Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحزبان الحاكمان في كردستان العراق يتبادلان التهم بالفساد

احتكار المعابر يكشف حالة عجز حكومي وغياب الإرادة في توحيد الإدارتين

تشهد ورادات كردستان العراق انخفاضاً ملحوظاً، فيما تقول حكومة الإقليم إنها لن تستطيع صرف المرتبات بشكل منتظم (أ ف ب)

تبادل نواب من الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) اتهامات بالاستحواذ على الإيرادات العامة في ظل استمرار العجز الحكومي عن تأمين مرتبات القطاع العام، فيما تكشف البيانات المتبادلة عن خلافات متجذرة بعد عقد ونصف العقد من التوصل إلى الاتفاق على إنهاء نظام حكم الإدارتين.
وبعد سنوات من استقرار امني وانتعاش اقتصادي لافت، ضربت الإقليم موجة أزمات منذ عام 2014 عندما اجتاح تنظيم "داعش" محافظة نينوى وصولاً إلى مشارف مدينة أربيل، وما تلا ذلك من هبوط قياسي لأسعار النفط، مع تفاقم الخلافات مع بغداد، وتداعياتها التي حرمت الإقليم من حصته في الموازنة الاتحادية وأفقدته القدرة على دفع مرتبات موظفيه لأكثر من عام، إضافة إلى عقوبات أشد تعرض لها من الدولة الاتحادية رداً على خوضه استفتاء للانفصال في عام 2017.
وأثارت تصريحات أطلقها أخيراً النائب عن كتلة "الحزب الديمقراطي" (بزعامة مسعود بارزاني) هيفيدار أحمد، وهو نائب رئيس اللجنة المالية النيابية، موجة ردود واتهامات حول أسباب التأخير في دفع المرتبات وآلية إدارة الموارد، عندما كشف أن نائب رئيس الحكومة، قباد طالباني المنتمي إلى "حزب الاتحاد"، "أبلغ وزراء وممثلي الحزب الديمقراطي في الحكومة بصعوبة الاستحصال على الأموال في السليمانية". وأضاف أن وزير المالية أكد "عدم وجود نية لدى إدارة السليمانية بتسليم الواردات".

عمليات تهريب

 وأكد أحمد، أن "مصير أموال المشاريع في السليمانية غير معلوم، إضافة إلى الأموال المخصصة للرواتب". وتساءل "أين هي أموال مشروع الشارع المئوي، التي يُفترَض أن تُدفَع للشركة المتنفذة، لماذا يعجزون عن دفع التمويل؟". وبين أن وزراء وممثلي "حزب الاتحاد" قالوا للحكومة،  "بعض المواد والبضائع التي تمر عبر طرق التهريب أساساً كيف يمكن إخضاعها للرسوم؟ وكيف يمكن منح الحكومة واردات عن عمليات تهريب؟ دعونا وشأننا". ويشهد الإقليم الكردي شبه المستقل عن بغداد منذ عام 1991، حالة من الانقسام الإداري بين نطاقين، الأول يُعرف بالنطاق "الأصفر" نسبة إلى لون الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، المتحكم بالمفاصل الإدارية في محافظتي أربيل ودهوك الواقعتان ضمن الجهتين الشمالية والغربية من الإقليم. أما النطاق الثاني فيعرف بالنطاق "الأخضر" نسبةً إلى حزب "الاتحاد الوطني" ومؤسسه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، المتحكم بمحافظة السليمانية والمناطق الواقعة ضمن الجهتين الشرقية والجنوبية من الإقليم. 

وجاء الرد سريعاً على ادعاءات هيفيدار أحمد، على لسان سمير هورامي، الناطق باسم نائب رئيس الحكومة قباد طالباني، إذ قال "سبق وقلت أن معلومات النائب هيفدار أحمد غير صحيحة، لأن مجموع الواردات الداخلية المخصصة للرواتب في محافظات الإقليم تبلغ 2 ترليون و559 مليار دينار لغاية نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، منها تريليوناً و102 مليار دينار مرسلة من السليمانية وحدها"، مشدداً على أن "جزءاً من الموازنة التشغيلية لبرلمان الإقليم ومقره في أربيل، يتم دفعه من واردات السليمانية، لذا لن نقبل مرة أخرى توجيه التهم جزافاً ضد إدارة المحافظة التي التزمت ما يفوق طاقتها في هذا الإطار".

