تتجه فرنسا مجدداً في الأيام المقبلة نحو حالة الإغلاق، توجساً من موجة جديدة لفيروس كورونا، بعد ظهور السلالة الجديدة في دول أوروبية.
وتفاعلاً مع الحالة الوبائية التي تشهدها فرنسا، سارعت السلطات المغربية لإعلان تعليق الرحلات الجوية للمسافرين من وإلى فرنسا ابتداء من يومه الأحد 28 نوفمبر (تشرين الثاني).
خطوة بدت صادمة وذات أثرين اجتماعي واقتصادي على الجالية المغربية في فرنسا والشركات... وبررتها سلطات المغرب باستعجالية وخطورة الوضع الصحي في ظل التطورات الجديدة.
وتعتبر فرنسا الزبون الثاني للمغرب بحصة 21.7 في المئة بعد إسبانيا الزبون الأول، كما أنها المورد الثاني للبلاد بحصة تبلغ 11.9 في المئة من وارداته الإجمالية من الخارج.
وعليه اعتبر قرار تعليق الرحلات محبطاً لطموحات كثيرة باستمرار تعافي الاقتصاد المغربي لتجاوز خسائر سنتي الوباء.
ردود فعل تنتقد القرار
رجال أعمال وخبراء اقتصاديون وصفوا القرار بالصعب، لا سيما مع دولة تربطها علاقات متقدمة مع المغرب، إذ يشمل الضرر تنقل الأفراد والاستثمارات.
وطالب الخبراء، الدولة بالتفكير في مقاربات أخرى يكون ضررها أخف على الاقتصاد، وذكّروا بما كان للحجر الصحي الشامل من آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني والمقاولات والأفراد، واتضح بعدها أنه كان يمكن الاستغناء عنه وتفادي أضراره .
وبما أن الأمر يتعلق بالشريك التاريخي الأول، فلم تفت الفاعلين الاقتصاديين الإشارة إلى ضرورة التفكير والتحكم في مدة هذا الإغلاق.
السياحة تعاني من جديد
ويرى محمد غواتي أستاذ جامعي ورئيس أحد مراكز الدراسات والأبحاث في المغرب، أن السياحة ستكون في فوهة البركان مرة أخرى على اعتبار أن السوق الفرنسية كانت تعاني أخيراً من تراجعات ملحوظة، وحذر من انتكاسة جديدة بعد هذا الإغلاق.
وقال غواتي، إن الدولة المغربية تجعل من السلامة الصحية للفرد والمجتمع أولوية عظمى، ما يفسر قرارها بالإغلاق وسط تخوفات من وصول الموجات الوبائية الأوروبية إلى المغرب، موضحاً أن أيام احتفال رأس السنة ستلحظ انخفاض الإقبال الفرنسي إلى المغرب.
وختم قائلاً إن السياحة الفرنسية أساسية بالنسبة إلى عديد من الأسواق، في مقدمها السوق المغربية والهولندية والإيطالية، لكونها مهيكلة، ما يجعل من التأثيرات السلبية أمراً محتوماً.
تذاكر قليلة وأسعار مضاعفة
ساعات فقط بعد إعلان الرباط تعليق الرحلات مع فرنسا بسبب تدهور الوضع الوبائي في هذا البلد والقارة العجوز عموماً، وأربعة أيام قبل تنفيذ القرار، عرفت أسعار التذاكر ارتفاعاً صاروخياً.
محمد مواطن مغربي مقيم في ضواحي باريس يقول، "استبشرنا خيراً بتقدم المغرب في نسب التلقيح وتخفيف القيود المفروضة، وكنا ننوي دخول الوطن لزيارة مراكش تحديداً، الآن بات ذلك مستحيلاً، أولاً لا يمكننا المغامرة لأننا لا نعرف موعد عودة الرحلات، وثانياً لأن شركات الطيران لم تعد لها مقاعد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن ارتفاع الأسعار يضيف محمد، "كنا نسافر بـ200 دولار للفرد أي نحن أسرة من أربعة أفراد يمكننا السفر كلنا بـ 800 دولار، الآن يبدو ذلك صعب التحقق، فتذكرة الفرد بلغت 1200 دولار على شركة الطيران المغربية".
أسعار شركة الخطوط الجوية الفرنسية، لم تسلم هي الأخرى من تأثير الظرفية، فقد بلغت أسعار الرحلة بين الدار البيضاء وباريس تسعة آلاف درهم بالنسبة إلى الدرجة العادية (ألف دولار)، مع شح في عدد من المقاعد الشاغرة.
وقبل يومين من موعد تعليق الرحلات الجوية بين البلدين، سارعت شركات الخطوط الجوية إلى تكثيف الرحلات لإجلاء المواطنين في كلا الاتجاهين.
