Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا سيجني المغرب من "مبادرة الحزام والطريق"؟

تبلغ قيمة التبادل التجاري السنوي بين الرباط وبكين 4 مليارات دولار

بوريطة مصافحاً نظيره الصيني وانغ يي خلال لقائهما في 17 نوفمبر 2017 في بكين (أ ف ب)

وقَّع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ونائب رئيس لجنة التنمية والإصلاح في جمهورية الصين الشعبية، نينغ جي تشه، اتفاقية تهدف إلى تعزيز الشراكة بين البلدَين بشكل كبير في إطار مبادرة "الحزام والطريق" المشتركة، في بكين.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية المغربية، حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، أنه في أعقاب هذه الاتفاقية ستشجع بكين الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار في المغرب في مختلف القطاعات، بما فيها صناعة السيارات والطيران والزراعة والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية، وغيرها. 
وقال نينغ جي تشه في المناسبة، إن قيمة الاستثمار المباشر للصين في المغرب بلغت 380 مليون دولار. 

المغرب أول بلد أفريقي ينضم للمشروع الصيني

وأطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ في عام 2013 مشروع "حزام واحد، طريق واحد"، مبادرة "الحزام والطريق"، وهي مجموعة خطوط بحرية وسكك حديد تربط بين الصين والبلدان المنضمة لهذا المشروع.
وتهدف بكين من خلال المشروع، إلى تقوية فرص التعاون الجديدة بين الصين والدول الـ140 التي انضمت إلى المبادرة.
وكان المغرب أول بلد في أفريقيا ينضم إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وذلك بعد التوقيع، في عام 2017، على مذكرة تفاهم تمكّن المغرب من نسج شراكات في قطاعات مهمة كالبنية التحتية والصناعات المتطورة والتكنولوجيا. وسارعت السلطات الصينية إلى منح المغرب صفة "الدولة المحورية" في إطار مبادرة "الحزام والطريق" وذلك وعياً منها بموقعه الاستراتيجي بين أوروبا وأفريقيا.
وبذلك، ساهمت مبادرة "الحزام والطريق" في تقوية التعاون في مجال البنية التحتية مع الصين، وحوّلت المغرب إلى وجهة مميزة للاستثمارات الصينية في أفريقيا بأكثر من 80 مشروعاً رئيساً في كل أنحاء البلاد. 

مليار دولار تبادل تجاري في 3 أشهر

وعلى الرغم من ظروف الجائحة التي قلّصت معظم التبادلات التجارية في العالم بفعل إغلاق الخطوط الجوية وتقليص البحرية وخفض رحلات الشحن، فإن حجم التبادل التجاري بين المغرب والصين فاق في الربع الأول من السنة الماضية مليار دولار، أي ما يناهز 9 مليارات درهم، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1.03 في المئة عن ذات الفترة من عام 2020.
وأبرز ماو جون، القائم بأعمال السفارة الصينية في الرباط، أن التبادل التجاري بين المغرب والصين صمد أمام ظروف الوباء بفضل المرونة الكبيرة التي أظهرها.
ووصف آفاق العلاقات بين البلدين في السنوات المقبلة بالجيدة، مضيفاً أنه "بناءً على أساس الصداقة المتينة، ستسمح الشراكة الاستراتيجية الصينية - المغربية باغتنام الفرص المتاحة من خلال مبادرة الحزام والطريق لتحقيق التقدم المستمر لصالح البلدَين والشعبَين".
وقال محمد خليل، رئيس جمعية الصداقة المغربية – الصينية، إن حجم التجارة السنوية بين البلدين استقر على 4 مليارات دولار (36 مليار درهم) في السنوات الأخيرة، ما يجعل الصين حالياً ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب.
وبحسب دراسات أُجريت لمصلحة الشراكات الصينية في أفريقيا، فمنذ عام 2016، أصبح المغرب أهم محتضن لاستثمارات بكين في القارة السمراء، إذ وقّع الطرفان شراكات اقتصادية مهمة في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا والاستثمارات المالية، كما أعلنت شركة "يانغتس" الصينية للسيارات عن استثمار بقيمة 100 مليون دولار في المنطقة الحرة بطنجة لإنتاج السيارات والحافلات الكهربائية بهدف تصديرها إلى أوروبا.
ورأى خليل أن "صادرات الصين إلى المغرب تشكل الجزء الأكبر من المبادلات التجارية، حيث بلغت حصتها في إجمالي واردات المغرب، 10.4 في المئة خلال عام 2019، بعد أن كانت 7.5 في المئة في 2014. أما صادرات المغرب إلى الصين فبقيت مستقرة". 

