Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حملة اعتقالات تطال خلايا لـ"داعش" في كردستان العراق

احتدام السجال حول دوافع الشباب الكردي للانضمام إلى التنظيم المتطرف

شبان يرتدون زي بابا نويل في الحمدانية شمال العراق (رويترز)

شهدت مدن إقليم كردستان العراق، سلسلة عمليات أمنية أسفرت عن اعتقال العشرات أغلبهم من الأكراد ضمن ما يُعرف بـ"الخلايا النائمة" لتنظيم "داعش"، فيما تخوض الأوساط السياسية والثقافية سجالاً محتدماً بشأن الدوافع والمسببات في وقوع شريحة من الشباب الكردي تحت تأثير أيديولوجيا التنظيم.

 يأتي ذلك بعد سلسلة هجمات شنها التنظيم، أخيراً، ضد مواقع لقوات البيشمركة الكردية مستغلاً "الفراغ الأمني" في مناطق موضع نزاع بين أربيل وبغداد، أسفرت عن مقتل 20 من عناصر البيشمركة وثلاثة مدنيين، وذلك مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية "القتالية" نهاية العام الحالي.

حملات مكثفة

ففي غضون عشرة أيام فقط، أعلنت السلطات الكردية وقوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، اعتقال عناصر للتنظيم بينهم قيادي، في مناطق جنوب شرقي السليمانية، المحاذية للحدود مع إيران، وأربيل.

حيث تم اعتقال القيادي في 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في عملية أمنية، بعد 72 ساعة من اعتقال 25 عنصراً "ضمن خلايا متخصصة في تدريب عناصر التنظيم" من منطقة حلبجة وأقضية سيد صادق وقرى خورمال وسيروان في منطقة شارزور جنوب شرقي السليمانية، فضلاً عن اعتقال "عنصرين يقومان بتهريب السلاح للتنظيم" في منطقة الزيتون بمحافظة اربيل، قبل أن يعلن مجلس أمن الإقليم اعتقال "مجموعة تابعة لولاية شمال بغداد في تنظيم داعش بمدينة أربيل، كانت تخطط لشن هجمات انتحارية".
أكد بيان للمجلس أن المجموعة "جندت ثلاثة انتحاريين، أحدهم يدعى هدايت كان فجّر نفسه في 19 يوليو (تموز) الماضي، عشية عيد الأضحى بمدينة الصدر في العاصمة بغداد"، موضحاً أن هذه الخلية "تمكنت من شراء أسلحة ومعدات عسكرية وهربتها إلى بغداد لشن هجمات هناك".  

اعترافات

وبث مجلس أمن إقليم كردستان، السبت الماضي، "اعترافات" قال، إنها لعناصر الخلية، ومعظمهم أكراد، حيث قال أحد العناصر ويدعى آدم سليمان سعدي المكنى بـ"أبو سلام" وهو من سكان أربيل، إنه ارتبط بالتنظيم عبر قنوات إعلامية، وإن والده كان من أعضاء تنظيم جماعة "أنصار الإسلام" المنحلة. وأفاد بأنه اتفق مع أحد أصدقائه ويدعى محمد شعبان "على تشكيل مجموعة في أربيل للعمل لصالح داعش، واتصلنا بعضو مرتبط بولاية شمال بغداد المكنى بعبد السلام، والذي بدوره أوصلنا إلى أمير الولاية ويدعى سيف الذي أشرف علينا وطالبنا بتوسيع المجموعة، إلى سبعة أفراد".  

وكشف عنصر آخر ويدعى محمد عبد الكريم سعيد المكنى بـ"بلال" من سكان أربيل أيضاً، عن مشاركته "في نقل أحد جرحى التنظيم من منطقة الدجيل (60 كيلومتراً شمال بغداد) إلى أربيل لعلاجه". وأكد المعتقلون في إفاداتهم أن "عملية اعتقالهم جرت بعد نقل الجريح إلى قضاء كوسينجق (70 كيلومتراً جنوب شرقي أربيل)".