وأرجعت الحكومة المغربية قرار تعليق الرحلات الجوية مع فرنسا لرغبتها في الحفاظ على المكاسب التي حققتها في ما يخص تدبير جائحة "كوفيد-19"، ومواجهة تدهور الوضع الصحي في بعض بلدان القارة الأوروبية.
وتعيش حالياً بلدان عدة حالة استنفار بعد ظهور متحور جديد من فيروس كورونا المستجد، أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم "أوميكرون"، ووصفته بالمقلق للغاية بعد اكتشاف حالات عدة في جنوب أفريقيا بالأساس ودول أخرى، منها ملاوي وإسرائيل وبوتسوانا وهونغ كونغ وبلجيكا وألمانيا.
الحكومة الجديدة تطمح لتعزيز التعاون مع باريس
تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا كان محور لقاء بين نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية، وفرانك ريستر، الوزير الفرنسي المنتدب المكلف التجارة الخارجية وجذب الاستثمار، بحضور سفيرة فرنسا في المغرب هيلين لوغال.
وعبر الطرفان خلال هذا اللقاء عن رغبتهما في "التنسيق معاً من أجل تقوية وتعزيز التعاون بين المملكة والجمهورية الفرنسية في إطار شراكة مفيدة للطرفين"، وأشاد الوزيران بجودة علاقات البلدين والشراكة الاستراتيجية التي تجمعهما.
وعلى طاولة الاجتماع، ذكّرت وزيرة الاقتصاد بالتوجهات الرئيسة للبرنامج الحكومي، وزادت أن الهدف يتمحور في إرساء دولة اجتماعية ذات ثلاث أولويات رئيسة، وهي الاقتصاد المنتج لمناصب الشغل، والصحة والتعليم.
الوزير الفرنسي تطرق في مداخلته للمشاريع ذات الأهمية التي تباشرها فرنسا، لتعجيل التعافي من خسائر الأزمة، في مجال التجارة الخارجية، وختم بالتذكير بالأهمية الاستراتيجية التي توليها فرنسا لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب لاعتبارات عدة، أهمها القرب الجغرافي والتقارب التاريخي.
فرنسا تخشى فقدان مكانتها في أفريقيا
تتحرك فرنسا بشكل متسارع لتقوية حضورها الاقتصادي في أفريقيا بالتعاون مع المغرب، فيما تتجه أوروبا لنقل جزء من نشاطها الاقتصادي.
وقال فرانك ريستير "إن هذا التوجه الفرنسي، يأتي في وقت تفكر فيه أوروبا في نقل جزء من نشاطها الاقتصادي من آسيا".
وصرح ريستر لوسائل الإعلام خلال زيارته الرسمية إلى المغرب، "نتقاسم مع المغرب طموح تقوية حضورنا في أفريقيا... التناغم بين استراتيجيتينا يعزز إمكانات للشراكة في المستقبل".
وبحسب الوزير الفرنسي، فهذه "أولوية استراتيجية" بالنسبة إلى فرنسا، والاتحاد الأوروبي لـ "ضمان استقلالهما الاستراتيجي، وتنويع مصادر التموين"، ناهيك أن "نقل جزء من السلاسل المهمة من آسيا"، إلى بلدان أقرب في حوض البحر المتوسط والمغرب، يعد رقماً فاعلاً في هذه المعادلة.
تاريخياً تبقى بعض البلدان الأفريقية، سوقاً تقليدية للشركات الفرنسية، لكن في السنوات الأخيرة تحولت القارة السمراء لهدف للتنافس الاقتصادي بين القوى العظمى مثل الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من ذلك تبقى علاقات البلدين الاقتصادية قوية، إذ تعتبر فرنسا أول مستثمر أجنبي في المغرب بما يقارب 11 مليار دولار، فيما يتربع المغرب على عرش الدول الأفريقية المستثمرة في فرنسا، بحسب وزير التجارة الخارجية الفرنسي.
قرارات سياسية تهدد التعاون الاقتصادي
في زيارته إلى المغرب التقى ريستر وزراء ورجال أعمال مغاربة وفرنسيين لهم مشاريع في المغرب، ولوح بإمكانية التعاون في قطاعات الطاقات المتجددة، والنقل، والصناعات الغذائية، إذ دعا المقاولات المغربية إلى الاستثمار في فرنسا.
في المقابل لم يفت رجال الأعمال المغاربة الذين التقاهم الوزير الفرنسي أن يذكّروا بصعوبة ما دعا إليه في ظل صعوبات التوجه نحو فرنسا بعد قرار باريس أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، القاضية بتشديد إجراءات منح تأشيرات السفر لمواطني المغرب والجزائر وتونس.
وبررت السلطات الفرنسية في وقت سابق قرارها بما وصفته "عدم تعاون الدول الثلاث لاستعادة مواطنيها المقيمين في فرنسا ممن هم في وضعية غير قانونية"، ما اعتبرته الرباط "غير مبرر".