماعية التي تستخلصها الدولة إلى جانب مجموعة من القطاعات في الخدمات كالمولات والمحلات التجارية التي تستفيد من انتعاش القطاع السياحي.
خسائر متواصلة
وتختلف تخصصات الفاعلين السياحيين لكنهم يتوحدون في كونهم جميعاً تجرعوا خسارة كبيرة إبان سنتي الوباء وخاضوا جميعاً أشكالاً احتجاجية لإظهار حجم الأضرار عليهم، وهنا، تابع بوحوت أنه منذ مارس (آذار) 2020 تراجع عدد الوافدين للمغرب بنسبة 80 في المئة، حيث كان العدد يصل إلى 12 مليوناً و932 ألف وافد، كذلك تراجع عدد الليالي السياحية بستة ملايين و900 ألف في 2020، في وقت سجل المغرب أكثر من 25 مليون ليلة سياحية في 2019، هذا إضافة لانخفاض كبير في قيمة مداخيل السياحة الدولية، من 8.6 مليار دولار في 2019 إلى حوالى أربعة مليارات دولار في 2020.
وقال المتخصص السياحي، إن تحقيق المغرب نسباً قياسية في حملة التلقيح في مرحلتيها زرع نوعاً من الأمل في جبر جزئي وسريع للأضرار، لكن توالي ظهور المتحورات وعدم تجاوب المغاربة مع حملة التلقيح بالجرعة الثالثة أعاد إرباك الحسابات.
رقم هذيل جداً
وفي ما يخص نجاعة المخطط الاستعجالي بادر الزوبير بوحوت بوصف الرقم المعلن عنه في الخطة الحكومية بالهذيل جداً مقارنة مع حجم معاملات القطاع، ويقول إن هناك أكثر من 30 ألف مقاولة سياحية بالمغرب تعاني طيلة سنتين، والمغرب يفقد 9.1 مليار دولار من السياحة الدولية و4.4 مليار دولار من السياحة الداخلية.
ضعف الرقم واضطراب توزيعه مقارنة مع حجم الخسائر يضعف الأمل في إنعاش سريع لقطاع يحتضر، ويرى بوحوت أن الرقم المناسب للوضع الراهن هو تخصيص ملياري دولار، أما دعم الدولة للمؤسسات في ما يخص التجديد والصيانة فلا يعتبره جديداً إذ دأبت الدولة على ذلك بشكل دوري، وعليه، ختم بوحوت، أن الإجراء الفعلي الأقرب للواقعية هو فتح الحدود سائلاً إذا كان الإغلاق بداعي منع دخول متحورة "أوميكرون"، واليوم 95 في المئة من الإصابات هي بهذه المتحورة، إذا ما الداعي لاستمرار الإغلاق وتكبيد المقاولات السياحية المزيد من الخسائر؟