وقَّع المغرب والصين خطة التنفيذ المشترك التابعة لـ"مبادرة الحزام والطريق"، وتلتزم بكين بموجبها حث الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار في المغرب في مجالات متعددة، منها صناعة السيارات والطيران والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية. وكان المغرب من أوائل البلدان الأفريقية التي وقعت مذكرة تفاهم بشأن "مبادرة الحزام والطريق" في عام 2017، ومن ثم تزايد حجم التجارة بين البلدين بنسبة 50 في المئة.
تعزيز الشراكة
وأكد البلدان أنه من شأن الاتفاق الجديد تدعيم الشراكة والتعاون بينهما. وصرح وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أن "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق تمثل أداة متكاملة لتعزيز الشراكة الثنائية"، مشيراً إلى أن تلك الخطة "تضع إطاراً تم التفكير فيه بعناية، ولمبادئ واضحة وآليات متينة، كما أنها توفر أداة متكاملة للتدبير الاستراتيجي، والتفعيل الملموس لشراكة شاملة انطلاقاً من الحوار السياسي وصولاً إلى تعاون قطاعي شامل". مضيفاً أن "هذا التعاون يشمل على الخصوص، البنى التحتية والتجارة والاستثمارات والصناعة والتعليم والعلوم والتكنولوجيات والتنمية الخضراء والصحة".
من جانبه، صرح نائب رئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية، نينغ جي، أن "مبادرة الحزام والطريق، الحاملة روح السلام والتعاون والانفتاح والاندماج والتعلم والمنفعة المشتركة، تسمح للمغرب والصين بتدشين عهد جديد من التعاون"، موضحاً أن المبادرة "تمنح زخماً لتعاون أعمق في مجال البنية التحتية وتقاسم فوائد التنمية".
وأشار المسؤول الصيني إلى أن الاستثمارات المباشرة لبلاده في المغرب بلغت 380 مليون دولار، وأن غالبية هذه الاستثمارات مخصصة للبنى التحتية والاتصالات والصيد البحري، موضحاً أنه "في عام 2020، بلغ حجم التجارة الثنائية 4.76 مليار دولار، بزيادة قدرها اثنين في المئة على الرغم من تداعيات جائحة كوفيد-19 السلبية على التجارة الدولية".
ماذا يجني المغرب؟
في سياق متصل، يشير الباحث المغربي في العلاقات الدولية، هشام معتضد، إلى "مكاسب عدة يمكن للمغرب جنيها من خلال التوقيع على اتفاقية التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق مع جمهورية الصين الشعبية"، موضحاً أنه "بالإضافة إلى الاستثمارات الاقتصادية والتجارية، هناك أبعاد جيواستراتيجية وسياسية مرتبطة بتنفيذ بنود هذا الاتفاق، وستمكّن العلاقات المغربية - الصينية من كسب مزيد من الإيجابية الاستراتيجية، ومواصلة التعاون السياسي البنَّاء". مضيفاً أن "مبادرة الحزام والطريق ستفتح المجال أمام شركات البلدين إلى تكثيف استثماراتها التجارية والصناعية، وذلك بهدف جعل المحور الاقتصادي المحرك الثابت والقوي في العلاقات الثنائية بين البلدين". ويعتبر الباحث المغربي أن "تلك الاتفاقية تشكل أيضاً خارطة طريق جديدة بين البلدين من أجل تأطير تعاونهما الثنائي على مستوى التنمية المستدامة والدعم الاجتماعي والاقتصادي في أفريقيا". لافتاً إلى أن "الصين تعتبر المغرب بوابة استراتيجية لأفريقيا وشريكاً مهماً موثوقاً به، ويتمتع بمصداقية تاريخية في ما يخص الحضور السياسي والاستراتيجي على الساحة الأفريقية، لذاك فرهان بكين على الرباط من خلال هذه المبادرة لأجل تعزيز حضورها أفريقياً يُعتبر حلقة مهمة وحيوية من أجل تقوية العلاقات بين البلدين". وأضاف معتضد أن "المكاسب السياسية التقليدية والكلاسيكية لمبادرة الحزام والطريق تندرج في إطار تقريب وتعزيز وجهات النظر بين البلدين، وذلك في ما يخص احترام سيادتيهما، وكذلك الرؤى السياسية ذات الاهتمام المشترك، بخاصة أن تحديات مشتركة تجمع البلدين على المستوى الدولي بعد انخراطهما في تبني ملفات مرتبطة بمجال التنمية والمحافظة على البيئة".
