Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة السلام الإثيوبية بين تحديات الداخل والواقع الإقليمي

ضمانات تثبيت الاستقرار تتمثل في رغبة القوميات الإثيوبية في تثبيت الوحدة والاتجاه نحو الازدهار

مواطنيون إثيوبيون يحتفلون بعيد الميلاد في منطقة لاليبيلا في إقليم أمهرا الشمالي (أ ف ب)

بدأت إثيوبيا خطواتها نحو السلام كهدف لوحدة الصف والاستقرار والتنمية، فعلى المستوى الداخلي هناك جملة متطلبات سياسية لضمان الحصول على ثمرة التوافق والسلام، كما يمثل البعد الخارجي تحدياً يتطلب تعاملاً مبنياً على الثقة والتعاون الذي تحتاجه القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها قضية سد النهضة. فما هي أهم أسس بناء السلام في الداخل الإثيوبي؟ وما هي متطلبات السلام للواقع الإقليمي، وتكامل البعدين المحلي والخارجي لنجاح مسيرة السلام؟

المصالحة والتسامح

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أطلق دعوة للسلام يوم الجمعة 7 يناير (كانون الثاني) الجاري، وقال في بيان إن "نهاية الصراع في ثقافتنا هي المصالحة والتسامح". وأضاف أن "الشعب البطولي ينتصر بيده اليمنى ويغفر ويسامح بيده اليسرى، وأشار إلى أنه "وفي المرحلة الثانية لانتصارنا سنتّبع أربعة مبادئ هي حماية انتصارنا بكل الطرق الممكنة، وسنختمها سياسياً وسلمياً، لنخفف من حدة التوترات، ولنحافظ على انتصارنا، ونحقق العدالة الشاملة بوجه العدالة الانتقالية والإصلاحية، مع مراعاة تقاليدنا وقيمنا الوطنية".
وأكد أحمد أن الحرب التي خاضتها حكومته مع "جبهة تحرير تيغراي"، والقوى التي دعمتها "كانت بسبب تهديدها لسيادة البلاد وأمنها ووحدتها".

أنشطة متعددة للسلام

 وكانت الولايات المتحدة حثت الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير تيغراي" على تغليب السلام والدخول في مفاوضات لوضع حد للحرب.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أغسطس (آب) 2021، الأطراف المتصارعة في إثيوبيا إلى وقف إطلاق النار فوراً والجلوس إلى طاولة التفاوض.
وشهدت الفترة الماضية جولات عدة لتحقيق السلام، بذلها المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان، ومبعوث الاتحاد الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو، جرت خلالها لقاءات مع زعامات الأطراف المتصارعة في أديس أبابا ومدينة مقلي عاصمة إقليم تيغراي.
وكان بيان لمكتب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دعا في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 إلى وضع حد للحرب. وقال "مع استكمال الصراع في إثيوبيا عامه الأول يواجه القادة الإثيوبيون داخل الحكومة وخارجها، وفي كافة أنحاء البلاد حاجة ملحة للتحرك على الفور، والتخفيف من معاناة الشعب الإثيوبي".
وعبّر بلينكن في بيان "عن قلق الولايات المتحدة الكبير من خطر العنف العرقي والطائفي الذي تفاقم بسبب الخطاب العدائي لمختلف أطراف النزاع". وأضاف "نشعر أيضاً بالقلق إزاء التقارير التي تتحدث عن اعتقالات تعسفية على أساس العرق في أديس أبابا".
ودعا حكومة إريتريا إلى سحب قواتها من إثيوبيا، وطالب "قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" و"جيش تحرير أورومو" بوقف تقدمها نحو أديس أبابا فوراً. وزاد البيان الأميركي أنه "يجب على كل الأطراف أن تتيح أيضاً مرور المساعدات الإنسانية حتى تصل المساعدات المنقِذة للحياة إلى المحتاجين إليها". وأضاف "نحضّ كل الأطراف على الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار من دون شروط مسبقة، وذلك بغرض إيجاد طريق مستدام نحو السلام".
وختم البيان بالتأكيد على "استعداد المجتمع الدولي لمساعدة الشعب الإثيوبي على إنهاء هذا الصراع الآن".
وفي خطوة متسقة مع دعوات السلام وافق مجلس الوزراء الإثيوبي في 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على تشكيل لجنة للحوار الوطني كمؤسسة مستقلة لإجراء حوار وطني شامل، وتضم اللجنة النخب السياسية والاجتماعية المتنوعة تجاه القضايا الوطنية الرئيسة.
وفي 29 ديسمبر وافق البرلمان الإثيوبي في جلسة استثنائية بغالبية الأصوات على اقتراح مجلس الوزراء القاضي بتشكيل لجنة الحوار الوطني المستقلة.
وكانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أعلنت في 20 ديسمبر الماضي، انسحابها من إقليمَي أمهرا وعفر، وذلك بعد تقدمها واحتلالها مدناً عدة أثناء زحفها نحو أديس أبابا الذي بدأته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأعربت الولايات المتحدة حينها عن أملها بأن يؤدي انسحاب "جبهة تحرير تيغراي" إلى "فتح الباب" أمام الدبلوماسية في إثيوبيا.