النسيج والسياحة والطاقات أبرز مجالات التعاون

الاتفاقيات الـ15 التي وُقِّعت أخيراً، تخصّ قطاعات الطيران والسيارات والسكك الحديدية والطاقة والنسيج والدراسات التقنية والبناء والأسمنت والتعاون السياحي، والدفاع والصناعات العسكرية والاستثمار.
من الناحية السياحية، يمكن التمعّن في عدد السياح الصينيين الذي وصل إلى 100 مليون سائح عالمياً في 2014، أنفقوا نحو 160 مليار دولار، وهي أرقام تفتح شهية كل الوجهات السياحية في العالم، بما فيها المغرب الذي يراهن على تحقيق رقم الـ20 مليون سائح. وتطمح الرباط بجلب 1 في المئة فقط من عدد السياح الصينيين، ومن مجموع نفقاتهم، من خلال تحقيق جذب مليون سائح صيني إلى المغرب في أفق عام 2025 بمجموع إنفاق يبلغ 1.6 مليار دولار.

لمن يميل الميزان التجاري؟

من ناحية أخرى، لا يشكل المغرب استثناءً في قاعدة خسارة أغلب الدول في تعاملاتها مع الصين، فهو يستورد منها نحو 3 مليارات دولار، ولا يصدّر إلا بقيمة 300 مليون دولار، لكن يبدو أن الرباط أدركت حجم التحديات في تعاملاتها مع بكين وكسبت إلى حد كبير أول رهان داخلي في الجمع بين الرأسمال والخبرة الصينيَين في تطوير القطاعَين الصناعي واللوجيستي بشكل مترابط، حيث أن جلّ الاتفاقيات التي وُقّعت هي رساميل وخبرات صينية سيتم ضخها في الاقتصاد المغربي، بالشراكة مع رأسمال والمؤسسات المحلية.
ونظراً إلى اتفاقية إنشاء مجمّع صناعي صيني - مغربي، واتفاقية تطوير مركز صناعي ولوجيستي من أجل تصنيع قطع غيار الصناعات السككية، والخاصة بالسيارات والطيران، وأخرى تهم بناء وحدة لصناعة الحافلات الكهربائية في المغرب، وحتى تطوير وحدة لإنتاج خلايا اللاقطات الشمسية بالمغرب، يظهر جلياً حضور القطاعات الرئيسة في الاستراتيجية الصناعية المغربية، وهي قطاعات السيارات والطائرات والطاقات المتجددة، التي تتيح للاقتصاد المغربي الاستفادة من شراكته مع الصين على مستوى السيولة والاستثمار والخبرة كذلك. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"طنجة تيك" استثمار صيني بـ10 مليارات دولار

وأصبح لميناء طنجة على المتوسط، دور مهم في جلب الاستثمارات الخارجية، حيث سارعت دول عدة إلى دخول اقتصاد شمال المغرب، والصين واحدة من تلك الدول، فارتفعت نسبة الاستثمارات الصينية في المغرب خلال السنوات الأخيرة بما يقارب الضعف، ويُعد مشروع "مدينة محمد السادس طنجة تيك"، أكبر استثمار لبكين، حيث وعلى هامش منتدى "الحزام والطريق"، تم التوقيع في عام 2019 في العاصمة الصينية على مذكرة تفاهم لإنجاز وتطوير هذا المشروع الضخم، بين مؤسسة تهيئة طنجة تيك (سات)، والمقاولة الصينية "تشاينا كومنكيشن كونستركشن كومباني ليمتيد إنترناشيونال" (سي سي سي سي) وفرعها "تشاينا رود أند بريدج كوربورايشن" (سي آر بي)، ورُصد للمشروع نحو 10 مليارات دولار، وسيوفر 100 ألف فرصة عمل، كما سيستقطب نحو 200 شركة صينية. 

