في الوقت الذي تكبدت فيه الليرة التركية خسائر تقترب من 62 في المئة مقابل الدولار الأميركي في تداولات العام الحالي، كشفت وزارة الخزانة والمالية التركية تفاصيل الأداة المالية التي أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان، لحماية الودائع بالليرة.
وقالت الوزارة التركية، في بيان نقله الموقع الإلكتروني لصحيفة "حرييت"، تتيح الأداة الجديدة للمودعين تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة التركية.
وأوضحت أنه جرى إطلاق آلية "وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف"، التي تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية للتقلبات في أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.
وأشارت إلى أنه في نهاية تاريخ سحب الوديعة إذا كانت أرباح المودعين في المصارف بالليرة أكبر من زيادة سعر الصرف فإنهم سيحافظون على أرباحهم، أما في حال كانت أرباح سعر الصرف أكبر فعندئذ سيتم دفع الفرق للمواطن، مع إعفائه من الضرائب.
وذكرت أنه يمكن فتح حسابات الوديعة بآجال 3 و6 و9 و12 شهراً، وتطبيق الحد الأدنى لمعدل الفائدة المعلن من قبل البنك المركزي التركي. وبينت الوزارة أنه في حال سحب قيمة الإيداع قبل تاريخ الاستحقاق، فإن حساب الوديعة سيتحول إلى حساب جاري، ويتم إلغاء حق الحصول على الفائدة.
62 في المئة خسائر الليرة في 2021
وفيما شهدت الليرة التركية انتعاشاً كبيراً بأكثر من 33 في المئة، بعد تصريحات الرئيس أردوغان حول الآلية الجديدة، ليصل سعر صرف الدولار إلى مستوى 12.2756 مقابل الدولار، فإن الإحصاءات التي أعدتها "اندبندنت عربية"، تشير إلى أن خسائر الليرة مقابل الدولار بلغت ما يقرب من 62 في المئة خلال تداولات العام الحالي.
وتشير البيانات إلى أن العملة التركية استهلت عام 2021 عند مستوى 7 ليرات لكل دولار، لكن الورقة الأميركية الخضراء ظلت في مسار الصعود، إلى أن بلغت في التعاملات الأخيرة مستوى 18.4 ليرة لكل دولار، ما يعني أن الدولار ربح نحو 11.4 ليرة على مدار تداولات العام، ما يجعل العملة التركية في صدارة العملات الأسوأ عالمياً خلال العام الحالي.
تأتي التحركات الأخيرة لوزارة الخزانة والمالية التركية في إطار حزمة من القرارات التي تهدف إلى دعم العملة المحلية أمام تقلبات السوق وسط تراجع ملحوظ في قيمتها منذ مطلع العام الحالي 2021. وفي حديثه أمام مجلس الوزراء التركي، قال الرئيس أردوغان، إن بلاده ستعقد اتفاقيات استثمارية جادة للغاية، خصوصاً مع رأس مال خليجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا أردوغان، من لديه المال والتمويل إلى الاستثمار والإنتاج في تركيا، وتعهد بخطوات لمساعدة المصدرين والمتقاعدين. وأوضح أن تركيا لن تكون بعد الآن دولة تتعهد باقتصادها وسياستها للدول الأجنبية، من خلال برامج صندوق النقد الدولي.
وأشار إلى أن الإجراءات ستضمن أن لا يضطر المواطنون إلى تحويل الليرة إلى عملة أجنبية بسبب انهيار الليرة، فضلاً عن التعهد بضمان الودائع. وتابع، "نقدم بديلاً مالياً جديداً للمواطنين الذين يريدون تبديد مخاوفهم الناجمة عن ارتفاع أسعار الصرف عند تقييم مدخراتهم".
وقال محللون، إن الرئيس التركي رضخ لضغوط السوق ورفع أسعار الفائدة بشكل غير مباشر، حيث أعلن عن سلسلة من الإجراءات المعقدة لإنقاذ العملة الوطنية. وفيما لم يشرح أردوغان كيف ستعمل هذه الأداة، لكن المستشار السابق للخزانة التركية محفي إجلمز وصف الإجراءات الجديدة بأنها "رفع غير مباشر في أسعار الفائدة".