وتظهر هذه البيانات التي تمثل رداً على ادعاءات النائب أحمد، أن ورادات الإقليم الداخلية تشهد انخفاضاً ملحوظاً، في وقت تقول حكومة الإقليم إنها لن تستطيع صرف المرتبات بشكل منتظم، أو من دون استقطاع إلا مع تحويل بغداد المبلغ المتفق بشأنه ويُقدَّر بـ200 مليار دينار شهرياً.

انقسام إداري

في المقابل، حذر الناطق باسم الحكومة الإقليمية جوتيار عادل من أن "التزام المؤسسات والموظفين بدوامهم اليومي غير منضبط على مستوى تنفيذ القرارات والإجراءات الحكومية، ما انعكس سلباً على عملية تنظيم وجمع الموارد المالية، وسيتم اتخاذ إجراءات ضد أي محافظة تتسبب في تأخير دفع رواتب القطاع العام". وإزاء تباين البيانات المعلنة من النواب في شأن وارادات السليمانية، قال "نحن لا نعترف بأي بيانات غير صادرة من وزارة المالية". 

وعزا عادل في وقت لاحق، عدم صرف مرتبات كل الوزارات دفعة واحدة إلى "البطء الشديد في استيفاء الواردات الداخلية، نتيجة سوء آلية استيفاء أجور الكهرباء والماء والضرائب، ونعمل على أن تتم عملية جمع الواردات في كل المحافظات بشكل متواز".

واجتاحت الإقليم منذ عام 2011 سلسلة احتجاجات على سوء الخدمات والإدارة والفساد والمطالبة بفرص العمل بعد تعليق التوظيف في القطاع العام، كان آخرها احتجاجات طلبة الجامعات في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما سادت حالة من الصدمة إزاء أزمة اللاجئين بين بيلاروس وبولندا، وغرق آخرين بين فرنسا وبريطانيا، قُدرت أعدادهم بنحو 4 آلاف شخص معظمهم من مواطني الإقليم، وذلك بعد نحو شهر من خوض الأكراد الانتخابات البرلمانية الاتحادية التي أظهرت نسبة مقاطعة وصلت إلى نحو 65 في المئة، وخسارة الحزبين الحاكمين لنحو 700 ألف صوت مقارنةً مع الانتخابات السابقة، على الرغم من ارتفاع عدد مقاعدهما.
وقال النائب البارز عن حركة "التغيير" علي حمه صالح خلال مؤتمر صحافي، "من الواضح أننا نعاني من وجود إدارتين في تنفيذ المشاريع، والحكومة لا تلتزم صرف أي أموال لمشاريع السليمانية، وتقول للمحافظة إن عليها أن تعتمد على وارداتها الذاتية لإنجاز المشاريع". وأضاف "هذا يُعد عقاباً، ويعكس حقيقة وجود نظامين إداريين في الإقليم، حيث لا يتم صرف أي أموال من السليمانية لمحافظتي أربيل ودهوك".    

وأوضح أن "الشركة المكلفة تنفيذ مشروع الشارع المئوي في السليمانية أنجزت نحو خمسين في المئة منه، فيما لم تتلق من الأموال سوى ثلاثة في المئة فقط". وبين أن "النفقات المخصصة لتأمين الأغذية للسجون والمستشفيات في محافظات الإقليم يتم الاستحصال عليها من السليمانية، فيما الحكومة لا تصرف أي أموال بهذا الخصوص".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت اللجنة المالية النيابية سألت وزير المالية عن أسباب التأخير في عملية صرف مستحقات الموظفين، ورد الأخير بأن السبب يعود "لعدم ورود الواردات من السليمانية، وقد تم منحها مهلة شهر لكي تستعيد تنظيم نفسها".  