الدوافع والأسباب

وأفرزت حملة الاعتقالات، تساؤلات وتبايناً في الرؤى حول أسباب عودة نشاط خلايا "داعش"، على الرغم من الإعلان عن هزيمته وطرده من مدينة الموصل، آخر معاقله في العراق عام 2017، وحول دوافع بعض الشباب الكردي في الانضمام إلى صفوفه.

 النائب في برلمان الإقليم الكردي، القيادي في حزب "الاتحاد الإسلامي"، أبو بكر هلدني، قلل من هول الحملة، معتبراً أنها لم تصبح ظاهرة. وقال إن "عملية الاعتقال التي حصلت في مناطق حلبجة مثلاً أثارت استياء لدى سكان تلك المناطق بكون التهمة غير حقيقية، وقالوا إن هؤلاء لا صلة لهم بالتنظيم الإرهابي". وبشأن مدى خطوة عودة ظاهرة التحاق الشباب الكردي بالتنظيم، قال هلدني "في ذروة تمدد داعش ووصوله إلى مشارف مدن الإقليم، فإن بيانات مجلس أمن الإقليم كانت تشير إلى انضمام 368 شاباً فقط من الإقليم إلى صفوف التنظيم، وهذا معناه أن الكرد كانوا الأقل تأثراً بفكر التنظيم إذا ما قارنا الأعداد مع بقية القوميات والجنسيات، على الرغم من أن الشباب في الإقليم يعانون من غياب العدالة وعدم الاستقرار".  

أسباب تاريخية

وحول ما إذا كان "داعش" يستغل شريحة معينة من الشباب وفق جغرافية محددة، حذر هلدني من "التهويل والمبالغة في حجم نشاط التنظيم". وقال "هناك تشويه لصورة مناطق حلبجة وشارزور من خلال طرحها كأنها منبع للتطرف، وحتى إن كان البعض انتمى للتنظيم، فلذلك أسبابه، فالمنطقة كانت سابقاً معقلاً لجماعات مسلحة متشددة قبل أن تحل مكاتبها العسكرية وتنخرط في العملية السياسية، كما أنها منطقة جبلية حدودية مع إيران يصعب السيطرة عليها، والبعض من أفغانسان وباكستان دخل الإقليم عبر هذه المنطقة". وأكد أن "الإرهاب والتشدد ليس هناك هوية أو منطقة جغرافية واضحتان ومحددتان لهما". 

وكانت جماعة تُعرف باسم "أنصار الإسلام" ذات النهج السلفي بزعامة الملا كريكار اتخذت في عام 2001، المناطق الجبلية المتاخمة بين السليمانية والحدود الإيرانية معقلاً لها، قبل طردها خلال معارك وضربات شنها حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، وبدعم جوي أميركي، ثم فر زعيمها كريكار إلى أوروبا، حيث يقضي حالياً حكماً بالسجن في النرويج، بتهم تتعلق بـ"الإرهاب".

لا حدود للتنظيم

لكن المتخصص في شؤون الإسلام السياسي مريوان نقشبندي يرى أن "حالات انتماء أفراد لداعش لا يقتصر على منطقة محددة، وربما الهجمات الأخيرة لداعش على الإقليم اكتُشِف بعدها مباشرة ما يُعرف بالخلايا النائمة أو البعض المتأثر بفكر التنظيم في مناطق حلبجة وشارزور، والأسباب معروفة، منها أن المنطقة كانت معقلاً لجماعات متشددة لغاية عام 2003"، لافتاً إلى أن "عاملاً آخر مؤثراً يكمن في النفوذ الواسع الذي تحظى به القوى الإسلامية في هذه المنطقة، فضلاً عن أنها محصورة من ناحية الحركة التجارية والاقتصادية، وانتشار البطالة وتذمر الشباب من ضيق العيش"، واستدرك "لكن هذه الحالة لن تكون الأخيرة، التوقعات قائمة لظهور مجاميع مماثلة في أي منطقة من الإقليم، متأثرة بالهجمات الأخيرة للتنظيم".