بيئة سياسية أفضل

وأصدرت الحكومة الإثيوبية، يوم الجمعة 7 يناير الجاري، عفواً شاملاً عن سجناء سياسيين في مقدمهم مؤسس جبهة تحرير تيغراي "سبحت نغا" المعروف بـ"أبوي سبحت" الذي اعتُقل إبان دخول الجيش الإثيوبي إلى إقليم مقلي في نوفمبر 2020، إلى جانب ستة من قيادات "جبهة تحرير تيغراي" من بينهم الحاكم الأسبق لإقليم تيغراي، أباي ولدو، وسفير إثيوبيا السابق في السودان، القيادي بالجبهة، عبادي زيمو. كما أُطلق سراح الناشط السياسي جوهر محمد المنتمي لقومية أورومو، العضو البارز في حزب مؤتمر أورومو الفيدرالي المعارض، ونائب رئيس الحزب، بقلي جربا.
ولقي الإفراج عن المعتقلين السياسيين إشادات من جهات دولية عدة في مقدمها الأمم المتحدة على لسان الأمين العام أنطونيو غوتيريش، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. وقال مكتب الاتصال الحكومي الإثيوبي في بيان إن "إثيوبيا ستقدم أي تضحيات من أجل الوحدة الوطنية الدائمة للبلاد. وأنها تعتقد بشدة أنه يجب معالجة مشكلات إثيوبيا بطريقة شاملة، وذلك من خلال الحوار الوطني والمصالحة". وذكر البيان أن "الحكومة أصدرت عفواً عن بعض السجناء من أجل خلق بيئة سياسية أفضل تمهد لانطلاق الحوار الوطني والمصالحة بين الإثيوبيين". وأكدت الحكومة في بيانها، أن "الحوار هو مفتاح السلام الدائم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المصالح والمواقف

في السياق، رأى المؤرخ الإثيوبي آدم كامل، أن "ما اتخذته الحكومة الإثيوبية من خطوات جادة نحو السلام ضرورة منطقية"، مشيراً إلى أنه "ليست هناك عداوة دائمة أو صداقة دائمة. المصالح هي التي تدفع للمواقف، والحكومة الإثيوبية ترى أن أمن واستقرار إثيوبيا قضية أساسية في سبيل وحدة واستقرار الوطن، ومن ثم تحقيق التنمية والنهوض بالدولة".
واعتبر كامل أن "الضمانات المستقبلية لتثبيت السلام تتمثل أولاً وأخيراً بالرغبة الحقيقية لمختلف القوميات الإثيوبية وإجماعها على وحدة واستقرار وازدهار إثيوبيا، واللجنة المستقلة للحوار الوطني جديرة في إدارتها للحوار الوطني الذي يتحقق به سلام يراعي مطالب القوى السياسية والقومية". وأضاف "إذا صدقت نوايا أهلنا في الشمال (جبهة تحرير تيغراي) نحو السلام فالباب مفتوح لهم على مصراعيه، وهذه فرصة حقيقية لكل الأطراف للتصالح والسلام الذي تنهض به الدولة وتتحقق به غايات الأديان".
وعن متطلبات الواقع الإقليمي تجاه السلام، قال المؤرّخ الإثيوبي إن بلاده "تثبت عبر عزمها  على السلام، إرادة قوية لتحقيق الاستقرار والشروع في التنمية والازدهار، وللمستوى الاقليمي أهمية كبرى في تحقيق المصالح المشتركة وبخاصة مع إخواننا في السودان الذين تجمعنا بهم علاقة مشتركة، وتداخل أسري ومنافع متبادلة". وأكد أن "علاقة البلدين ذات أهمية في تحقيق الاستقرار هنا أو هناك، وهو ما تتطلبه المرحلة الحالية لطيّ خلافات البلدين عبر الحوار وتغليب التعاون والإخاء".

النظرة الشاملة للسلام

من ناحية أخرى، صرح صلاح الدين عبد الرحمن الدومة، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية، أن "لإثيوبيا ماضٍ عريق في وئام شعوبها، شهدته الدولة خلال قرون ماضية"، مؤكداً أن "ما تعيشه إثيوبيا حالياً من ظروف ستتغلب عليها عزيمة الحكومة والمعارضة مجتمعتَين لتحقيق سلام يجمع كل الأطراف حول المصالح الوطنية العليا".
وأشار الدومة إلى أن "الخلاف بين البشر أمر طبيعي غرسه الله في الإنسان، لكن الطبيعي في الفطرة السوية أن يلجأ الإنسان إلى تغليب المصلحة الجامعة وهو ما تتطلبه غاية السلام كهدف إنساني".
وعن تأثيرات الواقع الإقليمي وفي مقدمته قضية "سد النهضة" على السلام داخل إثيوبيا، قال إن "التكامل الإقليمي في العصر الحديث أصبح تكاملاً يجمع عناصر مختلفة، متأثراً بشتى الظروف، وتحكمه التصرفات في الدولة والجوار. والسلام الحقيقي يتطلب الوصول إلى معالجات مختلف القضايا في بعدَيها المحلي والإقليمي، وقضية سد النهضة تحتاج إلى حل تكون فيه كل الأطراف رابحة. فالنظرة إلى السلام لا تتجزأ بل هي شاملة محلياً وإقليمياً".

المزيد من متابعات