يحذر خبراء من أن الزيادات الضريبية والفواتير المتصاعدة قد تتسبب في أكبر صدمة لمداخيل الأسر في نصف قرن تقريباً، وتخاطر بإخراج التعافي الاقتصادي الهش في المملكة المتحدة عن مساره.
وسيشهد كل من يكسب 30 ألف جنيه إسترليني (حوالي 41 ألف دولار) سنوياً انخفاضاً في راتبه الصافي بمقدار 1660 جنيهاً بسبب التكاليف المتزايدة للمعيشة، والأجور الراكدة، والزيادات الضريبية، وفق حسابات جديدة أجراها "معهد الدراسات الماليّة".
ويشمل الخفض الفعلي للأجور دفع 250 جنيهاً إضافية كمساهمات في التأمين الوطني و150 جنيهاً إضافية في ضريبة الدخل. وستقع الضربة الأشد على الأسر الأكثر فقراً التي تنفق مزيداً من مداخيلها على الضروريات الأساسية كالطاقة، إذ يُتوقع أن يقع مئات الآلاف من الأشخاص في براثن فقر الوقود. فقد احتسب المعهد أن شخصاً يكسب 15 ألف جنيه سنوياً سيخسر 860 جنيهاً من دخله الحقيقي بعد تسديد الضرائب.
وكذلك حذرت منظمة "مشورة المواطنين" من أن الناس يتخذون "قرارات يائسة" للاختيار بين تناول الطعام أو تدفئة مساكنهم. إذ يشير رئيس السياسات في المنظمة، مورغان وايلد إلى إنه "مع الضربة الضخمة التي تلقتها البلاد من الارتفاعات الحادة في أسعار النفط في أبريل (نيسان)، من المنتظر أن تسير الأمور من سيء إلى أسوأ".
ومن المقرر أن تُصَاب الميزانيات بأضرار فادحة بسبب قفزة تبلغ 50 في المئة في فواتير الطاقة في أبريل (نيسان) عند مراجعة السقف السعري، فيما ستتضاعف فواتير الأسر التي اعتادت أن تدفع رسوماً بمعدلات ثابتة أقل من سواها.
واستطراداً، يؤدي ارتفاع تكاليف الغاز والكهرباء في شكل مثير للقلق، مضافاً إليه تعطل سلاسل الإمداد على الصعيد العالمي، إلى دفع أسعار مجموعة من البضائع إلى الارتفاع، ويُتوقع أن يرتفع معدل التضخم إلى ما يزيد على ستة في المئة.
وفي سياق متصل، تأتي تلك المعطيات مع زيادة المساهمات في التأمين الوطني وبدء حملة [وزير المالية] ريتشي سوناك الرامية إلى جمع 11 مليار جنيه من ضريبة الدخل.
وكذلك تواجه الحكومة اتهامات بمفاقمة الأعباء الخاصة بتكاليف المعيشة من خلال إدخال زيادات ضريبية رديئة التصميم، أثناء ارتفاع معدل التضخم وركود الأجور.
فقد حذر خبراء اقتصاديون من أن رغبة السيد سوناك في "موازنة الدفاتر" من خلال زيادة الضرائب في حين يشهد الاقتصاد ضعفاً، تهدد بخنق التعافي الهش في المملكة المتحدة، ما يؤدي إلى انخفاض العوائد الضريبية.
وبحسب رئيس "مركز العدالة الاقتصادية" التابع لـ"معهد بحوث السياسات العامة"، جورج ديب، "هنالك خطر حقيقي يتمثل في أن تحمل الزيادات الضريبية الرديئة التصميم مقترنة بانخفاض النمو الاقتصادي، مجموعة من المخاطر لميزانيات الأسر والأوضاع المالية للبلاد".
وبصورة عامة، تواجه المملكة المتحدة تواجه مستدامة على صعيد تكاليف المعيشة. وقد تتعرض المداخيل إلى ضرر أكبر بالمقارنة مع ما حصل إبّان الانهيار المالي 2008. وإذا تبين أن الحال كذلك فعلاً، فلا بد للمرء من أن ينظر إلى الماضي وصولاً إلى سبعينيات القرن العشرين كي يجد صدمة أسوأ [مما يحصل حاضراً] لدخل الأسر المتاح الحقيقي".