وسبق لمجلس أمن الإقليم أن بث في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، اعترافات لخلية تتألف من سبعة عناصر من سكان محافظتي الأنبار وديالى، كانت تخطط لتنفيذ عمليات "إرهابية" في أربيل، بموازاة هجمات دموية شنها التنظيم في مناطق بمحافظتي كركوك وديالى.

عوامل مؤثرة

تتضارب التقديرات حول عدد الشباب الأكراد الذين التحقوا بالجماعات المتشددة منذ سيطرة "داعش" على مدينة الموصل عام 2014، ويقول نقشبندي، إنه لغاية عام 2016 كان ضمن لجنة حكومية شُكلت لمواجهة "التطرف الفكري" عبر توثيق جرائم "داعش"، فإن "أعدادهم كانت وصلت إلى نحو 500 شاب، بمَن فيهم المنتمون إلى تنظيم جبهة النصرة في سوريا، ولاحقاً قُتل منهم نحو 350، بينما سلم آخرون أنفسهم للأجهزة الأمنية في الإقليم، بينما مصير البعض الآخر ما زال مجهولاً". وعلى الرغم من أن نقشبندي استبعد أن يفكر الشاب الكردي في حمل السلاح والمشاركة في القتال بعد اندحار التنظيم عسكرياً، إلا أنه أكد خشيته من "بعض العوامل التي قد تساهم في خلق أرضية للفكر المتطرف في مناطق عدة في الإقليم، تكون على شكل جماعات أصغر، وذلك عندما تنتهج الأحزاب المجاملة وتتجنب مواجهة أي موضوع ذي بُعد ديني خشية خسارتها شريحة واسعة من أصوات الجمهور الذي في معظمه مسلم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"دواعش صغار" 

وتتزامن هذه الهواجس مع سجال محتدم يدور في الإقليم، عقب انتقادات حادة وجهها الخبير التربوي الكردي شيرزاد حسن خلال حلقة نقاشية ضد النظام التربوي في الإقليم، واعتبره "متهالكاً وفاشلاً لا ينتج سوى الجهل والطاعة". ورأى حسن أن "هذا النظام وبموجب المناهج الدينية المعتمدة فيه، ينتج دواعش صغاراً ويخلق تعصباً دينياً". وعاد ليعلن فيما بعد تعرضه لحملة من المتشددين وصلت حد "التهديد بالقتل".

 النائب أبو بكر هلدني عارض بشدة فكرة التعميم، وقال "داعش ليس ظاهرة في المجتمع الكردي، بل إنها حالة دخيلة. داعش استُخدم كورقة ضغط من بعض القوى الإقليمية والدولية، ثم إن المنهج الدراسي هو ذاته الذي أنا والسيد حسين ومئات آلاف الطلاب درسناه، أما المتشددون فلا يتجاوزون عدد أصابع اليد". واستدرك "لكن ربما من خلال بعض المحاضرين الذين يمكن أن يلقوا محاضرات من خارج المنهج، الخالي بمجمله من أي أفكار متشددة، بل يتناسب مع الأفكار المدنية والعيش المشترك. وربما نحتاج إلى إخضاع محاضري الدروس الدينية لمرحلة إعداد وتأهيل مسبقة، لذا لا يمكن تعميم العلة وإلقائها على المناهج، فالبيانات تقول إن المنتمين لداعش قليلون للغاية قد لا يصل عددهم إلى 500 فرد من مجموع سكان الإقليم البالغ 6 ملايين".

