Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة موسكو إلى آسيا الوسطى... ومخططات أنقرة باءت بالفشل

أصبحت مواصلة تأسيس تحالف أقوى مع الكرملين ضرورة استراتيجية بالنسبة إلى توكاييف

عناصر من القوة الروسية المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي لدى عودتها إلى موسكو من كازاخستان في 15 يناير الحالي (أ ب)

اندهش الجميع من اندلاع المظاهرات بشكل مفاجئ، في كازاخستان، البلد الأكثر ازدهاراً وثراءً في آسيا الوسطى، ثم انتهائها أيضاً بسرعة فائقة في غضون عشرة أيام.

قد يبدو هذا كأنه فترة زمنية قصيرة، لكن هذه الأيام العشرة، قضت على حقبة نور سلطان نزارباييف، الزعيم المؤسس للبلاد، الذي حكم لـ30 عاماً، وفتحت عهداً جديداً لفترة حكم الرئيس قاسم جومارت توكاييف، بالمعنى الحقيقي.

وعادت موسكو إلى المشهد بقوة أكبر، لتعلن أنها لا تزال تسيطر على المنطقة من الناحية السياسية.

هذه التطورات يبدو أنها تلحق الفشل بالمشاريع التي كانت الحكومة التركية، تخطط وتروّج لها على منابرها الإعلامية ذات التوجهات الإسلاموية والقومية تحت اسم "الربيع التركي"، ليتم تطبيقها في دول آسيا الوسطى.

ويمكن قراءة الأحداث التي وقعت في كازاخستان من أبعاد وزوايا مختلفة، فإن لهذه التطورات أبعاداً سياسية وتجارية وعسكرية.
ومعلوم أنه إذا كانت هناك دولة ذات أهمية استراتيجية مثل كازاخستان، فإن المصالح والاهتمامات التي تهم الدول الإقليمية والوطنية في المقام الأول، تلعب دورها.

صحيح أنه كانت هناك عوامل لعبت دوراً في تحريك إرادة الشعب نحو التظاهر في كازاخستان. لذلك سيكون من الخطأ الفادح تجاهل العوامل المحلية والتقليل من شأنها.

ولكن من الخطأ أيضاً تجاهل العوامل الجيوسياسية التي ستملأ الفراغ السياسي الناجم عن هذه التحركات الشعبية التي تصل إلى مستويات تهدد البلاد.

لا بد أن الرئيس توكاييف أدرك القضيتين اللتين ذكرتهما، فأصبح ينتقد الإدارة السابقة ويصرح بأن مطالب الشعب، قد تم البدء بالاستجابة لها بسرعة. ومن الآن فصاعداً، أصبحت مواصلة تأسيس تحالف أقوى مع الكرملين، ضرورة استراتيجية بالنسبة إليه.

بفضل التظاهرات، اكتسبت روسيا مواقع جديدة خطيرة للغاية، واكتسبت بهذا التدخل السريع والسيطرة على الوضع، مكانة جيدة، مما زاد من رصيدها لدى حلفائها وشركائها.

كما رفع ذلك من معنويات موسكو قبل المفاوضات التي تجريها مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
على الرغم من أن كازاخستان دولة تتمتع بمستوى جيد بين دول المنطقة من ناحية التنمية الاقتصادية، والقوة العسكرية، والفرص التكنولوجية، والرعاية الاجتماعية والحريات السياسية، فإن فلاديمير بوتين أظهر مرة أخرى أنه لن يسمح بأدنى حركة خارجة عن سيطرته في "الجغرافيا السوفياتية".
فبعد مرور 30 سنة على حصول ذلك البلد على استقلاليته، لا تزال هناك مشاكل في الجغرافيا السوفياتية السابقة، تعود إلى سنوات عدة.

ولذلك تتخذ موسكو خطواتها وهي واعية بأنها لا تزال تملك مفاتيح هذه المشاكل التي لن يمكن حلها بمعزل عنها.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، ظهرت 15 دولة منفصلة عن الاتحاد، لكن هذا التفكك الكبير جلب معه مشاكل وصراعات عدة كما كان متوقعاً.

فمن تلك المشاكل، الحرب الدامية التي اندلعت في عام 1994 بين روسيا والشيشان واستمرت لسنتين، إضافة إلى الحرب بين روسيا وجورجيا في عام 2008، وأزمة أوكرانيا (القرم ودونباس) منذ عام 2014، وحرب ناغورنو قره باغ (بين أذربيجان وأرمينيا) في عام 2020. ناهيك بتظاهرات بيلاروس التي قمعتها موسكو في عام 2020، كما يمكننا حتى إضافة أفغانستان إلى هذه السلسلة.
لهذا السبب، يواصل الكرملين بين الحين والحين إرسال رسالة إلى الغرب مفادها أنه لا ينبغي لهم المخاطرة بمحاربة روسيا من أجل الجغرافيا السوفياتية السابقة.

كما تحاول موسكو أن تواصل السيطرة على الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، من خلال منظمات مثل "كومنولث الدول المستقلة" (CIS)، و"الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"  (EAEU)ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي  (CSTO).
ويمكن القول أيضاً إنها ستجبر كازاخستان على الحد من اتصالاتها مع الغرب، كما فعلت في أرمينيا، وتريد أن تفعل مثل ذلك مع سائر دول المنطقة.

مخططات العدالة والتنمية في آسيا الوسطى

في غضون ذلك، لا تزال حكومة "حزب العدالة والتنمية" في أنقرة تتعرض للانتقادات بسبب صمتها لبضعة أيام في الأيام الأولى للتظاهرات في كازاخستان. ولم تُدْلِ "منظمة الدول التركية"، بقيادة تركيا وأذربيجان، التي تأسست بدعم من كازاخستان وقيرغيزستان بأي بيان في ذلك الوقت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإنني، كتركي، كنت أتوقع أن تضطلع أنقرة وتركيا ومنظمة الدول التركية، بدور دبلوماسي جاد في التطورات الجارية في كازاخستان.

وبطبيعة الحال يريد جميع الأتراك، أن تلعب هذه المنظمة دوراً استراتيجياً فاعلاً في سائر القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية.
وكنت أشرت في مقالتي السابقة إلى دور حكومة "حزب العدالة والتنمية" في أحداث كازاخستان. وكيف أن ديميتري ديكي، أكبر زعيم مافيا في كازاخستان، كان اجتمع قبل اندلاع تلك الأحداث مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو. وانتشرت صورهما آنذاك على وسائل الإعلام.

وبعدما تحريت عن الموضوع، لفت نظري أن قادة المعارضة الكازاخية هم أيضاً يعيشون في تركيا، وباتوا يظهرون على وسائل الإعلام التركية التي يسيطر عليها الحزب الحاكم بما فيها القناة الرسمية (TRT).

ويتهم بعض هؤلاء، لا سيما الشباب منهم، بالانتماء إلى تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا، ورجع البعض منهم إلى كازاخستان قبل بدء الأحداث الأخيرة.

وبالفعل تم القبض على هؤلاء الأشخاص في التظاهرات التي جرت أخيراً في كازاخستان، بعدما قاموا بذبح جنديين بقطع رأسيهما. مما أدى إلى ردة فعل قوية لدى الجمهور تجاه هذه الأعمال التخريبية وانسحب عدد كبير منهم من الاحتجاجات.

كما نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لرد فعل الجمهور على المنظمات الإرهابية المتطرفة.

في الواقع، تم القبض على هؤلاء الأشخاص مع رئيس المافيا ديميتري ديكي، كما أكد لي ذلك سفير تركيا في كازاخستان، في المقابلة التي أجريت معه بشأن الأحداث الأخيرة.
وإنني لا أوجه انتقاداتي إلى "الدولة التركية" بقدر ما أوجهها إلى "حكومة حزب العدالة والتنمية" تحديداً، لأنه مع هذا المشروع المظلم، أصبح الإسلامويون هم الذين حولوا الشرق الأوسط إلى حمام دم.

وتتهم المعارضة حكومة "حزب العدالة والتنمية" بتقديم الأسلحة والمواد الغذائية والدعم اللوجيستي لـ"داعش" من خلال منظمات الإغاثة والمافيا لكنها تنفي بشدة هذه الاتهامات.

كما يقول منتقدو أردوغان إنه حاول إطلاق عمليات مظلمة في آسيا الوسطى من خلال منظمات الإغاثة والمافيا. ولا تعترف حكومة أردوغان بمثل هذه الاتهامات.

ولكن عندما أرسلت "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" قواتها، بقيادة روسيا، تحطمت كل أحلام الكيانات المظلمة الإسلاموية والقومية في تركيا.

لسوء الحظ، مع هذه الخطوة، أبعدت حكومة "حزب العدالة والتنمية" كازاخستان عن تركيا، ما دفعها إلى الاقتراب من روسيا والصين أكثر.

وجّه أردوغان ضربة قوية إلى علاقاتنا التي نحاول إقامتها مع أشقائنا في آسيا الوسطى منذ ثلاثة عقود.

المزيد من آراء