وتحدث الباحث المغربي عن "رغبة البلدين في تحقيق تعاون قطاعي شامل مبني على حوار سياسي تام ومستدام، يمهد لاتفاقيات ومبادرات مختلفة ومتكاملة على غرار مبادرة الحزام والطريق، وذلك في أفق توحيد وجهات النظر وتكثيف الجهود الثنائية لكسب رهانات التنمية المستدامة والتحديات المرتبطة بالاقتصاد الاجتماعي والمناخ".
أهمية الموقع الاستراتيجي
وفي وقت تسعى فيه الصين إلى توسيع حجم مجالها التجاري، يشير خبراء إلى أن الموقع الجغرافي للمغرب يمكنه من أن يكون بلداً محورياً بالنسبة إلى بكين في مجال تدعيم تجارتها الخارجية. ويرى الخبير الاقتصادي المغربي، رشيد ساري، أن "مخطط الحزام والطريق الذي يضم 140 دولة، ورُصدت له ميزانية تُقدّر بـ124 مليار دولار، سيجعل من المغرب النقطة المحورية للصين من أجل الاستثمار ضمن مجموعة من مناطق العالم، نظراً إلى الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به كنقطة التقاء مع دول أوروبا من جهة، والعمق الأفريقي من جهة أخرى، كما أنه يُعد نقطة امتداد للعالم العربي والمحيط الأطلسي عبر مشروع ميناء الداخلة الأطلسي للوصول إلى القارة الأميركية". موضحاً أن "الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين الموقع في عام 2016 مكَّن من رفع حجم المبادلات التجارية من أربعة مليارات دولار ليصل في عام 2021 إلى ستة مليارات دولار، أي بنسبة 50 في المئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد ساري أن "الاتفاق الجديد سيكون له تداعيات جد إيجابية باتجاه تقوية حضور المغرب في المجالات السياسية والجيواقتصادية على المستويَين الإقليمي والقاري. والمشاريع المتوقعة من هذا الاتفاق ستمكّن حتماً من خلق مجموعة من فرص العمل، وتدعيم اكتساب الخبرات، كما ستجعل من المغرب عاصمة اقتصادية للقارة السمراء".
فرصة الإقلاع العربي
في السياق، أكد الخبير الأردني في العلاقات العربية - الصينية، سامر أحمد، أن "مبادرة الحزام والطريق باتت موضوعاً رئيساً في إحداث التقارب والتعاون بين الصين والدول الأخرى، بما فيها الدول العربية"، مشيراً إلى أن "تلك المبادرة سيكون لها نتائج إيجابية عظيمة في المستقبل بالنسبة إلى الدول التي تتعاون مع الصين"، معرباً عن أمله في أن تقود هذه المبادرة إلى تمكين الدول العربية من تطوير صناعاتها، ونقل التكنولوجيا الحديثة من الصين، لتسمح بتطوير الإمكانات العربية في مجالات الإنتاج الصناعي والابتكار".
واعتبر الخبير الأردني أن "مضامين مبادرة الحزام والطريق ستعزز التقارب على أساس ثقافي بين الجانبين العربي والصيني، سواء لجهة الاطلاع على الفنون والآداب، أو من خلال تعليم اللغة الصينية في الدول العربية"، وحث الشباب العرب على "تلقي التعليم في الجامعات الصينية، وهو ما سيبني في المستقبل القريب جيلاً عربياً يفهم الصين ويسعى للتعاون معها".
مشروع ضخم
وأطلقت الصين "مبادرة الحزام والطريق" في عام 2013 بهدف تحسين سبل التعاون بين دول العالم. ومن جانبه أوضح البنك الدولي أن ممرات النقل في المبادرة "تنطوي على إمكانية كبيرة لتحقيق تحسينات واسعة في التجارة والاستثمار الأجنبي وظروف المعيشة للمواطنين في البلدان المشاركة فيها، لكن شريطة أن تتبنَّى الصين والاقتصادات التي تقع على امتداد هذه الممرات إصلاحات عميقة للسياسات تزيد من الشفافية، وتُحسِّن القدرة على تحمُّل أعباء الديون، وتحُد من المخاطر البيئية والاجتماعية ومخاطر الفساد". وأكد "تقرير الانفتاح العالمي" لعام 2021 أن "البناء المشترك لـ(الحزام والطريق) أرسى منصة لتعميق التعاون التجاري والاستثماري الدولي، ووفر فرصاً للتنمية المنسقة للبلدان المعنية، كما سهّل وزاد أيضاً التجارة، إذ بلغ إجمالي تجارة البضائع بين الصين ودول الحزام والطريق خلال الفترة ما بين عامي 2013 و2020، 9.2 تريليون دولار أميركي".