مراجعة المناهج

وكانت وزارة التربية نفت في أغسطس (آب) الماضي، ادعاءات للنائب في البرلمان الاتحادي عن حزب "الاتحاد الإسلامي" مثنى أمين، حذر فيها من توجه حكومي لإلغاء المنهج الإسلامي في المدارس، ودمجه ضمن منهج جديد يتناول تاريخ الديانات فقط. وقالت الوزارة "لم يُلغ المنهج ولن يُلغى، وليس هناك أي برنامج في هذا الإطار". 

وفي بيان جديد صدر في 12 ديسمبر الحالي، قالت الوزارة، إنها "تشرف على مراجعة 1300 عنوان للمقررات الدراسية"، بينما ذكرت المديرية العامة للمناهج في الوزارة أنها "بصدد مراجعة المناهج الدراسية". وجاء ذلك في أعقاب اتخاذها قراراً يقضي بتعليق تدريس نص لشاعر إيزيدي، يتضمن إساءة للدين الإسلامي وحذفه من المنهج العام المقبل، بعدما أثار غضباً شعبياً واسعاً على نص يتم تدريسه منذ 14 سنة.
واتفق نقشبندي "جزئياً" مع هلدني في عدم جواز التعميم، وأوضح "لكن مسعى وزارة التربية وخططها في مراجعة المناهج ربما مؤشر على وجود تصورات بأن بعض الفقرات تسهم في التأثير على عقل الطفل بصيغة قد لا تكون نفسها التي يتفهمها الشخص البالغ. وسبق أن ألغت الوزارة آيات أو فقرات في المناهج الدينية تتعلق بالقتال وما شابه، وما زالت تقوم بمراجعة متكررة للمناهج"، وزاد "وربما هذا هو السبب وراء الاعتقاد بأن المناهج الدراسية تسهم في خلق أفكار متطرفة مثل داعش، ربما نتفق على بعض الجزئيات في هذه الرؤية، لكنها لا تصل إلى حد القول إنها تخلق جيلاً داعشياً، وهو أمر مستبعد".
وانتقد نقشبندي الجهود الحكومية في مكافحة الفكر المتطرف فكرياً وثقافياً قائلاً، إنها "لا ترقى إلى مستوى خطورة التبعات"، مبيناً أن "هذه الجهود وعلى الرغم من إعلان السلطات بأنه ضرورة ملحة، تبدو مخجلة للغاية، وقد ألقي كل الثقل على الجهد الأمني والعسكري".  

 وانقسمت ردود الأفعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلق الصحافي محمود كوردي معترضاً على صحة التشخيص متسائلاً "ماذ عن أسباب الآلاف الذين يأتون من كندا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى إلى التنظيم، هل لتلك الدول مناهج دراسية مماثلة؟". وأضاف "لماذا تتجاهلون الجريمة التي ارتكبها المواطن النيوزلندي عندما قتل العشرات في مسجد، وذات الفعل حصل في النرويج؟". 

إلا أن الكاتب دلير محمد نوري يرى أن للفكر المتطرف في الإقليم "سوابق لا يمكن تغافلها". وقال "قبل ظهور داعش كنا مشحونين بالدواعش الكرد، في صورة جماعات من قبيل جند الإسلام وأنصار الإسلام وغيرهما، فضلاً عما ارتُكب من اغتيالات، وحالات رش النساء بالتيزاب". وتساءل "لماذا لم تُقدم القوى الإسلامية على تكفير داعش لحد الآن، ماذا لو احتل داعش كردستان، كم كان سيرتفع عدد هؤلاء؟ نظرة واحدة للقنوات الدينية والخطب اليومية السلفية والإخوانية في الإقليم، تبين كيف ينتشر الفكر الداعشي". ولفت إلى أن "الادعاء بكون أغلب عناصر التنظيم جاءوا من الغرب هو مغالطة، لأن معظمهم من أصول ونشأة إما عربية أو كردية أو إسلامية إخوانية سلفية حصلوا على جنسيات تلك البلدان". 

المزيد من الشرق الأوسط