ودفع التراجع المتواصل لقيمة الليرة التركية، التجار الذين يتوخون عادة الحذر إلى الخروج عن صمتهم لمطالبة الرئيس التركي بضرورة إعادة النظر في سياسته النقدية. وإزاء تصميم أردوغان على مواصلة الدعوة إلى خفض أسعار الفائدة، دعته جمعية رجال الأعمال الأتراك التي تمثل نحو 85 في المئة، من شركات التصدير إلى تصحيح السياسة النقدية التي تدفع الاقتصاد والبلد نحو الهاوية.
إجراءات جديدة لكبح جماح التضخم
من بين الإجراءات التي أعلنتها الحكومة التركية، ما أقره البنك المركزي بشأن إضافة عملتي الدرهم الإماراتي والمانات الأذربيجاني الجديد على نظام العملات الأجنبية المتداولة. وعقب تنفيذ القرار، فإن عدد العملات الأجنبية المتداولة لدى البنك المركزي التركي سوف يرتفع إلى 22 عملة.
كما تعتزم الحكومة إلغاء الضريبة المقتطعة من العائد على السندات الحكومية. في الوقت نفسه تعتزم خفض ضريبة الشركات بمقدار نقطة مئوية واحدة.
لكن، التعافي الأخير للعملة التركية يرجع إلى عدة أسباب، من بينها الإجراءات التي أعلنتها وزارة الخزانة والمالية وتصريحات الرئيس أردوغان، إضافة إلى تعرض الدولار الأميركي لضغوط من تراجع عوائد سندات الخزانة الأميركية، في أعقاب ضربة لخطط الإنفاق في واشنطن، التي قدمها الحزب الديمقراطي، وبسبب المخاوف من استمرار تفشي متحورة كورونا الجديدة "أوميكرون".
وفي حديثه الأخير، قال أردوغان، "بتخفيضات أسعار الفائدة، سنرى جميعاً كيف سيبدأ التضخم في التراجع في غضون أشهر. لن يكون هذا البلد بعد الآن جنة لأولئك الذين يزيدون أموالهم بأسعار فائدة عالية".
وقال أردوغان، في تصريحاته قاصداً المعارضة، "دعونا نرى، سيد كمال، ما ديوننا في صندوق النقد الدولي عندما وصلنا للسلطة وما الآن؟". وتابع متسائلاً "من أين حصلنا على عبء الديون الذي كان عندما وصلنا للحكم؟ لقد حصلنا عليه منكم. كم كان احتياطي النقد الأجنبي لمصرفنا المركزي؟ لقد كان 27.5 مليار دولار، ولحسن الحظ نحن وصلنا الآن إلى 120 ملياراً. وفي فترة رئاستي للوزراء وصلنا إلى 135 ملياراً".
وتابع، "نقوم بعمل تعاوني استثماري خليجي، بخاصة مع رأس المال الخليجي، تركيا هنا، تركيا لم تنهر، يا جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك هل تناقشون بلا خجل مع السيد كمال الانتخابات المبكرة؟ هذه أحلام، ستنتظرون الموعد الرسمي حتى يونيو (حزيران) 2023".
وعلى الرغم من ملامسة معدلات التضخم مستوى 21.3 في المئة، لكن الرئيس التركي وعد في تصريحات سابقة بأن ينزل التضخم إلى مستوى 4 في المئة في أقرب وقت. وأكد أنه سيفعل ذلك مرة أخرى عما قريب، في ظل ارتفاع الأسعار بسبب مسعى الرئيس للتيسير النقدي الكبير الذي أدى إلى انهيار الليرة.
وأوضح أن نموذج السياسة الجديد القائم على أسعار الفائدة المنخفضة جزء من "حرب الاستقلال الاقتصادي" التي قال، إنها مستمرة بنجاح.
وفيما تشير توقعات المحللين إلى أنه مع استمرار تدخل أردوغان في السياسات المالية والنقدية للبلاد والعمل على رفع خفض أسعار الفائدة، فإن معدل التضخم سيصل إلى مستوى 30 في المئة، لكن الرئيس التركي عاد ليؤكد أنه لن يسمح لأسعار الفائدة "بسحق" المواطنين.