واستكمالاً، يعني تجميد الإعفاءات من ضريبة الدخل لخمس سنوات الذي أعلنه ريتشي سوناك في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أن 1.5 مليون شخص إضافي من ذوي الدخل المنخفض يُرجّح أن يطاولهم المعدل الأساسي لضريبة الدخل، ويتوقع أيضاً أن يطاول المعدل الأعلى [في ضريبة الدخل] حوالي 1.2 مليون شخص. ويعني معدل التضخم الأعلى أن الناس سيدفعون أربعة مليارات جنيه في ضريبة الدخل مع حلول 2026 إضافة إلى ما توقعته وزارة المالية، وفق تحليل جديد من "معهد دراسات المالية العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك الصدد، ذكر نائب مدير معهد دراسات المالية العامة، كارل إيمرسون، إن الزيادات الضريبية ستقلل من مداخيل الأسر والطلب الاستهلاكي، ما يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي.
وبحسب رأيه، "يعني ارتفاع معدل التضخم أكثر كثيراً مما كان متوقعاً في مارس (آذار) الماضي، أن تجميد الإعفاءات من ضريبة الدخل سيكون أشد صعوبة".
وفي السياق نفسه، تتآكل مستويات المعيشة أكثر بفعل معدل التضخم الجامح في أسعار البيوت، لأسباب منها خفض ضريبة الدمغة السنة الماضية. فعلى رغم الاقتصاد الضعيف، ارتفع متوسط أسعار البيوت في المملكة المتحدة بـ9.8 في المئة سنة 2021، الأمر الذي جعل ملكية المساكن أقل معقولية بالنسبة إلى الذين لم يشتروا مسكناً بعد.
وبالتالي، تعني المجموعة الوخيمة من البيانات وجود مقدار أقل من الأموال التي تستطيع الأسر أن تنفقها، فضلاً عن تضاؤل دخل الشركات التي تتعافى من الجائحة واحتمال انخفاض العوائد الضريبية للحكومة.
وفي ذلك الصدد، يواجه وزير المالية ضغوطاً متزايدة من قبل النواب والنشطاء المحافظين للتراجع عن الزيادات الضريبية المخطط لها، لكنه يظل صامداً حتى الآن، مصراً على أنها الطريقة الوحيدة المسؤولة لدفع تكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية.
وفي تعليق على تلك المعطيات، يرى فرانك فان ليرفن من "مؤسسة الاقتصاديات الجديدة" إن الأسر تقترب بالفعل من الأزمة الحالية في وضع ضعيف مالياً بسبب 13 سنة من دون زيادة حقيقية في متوسط الدخل.
ووفق تلك المؤسسة، يعيش نحو 21.4 مليون شخص تحت مستوى معيشة مقبول اجتماعياً. ولا تتوقع المؤسسة البحثية أن تتعافى الأجور الحقيقية إلى مستواها عام 2008 حتى نهاية 2028.
وبحسب السيد فان ليرفن، "سيُضرب عدد كبير من الديناميكيات المختلفة الأسر في الوقت نفسه، بفعل تآزر موجة جديدة من فيروس كورونا، وأجور حقيقية هابطة، وارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة".
ويضيف، "إلى جانب هذا، لم نتعاف بعد من الأزمة السابقة، ولم نتمكن بعد من التعامل مع العواقب المترتبة على الخروج من الاتحاد الأوروبي".
وتدعو "مؤسسة الاقتصاديات الجديدة" إلى خفض سقف أسعار الطاقة بالنسبة إلى أصحاب المداخيل المنخفضة، وتوسيع نطاق التخفيضات في مجل التدفئة المنزلية كي تنطبق على مزيد من الأشخاص، وزيادة المنافع المخصصة للأطفال، إضافة إلى تدابير أخرى.
ولم تسفر المحادثات بين الحكومة وموردي الطاقة بعد عن التوصل إلى اتفاق حول كيفية الحدّ من تأثير ارتفاع الفواتير.
© The Independent