عقاب سياسي

وهاجم النائب عن كتلة "الاتحاد" سركو ازاد كلاليي، حزب بارزاني والحكومة، متسائلاً "ما هو الجرم الذي ارتكبته السليمانية؟ أم أنكم تريدون معاقبتها سياسياً واقتصادياً ليس لسبب سوى أن شعبها يرفض الحزب الديمقراطي؟". وأوضح أن "شركات الديمقراطي النفطية لوحدها لديها ورادات شهرية تقدر بنحو 300 مليار دينار، تضاهي قيمة واردات نصف سكان الإقليم، هذا عدا عمليات التهريب في معابر الحزب الحدودية"، لافتاً إلى أن "سعر برميل النفط عندما كان 20 دولاراً، كانت الواردات تصل إلى نحو 350 مليون دولار، واليوم قد وصل سعر البرميل إلى 70 دولاراً، لكن سقف الإيرادات لم يتغير، ‎فمَن يستحوذ على الباقي؟ وأين تذهب الأموال الفائضة من المرتبات البالغة 300 مليار دينار، في حين يتم تأخير دفع المرتبات". وسبق أن خاض الحزبان حرباً أهلية منتصف تسعينيات القرن الماضي إثر خلافات على الموارد، ما أفرز حكم إدارتين منقسمتين بين السليمانية وأربيل، قبل أن يبرم الطرفان اتفاقية لتوحيدهما تحت ضغط وساطة أميركية في عام 1998.
في السياق، قال النائب عن كتلة "الاتحاد" كاروان كزنيي في مؤتمر صحافي إن "تصريحات النائب هيفيدار أحمد هدفها التغطية على عيوب الحكومة". وتساءل "أين تذهب واردات المعابر؟ (الخاضعة لسيطرة حزب بارزاني)، نحو 50 مليار من واردات معبر حاجي عمران لا نعرف مصيرها، وفي معبر إبراهيم الخليل، تتم جباية أموال طائلة ولا تذهب للخزينة". وأكد كزنيي، أن الواردات النفطية "تُقدر بنحو 900 مليون دولار شهرياً، يُعاد منها نحو 480 مليون، ولا نعلم مصير المتبقي، هنا تكمن الأسباب الحقيقية في أزمة الرواتب وليس السليمانية التي تم تهميشها من حيث المشاريع".

أغلبية ضمن أقلية

واعتبر الناطق باسم كتلة "الديمقراطي" بيشوا هورامي الردود بأنها "تشهير ضد نائب قام بواجبه الرقابي في تقديم بيانات، في حين كان يفترض أن يكون الرد بنفس الصيغة في تقديم بيانات النفي، لذا فإن كتلتنا ترفض تصريحات الناطق باسم نائب رئيس الحكومة، وترى أن من حقها أن تقاضيه".
وفي قراءة للمشهد، قال الباحث السياسي كمال رؤوف، إن "ما يحصل من تبادل للتهم بين الحزبين الحاكمين في شأن الفساد وعمليات التهريب، أشد بكثير من الانتقادات التي وجهها ناشطون وصحافيون ضد الحكومة، وقد اعتُقلوا وصدرت في حقهم أحكام قضائية بالسجن. سابقاً، عندما كان الإعلام الحر ينطق بهذا الفساد، كانوا يتهمونه بالعمالة، والآن بعد ما جرى نسأل يا ترى أي جهة تقف خلفهم؟". وشدد على أن "الأحزاب الحاكمة بعد 30 سنة من الحكم، وما جرى خلالها من تكديس للمال والسلاح، تظهر لنا اليوم حقيقة أنها تمثل الأغلبية ضمن أقلية في المجتمع، ولا تشكل ربع عدد السكان، هؤلاء يمثلون هذه الأقلية التي تستحوذ على الحصة الأكبر من المجتمع وتحكمه بشكل مطلق، وهذا ما ينطقون به وليست وشاية أو تهمة".
وتُعد هذه الدورة التشريعية الثانية التي لا تقدم فيها الحكومة مشروعاً للموازنة، على الرغم من عدة دعوات كان وجهها البرلمان، ويرى نواب وسياسيون أن الآلية الجارية في إدارة ملف الإيرادات والنفقات تتم من دون مسوغ قانوني.  
في الأثناء، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً مسرباً يتحدث فيه الرئيس المشارك لحزب "الاتحاد" بافل طالباني في اجتماع مع "ممثلين عن الاحتجاجات الطلابية"، ويقر بأن "65 بالمئة من الناخبين الكرد لم يصوتوا لأي حزب، فهم باتوا يكرهوننا ويشمئزون من هذه الوجوه".

المزيد من الشرق الأوسط