سوق صينية تغزو الدار البيضاء
كذلك، وسط مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، يوجد المركز التجاري "درب عمر" الشهير ببيع الجملة والتقسيط، لا يخطئ كل زائر لهذا السوق في ملاحظة أن مساحة كبيرة منه خُصصت للتجار الصينيين، حيث وصل عددهم إلى نحو ألفي تاجر، وبخبرتهم في التعاملات التجارية سرعان ما فهم هؤلاء التجار متطلبات السوق المغربية، بل أكثر من ذلك باتوا يتقنون اللهجة المغربية بشكل لافت. يدعونك لدخول محلهم والاقتناء، ويناقشون الأسعار باحترام وتواضع متفننين في عرض سلعهم، وهكذا كسبت التجارة الصينية في هذا السوق مساحةً مهمة من الاستهلاك المغربي، حيث أضاف هؤلاء التجار البيع بالجملة إلى تجارتهم. وتتنوع معروضاتهم بين ملابس وديكور وتجهيزات منزلية ودراجات نارية وعادية.
ولضمان كسب ود الزبائن، وزيادةً على تخفيض الأسعار، فكّر التجار الصينيون في الاعتماد على الأيادي العاملة المغربية لمساعدتهم في تجارتهم، حيث يدفعون للعمال المغاربة، ما بين 8 و12 دولاراً في اليوم. وبحسب إحدى الدراسات، يتمركز معظم الصينيين المقيمين في المغرب لغرض التجارة أو الوظيفة أو الإدارة، في الدار البيضاء ونواحيها، فيما يقطن بعضهم في المدن الصغرى لعملهم في مجال إنجاز الطرق.
وفي أحد مظاهر دهاء التجارة الصينية وقدرتها التنافسية، ابتكر التجار الصينيون طريقة جديدة لتحقيق رقم معاملات أكبر، وهي تخصيص محلات تبيع كل معروضاتها بنحو نصف دولار، وتضم ديكورات، وأواني منزلية، ومواد تنظيف وتجميل، وهو ما لقي إقبالاً منقطع النظير دفع ببعض التجار المغاربة إلى تقليدهم، وهكذا يكاد لا يخلو حي مغربي من محل أو اثنين عُلقت عليه لافتة كُتب عليها "كل شيء بنصف دولار".

هل يزعج التوغل الصيني القوى التجارية العظمى؟

يقول الصحافي الاقتصادي رشيد موليد، "إن الصراع القديم/ الجديد بين الولايات المتحدة والصين، سواء على مستوى اللقاحات أو التجارة العالمية وتبادل العقوبات، لا يمكن إسقاطه بالضرورة على الدول التي تضم مصالح للبلدين، كما هو الحال في المغرب مثلاً الذي تبنى منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش استراتيجية تنويع الشركاء والابتعاد عن سياسة الأقطاب، وهو ما انعكس على تضخم وتوسع شبكة علاقاته مع القوى الكبرى. وعليه، يمكن للمغرب أن يوفق بين مصالحه ومصالح واشنطن وبكين في تعاون ثلاثي بمبدأ رابح - رابح في مجالات عدة أبرزها الطاقة التي تمثل أكبر اهتمامات البلدين العملاقين". 
في المقابل، تقول وجهة نظر أخرى إن الصراع الصامت بين بكين وواشنطن قد يتأجج في السنوات المقبلة، وإن الحزب الشيوعي الصيني الذي ينتهج سياسة القوة الناعمة في منافسته مركّزاً على ترك الصراعات، قد يتخلى عن هذه السياسة في السنوات المقبلة، وخصوصاً أن الاقتصاد الصيني يتقوى سنة بعد أخرى كما أن استخدام بكين "دبلوماسية اللقاحات" قرّبت مسافاتها مع دول عدة وزادت من حلفائها، بالتالي إن وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن مصالحها، بخاصة الاقتصادية في المغرب وأفريقيا، فلن تتردد.