Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منح بلير لقب فارس إهانة لأشخاص نشأوا مثلي في ظل حرب العراق

أتذكر أنني في مطلع عام 2003 شاهدت تغطية إعلامية لمحتجين يجوبون الشوارع رافعين رايات بيضاء ضد التهديد الذي يلوح في الأفق لحرب مدمرة

"قد يظن بلير أنه خرج من العراق بسلام، لكن الفراغ في السلطة الذي أعقب ذلك أتاح لداعش اغتنام الفوضى" (رويترز)

ما إن أطل عام 2022 برأسه، وفي الساعات الأولى منه، تناهت إلى مسامعنا معلومات بأن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير سيُمنح وسام فارس من الملكة في قائمة الشرف، الصادرة للعام الجديد، بيد أن تردد اسمه هو تذكير صارخ ومخيف لأشخاص مثلي بإحدى أكثر جرائم الحرب شناعةً التي ارتكبت في التاريخ الحديث والفظائع الوحشية المدمرة التي ما زالت حتى اليوم تتكشف في العراق وسوريا وأفغانستان.

عندما انتشرت الأخبار بأن بلير سيُمنح لقب فارس، اعترتني الصدمة الممزوجة بشعور من عدم التصديق. فهو برأيي لا يستحق مطلقاً هذا الشرف، بل يشكل هذا إهانةً لشعوب العراق وسوريا وأفغانستان، وكذلك للشعب البريطاني أيضاً.

بصفتي من مواليد جيل الألفية (أي الذين وُلدوا بين 1981 و1996)، أنا جزء من ذلك الجيل الذي يذكر بوضوح نشأته في ظلال النزاعات في العراق وأفغانستان. وفي مطلع عام 2003، شاهدت تغطية إعلامية لمحتجين يجوبون الشوارع رافعين رايات بيضاء ضد التهديد الذي يلوح في الأفق لحرب مدمرة.

شارك وقتها ما يناهز مليوني شخص في التظاهرات التي أطلق عليها اسم "تحالف أوقفوا الحرب" Stop the War Coalition. وشهدت لندن في 15 فبراير (شباط) 2003 تظاهرة كانت الأضخم في تاريخ بريطانيا. وعلى الرغم من أننا، نظرائي وأنا، كنا لا نزال طلاباً على مقاعد الدراسة، أدركنا وشعرنا بأن شيئاً ما ليس على ما يرام. شهدنا توحّد شعب المملكة المتحدة ضد الظلم، وتظاهروا لأنهم كانوا يخشون من الآتي.

وشهدت الأسابيع والأشهر والسنوات التي تلت دماراً وفوضى لا نهاية لهما في العراق، فقد جرّد الشعب العراقي حرفياً من حياته، وسُلب سبل عيشه. ورأينا مشاهد متلفزة لانهيار المباني وقصف المنازل ومقتل الطواقم العسكرية والمدنيين على حد سواء.

وانهمرت الفضائح المعيبة على غرار سجن أبو غريب ومعسكر يطلق عليه البريطانيون اسم "كامب بريد باسكت" Camp Bread Basket على الجيوش الأجنبية وكشفت لنا الفظائع المدمرة ووحشية الحرب. وبدا حينها أن حكومتنا رغبت في التسبب في فوضى ودمار طويلي الأمد مقابل التلذذ بشعور النصر الزائل.

وأدرك الشعب البريطاني أن لحرب كهذه تداعيات مدمرة، وبدا لي أن بلير يتجاهل كل هذا فيما أصبح بلدنا أرضاً خصبة للتطرف وهدفاً أساسياً للإرهاب. شاهد أبناء جيلي بأم العين كيف أن تلك الأحداث كانت مرتبطة ببعضها البعض كسلسلة من ردود الأفعال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كنت في الحادية عشرة من عمري عندما حصلت تفجيرات لندن في 7 يوليو (تموز) 2005، وأذكر تلك الحادثة وكأنها حصلت في الأمس على الرغم من أن 17 عاماً مرت عليها. قتل 52 شخصاً وقتها وجرح المئات. أتذكر جيداً يوم حدوث ذلك: أوصلتني أمي إلى المدرسة، وفي طريق عودتها، رأت الجثث محملة خارج محطة القطارات. وضع بلير بلدنا في خطر كبير، وتحتم علينا أن نعاني التداعيات.

وعلى الرغم من أن بلير قد يظن أنه خرج من العراق بطريقة وظروف سلمية، فقد أتاح الفراغ الذي أعقب ذلك في السلطة لتنظيم "داعش" الذي يعد أكثر المجموعات الإرهابية بطشاً أن يستفيد من الفوضى السياسية والاجتماعية. فأعاث أفراده عنفاً ورعباً في المنطقة بأكملها.

وفي المملكة المتحدة، تلقينا أخباراً مروعة عن احتجاز رهائن وعن أعمال عنف مقززة ارتُكبت بحق مدنيين أبرياء. وشكّل هذا الأمر أحد التداعيات الإضافية الواضحة للحرب وجزءاً من المآسي التي لا يبدو أنها ستنتهي، والتي أجبر الشعب العراقي على مواجهتها.

بعد ذلك، وبتاريخ 30 أغسطس (آب) 2021، اتخذ الرئيس الأميركي جو بايدن قرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان، وهو بلد آخر دمر بذريعة "الحرب على الإرهاب". التاريخ يعيد نفسه. تركت أفغانستان في فوضى تتآكلها وتحت رحمة حركة "طالبان".

أبلغ 27 عاماً من العمر الآن، ولا تزال الأحداث التي تلت قرار بلير بخوض الحرب في العراق حيَّةً في ذاكرتي. نشأ أبناء جيلي مُحاطين بهذا الإطار الزمني من الأعمال الوحشية.

في رأيي، أعتبر أن منحه وسام الفروسية هو بمثابة السخرية من كل شخص يتذكر ما حدث، فقد ألحقت أفعاله العار ببلدنا، وما زالت تُدمي قلوب الكثيرين منّا.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء